الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / فلسفة جديدة للحياة!! كيف؟

فلسفة جديدة للحياة!! كيف؟

نشرت فى الاهرام

13-6-2005

فلسفة جديدة للحياة!! كيف؟

من حق القارئ أن يرفض هذا العنوان، فكلمة فلسفة – كما شاع عنها للأسف مؤخرا – تبدو له أنها “كلام لا لزم له”، كما أن كلمة “جديد” أصبحت لا تحمل له أى جديد،  أتصور وقع العنوان على مواطن طابور الخبز، أو موظف يعد مرتبه ليدبر الأقساط المؤجلة لمدرس ابنته الخصوصى، أستطيع أن أسمع همسهما:  “نحن فى ماذا أم ماذا ؟”.  العنوان ليس من عندى. هو مقتطف (ص 97) من كراسة علمية (المكتبة الأكاديمية) بعنوان “تكنولوجيا المعلومات وتطور العلوم” لمؤلفها د. نبيل على، صاحب السبق وحامل هم المعلوماتية واللغة العربية والعرب.

 كتلميذ مجتهد: أعتبرتُ الكراسة بمثابة “مرشد الطلاب إلى الطريق الصواب”، والطالب هنا هو الإنسان المعاصر، والطريق الصواب هو استيعاب منجزات العصر دون الانخداع فى الإفراط المعلوماتى. راح د.نبيل يحذر: “… كلما تقدم العلم أصبحت مخاطر تطبيقه أكثر جسامة، مما يلزم إجراء تجاربنا واختبار قراراتنا على المستوى الخائلى قبل أن نخاطر بتطبيقها فى دنيا الواقع…” وينهى هذه الفقرة بأمل فى  لقاء ما بين المادى والرمزى “… وهو ما لا يتطلب فلسفة علم جديدة فقط، بل فلسفة جديدة للحياة بأسرها”.

أفرح بالدعوة ودلالتها، لكننى أدرك لفورى مدى المخاطر لو أصبح العالم الخائلى بمثابة معمل تجارب للعالم الواقعى، لا لأن هذا خطأ فى ذاته، ولكن لأن الذى يملك مقومات تطبيق هذا الحلم  هى الشركات العملاقة المشبوهة التى لا يهمها من استعمالات التكنولوجيا والعلم إلا ما يملأ خزائنها، ويسخّر حكومات العالم لمصالحها، هذا ما يحدث فى عالم صناعة الدواء وصناعة السلاح وغيرها.  أعلنها  بصراحة: إن  الأدوية الآن تُجَرّب تحت زعم اختبار فاعليتها قبل استعمالها فى الواقع، لكن الحقيقة أن الهدف شديد الوضوح. إن كل التمويل البحثى لا يهدف إلا لإحلال أدوية أقل فاعلية، وأكثر نعومة، وأبهظ ثمنا (مئات المرات) محل أدوية أرخص وأكثر فائدة، لمجرد تحقيق ربح أكثر (أنظر كتاب:”حقيقة شركات الدواء” تأليف  أ.د. مارشيا أنجل رئيسة تحرير مجلة من أشهر المجلات الطبية الأمريكية لسنوات، صدر سنة 2004).

نعم ، نحن فى حاجة إلى فلسفة جديدة للحياة تربط الخيال بالواقع. النظرة المعرفية الأحدث للخيال تقول: إن الخيال واقع آخر، واقع لازم ملزم. إن المعلوماتية هى إحدى تجليات الواقع الظاهر فقط ، كل الأحياء تطورت بدونها من واقع قوانين واقعية: نفس هذه القوانين مازالت تعمل فينا، ولها وسائلها للحضور متبادلة، أو مشتملة : فى الحلم، والممارسة اليومية إبداعا، والدين الشعبى، والإيمان الحقيقى، والوعى التصوفى بين الناس. نحن نهمش كل ذلك أونسميه أحيانا خيالا لمجرد بعده عن جدول ضرب العلم المؤسسى والمعلوماتية. لكنه يفرض نفسه علينا فى تشكيلات إبداعية رائعة.  علينا أن نتعامل مع كل ذلك باعتباره واقعا آخر يتجادل مع واقعنا الظاهر الجاهز. نحن نحتاج إلى التكامل مع الطبيعة امتدادا إلى المطلق، بدلا من محاولة تسخيرها لصالح فئة قليلة انفصلت عنها، حتى ضاعت وأضاعتنا.

صرخة د. نبيل على فى محلها، لكن علينا أن نضيف إليها ما يجعلها واقعا فى مقدورنا نحن، لا حكرا عليهم، علينا أن نعرف من يتحكم في عالمنا اليوم من قوى خبيثة سرطانية. على كل  منا أن يقوم بدوره الخلاق فى إدارة عالَمه الشخصى فالعالم. هذا ما يجرى فعلا، خاصة بعد اتساع آفاق المعرفة، وتزايد أعداد الناس العاديين الذين يمتلكون أدواتها، وعلينا أن نتجمع معا لنصنع فلسفة جديدة للحياة.

 ويا حضرات الحكومات، كونوا معنا لا مع الشركات، فهى لن تنفعكم، ولن تنفع حتى نفسها وأصحابها على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *