الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (37) Biorhythmic Psychiatry بداية التطبيق العلمى

الطبنفسى الإيقاعحيوى (37) Biorhythmic Psychiatry بداية التطبيق العلمى

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 24-4-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3159 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (37)

Biorhythmic Psychiatry

بداية التطبيق العملى

 24-4-2016_1

مقدمة:

آن الأوان لاحترام الصعوبات التى تقمصتها عند الزملاء الأطباء خاصة، والنفسيين عامة، وأشرت إليها الاسبوع الماضى وأنا أستعمل لغة النقد الأدبى وأقيس بها، وعليها، ما أعنيه بنقد النص البشرى، الذى هو أعتبره المدخل إلى الطب النفسى الإيقاعحيوى.

 آن الأوان لتقديم خطوات عملية فى الممارسة اليومية .

بالصدفة البحتة كنت قد توقفت فى كتاب “الأساس فى الطب النفسى” عند “المقابلة الإكلينيكية: “فن التقييم العلمى!!” وكانت الأصول التى كتبت ضمن الكتاب القديم الأصل, وهو الكتاب ثنائى اللغة، قد كـُتِبَتْ سنة   1986(منذ ثلاثين عاما) ولم تنشر فى صورة ورقية، ولا حتى إلكترونية، فوجدتُ أنها أقرب إلى متطلبات الطبنفسى التقليدى، وبالتالى فربما يكون من المناسب أن أتبع منهج تقديم  الخطوات التطبيقية للطبنفسى الإيقاعحيوى انطلاقا من الطب التقليدى  القائم، (مع أن ملامج أفكارى الباكرة لم تجعل هذا الأصل تقليديا صرفا)، وعلى ذلك فسوف أتبع منهجا يسمح لى بالمراجعة والمقارنة كالتالى:

(1) أن أبدا بنشر النص القديم عن المقابلة الإكلينية حرفيا كما سجلتها سنة 1986 دون أى تحديث.

(2) أن أعقب تعقيبا محدودا بمثابة النقد بعد كل فقرة أو بعد كل نشرة.

(3) أرجو أن يتضمن ذلك ما يكفى لبيان الاختلاف عن منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى.

(4) كما أتمنى أن نتوصل معا إلى دلالة كل – أبو بعض – ذلك .

وكل أملى هو  أن تنجح المحاولة وأن أجد الاستجابات المناسبة التى قد تعدّلنى وتعيننى

كما أرجو أن أكون بذلك قد أعطيت الاحترام الكافى، بل والضروري اللازم لتقنين العمل الإكلينيكى من المنطلق التقليدى كخطوة أساسية لإرساء قواعد البنية الأساسية التى يمكن أن نبنى عليها أية إضافات أو تطوير ، ذلك لأننى خشيت فعلا أن يتصور الزملاء، خصوصا الأصغر، أن ما أقدمه تحت مسمى “الطبنفسى الإيقاعحيوى”  هو بديل عن الالتزام بأساسيات ” الطب النفسى التقليدى“، بما فى ذلك رصد الأعراض، وأيضا وضع التشخيص المناسب  (مع اتخاذ اللازم نحو التنبيه إلى قصور ومحدودية  أى من ذلك فى العلاج  ).

المقابلة الإكلينيكية  (فن التقييم العلمى) (1)

أولا: الأصل 1886

مقدمة‏:‏

تشتمل‏ ‏المقابلة‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏على ‏الجمع‏ ‏بين‏ ‏الملاحظة‏ ‏وإعادة‏ ‏التنظيم‏، ‏ولكى ‏تحصل‏ ‏على ‏معلومات‏ ‏كافية‏ ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏الانتباه‏ ‏والاقتراب‏ ‏الشديدين‏ ‏مع‏ ‏الاهتمام‏ ‏بالتفاصيل‏ ‏جميعها‏، ‏ثم‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏ترتيب‏ ‏هذه‏ ‏المعلومات‏ ‏بطريقة‏ ‏تسمح‏ ‏برسم‏ ‏صورة‏ ‏واضحة‏ ‏المعالم‏ ‏لمريض‏ ‏بذاته‏ ‏جاء‏ ‏لغرض‏ ‏محدد‏ (‏علاج‏ ‏أو‏ ‏تقرير‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏)، وتعتبر‏ ‏المقابلة‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏جزءا‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ ‏العلاج‏، ‏فكما‏ ‏قد‏ ‏يقال‏ ‏إن‏ ‏الحب‏ ‏يبدأ‏ ‏من‏ ‏أول‏ ‏نظرة ‏ ‏فإنه‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏يقال‏ ‏إن‏ ‏العلاج‏ ‏يبدأ‏ ‏من‏ ‏أول‏ ‏مقابلة‏، وكل‏ ‏معلومة‏ ‏فى ‏ورقة‏ ‏المشاهدة‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏تعتبر‏ ‏ذات‏ ‏دلالة‏ ‏خاصة‏، ‏من‏ ‏حيث‏ ‏رسم‏ ‏صورة‏ ‏متفردة‏ ‏لمريض‏ ‏بذاته‏ ‏وكذا‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أنها‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تؤثر‏ ‏فى ‏التخطيط‏ ‏العلاجى ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏

ويمكن‏ ‏إيجاز‏ ‏الغرض‏ ‏من‏ ‏المقابلة‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏ ‏فى ‏الأغراض التالية: ‏ ‏

‏(1) ‏الحصول‏ ‏على ‏تاريخ‏ ‏المريض‏ ‏والمرض‏ (‏الدراسة‏ ‏الطولية‏). ‏

‏(2) ‏بداية‏ ‏تحديد‏ ‏ملامح‏ ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الطبيب‏ ‏والمريض‏، ‏ومن‏ ثـّمَّ ‏الإعداد لتبادل‏ ‏الثقة‏ ‏والفهم.

‏(3) ‏إظهار‏ ‏وتحديد‏ ‏العلامات‏ ‏والأعراض.

‏(4) ‏الوصول‏ ‏إلى ‏تشخيص.

‏(5) ‏الوصول‏ ‏إلى ‏صياغة‏ ‏هادفة‏ ‏تحقق‏ ‏الغرض‏ ‏من‏ ‏المقابلة.‏ ‏

‏(6) ‏التخطيط‏ ‏للعلاج‏ ‏أو‏ ‏تقرير‏ ‏أبعاد‏ ‏الحالة‏ ‏حسب‏ ‏المطلوب‏ ‏من‏ ‏البداية

القواعد‏ ‏العامة‏:‏

24-4-2016_2

‏1- ‏تذكر‏ ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏مريض‏ ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏، ‏فهو‏ ‏ليس‏ ‏متهما‏ ‏وأنتَ‏ ‏لستَ‏ ‏محققا‏، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏فى ‏حوار‏ ‏معك‏ ‏وليست‏ ‏المسألة‏ ‏تحقيقا‏ ‏بشكل‏: ‏س‏، ‏جـ‏. ‏

‏2- ‏لا‏‏بد‏ ‏من‏ ‏الحرص‏ ‏على ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏المقابلة‏ ‏دافئة‏ ‏وإنسانية‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏رسمية‏ ‏لتأكيد‏ ‏طبيعة‏ ‏العلاقة‏ ‏المهنية‏.

‏3- ‏عليك‏ ‏أن‏ ‏تلاحظ‏ ‏ما‏ ‏يقوله‏ ‏المريض‏ ‏جنبا‏ ‏إلى ‏جنب‏ ‏مع‏ ‏ما‏ ‏يظهر‏ ‏عليه‏ ‏أو‏ ‏ما‏ ‏يفعله‏، ‏بل‏ ‏أيضا‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏عليه‏ ‏عامّة (1) ‏

‏4- ‏إن‏ ‏بؤرة‏ ‏الاهتمام‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تركز‏ ‏على: (‏ا‏) ‏المشكلة‏ ‏الراهنة‏ الحالية ‏التى ‏جاءت‏ ‏بالمريض‏ (‏سبب الحضور أو‏ ‏التحويل‏) (‏ب‏)الحالة‏ ‏المرضية‏ ‏الحاضرة‏ (‏ج‏) ‏الأسباب‏ ‏الحاضرة ‏ ‏المسئولة‏ ‏عن‏ ‏دوام‏ ‏أو‏ ‏تفاقم‏ ‏الحالة‏ (= ‏الأسباب‏ ‏المـُديمة‏)‏ Perpetuating.

‏5- ‏وبالتالى ‏فينبغى ‏تجنـُّب‏ ‏أن‏ ‏تـُستدرج‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏ ‏للتركيز‏ ‏على ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏الأسباب‏ -‏كما‏ ‏يتصورها‏ ‏المريض‏ ‏أو‏ ‏الأهل‏- ‏على ‏حساب‏ ‏الحالة‏ ‏الراهنة‏، ‏وأيضا‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏تتجنب‏ ‏التسرع‏ ‏فى ‏الوصول‏ ‏إلى ‏تفسيرات‏ ‏أو‏ ‏تأويلات‏ ‏باكرة‏ ‏مهما‏ ‏بدا‏ ‏ذلك‏ ‏مغريا‏ ‏ومنطقيا‏.‏

‏6- ‏إن‏ ‏فن‏ ‏الإصغاء‏ ‏هو‏ ‏أساس‏ ‏نجاح‏ ‏المقابلة‏ ‏المفتوحة‏، ‏ ‏والمقصود‏ ‏بذلك‏: ‏المقابلة‏ ‏التى ‏تثير‏ ‏فيها‏ ‏المريض‏ ‏حتى ‏يتحدّث‏ ‏بطلاقة‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏كلمات‏ ‏حافزة‏ ‏أو‏ ‏إيماءات‏ ‏مرحِّـبَة‏. ‏

‏7- ‏إن‏ ‏المهارة‏ ‏فى ‏تحديد‏ ‏الأعراض‏ ‏تعتمد‏ ‏على ‏مدى ‏إتقان‏ ‏طرح‏ ‏الأسئلة‏ ‏ذات‏ ‏الإجابات‏ ‏المغلقة‏، ‏كذلك‏ ‏فإن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الأسئلة‏ ‏هى ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تحدد‏ ‏بها‏ ‏كمية‏ ‏الإعاقة‏، ونوعها وآثارها

‏8- ‏إن‏ ‏قيمة‏ ‏أية‏ ‏معلومات‏ ‏تعتمد‏ ‏على ‏مصداقية‏ ‏مصدرها‏، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏تقريرا‏ ‏مختصرا‏ ‏عن‏ شخصية‏ ‏المبلـِّغ‏ ‏أو‏ ‏المُرافق(2) ‏لهُوَ‏ ‏شديد‏ ‏الأهمية‏ ‏للتحقق‏ ‏من‏ ‏مدى ‏المصداقية‏ (‏أو‏ ‏احتمال‏ ‏التحيّز‏ معه أو ضده!)،

‏9- ‏إن‏ ‏المقابلة‏ ‏تختلف‏ ‏حسب‏ ‏اختلاف‏ ‏الهدف‏ ‏منها‏، ‏وبديهى ‏أن‏ ‏الهدف‏ ‏يختلف‏ ‏باختلاف‏ ‏مصدر‏ ‏التحويل‏، ‏وسبب‏ ‏التحويل‏.‏

‏10- ‏لا‏ ‏تسارع‏ ‏بتسمية‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يقوله‏ ‏المريض‏ ‏باسم‏ ‏عرض‏ ‏بذاته‏ (‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏سيأتى ‏فيما‏ ‏بعد‏ ‏بالنسبة‏ ‏لأغلب‏ ‏كلام‏ ‏المريض‏). ‏

‏11- ‏حاول‏ ‏أن‏ ‏تثبت‏ ‏ما‏ ‏تثبت‏ ‏من‏ ‏ملاحظات أو أقوال‏، ‏بنفس‏ ‏ألفاظ‏ ‏المريض‏ ‏وليس‏ ‏بفهمك‏ ‏إياهان، أو ترجمتها أولا بأول إلى أعراض محددة.

‏12- ‏لا‏ ‏تسارع‏ ‏بالحكم‏ ‏على ‏من‏ ‏أتى ‏لاستشارتك‏ ‏بأنه‏ ‏مريض‏ ‏يلزم‏ ‏له‏ ‏تشخيص‏ ‏محدد‏، ‏فقد‏ ‏يثبت‏ ‏فى ‏نهاية‏ ‏المقابلة‏ ‏أنه‏ ‏أتى ‏خطأ‏، ‏أو‏ ‏أنه‏ ‏أتى ‏بسبب‏ ‏مبالغة‏ ‏فى ‏تقدير‏ ‏حالته‏، ربما تحت تأثير الإعلام، أو نصيحة قريب هاوٍ،  ‏فينصرف‏ ‏باعتباره‏ ‏سليما‏ ‏صحَّحَ‏ ‏معلوماته‏، ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏.‏

‏13- ‏لا‏ ‏تنتقد‏ – ‏خاصة‏ ‏علانية‏ ‏أمام‏ ‏المريض‏ ‏أو‏ ‏أهله ‏- ‏أيا‏ ‏من‏ ‏آراء‏ ‏أو‏ ‏وصفات‏ ‏زملاء‏ ‏لك‏ ‏يكون‏ ‏المريض‏ ‏قد‏ ‏زارهم‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏حتى ‏إذا‏ ‏خالفتْ‏ ‏آراءُهم‏ ‏ما‏ ‏تتصور‏ ‏أنه‏ ‏صحيح.

الخطوات‏ ‏العملية‏ ‏الواجب‏ ‏اتباعها‏ ‏فى ‏المقابلة‏: ‏

‏1- ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏تجرى ‏المقابلة‏ ‏فى ‏مكان‏ رسمى مريح ‏(‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏ذلك‏)‏.

‏2- ‏قدّم‏ ‏نفسك‏ ‏للمريض وخاصة إذا كان فى مستشفى عام ولم يحضر لك بالاسم بوجه خاص‏، ‏ويستحن‏ ‏أن‏ ‏تبدأ‏ ‏بتحيّته‏ ‏أو‏ ‏ترد‏ ‏تحيّته‏ ‏فورا‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏بدأ‏ ‏بها‏، ‏ونادِه‏ ‏باسمه‏، ‏أو‏ ‏بكنيته‏ (‏أنظر‏ ‏بعد‏)، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هناك‏َ ‏ثالثُ‏ ‏يحضر‏ ‏المقابلة‏ ‏فاستأذِنٍ‏ ‏المريض‏ ‏أن‏ ‏يحضر جزءا‏ ‏ ‏ ‏من‏ ‏المقابلة‏، ‏إن‏ ‏رأيت‏ ‏ذلك‏ ‏مناسبا.

‏3- ‏إحرص‏ – ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏ذلك‏ – ‏أن‏ ‏تعطى ‏المريض‏ ‏فرصة‏ ‏أن‏ ‏يختلى ‏بك‏ ‏فى ‏جزء‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏المقابلة‏ ‏

‏4- ‏حاول‏ ‏أن‏ ‏ترسى ‏علاقة‏ ‏مهنية محيطة ‏ ‏بإظهار‏ ‏اهتمام‏ ‏حقيقى، ‏لا‏ ‏هو‏ ‏عاطفى ‏مثالى ‏تماما‏، ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏حـِرَفِى ‏بارد‏ ‏مقـنـَّن‏ ‏جداَّ.‏24-4-2016_3

‏5- ‏لا‏ ‏تسارع‏ ‏بإصدار‏ ‏أحكام‏ ‏أخلاقية‏ (‏أو‏ ‏قِيَمِيّة‏) ‏حتى ‏ولولم‏ ‏تعلنها، لأنها قد تظهر عليك وأنت لا تدرى.

‏6- ‏لاحظ‏ ‏بد‏ ‏قة‏ ‏مناسِبة‏ ‏تعبيرات‏ ‏المريض‏ ‏غير‏ ‏اللفظية‏، ‏مثل‏ ‏تعبير‏ ‏الوجه‏، ‏ووضع‏ ‏الجسم‏، ‏ولون‏ ‏الجلد‏، ‏وحركات‏ ‏اليدين‏.. ‏إلخ

‏7- ‏تجنّب‏ ‏أن‏ ‏تكتب‏ (‏ملاحظات‏ ‏كثيرة‏) ‏والمريض‏ ‏يتحدّث‏، ‏حتى ‏لا‏ ‏يظن‏ ‏أنك‏ ‏لا‏ ‏تصغى ‏إليه‏ ‏بدرجة‏ ‏كافية‏.‏

‏8- ‏لا‏ ‏تُستدرَج‏ ‏مبكرا‏ ‏إلى ‏مناقشات‏ ‏نظرية‏ (‏ذهنية‏/‏عقلانية/ خاصة إذا كانت تتعلق بالمسائل العامة بديلا عن الموقف العلاجى الأوْلى بالاهتمام والوقت‏)‏

‏9- ‏حددّ‏ ‏الوقت‏ ‏المسموح‏ (‏أو‏ ‏المفترض‏) ‏من‏ ‏البداية‏، ‏وهو عادة يختلف حسب خبرتك وأيضا ‏ ‏حسب‏ ‏الغرض‏ ‏من‏ ‏المقابلة‏ ‏.‏

‏10 – ‏إستعمل‏ ‏طريقة‏ ‏الأسئلة‏ ‏المفتوحة‏ ‏النهاية‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏اللقاء (كما أشرنا) ‏، ‏وذلك‏ ‏حتى ‏تحث‏ ‏المريض‏ ‏أن‏ ‏يخبرك‏ ‏أكثر‏ ‏فأكثر‏ ‏عن‏ ‏حالته‏ ‏[‏حاول‏ ‏أن‏ ‏تحفز‏ ‏المريض‏ ‏على ‏الإكمال‏ ‏بعبارات‏ ‏داعية‏ ‏أو‏ ‏إيماءات‏ ‏مشجعة‏ ‏مثل‏ “‏مْممْممْمْمـــ‏ (‏؟‏) ‏أو‏، ‏وماذا‏ ‏أيضا؟‏، ‏قـل‏ ‏مزيدا‏ ‏عن‏ ‏نفسك‏، (‏وإيه‏ ‏كمان‏، ‏كلمنى ‏أكتر‏ ‏عن‏ ‏نفسك‏)، ‏وهكذا‏.. ]‏

‏11- ‏إستعمل‏ ‏الأسئلة‏ ‏المغلقة‏ ‏النهاية‏ ‏حين‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏منطقة‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏أعراض‏ ‏بذاتها‏ عندما تصل إلى فقرة توصيف (‏الحالة‏ ‏العقلية‏ ‏الراهنة‏، ‏أو‏ ‏تحديد‏ ‏مستوى ‏الكفاءة‏ ‏الوظيفية‏ ‏العامة..الخ.

وبصفة‏ ‏عامة‏ ‏تتصف‏ ‏المقابلة‏ ‏ذات‏ ‏الأسئلة‏ ‏المفتوحة‏ ‏النهاية‏ ‏بأنها‏ (‏ا‏) ‏أكثر‏ ‏طبيعية‏ ‏وأصالة (‏ب‏) ‏تستغرق‏ ‏وقتا‏ ‏أطول‏ (‏جـ‏) ‏أقل‏ ‏إحكاما‏ (‏ء‏) أقل‏ ‏ثباتا‏ ،.(‏هـ‏) ‏أقل‏ ‏إحاطة‏ ‏وبالتالى ‏أقل‏ ‏قدرة‏ ‏على ‏جمع‏ ‏مختلف‏ ‏المحكات‏ ‏اللازمة‏ ‏للوصول‏ ‏إلى ‏التشخيص (و) لكنها تظل أقرب إلى الطبيعية على شرط ألا تنقلب إلى “دردشة”

أما‏ ‏المقابلة‏ ‏ذات‏ ‏الأسئلة‏ ‏المغلقة‏ ‏فإنها‏ (‏ا‏) ‏أقل‏ ‏طبيعية إذ تبدو رسمية أكثر‏ (‏ب‏) ‏أكثر‏ ‏توفيرا‏ ‏للوقت‏(‏جـ‏) ‏أكثر‏ ‏إحكاما‏ (‏ء‏) أكثر‏ ‏ثباتا‏ (‏هـ‏) ‏أكثر‏ ‏قدرة‏ ‏على ‏جمع‏ ‏معلومات‏ ‏محددة‏ ‏مما‏ ‏يعطى ‏الفرصة‏ ‏لتحديد‏ ‏المحكات‏ ‏اللازمة‏ ‏للوصول‏ ‏إلى ‏تشخيص‏ ‏مميز‏.‏

 الملاحظات والتعقيب 2016 :

أولا : ملاحظات  عامة:

(1) انتبهت أننى منذ البداية كنت أحاول أن أقدم البعد  الفنى فى الممارسة الطبية حين أنني عنونت المقابلة بهذا العنوان الفرعى “فن التقييم العلمى” ربما مؤتنسا بما اقتطفه وقدمه الأخ الزميل أ.د. أحمد عكاشة ذات مؤتمر وكان نص المقتطف على ما أذكر هو :  “الطب النفسى هو أكثر العلوم فنا، وأكثر الفنون علما”، ومع ذلك فقد افتقدت الجرعة الفنية المناسبة فى معظم المتن الحالي

(2) لم أستطع أن أميز بين “القواعد العامة” وبين “الخطوات‏ ‏العملية‏ ‏الواجب‏ ‏اتباعها‏ ‏فى ‏المقابلة”، وأعتقد أنه كان من الممكن الجمع بينهما‏ .

(3)  لاحظت غلبة لهجة التدريس للمبتدئين بأوامر محددة وتعلميات محكمة، أكثر من روح التدريب وعرض مساحة من الحركة التى تتحكم فيها الاختلافات الفردية لكل فاحص

(4) لاحظت غياب التوصية بتلقائية تقمص المريض (وأحيانا أهله) من البداية، الأمر الذى يتم تلقائيا من المعالج المتمرس الواعى بطبيعة الحوار من خلال الوعى البينشخصى (أو الجمعى إن حضر آخرون) وهو من مميزات الطبنفسالإيقاعحيوى

ثانيا: ملاحظات  على الفقرة الأولى أساسا:

جاء فى هذه الفقرة تركيز على توصية الطبيب بتحديد أهدافه من المقابلة، إلا أننى  افتقدت الإشارة إلى تحديد هدف المريض من نفس المقابلة، وهو لا يقل أهمية عن هدق الطبيب، علما بأن هدف المريض ليس دائما هو ما يعلن عنه المريض أو أهله، وقد يكون الهدف الحقيقى خافيا حتى عن المريض وأهله،صحيح أنه من  البديهى أن يكون الهدف هو العلاج، أو الحصول على تقرير أو  أى مما يقوله المريض أو يتصوره، فهو الذى حضر، وهو الذى يعرف لماذا حضر، وغالبا أنه حضر للعلاج، لكن الفحص المتأنى – دون أى ميل للاتهام – هو أن بعض الذين يحضرون للاستشارة قد تكون لهم أهداف أخرى، إن لم تتضح للطبيب من البداية فقد يحققها لهم، وهى فى واقع الأمر ليست فى صالحهم، فمثلا: إن تعليق لافتة المرض على أى تصرف سلبى، (مثلا: غير أخلاقى) مهما كانت لها من أوصافٍ،  قد تصلح أن تسمى  أعراضا أو أمراضا، قد يكون مبررا للتمادى في هذا التصرف تحت ذريعة المرض.

24-4-2016_4

وكثيرا ما أسأل المريض (وأهله أحيانا) عن ما ينتظره أو يتوقعه من هذه المقابلة أو تلك الاستشارة، أى عن تصوره للخدمة التى يمكن أن أقدمها له من المقابلة ، ولا أجد أنه استعد للإجابة بقدر موضوعى كاف، وإن كانت أغلب الإجابات تتراوح بين: “عشان أستريح” أو “عشان أحكى” وأحيانا “عشان أطلع إللى جوّايا” ، ومع احترامى لكل هذه المطالب (أو سمّها الحقوق إن شئت) فإننى كثيرا ما أنبهه أننى طبيب أعالج أمراضا، وأخفف أعراضا، ولست مريّحاتى، ولا العيادة هى محكى للفضفضة لمجرد الفضفضة، ولا هى متخصصة فى حل المشاكل، اللهم إلا ما يكون ناتج مرض أو عرض بذاته، وكثيرا ما يرفضون اعتراضى، ثم يتقبله أغلبهم حين أشرح أكثر أو مع تطور العلاقة ، هذا مع التذكرة بالأساس العام الذى اهتدينا إليه من الممارسة ، وهو ما أسميناه “علاج : المواجهة المواكبة المسئولية” (م.م.م) وهذا يتطلب أن يشعر المريض منذ البداية أننا “معا” مشاركون (مواكبة) لا  مجرد أوصياء، وأن علينا أن نواجه الموجود “هنا والآن” بدءا بالإعاقة (المواجهة) بدلا من التركيز على الأعراض، وأن يتحمل كل منا مسئولية ما صار الأمر إليه ثم مسئولية مواجهته والتعامل معه (حتى لو لم يكن مسئولا فى الظاهر عن حدوثه، إلا أنه مسئول عن الخروج منه، والبدء من جديد “هنا والآن” بعد “المواجهة”، ونحن معا. (أنظر نشرة 24/2/2008) و(نشرة 25-2-2008) (نشرة 26-2-2008)  علاج المواجهة المواكبة المسئولية.

ثالثا: من منطلق  الطبنقسى الإيقاعى أيضا فإنه الغائية لا تتوقف، كما أن للطبيب هدف من المقابلة، وكذلك المريض، فالأصل أن المريض نفسه له هدف حين ظهر الآن هكذا، وهذا يتطلب الإنصات إلى المريض: بمعنى ماذا يريد أن يقول، فكما أن لكل مرض سببا، فإن لكل مرض هدف وهو ما نعبر عنه أحيانا بـ “ماذا يريد المريض (داخل داخله عادة) أن يقوله بمرضه لنا أو لأهله أو للمجتمع أو حتى لنفسه من خلال لغة هذا المرض وما ذا يمكن أن يحققه له المرض مما لم يستطع تحقيقه باللغة العادية فى الظروف العادية؟”، لأن العلاج فى الطبنفسى الإيقاعحيوى مبنى على فكرة احترام المرض والمريض معا، ومحاولة تحقيق حقوقه بلغة أنجح وأكثر سلامة.

رابعا:

ثم إنى افتقدت أيضا فى هذا المتن أن يتضح  للمتدرب أن المقابلة الإكلينيكية هى بمثابة بحث علمى كامل الأركان ، يجرى فى ذهن الطبيب بنفس تسلسل خطوات البحث العلمى، تماما كما يحدث للطفل ذى السبع سنوات حين ينمو تفكيره إلى ما يسمى التفكير الفرضى الاستنتاجى Hypothetico-deductive thinking   ، فمنذ دخول المريض (ومن معه) حجرة الكشف، يقفز فى بؤرة إدراك الطبيب احتمالات (فروض) عن  الطبقة الاجتماعية المنتمى إليها، والثقافة الفرعية كذلك، وأحيانا التشخيص من مجرد تعبير الوجه، أو نوع المِشية وهو بعد على الباب، ثم – دون أن يدرى الطبيب أيضا – يتسلسل تحقيق هذه الفروض الواحد تلو الآخر ، او نفيها ، مع استمرار المقابلة جتى تتولد فروض بديلة (وهذه هى أهم نتائج البحث العلمى الجيد) ثم يتوالى تحقيقها بتسلسل الحوار ومزيد من المعلومات وهكذا، حتى نصل فى النهاية إلى أقرب احتمال، وليس بالضرورة إلى حقيقة يقينية غير مهزوزة، ويظل البحث العلمى مفتوحا طالما التفكير الفرضى الاستنتاجى نِشطا.

وبعد

انتهت المساحة المتاحة لنشرة اليوم، ولم أكمل التعقيبات والمقارنات كلها ولكننى حين عدت قراءة النشرة وجدت أنها تكمل بعضها بعضا، وليس من الضرورى أن أعقب على فقرة فقرة بالتفصيل.

ونكمل غدًا.

[1] – الأشكال غير موجودة فى الأصل، وهى اساسا متحركة  animated  على برنامج البور بوينت PP والرسالة التى توصلها الصورة الساكنة أقل بكثير من الصور المتحركة، ومازلت آمل أن تصدر مع الطبعة الورقية وأقراص مدمجة تعوض ذلك.

[2] – و”المبلغ” غير “المرافق”، فقد يكون الملبغ غير حاضر وهو أى مصدر بيلغنا معلومات متعلقة، أما المرافق فهو الذى يرافق المريض ولو فى جزء من المقابلة (أنظر بعد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *