الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / إبداع‏ ‏الحياة‏… والإبداع السياسى!

إبداع‏ ‏الحياة‏… والإبداع السياسى!

نشرت فى الاهرام

27-6-2005

‏‏إبداع‏ ‏الحياة‏… والإبداع السياسى!

‏ ‏لم‏ ‏يعد‏ تعريف الإبداع ‏ ‏مسألة‏ ‏أكاديمية‏ ‏بحتة‏، ‏كما لم تعد ‏ ‏تنميته تتم بتدريبات ‏مواهب‏ ‏قلة‏ ‏من‏ ‏الناس‏، وأيضا لم يعد استعمال مفهوم الإبداع قاصرا على ‏عمل‏ ‏فنى ‏أو‏ ‏أدبى ‏أو‏ ‏حتى ‏كشف‏ ‏علمى، ‏الإبداع‏ ‏الأهم‏ ‏هو‏ ‏طريقة‏ ‏فى ‏الحياة‏، ‏طريقة متاحة لكل ‏البشر‏، وهو فرض عين على كل واحد منا دون استثناء. ‏‏ ‏الأمر‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تعريف‏ ‏يصف‏ ‏الإبداع‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏اليومية‏، ‏وليس‏ ‏فى ‏تشكيل‏ ‏خارج‏ ‏عنها‏، يتم مثل هذا الإبداع إذا توفرت شروط (خطوات) ثلاثة،‏ أولا‏: ‏موقف‏ ‏نقدى ‏وتفكير‏ ‏نقدى- ‏‏ثانيا‏: ‏مرونة‏ ‏الفعل‏ ‏مع‏ ‏إمكانية‏ ‏التنويع‏ ‏على ‏أرض‏ ‏الواقع‏   ‏ثالثا‏: قراءة‏ ‏النتائج‏، ‏فإمكانية‏ ‏المراجعة‏ ‏للتطوير‏  ‏.‏

هذه‏ ‏الخطوات‏ ‏الثلاث‏ ‏ليست‏ ‏تعريفا‏ ‏أكاديميا‏، ‏بل‏ ‏إنها‏ ‏مظاهر‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ندركها‏ ‏مباشرة‏ ‏فى ‏الفعل‏ ‏اليومى. نحن‏ ‏نراها‏ ‏فى ‏سلوك‏ ‏طفل‏ ‏يكتشف‏ ‏لعبته‏، ‏وفى ‏سلوك‏ ‏فلاح‏ ‏يروى أرضه‏‏ ‏بطريقة‏ ‏جديدة‏، ‏وفى ‏سلوك‏ ‏تلميذ‏ ‏يحفظ ‏ ‏قصيدة‏ ‏رغما‏ ‏عنه‏، ‏فيتململ‏ ‏منها‏، ‏لكنه‏ ‏يحفظها‏، ‏فتختمر‏ ‏داخله‏، ‏فيعيد‏ ‏صياغتها‏ ‏ ‏ولو‏ ‏بعد‏ ‏حين. هذه‏ ‏الخطوات‏ ‏نراها‏ ‏هى ‏هى ‏فى ‏عبقرية‏ ‏عالم‏ ‏مكتشف‏، ‏أو‏ ‏سياسى ‏مقتحم‏،.. ‏إلخ‏.‏

خلاصة‏ ‏القول‏: ‏إن‏ ‏الإبداع‏ ‏اليومى ‏يحتاج‏ ‏قدرا‏ ‏هائلا‏ ‏من‏ ‏الإلتزام‏ (‏دون‏ ‏اختناق‏) ‏وقدرا‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏المعلومات‏ (‏دون‏ ‏الغرق‏ ‏تحت‏ ‏موجاتها‏ ‏المتلاحقة‏)، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏أشجع‏ ‏الإختراق‏ (‏دون‏ ‏تسرع‏) ‏وأحكم‏ ‏المراجعة‏ (‏دون‏ ‏تردد‏).‏ فهل‏ ‏يا‏ ‏ترى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ننتبه‏ ‏إلى ‏كل‏ ‏ذلك‏، ‏أو‏ ‏إلى ‏بعض‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏المناسب‏ ‏بالقدر‏ ‏المناسب‏: ‏فى ‏التربية‏ ‏والتعليم‏، ‏والزراعة‏ ‏والتدين‏ ‏والسياسة‏ ‏والرياضة‏ ‏والإنتاج‏ ؟

الموقف‏ ‏النقدى ‏هو‏ ‏الموقف‏ ‏الذى ‏يرفض‏ ‏التسليم‏ ‏دون‏ ‏النظر‏، ‏وهو‏ ‏الذى ‏يعيد‏ ‏ليعدّل‏ ‏ويضيف‏ ‏فى كل مجال‏.‏

إن‏ ‏المرونة‏ ‏فالوعى ‏الأعلى ‏هما‏ ‏السبيل‏ ‏لإبداع‏ ‏الحياة‏ ‏الذى ‏بعض‏ ‏مظاهره‏ ‏إنتاج‏ ‏فنى ‏أو‏ ‏كشف‏ ‏علمى‏.‏  ‏لكن‏ ‏الأصل‏ ‏يظل‏ ‏دائما‏ ‏أبدا‏ ‏هو‏ ‘‏إبداع‏ ‏الحياة‏’ ‏ذاتها‏ ‏فى ‏الفعل‏ ‏اليومى ‏ليل‏ ‏نهار‏.‏ حتى النظريات الأحدث لظاهرة “الحلم”  تقول إن الحلم إبداع يومى لكل البشر بغض النظر عن محتواه أو تفسيره.

إذا كان الأمر كذلك، فهل ثم إبداع فى السياسة؟

تنشأ الحاجة للإبداع فى السياسة حين يكون المعروض حالا: من قيمها،  ومفاهيمها، وقواعدها، وقوانينها، واساسياتها،  قد عجز عن الوفاء بحاجات الناس عبر العالم “الآن”. الأمر الذى هو بمثابة  إعلان انتهاء العمر الافتراضى للمطروح على الساحة.

 ظهرت معالم بعض ذلك مؤخرا بشكل واضح، مثل: (1) أزمة الديمقراطية الحالية عبر العالم: لا الديمقراطية المطروحة عادت تكفى ولا يوجد بديل جاهز (2) الحل الرأسمالى التكاثرى المتمثل فى طغيان الولايات المتحدة الشركاتية العملاقة : لم هو يشبع الجوعى ولا هو يسعد الأثرياء، (3) انهيار اشتراكية الاتحاد السوفيتى، لا هو أنهى التاريخ لصالح الرأسمالية، ولا هو أجهض حلم الاشتراكية عامة (4) تدخل الدين فى السياسة سرا وعلانية، حتى مع ادعاء العلمانية، لا هو استعاد للدين الرسمى دوره الإيجابى،  ولا هو  قدم منهجا حقيقيا يجدد الإيمان إذ  يطرح نوعية حياة إنسانية جديدة، أكثر تناغما وتواصلا وإبداعا.

 كل ذلك يعلن أننا فى أزمة ولادة جديدة، لقيم جديدة، وبالتالى علينا أن نبحث ونشارك فى تخليق اجتهادات بلا حدود، فى كل المجالات بما فى ذلك السياسة .

 هل يمكن أن نعى ذلك لنسهم فيه؟

 الإجابة : نعم يمكن، أو على الأقل: هو  أمل  مطروح ، و فرصة سانحة .

أقول قولى هذا وأنا مرعوب من استغلال ذلك لتبرير التمسك باختلاف شكلى، أو التأكيد على  استمرار سلطات جامدة، أو ظهور “كتاب أخضر” أكثر اخضرارا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *