الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / وقال الإنسان: ما لها؟

وقال الإنسان: ما لها؟

نشرت فى الاهرام

10-1-2005

وقال الإنسان: ما لها؟

فى القصة القصيرة التى كتبها باتريك زوسكيند (مؤلف “العطر”) بعنوان “وصية السيد موتسار”، قالت له بطن الأرض فى كل مكان،:  “إن العالم محارة تنغلق على نفسها دون رحمة”  ثم قالت: “إن كوكبنا كله قد أصابه التلف بسبب المحار ومشتقاته” فانتهى السيد موتسار إلى خلاصة تقول ” كوكب كهذا لا يمكن أن تستمر عليه الحياة”  إلخ.  ينبهنا هذا الإبداع منذ أكثر من عشر سنوات (1994)  إلى ما آلت إليه حياتنا  بشرا، وليس فقط ما آلت إليه أرضنا حركة عشوائية نشازا وتفجّرا.

فكيف استمعنا نحن إلى حديث  كارثة الزلزال الأخير؟

حين تتبعت  التعليقات العلمية والدينية على ما حدث جزعت جزعا بالغا. كعادتنا اختزلنا  ما حدث إلى ما يؤكد موقف كل منا  الشخصى الدفاعى المختزل من الدين والحياة والموت والعدل والظلم والمصير، هذا الاختزال الخطى السريع المسطح أصبح صفة غالبة على تفكيرنا:  طغاة ومستضعفين، سلطات، وعامة ، متقدمين ومتخلفين. لا فرق بين أن يتكلم بوش عن محور الشر، وأن يتكلم بن لادن عن الكفرة الأجانب. يتفق الفريقان على تفسير النص الإلهى   بما يشتهى كل منهما. ندرة من العلماء والمتدينين يتابعون الإنجازات الأحدث لمناهل ومناهج  المعرفة وتشكيلات الوعى وحركية الحياة.

 إن غرور العقل، وتقديس العلم، وتجميد النص المقدس، كل ذلك قد أصبح قيدا على التفكير السليم ، بل تهديدا لإمكانية استمرا بقاء الإنسان كائنا حيا جديرا بالاستمرار. تراوحت تفسيرات من  النقمة على الظالمين إلى الانتقام من المنحرفين إلى عقاب المذنبين، وإن تطرقت فى النادر إلى لوم تدفئة الأرض بعبث التكنولوجيا فى قشرتها من خلال توسيع ثقب الأوزون و ما أشبه.

 إن من أهم آليات المعرفة التى تُمكننا من مواجهة مثل هذه المواقف الصعبة التفسير هو  أن نحترم جهلنا دافعا لمزيد من البحث، وأن ننزه الله تعالى عن سطحية تفكيرنا، إذْ نحسن الإنصات للحدث فى ذاته، ننصت للأرض وهى تحدثنا عن أخبارها، حدثتنى الأرض بهذا الزلزال الأخير، مثلما حدثت السيد موتسار، قالت:

 (أولا): إن العولمة الإيجابية  أصبحت فرض عين على كل إنسان يقيم على هذه الأرض، فمن لم يتعلم من فرص التواصل بالنت والفضائيات، فليتعلم من الخطر المشترك. (ثانيا): إن الغرور الذى يعيشه الانسان المعاصر  ليس له أساس من واقع الأرض على أرض الواقع  (ثالثا): إن التفسير العلمى (شبه العلمى)  للنص الالهى هو الذى يفتح الباب للتفسير الدينى للأحداث الطبيعية، وكلاهما خطأ بالغ.  (رابعا): إن الاستشهاد الانتقائى بآيات القرآن الكريم (أو التنزيل المقدس عامة) ينبغى أن يتم بأكبر قدر من الموضوعية والأمانة. وقد بحثت عن كل آيات الظلم، والهلاك، والفتنة، والانتقام، فى القرآن الكريم فوجدت غير ما وجدوا، وأن القرى التى أهلكت لها شأن آخر فى سياق آخر غير ماقالته هذه المساحة من الأرض التى زلزلت زلزالها الأخير. (خامسا): إن أطماع فئة من البشر ربما أخلت من هارمونية  الطبيعة بما فى ذلك القشرة الأرضية  ومن ثم أسهمت  فيما حدث.(سادسا): إن علم الله الذى ليس كمثله شئ لا ينبغى أن نتعامل معه – سبحانه وتعالى –  وكأنه يفكر مثلنا ويعاقب مثلنا، ويعاند مثلنا،  ….إلخ.

وبعد

متى نتحمل مسئولية الجهل المعرفى؟ ومتى نحسن الإنصات لمجريات الأمور قبل أن نسارع بتفسيرها؟ متى ننصت لسيمفونية الكون واحتمال نشازها دون أن نسارع بالتمسح فى آية لم نفهمها، أو معلومة ناقصة المفروض أن تحفز لاستكمالها، لا أن تقف وصية على ما يأتى بعدها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *