الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر نَفْسَنَةُ الكسل والاستسهال (مثلا: فى موسم الامتحانات)

الأربعاء الحر نَفْسَنَةُ الكسل والاستسهال (مثلا: فى موسم الامتحانات)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 13-4-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3148 

نشرة الأربعاء الحر

نَفْسَنَةُ الكسل والاستسهال

(مثلا: فى موسم الامتحانات)

– وعاد الأربعاء الحر يمارس حريته برغم تخطيطى ووعودى !!!

مقدمة:

الحال الذى وصلت إليه منظومة التعليم فى مصر يمثل كارثة قومية من أخبث وأخطر ما عاصرت عبر ثلاثة أرباع قرن، لن أتكلم اليوم عن غياب المدرس، ثم غياب المدرسة، ثم إحلال حجرات “السناتر” (جمع “سنتر” يعنى: مركز، يعنى: مغششة  تحفيظ ..إلخ) محل أحواش ومكتبات وملاعب وفصول الدراسة، ثم الغش الرسمى، والغش الأهلى، والغش المقنن، والعام الدراسى الذى اختزل إلى حضورالامتحانات ، وكتابة الاسم فى ورقة الإجابة (كفاية كده، عالبركة) ، وإنما سأتكلم عن استسهال الأهالى والطلبة كظاهرة تتجلى أكثر فى موسم الامتحانات على كل الأشكال ومن بينها الشكوى (والمظاهرات أحيانا) من صعوبة الامتحانات، ومشاركة الإعلام ومسئولو التعليم فى الاستجابة لذلك، بالطبطبة وإعادة توزيع الدرجات، واستباقا: بإلغاء بعض المقررات التى درست فعال (قال إيه؟ صعبة شوية)،….إلخ

كل ذلك أصبح معروفا، وقبيحا، وخطيرا

سوف أكتفى بتحذير الإعلام من مزيد من الانسياق مع موجة الاستسهال والهدهدة واعتبار المشاعر الطبيعية التى تصاحب الامتحانات أعراضا نفسية بل أمراضا نفسية، وهذا ما حاولت أن أظهره فى هذا الحديث مع كل احترامى لحسن النية، الدافع إلى عرض هذه المسألة كما شاعت وهكذا.

وشكرا لمن أعطانى هذه الفرصة  للتذكرة والتحذير (1)

الحديث:

(1) ما هى أهم الأمراض النفسية التى يمكن أن تصيب بعض طلاب وطلبات الثانوية العامة؟

د. يحيى:

ولماذا نسمى كل ما يطرأ على الشباب من انفعالات ومشاعر وتساؤل ونقلات أمراض نفسية سواء كانوا شباب الثانوية أم شباب الثورة أم شباب الفيس بوك، أرجو أن نعيد النظر فى كل هذه المقولات الشائعة وأن يشارك الإعلام إيجابيا فى توعية الناس شبابا وغير شباب ألا يستسهلوا وصف أى سلبيات على أنها مرض نفسى لأن هذا يبرر السلبيات، وكأنها تحدث غصبا عن صاحبها، وأيضا هو يشوه المشاعر الإنسانية الطبيعية.

(2) من هم أكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض عن غيرهم من الطلبة الآخرين؟ ولماذا؟

د. يحيى:

أية أمراض يا ابنتى؟ الامتحان لابد أن يكون خبرة حياتية مهما صاحبه الخوف أو القلق، علينا أن ننشىء أولادنا ومن السنوات الأولى على ما يليق بتاريخنا وبعلاقتنا بربنا ومسئوليتنا أمامه، الحياة كلها امتحانات، ولا يجوز أن نحرص على إراحة الناس، والشباب خاصة، طول الوقت وكأننا نرشوهم ليتخدروا، إن عدم الشعور بالخوف والتوتر والتوقع لمواقف تحتاج لكل هذا قد يكون نوعا من التبلد، صحيح أن المبالغة فى الخوف قد تصل إلى حد الإعاقة والنسيان وضعف الأداء فى الامتحان، لكن علينا أن نعرف كيف نفرق بين المبالغة فى الخوف، وبين الخوف الطبيعى المفروض لأنه واقع طبيعى ومتوقع.

(3) هل يمكن أن تصاحب بعض هذه الأمراض النفسية مجموعة من الأعراض المرضية العضوية مثل الصداع والشعور بالغثيان وارتفاع فى درجة الحرارة وآلام فى البطن…إلخ؟

د. يحيى:

مرة أخرى: هى ليست أمراضا نفسية وإليك الرد ونصف: بالنسبة لكل ما جاء فى السؤال مع درجات مختلفة من التواتر والحدّة، فمثلا الصداع وآلام البطن أو الجسم عموما هى من المظاهر الجسدية لما يسمى القلق، أما الغثيان فهو أقل تواترا، وهو يعلن الرفض أكثر مما يصاحب الخوف، لكن ارتفاع درجة الحرارة لأسباب نفسية بحتة فهذا نادرا ندرة بالغة، وينبغى أن نأخذ ارتفاع الحرارة الحقيقى المقاس بالترمومتر وليس بيد الأم على جبهة ابنها أو بالشكوى من صهد بالدماغ، أن نأخذ هذا الارتفاع بجدية طبية ونبحث عن أسبابه العضوية قبل الاستسهال بتفسيره بالحالة النفسية، أو المرض النفسى.

(4) كيف يمكن للوالدين مواجهة حالة القلق والتوتر النفسى العصبى التى يعانى الأبناء منها كلما إقترب موعد الامتحان؟

د. يحيى:

فى خبرتى لاحظت أن الوالدين يكونان أكثر حرصا على أداء الطالب الامتحان بتفوق بغض النظر عن مستواه، أو عن الجهد الذى بذله، يكونان أكثر حرصا من الطالب نفسه، أرى أن أغلب حرصهم على مشاعر ابنهم هو جهل تربوى ضار، وكلما زاد طموح الوالدين واستعمالهم لأبنائهم وبناتهم كمشروعات استثمارية عائلية، يحققون بتفوقهم ما خابوا هم فى تحقيقه، كلما زاد ذلك استجاب له الأولاد والبنات بما يسمى أمراض نفسية، وهى ليست كذلك.

(5) يعانى بعض الطلاب من عدم التركيز وتشتت الانتباه والسرحان أثناء المذاكرة كيف يمكن التغلب على مثل هذه الحالات التى أصبحت مزمنة عند الكثير من أبنائنا الطلبة؟

د. يحيى:

فى خبرتى التى تأكدت عبر عشرات السنين أرفض هذه الشكوى من حيث المبدأ، وقد رحت أنبه الطالب مؤخرا إلى أن كثرة حديثه عن عدم التركيز هو وصاية منه على مخه، وهذا نفسه يضاعف تصوره عن عدم التركيز، وأؤكد له أن المخ – كما خلقه الله – لا يستطيع إلا أن يركز، وأن الأحياء كلها طيورا وأسماكا وحيوانات إن لم تركز تلقائيا لتحمى نفسها من مخاطر البيئة المحيطة، فإنها تعرض نفسها للهلاك فالانقراض، فهى تركز بشكل مبرمج تطوريا وتلقائيا بفضل الله، وأطلب من الطالب أن يواصل الاستذكار بدون الحديث عن التركيز أو الشكوى منه على مسئوليتى، وأن يواصل الاستذكار لعدد معين من الساعات نتفق عليه، سواء ركّز أم لم يركّز، وأن المخ سوف يحصّل ويركز تلقائيا من وراءه ظهره، بل وقد يملى الإجابة على القلم تلقائيا أيضا أثناء الامتحان.

وقد يحاول الطالب الاستماع والتصديق، وحين يقبل تنفيذ هذه التجربة يكتشف أنها نجحت، ويفاجأ أنه يركز دون أن يدرى، إلا أن الذى يحتج عادة على هذه التوصيات غير المألوفة هم الأهل.

(6) ما هى أسباب الثورة الإنفعالية ومظاهرها عند المراهق؟

د. يحيى:

متى نسمى انفعال المراهق ثورة انفعالية، ومتى نسميه أزمة نمو ضرورية؟ إن أزمة المراهقة هى من أهم الأزمات الضرورية للانتقال من مرحلة إلى مرحلة، وحسب علم نفس النمو الحديث فإنها ليست الأزمة الوحيدة فى عمر الإنسان، وقد عدد إريك إريكسون ثمان أزمات ينتقل فيها الفرد بمراحل متتالية من نوعية حياة إلى نوعية حياة أخرى طول العمر، وأثناء هذا الانتقال تختلف انفعالاته حتى يكاد يمر بما يشبه خبرة “إعادة الولادة” من جديد، وأشهر هذه الأزمات هى “أزمة المراهقة” لكن هناك أيضا “أزمة منتصف العمر” وغيرها وغيرها، وتسميتنا لأزمات النمو هذه باسم ثورة انفعالية قد تكون مناسبة لو أننا نعنى الثورة المعنى الإيجابى أى إعادة البناء بعد التفكيك، أما إذا كنا نعنى مجرد الانفجار أو عدم التحكم والاندفاع والأذى، فهذه ليست ثورة ولا انفعالية بل هى فوضى عشوائية بدائية، وعموما فالثورة تبدأ بالفوضى لكن ما لم تنتقل إلى البناء وإعادة تشكيل الذات (أو الشعب أو الناس) فإنها تصبح هَيْجَة تفكيكية لا أكثر.

(7) ما النتائج المترتبة على وجود فروق فردية فى النمو الجسمى والذهنى والجنسى فى مرحلة المراهقة؟

د. يحيى:

الفروق الفردية واردة فى مرحلة المراهقة وغير مرحلة المراهقة، وهى موجودة منذ الولادة، وكل الناس أطفالا وشباب وكهولا يتميزون عن بعضهم البعض تميز بصمات الأصابع، وقد تظهر الفروق الفردية بشكل أوضح فى مرحلة المراهقة، لا توجد نتائج سلبية لذلك إذا أنشانا أولادنا من البداية على أن نتقبل اختلاف بعضنا عن بعض فى اللون والدين والطباع والأداء، فإن ذلك سوف يمتد إلى ما نلاحظه فى فترة المراهقة وغير فترات المراهقة

(8) كيف يتحول المراهق مع الأيام إلى مرحلة الإتزان النفسى والإنفعالى؟

د. يحيى:

إن مجرد اضطراد مسار النمو هو جدير بالوصول إلى مرحلة إعادة التشكيل المستفر لفترة معينة، لأن تصور الصحة النفسية على أنها اتزان نفسى وانفعالى متصل هو ضد الطبيعة البشرية، فأنا أنتمى إلى النظرية التطورية الإيقاعحيوية التى تؤكد ضرورة التناوب بين دورات عدم التوازن ودورات التوازن المتتالية، بمعنى ضرورة التفكيك لإعادة التخليق، هذا قانون طبيعى، فنحن ننام لنتفكك أثناء نشاط النوم وخاصة نشاط النوم الحالم، ثم نصحو وكأننا نولد من جديد على حسب دعوة الاستيقاظ كما علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام: “الحمد الله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور”.

 (9) الإحباط والتمرد من الحالات النفسية الشائعة لدى أبنائنا الطلاب فما هو تفسيرك لهذه الحالات؟ من حيث أسبابها وطرق علاجها؟

د. يحيى:

الإحباط غير التمرد، صحيح أنه قد يحدث تمرد على أسباب الإحباط، لكن الارتباط عادة قليل ولا يبرر هذا الجمع معاً، الإحباط هو فشل تحقيق الهدف أو العجز عن نيل المراد، وهو ما يعبر عنه التعبير الشعبى الجميل “اللى حبّ ولا طالشى” (ياميت نداهة على اللىّ حبّ ولا طالشى) وهذا يسرى على أى أمل لا يتحقق، لكن علينا قبل أن نبحث عن الأسباب التى حالت دون تحقيق الأمل أن نبحث أولا فى دور الشخص المُحْبَطْ فى أنه عجز عن تحقيق ما يريد، فلعله لم يحسبها بشكل سليم، أو أن الحب كان من جانب واحد طول الوقت، أو أنه لم يستعد لتحقيق هدفه استعدادا كافيا، مثل الذى ذاكر نصف نصف ولم يحصل على مجموع، ثم يتصور أن ذلك لصعوبة الامتحان وليس بسبب كسله.

أما طرق علاج كل هذا فهو يبدأ بالتوصية بأن نلوم أنفسنا وخيالنا وخيبة تخطيطنا وقصر نظرنا قبل لوم الآخرين، فإذا كان للظروف والآخرين دور واضح فيه ظلم وقهر فهنا لابد من تصحيح الوضع بأن نأخذ جميعا فرصا متكاملة حين تكون المقاييس موضوعية، والعدل شاملا.

 (10) وأخيراً روشتة طبية تتقدم بها لطمأنة وصحة أولادنا المقبلين على أداء إختبارات الثانوية العامة النفسية والعصبية؟.

د. يحيى:

أنا لا أحب اسداء النصائح كأنها وصفات جاهز للتطبيق، ومع ذلك فأنا أذكر أننى قدمت برنامج “تذكرة نجاح” فى أوائل السبعينات، وكنت أنهى الدقائق المتاحة بأنه “إعمل اللى عليك دلوقتى وسيب النتيجة على الله”، وقد قابلت بعد سنوات وسنوات كثيرا مما كبروا وتولوا مراكز مهمة وكانوا يذكرون لى هذه النصيحة التى سمعوها منى قبل عشرات السنين وأنها أفادتهم أن ينتبهوا طول عمرهم إلى ملء الوقت “هنا والآن” بالفعل والاستعداد والصبر والمثابرة، بدلا من الحديث طول الوقت عن التوقعات والنتيجة المحتملة والأتى على حساب الفعل والإنجاز الممكن حالا.

[1] – مجلة طبيبك الخاص – دار الهلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *