الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (151)

حوار مع مولانا النفّرى (151)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 26-9-2015

السنة التاسعة

العدد:  2948

 

حوار مع مولانا النفّرى (151)  

 ما زلنا فى “موقف الليل”(5)

الليل مرتع الإيمان

(استلهاما من موقف الليل، وما قبله)

قلت لمولانا:

يبدو أن هذا الفتح الذى انفتح علىّ من خلال تحركاتى اليومية فى سنواتى الأخيرة بين “الوعى” و”الإدراك” و”الوجدان” لمحاولة التماس ما يحدث أثناء رحلاتنا اليومية التى تمثل ثلث أعمارنا بالتمام: يبدو أن كل ذلك قد سمح لى، بل ألزمنى، أن أطرق كل باب أصادفه، فإذا به يؤدى إلى آخر، أو على الأقل يسمّعِ فى مكان واعد.

وقد كان من أهم ذلك يا مولانا هذا الحوار الذى سمحت لى به استلهاما من مواقفك بين يديه.

المهم، وصلنا فى نشرة الأسبوع الماضى وقبل الماضى إلى سبع فروض ومعلومات عن الليل، فشعرت وأنا أحاورك كأننى أكتب فى ملف الوعى والأحلام وبمراجعة هذه المقولات/الفروض/الحقائق السبع فى النشرتين السابقيتن تأكدت أن المسألة تحتاج إلى إيضاح ومزيد من الشرح كما نبهت فى نهاية نشرة الأسبوع الماضى.

لكن قبل أن أفعل، تذكرت يا مولانا أنه قد سبق لى قراءة لمحة مضيئة عن “الليل” وردت فى موقف آخر لك باسم غير اسم الليل، فرجعت إلى أوراقى وإذا بى أجدنى حين كنت قد تجرأت ووجهت خطابى إلى ربى مباشرة فيما اسميته “حوار مع الله” استلهاما أيضا من مواقفك، إذا بى أجد أنه قد خطر لى خاطر عن معنى آخر لليل آخر، فى سياق آخر، وبحثت حتى وجدت ما يلى:

فى حوارى مع الله استلهاما من موقف “اسمع عهد ولايتك” كتبتُ بتاريخ 28/7/2012 فى هذه النشرة العدد: 1793 ما يلى:

أولا المتن: وقال مولانا النفرى أنه: وقال لى:

الليل لى لا للقرآن يتلى،

الليل لى لا للمحامد والثناء.

الليل لى لا للدعاء،

………

فقلت فى حوارى مع الله:

ليس كل ليلٍ ليلا، وإلا..

الليل الذى هو لك هو سكون اللحظة الأخيرة الأولى (المستمرة) فى نوبة “الرجوع”/”الذهاب”.

هذه لا أملؤها لا بالقرآن ولا بالدعاء ولا بالمحامد ولا بالثناء.

كم ملأتُها بكل هذا فامتلأتْ هى ولم أمتلئْ أنا.

هذا الليل اللحظة، الليل الرحم، الليل الولادة هو لك وبك،

فهو(لك/ لى) معك إليك.

لا أحتاج وأنا فى نقطة الليل السكون النهاية البداية إلا إليك.

هذا الليل ليس بحاجة إلى غير ما هو.

………………………..

أتمسك بضعفى البشرى وأواصل (كدحى وأنا ممتلئ) بكل ما حذّرتنى منه.

(انتهى المقتطف)

والآن:

يبدو يا مولانا أنه قد حضرنى حينذاك ليل آخر استلهمته من كل ما نَفَى لك أن تشتغل فيه ليلا، فاستبعدت – حينذاك أيضا – أن يكون هو هو هذا الليل اليوماوى الذى يتبادل مع النهار، والذى جاء فى “موقف الليل” الآن، الذى من خلاله رحتُ يا مولانا أتعرف على ليل أرحب وأخطر، وفى نفس الوقت: هو هو الذى يحتوى الليل اللحظة النابضة التى جاءت فى حوارى مع الله.

يبدو يا مولانا أن حركية الإيمان تنشط بالليل أكثر مما يُسْمَحُ لها بالنهار

كذلك بدا لى من حوارنا مؤخرا أن ساتر النوم يسمح لفطرتنا: أن تعيد تنظيمها، فتتجمع إليه كما خلقها، رغما عن ما يشغلنا بالنهار، وأيضا عن ما نحكيه حين نصحو.

يبدو أن الليل بذلك يكاد يتحدى أى إلحاد أو إنكار أو اغتراب أو العلم الغبّى الذى ضد الجهل.

يبدو أنه حتى من يحسب نفسه ملحدًا، يضطر أن يؤمن بالليل رغم أنفه

يبدو كذلك أننا نبذل جهدا فائقا بالنهار – دون أن ندرى – لنمحو أغلب ما حاول الليل تنظيمه وتصحيحه بنبضه الفائق عبر عقوله المتضفرة المتجادلة طول الليل بالأحلام النشطة والأحلام المكمِّلة التى لا نعلم عنها شيئا.

فى الموقف السابق “اسمع عهد ولايتك” قال لك يا مولانا:

الليل لى

وحين حضرنى كيف خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، حضرنى  حال كيف أن النوم موت أصغر، نُبعث بعده فى كل يقظة تالية، نبعث كما خلقنا الله، لكننا نسارع فنلتقط ما اسميتُه زبد حركية محيط النوم والحلمية، نلتقط هذا الزبد فنحكيه على أنه أحلام،  الأمر الذى لا يمثل عُشْر مِعْشَار ما يجرى أثناء الليل.

لو صح ذلك يا مولانا فالليل نعمة سابغة تتحدى كل اغتراب وكل إنكار غبى.

إن صح ذلك يا مولانا فهى رحمة واسعة، وفرصة متاحة، تتكرر كل ليلة بكل ما تعنى الفرص الحقيقية.

إن صح ذلك يا مولانا لحَضَرَنَا دعاءُ النوم أعمق وأفعل حين نضع جنوبنا باسمه، ونرفعها باسمه ونطلب الغفران منه، فنصحو ببعث جديد، لو التقطنا حقيقته وحافظنا عليه، ثم شكرناه لزادنا منه، فانتظمتْ حركتنا إليه.

البلاء بالنهار امتحان صعب

ثم دعنى أعيد يا مولانا لعل الخواطر تنتظم:

الليل أقرب إليه

الليل حركية خلاقة نحوه

الليل إجازة من وصاية الصحو ومن قهر المنطق المغترب

الليل مرتع الإيمان الفطرى النشط

الليل حقل يترعرع فيه أصل الأصل الذى نعجز عن تعهده بالنهار

الليل فرصة لما نسميه حركية الأحلام، وهى الجدل الخلاق الذى أجتهدُ فى التنبيه من مغبة اختزاله، والتحذير من أن نكتفى باقتطاف ما طفى منه، ثم نختزله من جديد بما نسميه التفسير

الليل أصل الإيمان،

قيام الليل وارد وأنت نائم وهو يكتمل بصلاتك قيام الليل إذا سلمت فطرتك له.

وكما أن الموت أصل الحياة، فالليل أصل النهار

هكذا رتب الإيقاع “خالق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا”

وهكذا ليَّل الليل ونهَّر النهار لنتكامل بهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *