الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (38) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (4) بحث علمى بمهارة فنية (2) (مناقشة فقرات المقابلة واحدة واحدة)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (38) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (4) بحث علمى بمهارة فنية (2) (مناقشة فقرات المقابلة واحدة واحدة)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 30-4-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3165 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (38)

Biorhythmic Psychiatry

المقابلة الإكلينيكية (4)

بحث علمى بمهارة فنية (2)

(مناقشة فقرات المقابلة واحدة واحدة)

مقدمة:

أشعر حاليا أننى أمارس مهمة ثقيلة تماما وكأنى أواصل رغما عنى

 منذ بدأت هذه النشرات وأنا مضطر أن أقدم ألف باء الممارسة التقليدية، ومع ذلك أشعر بضرورتها وفائدتها ليس فقط للأصغر، وإنما للبدء مما هو موجود فعلا، وفى نفس الوقت هو ضرورى جدا، وذلك قبل الانطلاق إلى ما هو مأمول، وفى نفس الوقت هو أكثر غموضا وألزم توجّها إلى غاية علاجية جديرة بالنظر.

والآن نكمل فقرات المشاهدة انطلاقا من النص القديم (1) ونحن نواصل تقديم المتن مع التعقيبات اللازمة:

‏1-‏ المعلومات‏ ‏الأساسية: (المتن 1986)

وتشمل‏: ‏الإسم‏، ‏السن‏، ‏النوع‏، ‏الجنس‏، ‏الجنسية‏، ‏العمل‏ (‏المهنة‏)، ‏الحالة‏ ‏المدنية‏، ‏عدد‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏، ‏العنوان‏ – ‏بالتفصيل‏- ‏ثم‏ ‏الرقم‏ ‏المميز‏ ‏للمريض‏ ( ‏رقم‏ ‏مسلسل‏، ‏رمز حاسوبى‏، ‏رقم‏ ‏المستشفى.. ‏إلخ‏).‏

I – الإسم‏:

المتن:

 ‏يراعى ‏أن‏ ‏يكتب‏ ‏الإسم‏ ‏بالكامل‏ (‏ثلاثى ‏على ‏الأقل‏) ‏وبدقة‏ ‏ووضوح‏ ( ‏بما‏ ‏يسمح‏ ‏بالتتبع‏ ولو بالمراسلة‏ ‏لاحقا‏ ‏إذا‏ ‏لزم‏ ‏الأمر‏)، ‏

فى ‏مصر‏ (‏والوطن‏ ‏العربي‏) ‏لا‏ ‏يتواتر‏ ‏استعمال‏ ‏أسماء‏ ‏التدليل‏، ‏ولكن‏ ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏للشخص‏ ‏إسم‏ “رسمى”، ‏وآخر‏ “‏شائع‏”، ‏ويستحسن‏ ‏وضع‏ ‏الإسم‏ ‏الشائع‏ ( ‏إسم‏ ‏الشهرة‏) ‏بين‏ ‏قوسين‏،  وذكر ذلك لأسباب رسمية وعلمية تتبعية.

 ثم إنه ‏ ‏متى ‏توثّقت‏ ‏العلاقة‏ مع المريض فقد‏ ‏يُـفَـضـِّل هو‏ ‏أن‏ ‏نناديه‏ ‏باسم‏ ‏الشهرة الذى اعتاده.

‏ومن‏ ‏المفيد‏ ‏دائما‏، ‏وخاصة‏ ‏بالنسبة‏ ‏للمرضى ‏القادمين‏ ‏من‏ ‏الريف‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏البلاد‏ ‏العربية‏ ‏أن‏ ‏يعرف‏ ‏الفاحص‏ ‏إسم‏ ‏الإبن‏ ‏الأكبر‏ (‏أو‏ ‏البنت أو أى من الأبناء أو البنات‏ ‏بدرجة‏ ‏أقل‏)، ‏لأن‏ ‏المرضى ‏من‏ ‏الريف‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏بعض‏ ‏البلاد‏ ‏العربية‏ ‏قد‏ ‏يفضلون‏ ‏أن‏ ‏ينادوا‏ ‏باسم‏ ‏الأبناء‏ (‏أبو‏ ‏فلان‏، ‏أم‏ ‏فلان‏) ‏، ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏هناك‏ ‏تكْنية‏ ‏شائعة‏ ‏يستحسن‏ ‏أن‏ ‏يلم‏ ‏بها‏ ‏الفاحص‏ ‏ويستعملها‏ ‏فى ‏حينها‏ (بعد إذابة ثلج اللقاء الأول مثلا) ‏إذا‏ ‏استحسن ذلك، ومن ذلك: “حسن‏” ‏كنيته‏ ‏”أبو‏ ‏على”، ‏و‏”‏على” ‏كنيته‏ “‏أبو‏ ‏حسن‏” (بدرجة أقل تواترا)، ‏و”إبراهيم‏”: “‏أبو‏ ‏خليل”‏، ‏ثم إنه‏ ‏إذا‏ ‏توثقت‏ ‏العلاقة‏ ‏أكثر‏، ‏فثمة‏ ‏كنيات مجازية عند أولاد البلد خاصة، وإن كان بعضها غير شائع مثل: ‏”أحمد”‏” ‏أبو‏ ‏حميد”‏، ‏وبعضها نادر، ‏ لكن ‏قد يكون أكثر‏ ‏حميمية‏ ‏مثل‏ “‏إبراهيم”: “أبو خليل”، و”إسماعيل”،  “‏أبو‏ ‏السباع”! ‏ ‏

كذلك‏ ‏يراعى ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏  أن ‏تذكر‏ ‏الوظيفة‏ ‏باللقب‏ ‏الخاص‏ ‏والدال‏ ‏على ‏صفة‏ ‏بذاتها‏، ومخاطبة كل واحد به خاصة فى البداية قبل زوال الحواجز : وذلك مثلا: الشيخ‏ ‏فلان‏، ‏أو‏ ‏الباشمهندس علان، وقد يكون استعمال صفة تقليدية لكبار السن فى شريحة احتماعية ريفية أو بلدية لازما ومفيدا ، مثل مخاطبة كبار السن، بــ: “عم” “فلان”.

التعقيب:

لاحظت أن الرسالة التى تصل من خلال هذه التوجيهات لها دلالتها قبل وبعد العلاقة الرسمية، وموضوع “الأسم” هذا له عندى مغزى خاص، وتاريخ شخصى، وخبرة علمية غامضة، ووظيفة علاجية،

أما المغزى الخاص فأعتقد أنه يرجع غالبا إلى خبرة مررت بها طفلا وأنا دون الرابعة (غالبا) وأبى يقرأ الآية الكريمة “يا يحيى خذ الكتاب بقوة” وكنت ألعب بجواره فقطعت لعبى وذهبت إيه مادا يدى قائلا: “طبْ هات”، ولست أدعى أننى أذكر هذا الحادث هكذا بتفاصيله بسهولة، إلا أننى سمعت ابى يحكيه مرارا على بعض أقربائى (زوج عمتى مثلا على ما أذكر) كدليل على أننى من يومى كنت “مشاكسا منافسا عنيدا”.

أما الحيرة العلمية فقد نشأت من مبالغة جاك لاكان فى التأكيد على دور “اسم الأب” فى نمو الطفل وتطور الذات، وكنت أفهم التنظير النفسمراضى حول دور الأباء من خلال “الأنا الأعلى” لفرويد، أو من “حالة الذات الوالدية” لإريك بيرن، أما أن يكون التركيز هو على اسم الأب وليس دور الأب داخلنا أو خارجنا فقد أوقعنى فى حيرة بالغة، حتى انتبهت مؤخرا كيف أن كلمة  “نوم (الميم لا تنطق) بالفرنسية يمكن تكون “اسم” أى NOM ويمكن أن تكون حرف النفى NO وأن لاكان قد قرن هذا بذاك بطريقته الرائعة الغامضة العميقة، فقلّت حيرتى لكن زاد انتباهى لموقع اسم كل منا واسم أبيه من قبل على تكوين شخصيته ونموه.

أما موقع الاسم فى ثقافتنا الشعبية العريقة فقد جاءنى من هذه الحكاية الطريفة:

عاد الفلاح المصرى الطيب (واسمه “على”) بعد عرقه طول النهار عازقاً، عالفا، ساقيا وهو مبرنشق مزهو بنفسه على غير العادة، وحين استغربت زوجته حاله مقارنة بما يحدث كل يوم، راح يبهرها مختالا ويبلغها أن الدنيا برمتها لا تسعه لما حدث اليوم، وحين زاد حب استطلاعها وألحت عليه قال لها أن العمدة اليوم وهو يتابع حقله المجاور نزل من فوق حماره ولمحه وقال له: “أمسك الحمار يا على” وفهمت الزوجة ما لا يفهمه قارئ هذا الحدث الآن، فهمت زوجة “على” ما جرى، وفرحت لفرحه، وهنأته على رضا العمدة عنه وكيف أنه أدرك مكانته أخيرا.

أما تفسير ذلك لمن ليس فلاحا مثلى فهو أنه فى بلدنا توجد درجات للتخاطب بين العمدة وبين رعيته، وبالنسبة لــ “على” يمكن إيجازها كالتالى:

الدرجة الأولى: أمسك الحمال يا ولَه (أى يا ولد)

الدرجة الثانية: أمسك الحمار يا واد انت ياللى هناك

الدرجة الثالثة: أمسك الحمار يا بن الــ….. (وهذا ليس سبابا بل رفع كلفة)

الدرجة الرابعة: أمسك الحمار يا على يا ابن الـ ….. (بنفس رفع الكلفة)

الدرجة الخامسة: أمسك الحمار يا “على” (يا للتكريم: ناداه باسمه شخصيا!!)

هذه الدرجة الخامسة إنما تعلن أن العمدة أولا: كلفه أن يمسك الحمار، وثانيا: أنه يعرف اسمه شخصيا، وثالثا: أنه ناداه باسمه مجردا دون “يا وله”، ولا يا ابن …، ولا يا واد انت …،

وصارت مثلا سائرا: أن حين نسخر من فرحة أحد التابعين أو المنافقين بتعطف صاحب السلطة بالتعرف وهو يخصه بالقيام بواجب أو بتكليف معين يصبح تشريفاً فيعقب الساخرون والحاقدون قائلين: “العمدة قال لصاحبك أمسك الحمار يا على!”.

أوردت هذه الحكاية الطويلة كنوع من استلهام دلالة معنى الاسم عند الشخص البسيط الطيب (مثله مثل كل الناس) وهى حكاية من واقع ثقافتنا جدا، ولعلها بمثابة الدليل على ما أريد الإشارة إليه: وهو كيف أن النطق باسم الشخص (المريض هنا) هو علامة على حميمية وقرب وأن ذلك قد يوصل رسالة مختلفة عن التعامل الرسمى التقليدى البارد.

II – السن‏:

المتن:

فى ‏البلاد‏ ‏العربية‏، ‏ومع‏ ‏عدد‏ ‏ليس‏ ‏قليلا ‏ ‏من‏ ‏كبار‏ ‏السن‏ من الريفيين خاصة، والصعيد أكثر، ‏قد‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏تحديد‏ ‏السن‏ ‏بشكل‏ ‏د‏قيق‏. ‏وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يذكر‏ ‏بعض‏ ‏المرضى ‏يوم‏ ‏مولدهم‏ (‏إما‏ ‏نسيانا‏ ‏أو‏ ‏إهمالا‏ ‏أو‏ ‏عرضَا‏.. ‏إلخ‏) ‏وينبغى ‏الانتباه‏ ‏إلى ‏معنى ‏أى من ذلك‏. ‏ويمكن‏ ‏من‏ ‏البداية‏ ‏أن‏ ‏تلاحظ‏ ‏دلالة‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏السن‏ ‏الذى ‏قدّرتَهُ‏ ‏للمريض‏ ‏أنتَ فور دخوله‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تسأله،‏ ‏وبين‏ ‏سنّه‏ ‏الحقيقى ‏بعد‏ ‏أن‏  عرفته، ‏فثـَـمَّ‏ ‏من‏ ‏يبدو‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏سنّه‏، ‏ وثـَـمَّ ‏ ‏من‏ ‏يبدو‏ ‏أصغر‏، ‏ولكل‏ ‏ذلك‏ ‏دلالاته‏ ‏فى ‏تقدير‏ ‏حيوية‏ ‏وشخصية‏ ‏وأحيانا‏ ‏أعراض‏ ‏كل‏ ‏مريض‏ ‏ضمن‏ ‏بقيّة‏ ‏المعطيات، ‏وفى ‏جميع‏ ‏الأحوال‏ ‏يستحسن‏ ‏أن‏ ‏تؤجل‏ ‏أى ‏تعليق‏ ‏على ‏ما‏ ‏وصلك‏ ‏هكذا‏ ‏مبكرا‏.‏

وأحيانا‏ ‏يكون‏ ‏عليك‏ ‏أن‏ ‏تستنتج‏ ‏السن‏ ‏من‏ ‏مؤشرات‏ ‏أخرى، ‏فالفلاّحات‏  وبنات البلد – ‏فى ‏منتصف‏ ‏العمر‏ – ‏اللاتى ‏لا‏ ‏يذكرن‏ ‏سنّهن‏ عادة ‏قد‏ ‏تعرف‏ ‏سنّهن‏ ‏من‏ ‏انقطاع‏ ‏الطمث‏، ‏أو‏ ‏سن‏ ‏الإبن‏ ‏الأكبر‏(البِكرى)،  ‏وهكذا‏.‏

ثم‏ ‏إنه‏ ‏ليس‏ ‏مطلوبا‏ ‏الحصول‏ ‏على ‏معلومات‏ ‏شديدة‏ ‏الدقة‏ بالغة التحديد -‏وأحيانا‏ ‏محرجة‏ ‏للنساء‏ ‏فى ‏منتصف‏ ‏العمر‏ ‏خاصة‏- ‏، ‏وذلك‏ ‏على ‏الأقل‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏العلاقة‏. ‏

التعقيب:

حتى يذوب التلج من البداية، كثيرا ما يكون السن مدخلا لبعث حرارة ما بين الطبيب والمريض وخاصة أن السن يكون عادة مُسَجَّلا مع البيانات القليلة التى يدخل بها المريض إلى الكشف فيلتقطه الطبيب، وقد يمزح مع المريض (المريضة بالذات) أن ثم تزويرا فى أوراق رسمية قد ضبطه لأنها سجلت سنا أكير عشر (أو عشرات السنين) مما تبدو عليه، وقد لاحظت أن هذا يرضى النساء فى منتصف عمرهن، مهما كانت حالتهن، ويضحكن راضيات ويستمر اللقاء أسهل، ويصل الأمر مداه حين تدخل أم محتفظة بحيويتها مع ابنتها الشابة فيتساءل الطبيب مَنْ منكما البنت ومن الأم؟

III – العمل (المهنة/الوظيفة..إلخ):‏

المتن:

  ‏المقصود‏ ‏بالعمل‏ ‏هنا‏ ‏العمل‏ ‏الحالى ‏وقت‏ ‏الفحص‏، ‏ويترك‏ ‏تفاصيل‏ ‏تاريخ‏ ‏العمل وإبداله ومساره‏ ‏للتاريخ‏ ‏الشخصى (أنظر بعد)‏، ‏ولا‏ ‏يكفى ‏أن‏ ‏تكتب‏ ‏أمام‏ ‏خانة‏ ‏العمل‏ ‏نوع‏ ‏المهنة‏ ‏أو‏ ‏المهارة‏ (‏موظف‏/ ‏كهربائى‏، ‏مثلا‏) ‏ولكن‏ ‏يفضّل‏ ‏دائما‏ ‏إثبات‏ ‏نوع‏ ‏العمل‏ ‏بشكل‏ ‏واضح‏ ‏محدد‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏ذلك.

التعقيب:

بمتابعتى الورقة الصغيرة التى يملؤها مرضاى (وعموم المرضى غالبا) قبل دخولهم إلىّ لاحظت إمكان اسنتاجات كثيرة من مجرد مقارنة السن بالعمل (بالإضافة للحالة المدنية) (أنظر بعد) وسوف أضرب أمثلة للمفارقات الدالة التى أكتشفها من مجرد قراءة بيانات فى ورقة لا تزيد عن حجم الكف:

المثال الأول: بمجرد أن أقرأ فى خانة العمل “لا يعمل” وأنظر فى سنه وأجده “واحدا وثلاثين” أو أكثر قليلا، ثم انتقل إلى خانة الحالة المدنية فأجده أعزب، أسأل عن المدة التى تحدد هذه الصفة: “لا يعمل” فإذا وصلنى أنها سنوات يبدأ حديثى – وأحيانا هجومى – من هنا حتى قبل أن اسمع شكواه.

المثال الثانى: شاب عمره 26 سنة وفى خانة العمل كتب “طالب” وحين أساله موقفه كطالب يقول فى “ثانوية عامة” فتصلنى رسالة أخرى تحدد بدايات أخرى، وتكون بداية لموقف تنيفى أو علاجى يتأكد لاحقا.

المثال الثالث: امرأة متزوجة ولها أطفال ثلاثة (هذه أيضا توجد فى بيانات الدخول فى الورقة الصغيرة) وفى خانة العمل تكتب “دراسة ماجستير فى القانون الدستورى” وهى لا تعتبر أن عمل ربة منزل وأم يمكن أن يكون عملا كاملا إذا انتمت إليه وافتخرت به.

أكتفى بهذه الأمثلة لأوصى بأن تكون هذه الورقة الصغيرة هى فاتحة تعرف غير تقليدى، على المريض ومن البداية وقبل الشكوى ومعها ومنها تلوح ومسالك بدايات مفيدة غالبا.

(وسوف نعود لقيمة العمل فى التاريخ الشخصى بتفصيل أكير)

خانة الوظيفة بما فى ذلك “لا يعمل” هى خانة مهمة فعلا بصفة عامة، أما فى الطبنفسى الإيقاعحيوى فإن لها أهمية أعمق وأخطر، ذلك أن قيمة العمل ومن حيث المبدأ هى قيمة وجودية تطورية أساسيا، وإشلالها (إصابتها بالشلل) قد تكون مؤشرا بالغ الدلالة على توقف (بل إيقاف) حركية الوجود المتجددة.

ليس معنى هذا أن العمل فى حد ذاته هو دليل صحة أو وسيلة وقائية، ولكن أى نبض حيوى (إيقاعحيوى) لا يتم تفعيله فى فعل هو ضد الطبيعة الحيوية عموما وضد الطبيعة البشرية.

ولكن علينا أن ننتبه إلى أنه فى كثير من الأحيان – فى أيامنا هذه خاصة، وفى بلدنا أخص – يكون العمل مجال إجهاض لكل حركية نمو، واغتراب عن كل احتمال إبداع وكتيرا لا يكون ممكنا أصلا بسبب البطالة المفروضة التى لا ذنب للمريض فيها.

IV – الحالة‏ ‏المدنية‏:

المتن:

 ‏إثبات‏ ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏أعزب‏، ‏متزوج‏، ‏أرمل‏، ‏مطلق‏، عدد‏ ‏الأولاد‏، ‏وجنسهم‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏، له أهمية مبدئية ودلالات مفيدة.

التعقيب:

إن مجرد النظر فى الحالة المدنية مع ربطها بما سجل فى العمل، وربما بعدد أفراد الأسرة قد يكون مفتاحا جيدا للتعرف – ومن البداية – على بعد اجتماعى بالغ الأهمية عامة، وأحيانا على الحالة العلاقاتية (العلاقة بالموضوع الإنسانى خاصة).

أما من المنطلق التطورى/الإيقاعحيوى فإن العزوف عن الزواج أو العجز عن الزواج وعن التكاثر هو ضد استمرار النوع وبقائه من حيث المبدأ، لكننى لا أفترض أن هذا فى ذاته ممكن أن يكون نقيصه فى أحد المرضى أو غير المرضى، ذلك لأن أسباب الانقراض حاليا قد أصبحت أكبر وأضخم وأجهز بكثير جدا من العزوف عن الزواج أو تكرار الطلاق.

(وسوف نعود لذلك  أيضا فى التاريخ الشخصى)

V – العنوان‏:

المتن:

‏ينبغى ‏مراعاة‏ ‏الدقّة‏ ‏الكاملة‏ ‏فى ‏إثبات‏ ‏العنوان‏ ‏لأسباب‏ ‏إدارية‏ ‏وعلمية‏، ‏فقد‏ ‏يحدث‏ ‏ما‏ ‏يلزمك‏ ‏بمراسلة‏ ‏مريض‏، ‏أو‏ ‏البحث‏ ‏عنه‏ ‏لسبب‏ ‏أو‏ ‏لآخر‏، ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏تتطلب‏ ‏الأبحاث‏ ‏التتبعية‏ ‏الاتصال‏ ‏بالمرضى ‏بعد‏ ‏فترات‏ ‏قد‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏سنوات‏، ‏وينبغى – ‏لذلك‏ – ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏العنوان‏ ‏مكتوبا‏ ‏بشكل‏ ‏يسمح‏ ‏بالوصول‏ ‏إليه‏، ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏ذكر‏ ‏البلدة‏ ‏أو‏ ‏المحافظة‏، ‏وفى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏قرانا‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏أسماء‏ ‏للشوارع‏ ‏والحوارى، ‏وإن‏ ‏وجدت‏ ‏فقد‏ ‏لا‏ ‏يعرفها‏ ‏المريض‏، ‏ولكن‏ ‏الأسمآء‏ ‏والعائلات‏ ‏معروفة‏، ‏حتى أن أستاذى المرحوم أ.د. عبد العزيز عسكر كان يحاسبنى إن لم أذكر‏ ‏إسم‏ ‏العمدة‏ ‏أو‏ ‏شيخ‏ ‏البلد‏ ‏التابع‏ ‏لها‏ ‏المريض‏ ‏لنفس‏ ‏الأغراض‏ ‏السالفة‏ ‏ذكرها‏.‏

ولكل‏ ‏مريض‏ ‏رقم‏ ‏ما‏، ‏أو‏ ‏أكثر‏، ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏الرقم‏ ‏المسلسل‏، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏رقم‏ ‏العيادة‏ ‏الخارجية‏، ‏أو‏ ‏رقم‏ ‏الكمبيوتر‏، ‏أو‏ ‏رقم‏ ‏فى ‏بحث‏ ‏ما‏، ‏وينبغى ‏أن‏ ‏يثبت‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏بوضوح‏.‏

التعقيب:

قد تجرى أبحاث تعتمد بالكامل على الاتصالات الهاتفية مع وضع كل الاحتمالات والتحفظات فى الاعتبار، كما يحدث فى كثير من البلاد المتقدمة، كما قد يكون للعنوان دلالات ثقافية أخرى للفاحص الذى عليه أن يتعرف ولو من خلال مهنته على الفروق الممكنة فيما بين الثقافات الفرعية المختلفة، فمريض بنى مزار غير مريض دمياط، ومريض العريش غير مريض طنطا، بل إن الفروق الثقافية بين الثقافات الفرعية قد توجد متجاورة فى نفس المدينة فمثلا إن مريض حارة السكر والليمون غير مريض الزمالك أو جاردن سيتى، وهذا ليس تقسيما طبقيا، بل هناك سمات متميزة قد تكون شديدة الأهمية (أنظر بعد).

والطبنفسى الإيقاعحيوى الذى يحاول أن يمتد حتى لواقع تطور الطفل فى علاقته بأمه إلى أصول إثنية لابد أن يكو له اهتمامات خاصة بهذه الثقافات الفرعية المرتبطة بالموقع الجغرافى والأصل، بل إنى أتمادى فى قبول فكرة التوريث الاجتماعى (الميمات) مع أنها أقل عندى من التوريق الجينى.

ومن المهم أيضا ان نعرف بعد العنوان ومعه هل هو عنوانه الدائم منذ الطفولة مثلا أم انه عنوان حديث أم حديث جدا وهكذا.

VI – مصدر التحويل‏:

المتن:

يختلف‏ ‏مصدر‏ ‏التحويل‏ ‏باختلاف‏ ‏حالة‏ ‏المريض‏ ‏من‏ ‏جهة‏، ‏وهدف‏ ‏الفحص‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخرى، ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏نعدد‏ ‏بعض‏ ‏مصادر‏ ‏التحويل‏ ‏فيما‏ ‏يلى:‏

‏1- ‏المريض‏ ‏نفسه‏ (‏هو‏ ‏الذى ‏أتى ‏بنفسه‏)‏ دون أن يحوله أحد أو أية جهة رسمية أو أهلية.

التعقيب:

وهذا يحتاج إلى البحث عن دافع القدوم للاستشارة وهو ما سوف يأتى ذكره غدا حين نفحص الشكوى غالبا، كما أنه يجدر التنبيه إلى أن المريض الذى يحضر بنفسه لا تكون فرصته فى التعاون والعلاج أفضل كثيرا من الذى يحضر بدافع من غيره كما يشاع  فى العادة، لأن حضور المريض سوف يختبر بعد ذلك بموقفه من التعاقد العلاجى ومن انتظامه فى تنفيذ عقود العقد بما فى ذلك إعادة التعاقد وهكذا.

‏2- ‏أحد‏ ‏الأقرباء‏، ‏وينبغى ‏تحديد‏ ‏نوع‏ ‏القرابة‏، ‏ودرجة‏ ‏القرابة‏ ‏، ‏وذلك‏ ‏تحسبا‏ ‏لاحتمال‏ ‏سوء‏ ‏الدافع‏ ‏أو‏ ‏سوء‏ ‏الاستعمال‏ ‏الذى ‏يشارك‏ ‏فيه‏ ‏أحيانا‏ ‏أحد‏ ‏الزوجين‏ ‏لأسباب‏ ‏أو‏ ‏حيل‏ ‏قانونية‏. ‏فينبغى ‏الانتباه‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏اتخاذ‏ ‏موقف‏ ‏التوجس‏ ‏على طول الخط‏.‏

‏3- ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏مصدر‏ ‏التحويل‏ ‏صديقا‏ ‏أو‏ ‏زميلا‏ ‏فى ‏العمل‏، ‏أو‏ ‏مريضا‏ ‏سابقا‏، ‏وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏المعلومات‏ ‏من‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المصادر‏ ‏أكثر‏ ‏موضوعية‏ ‏من‏ ‏معلومات‏ ‏الأقرباء‏ ‏المحمّلة‏ ‏بالانفعالات‏ ‏والتحيز

‏4- ‏حين‏ ‏يكون‏ ‏مصدر‏ ‏التحويل‏ ‏هو‏ ‏جهة‏ ‏العمل‏ ‏الرسمية‏، ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يرتبط‏ ‏هذا‏ ‏بسبب‏ ‏التحويل‏، ‏كما‏ ‏ينبغى ‏التحقق‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏التقرير‏ ‏المطلوب‏، ‏وهل‏ ‏هو‏ ‏لصالح‏ ‏المريض‏ ‏أم‏ ‏لصالح‏ ‏العمل‏ ‏على ‏حساب‏ ‏المريض‏ ‏أم‏ ‏لكليهما‏.‏

‏5- ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏مصدر‏ ‏التحويل‏ ‏جهة‏ ‏قضائية‏ ‏أو‏ ‏بوليسية‏، ‏وهنا‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏اتباع‏ ‏النظم‏ ‏القانونية‏، ‏وتحديد‏ ‏الغرض‏ ‏من‏ ‏التحويل‏ ‏بوضوح‏ ‏تام‏ ‏حتى ‏تصاغ‏ ‏المقابلة‏ ‏والتقرير‏ ‏بما‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏متطلبات‏ ‏هذه‏ ‏الجهات

التعقيب:

يستحسن تأجيل التعقيب حتى يرتبط مصدر التحويل بالفقرة التالية عن السبب والهدف، (وكل ذلك سيأتى لاحقا حين نعرض جزئية “التقرير” بعد المقابلة والفحص)

VII – سبب التحويل والهدف منه‏:

المتن:

يرتبط مصدر التحويل بسبب الحضور أو التحويل بشكل أو بآخر، وهنا ينبغى ومن البداية‏ ‏تحديد‏ ‏الدافع‏ ‏المباشر‏ ‏الذى ‏أتى ‏بالمريض‏، ‏أو‏ ‏دفعه‏، ‏للاستشارة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الوقت‏ ‏بالذات‏، ‏وليس‏ ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏مثلا‏، ‏ونفس‏ ‏الشيء‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏التحويل‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الأهل‏، ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏أنه‏:  ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏ينام‏، أو ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يُطاق‏، أو ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يذهب‏ ‏لعمله‏، أو أنه ‏يبدو‏ ‏خطرا‏ ‏على ‏نفسه أو على المحيطين‏.. ‏إلخ.

أما‏ ‏الهدف‏ ‏من‏ ‏التحويل‏ ‏فهو‏ ‏يعنى ‏الغاية‏ ‏من‏ ‏الاستشارة‏ ‏وهل‏ ‏هى ‏للعلاج‏ ‏أم‏ ‏لتقرير‏ ‏حدّة‏ ‏الحالة‏ ‏وهل‏ ‏هى ‏أصلا‏ ‏وصلت‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏المرض‏ ‏أم‏ ‏لا‏، ‏أم‏ ‏لعلها طلبا‏ ‏لإجازة‏، ‏أم‏ ‏طلبا‏ ‏لتقرير‏ ‏إدارى ‏أو‏ ‏قانونى ‏أو‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏،

وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏الهدف‏ ‏المعلن‏ ‏للاستشارة‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏الهدف‏ ‏الحقيقى، ( ‏يحدث‏ ‏هذا‏ ‏شعوريا‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏شعوريا‏) ‏مثل‏ ‏المدمن‏ ‏الذى ‏يعلن‏ ‏أن‏ ‏هدفه‏ ‏هو‏ ‏التوقف‏ ‏عن‏ ‏التعاطى ‏والعلاج‏، ‏ثم‏ ‏يثبت‏ ‏أنه‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يرضى ‏والديه‏، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏يقنع‏ ‏نفسه‏ ‏باستحالة‏ ‏أو فشل‏ ‏العلاج‏، ‏وهكذا‏ (أنظر بعد)

التعقيب:

كثيرا ما يبدو مصدر التحويل (وسببه) واضحين بل وغايته الظاهرة ومع ذلك  ‏فقد‏ ‏يكون‏ ‏مفيدا‏‏، ‏ومنذ‏ ‏هذه‏ ‏البداية‏ ‏أن‏ ‏يُسأل‏ الطبيبُ المريضَ:  ‏ما‏ ‏هو‏ ‏تصورك‏ ‏لما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أقدمه‏ ‏لك‏، ‏أو‏ ‏ماذا‏ ‏تنتظر‏ ‏منى ‏حسب‏ ‏ما‏ ‏سمعت‏ ‏عن‏ ‏تخصصى، ‏أو‏ ‏عنُى، ‏وقد‏ ‏توضِّح‏ ‏إجابة‏ ‏المريض‏ ‏بعض‏ ‏معالم‏ ‏الهدف‏ ‏من‏ ‏المقابلة على مستوى أعمق مما قد يساعد أن يُظهر نوع الثقافة الشعبية أو الطبية أو العامة التى يتمتع بها المريض، وقد يفيد ذلك ومن البداية أن يتضح للمريض حدود معالم المهنة ودور الطبيب الأساسى، مثلا قد تكون الشكوى هى العجز عن مواصلة الاستذكار  وهكذا.

أما بالنسبة للطبنفسى الإيقاعحيوى والتطورى فينبغى أن يحذر الطبيب تماما أن يفرض أفكاره التطورية على أى مريض حتى لو جاء مشاركا  من حيث المبدأ، ذلك أن المريض قد جاء ليعالج لا ليتطور أو يغير العالم، حتى لو كان التطور هو الطريق الأرقى للعلاج فينبغى أن يكون ذلك متضمنا فى مسار العلاج ونمو العلاقة البينشخصى وتناصّ الوعى وعى المريض ووعى الطبيب سعيا إلى هدف مشترك غير معلن غالبا، هدف لا يكون مفروضا من جانب طبيب متحمس، أو شرطا للعلاج أو استمراره، فلكل مريض الحق فى التوقف فى المحطة التى يستطيع فيها أن يمارس حياته الآن بكفاءة، إلى أن تلوح فرصة أخرى ليست بالضرورة من خلال المرض.

[1] – ورطة شخصية واعتراف واجب:

 أن النسخة الورقية لهذا المتن القديم  كانت اساسا باللغة العربية وكتبتها سنة 1986 فعلا، إلا أن النسخة التى حصلت عليها الآن كانت باللغة الإنجليزية دون العربية وتاريخها كما هو مثبت على الغلاف هو 1994 وليس 1986، فتذكرت أن طلبتى وزملائى الأصغر فى قصر العينى قد استصعبوا العربية الأصل وطلبوها منى بالإنجليزية ففعلت، وكانت بداية الكتاب ثنائى اللغة، لكنها لم تطبع على مجال أوسع ولا أنا دُرّستها أو نشرتها إلا فى بضع نسخ لتلاميذى وزملائى الأصغر فى مستشفى دار المقطم بطريقة غير رسمية وغير ملزمة، فظلت قابعة فى أوراقى وحاسوبى القديم الذى ضاع أغلب محتواه، ثم  إنى عثرت على النسخة الورقية بالإنجليزية حالا التى هى أصل هذا المتن الحالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *