الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (205) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (205) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 17-9- 2015

السنة التاسعة

العدد: 2939

 mahfouz 2

ص 205 من الكراسة الأولى
17-9-2015_1

بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

___

الله لا إله إلا هو الحى القيوم      

رافع السماوات وباسط الأرض

هو العزيز الحكيم

تيجى تصيده يصيدك

والنيل نجاشى حليوة اسمر

كلنا نحب القمر والقمر بيحب مين

لما اتقبلنا يوم الأثنين

          نجيب محفوظ

              3/9/1995

    القراءة:

رجعنا إلى نظام الصفحات الأولى تقريبا، فابتدأ شيخنا بالبسملة، ثم اسمه فاسم كريمتيه، ثم هات يا تداعى جميل يذكرنا بتسبيحاته وابتهالاته، ثم ألحانه وأغنياته.

بدأ اليوم بأول آية الكرسى

 “اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

وأعتقد أنها حضرته كلها، وأنا أحب هذه الآية خاصة فى ختام الصلاة، ولا استعملها رقية لطرد الشياطين، وأتوقف طويلا أمام “وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ”، وأمتد من خلال ذلك إلى كل الآفاق وخاصة حين انطلق فى فروضى عن دوائر الوعى الممتد إلى عمق الغيب، وكم ناقشته – من خلالها وغيرها– فى كل ذلك.

ثم أردف شيخنا:

“رافع السماوات وباسط الأرض”

ولم تحضرنى آية كريمة بهذا النص، حضرتنى بعض آيات سورة الشمس: “وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا”، ولا أتوقف إذْ تجذبنى مباشرة “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا” وأحتج على المفسرين الذين يصرون على أن يقصروا “الفَلاَح” لمن “زكَّاها” على اتباع الخير والبر، والخيبة لمن “دساها” على عكس ذلك، فى حين أنطلق أنا من مفهومى التطورى بالإصرار على فهم ما زكاها بمعناها المعجمى الأصلى: “نمّاها”، فأحترم من خلال ذلك كلا من الفجور والتقوى لأنهما جميعاً من خلق الله، فيبقى علينا الجدل وتحمل مسئولية كل منهما وكلاهما معاً.

ثم ها هو يعود يذكرنا أنه:

“هو العزيز الحكيم”

فأكتفى بالإشارة إلى ما سبق ذكره فى صفحة التدريب رقم (113) نشرة: 27-6-2013 من الكراسة الأولى) عن اقتران اسم الحكيم باسم العزيز بشكل متكرر دال، وقد سبق أن لاحظت أن أغلب هذا الاقتران يأتى بعد تحديد أحكام، مثلاً: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (38) المائدة، (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(220) البقرة . أو بعد شهادة أو وضع قواعد عدل محددة: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (228) البقرة،…. إلى آخر ما ورد فى النشرة السابقة.

ثم ينتقل شيخنا بجمال رائع إلى أغانيه التى لا تحضرنى إلا مع موسيقاها وأصواتها الداخلية والخارجية معا.

ونبدأ بـ :

“تيجى تصديه يصيدك”

 وعلى الرغم من أنه مـَثـَلٌ شائع، إلا أنه جاء أيضا فى أغنية رقيقة لمحمد عبد الوهاب من مونولوج “اللى يحب الجمال” من ألحانه ونظم أمير الشعراء أحمد شوقي بالعامية، و تبدأ بـ :

اللي يحبّ الجمال يسمح بروحه وماله
قلبه إلى الحسن مال، مال العواذل وماله

حتى قال:

تيجى تصيده يصيدك ومن سِلِم من حباله
وكل خالى مصيره يعذّب الحب باله
ياللي ما دقت الغرام من العيون السلامة
اسلم بروحك حرام دى عين تقيم القيامة

ولم أكن أعلم بشكل كاف أن الأمير أحمد شوقى يكتب بالعامية المصرية أغان بهذه الرقة والبساطة والسلاسة، ولعله كان يكتبها خصيصا لمحمد عبد الوهاب، فالأغنية التالية التى طفت على وعى شيخنا هى أيضا لمحمد عبد الوهاب وهى:

“النيل نجاشى حليوة اسمر”

 وقد وردت سابقا فى صفحة التدريب رقم (105) فلم أعلق عليها هناك فى نشرة 22/11/2012 إلا بذكر كاتبها أحمد شوقى أيضا، وحين عدت إليها الآن تعجبت كيف لم أنتبه إلى أن أحمد شوقى بكل شاعريته بالفصحى الرائعة القادرة الجميلة هو أيضا قادر على هذا الجمال السلس بالعامية، وهو يكتب أغان خفيفة رقيقة إلى هذا الحد، أنا صاحبتـُهُ شاعرا أميرا وراجزا حكيما فى أشعاره بالفصحى للأطفال، لكننى لم أتعرف عليه – من قبل– كاتبا لأغانيه بهذه السلاسة والرقة.

ثم يختم شيخنا بأغنية أيضا لمحمد عبد الوهاب “كلنا نحب القمر والقمر بيحب مين” (1928) وهى من كلمات: احمد عبد المجيد، وهى تبدأ بـ:

كلنا نحب القمر والقمر بيحب مين
حظنا منه النظر والنظر رح يرضي مين

وفيها ما أحتج عليه عادة من الخضوع والمذلة فى الحب مثل:

وان كنت يوم ترضى وتعطف حتى لغيري
أعيش بأمل انك يمكن يوم تصفا لي

وقد عبرت عن رفضى ذلك صراحة فى نشرة سابقة بتاريخ 26-4-2012 صفحة التدريب رقم (73) الكراسة الأولى، قائلا:

ما هذا يا شيخنا الغالى؟ يحضرك عبد الوهاب، فتقفز إلى سطح وعيك كل هذه الأغانى فتخطها فى تدريباتك، أسعدتـَنى، وعلـَّمتنى، لكن أن تصطبغ أغلبها بهذا التذلل، والاستجداء والخضوع، حتى لو كان هو صفة الحب آنذاك، فهذا ما تعجبت منه حتى الرفض،

 أحببت بداية هذه الأغنية الجديدة، “كلنا نحب القمر” ونهايتها بالعافية، وحين استمعت إليها ازددت خصاما معها،

لماذا يا شيخى ربنا يخليك، هل أنا زعلتك فى شىء؟

الآن: يبدو أننى صعبت عليك، فختمت حفل عبد الوهاب الساهر الذى قدمته لنا اليوم بهذه الأغنية التى أحبها جدا جدا “فيك عشرة كوتشينة”.

وأضيف الآن لك أننى حين أسمع عبد الوهاب فى هذه الأغنية الأخيرة أشعر وكأننى أشاهد مسرحية كاملة من فن المونودراما الأركان.

أما مسك الختام فى هذه الصفحة – الآن– فكان أيضا لمحمد عبد الوهاب

 “لما اتقبلنا يوم الأثنين”

وقد جرجرنى هذا المقطع إلى أصل بداية الأغنية: “عمرى ما حانسى يوم الاثنين، يوم ما اتقابلنا احنا الاثنين” إلى ذكريات من كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” وذلك أن شيخى ذات يوم استشهد بهذه الأغنية وهو يذكرنى بلقائى معه  منفردا ذات يوم.

أما المناسبة التى استعمل فيها شيخى هذه الأغنية فقد وردت فى  كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ يوم الأربعاء 11/1/1995، نشرة 25-1-2010 حيث كتبت ما يلى:

 أثناء‏ ‏وجوده‏ ‏بالسيارة‏ ‏معى ‏وأنا‏ ‏جالس‏ ‏على ‏عجلة‏ ‏القيادة‏ ‏وهو‏ ‏بجوارى ‏مازحنى ‏قائلا‏: “‏فاكر‏ ‏يوم‏ ‏الاثنين‏” (‏أمس‏) ثم أردف: “‏يوم‏ ما ‏اتقابلنا‏ ‏احنا‏ ‏الاثنين‏”، ‏وضحك‏ ‏عاليا‏، فـَرِحْتُ وهو يتذكر لقاءنا “رأسا لرأس” قالها بالفرنسية  “Tête-à-tête”

أما ذلك اليوم الذى أحضر هذه الأغنية إليه وأنا على عجلة القيادة وهو بجوارى فقد كان يوم خميس وليس أثنين وهو يوم الحرافيش، لكن فى ذلك اليوم انفردت به لغياب توفيق صالح لعذر خاص فكتبت: فى شرف صحبة نجيب محفوظ، يوم الخميس 9/2/1995، نشرة 1/7/2010، ما يلى:

وصلت‏ ‏بعد‏ ‏الميعاد‏ ‏بدقيقتين، ‏الأستاذ‏ ‏يقف‏ ‏وسط‏ ‏الردهة‏ ‏كالعادة، ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏أدنى ‏تردد‏ ‏فى ‏أننا‏ ‏سنخرج‏ ‏سنخرج، وهو يعرف أن الأستاذ توفيق لن يحضر اليوم، بادرنى ‏وهو يتأبط ذراعى ونحن‏ ‏نتوجه‏ ‏إلى ‏الباب‏ ‏بنفس السرعة (التى أصبحتُ أفهم مغزاها أكثر فأكثر)، بادرنى بإخبارى أن توفيق ‏مازال‏ ‏مريضا‏ ‏وملازما‏ ‏الفراش، هكذا أبلغه قبل أن أحضر، ‏حاولتُ‏ ‏أن‏ ‏أبطئ من خطواته ولو ‏ ‏قليلا‏ ‏حتى ‏نتفق‏ ‏على ‏مسار الليلة، فليلة الحرافيش لا بد أن تبدأ بمكان عام (فندق عادة بعد تعذر الجلوس فى مقهى تبعا للظروف الجديدة)، ثم نعود إلى بيت توفيق فى النصف الثانى من الليلة، اقتصر اللقاء – فى تلك الليلة– علينا نحن الأثنين وناقشنا المواضيع نفسها التى لا ينتهى خلافنا حولها: هو يقنعنى بالديمقراطية وأن العلم الحديث هو الحل، وأنا أتمسك بالتأكيد على سلامة وحركية الوعى الجمعى أولا، وأن الإبداع الدائم هو الحل!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *