الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / الانتخابات الألمانية.. وتداول السلطة

الانتخابات الألمانية.. وتداول السلطة

نشرت فى الاهرام

3-10-2005

الانتخابات الألمانية.. وتداول السلطة

أنا معجب بالديمقراطية أشد الاعجاب وأبلغه، لكننى لا أقدسها، ولا أتصور أن المطروح منها حالاً، عبر العالم، هو الحل، لا لنا، ولا لهم، طالما أن القوى الحقيقية الممثلة فى المال عابر القارات، والمافيا فى عمق الظلام، هى التى تحرك الأصوات، وتوجه القرارات، وتدعم الظلم فى ساحات الأسواق والحروب. لكننى مازلت معجبا بها جداً جداً، تماما كما تعجب بامرأة جميلة، لكنك لا تريد أن تتزوجها، اللهم إلا إذا أفتوا بما يُحِـل لك زواج المتعة المؤقت، حتى تجد الزوجة الصالحة الفاتنة اللعوب.

يتأكد لى هذا الإعجاب كلما تابعت بعض المباريات الانتخابية فى البلاد الديمقراطية. منذ سنوات تفجّر  إعجابى هذا واضحا حين صرحت  مسز تاتشر عقب فوزها ببضع وستين فى المائة ، بأن هذه النسبة لن تتيح الفرصة لممارسة ديمقراطية حقيقية، تجدد إعجابى الشديد بالجميلة الفاتنة (الديمقراطية) وأنا أتابع انتخابات ألمانيا الأخيرة، من أول استطلاعات الرأى التى خدعت أنجيلا ميركل، حتى النتيجة النهائية التى أعلنت فوزها بـ 35% زائد حـّـتـّـة،  فى حين حصل شرودر على نفس النسبة إلا حـّـتـّـة، رحت أتابع دلال حزب الخضر (يوشكا فيشر) على ميركل ثم على شرودر، حتى تبينت مدى إمكانية تحكم الأحزاب الصغيرة فى كثير من الأمور وكأنها الفائز الحقيقى. لم أصدق التفسير السهل لمفاجأة النتيجة النهائية  بحساسية الألمان المزعومة من قيادة امرأة، كما لم أتصور أن شعبية حزب ميركل قد تأثرت نيتجة خطإ نائبها حين وصف الألمانيين الشرقيين بوصف لا يليق، مع أن رئيسته شخصيا هى ألمانية شرقية، مثل هذه الديمقراطية الجميلة لا تتجلى فتنتها إلا بواقعية احتمال “تداول السلطة” حقيقة وفعلا.

برغم تاريخ الديمقراطية فى مصر قبل يوليو إياه، لم يصلنى المعنى الحقيقى لما هو “تداول السلطة”  مثلما وصلنى الآن. أول ما تفتح وعيى السياسى طفلا كان للأسف على كاريكاتير للرسام “رخا” فى أخبار اليوم الناشئة (أوائل الأربعينات) فى ذكرى 4 فبراير، كتب رخا حروف هذا التاريخ بصورة النحاس باشا – كاريكاتيريا- حتى انتهى به مطروحا على الأرض فى حرف الراء، ورأسه فى ذيل الحرف، ظللت أتصور أن النحاس باشا قد قبل الوزارة بتوصية من المستعمر، وضد وطنية الملك، حتى صحح لى هذا الوضع شيخى نجيب محفوظ بعد أكثر من نصف قرن. الوفد صاحب الأغلبية الحقيقية، لم  يتداول السلطة أبدا مع منافس حقيقى، وحتى لو أتيحت له فرصة تنافس حقيقى فإن أغلبيته الساحقة (!!) لم تكن لتسمح له أن يتداول السلطة مع حزب آخر أو حتى تآلف آخر، كان الوفد يتولى الحكم بأغلبية ساحقة لمدة قصيرة، ليتركه إما بالاقالة أو ما يعادلها.  منذ القرن قبل الماضى وتغيير الحكام والسلطات فى مصر لا يتم إلا بالرضا السامى، أو بالانقلاب المغامر، أو بالانتخاب المزيف.  تداول السلطة لا يصبح واقعا قريبا إلا إذا كان اللعب الانتخابى حول الخمسين فى المائة لحزبين كبيرين جدا (مثل أمريكا) أو حول الثلاثين أو الأربعين فى المائة لأحزاب قابلة للتآلف والاختلاف (مثل ألمانيا).

لا مجال إذن للحديث عن احتمال تداول السلطة عندنا فى المستقبل القريب، لكن علينا جميعا أن نواصل العمل ليل نهار حتى نقترب من ذلك يوما ما، هذا إذا كنا جادين فى تجربة ما يسمى الديمقراطية التى مازلت معجبا بها جدا دون التقدم – شخصيا- لطلب يدها بشروطها الحالية، اللهم إلا بعقد مؤقت، مع حقى فى الاحتفاظ بأملى فى أن تتخلق من محاولات الإبداع من كل صاحب حق ووعى عبر العالم: ديمقراطية أخرى تكون بمثابة  الزوجة الصالحة الجميلة القوية الناعمة  القادرة الفاتنة اللعوب معاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *