الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (29) Biorhythmic Psychiatry نقد النص البشرى: إبداعٌ خالصٌ

الطبنفسى الإيقاعحيوى (29) Biorhythmic Psychiatry نقد النص البشرى: إبداعٌ خالصٌ

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 4-4-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3139 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (29)

Biorhythmic Psychiatry

نقد النص البشرى: إبداعٌ خالصٌ

مقدمة:4-4-2016_1

اكتشفت أننى حين اطمأننت إلى سلامة هذا الفرض، رحت أختبر مدى قبوله لدى النقاد والأدباء، فنشرت نبذة عنه فى مجلة أخبار الأدببتاريخ: 17-2-2013، ثم وجدت أنه من المناسب أن أقتطف منها ما يكمل الصورة، وخاصة فى ربطها بالنقد الأدبى.

******

 المقتطف السادس:

أخبار الأدب

………………

“…العملية العلاجية الحقيقية هى “نقد” بكل معانى “القراءة” و”الفحص”، و”القبول” و”الرفض” “فإعادة التشكيل” “إبداعا على إبداع”، لكن خالق النص البشرى هو رب العالمين، فكيف بالله عليكم نتكلم عن إعادة تشكيل ما خلقه سبحانه هكذا بهذه البساطة؟ لكن عندك، إن الله سبحانه خلقنا كيانات نامية تتطور وتتشكل باستمرار نحوه تعالى، وفى هذه العملية نختلف عن بعضنا البعض عبر العالم اختلاف بصمات الأصابع، وقد تسير المسيرة فى مسارها الطبيعى مع أن هذه ليست القاعدة دائما، وقد تتعثر، أو تُعَرْقل، أو تتوقف أو تُشَوَّه، لكن نقد النص البشرى فى العلاج لا يعيد تشكيل إبداع الرحمن لنا، وإنما هى محاولة لفهم ما آل إليه النص، ثم تعديل المسار الذى قام كل منا بمن حوله وما حوله بتحويله عن قوانينه الطبيعية الخلاقة، فكان النشاز والتشرذم، ووصل الأمر إلى ما يسمى المرض: لا أكثر ولا أقل.

وجدت نفسى أقوم بهذه المهمة من واقع مهنتى وعلمى، واستلهاما من وعيى حين أقرأ نفُسِمْراضية (سيكوباثولوجى) مرضاى ولا أكتفى برصد الأعراض أو تعليق لافتة التشخيص، ثم إنى انتبهت كيف يعاد تركيب وحدات الوعى فى العلاج كما يحدث معى فى النقد الأدبى تقريبا.

…………….

…………….

4-4-2016_2

إن نقد النص البشرى ليس علما بديلا، فهو لا يقاس بمقاييس العلم الحسابى، أو المنطق الأرسطى، وإلا أصابته الكارثة التى أصابت النقد الأدبى حين حاولو أن يجعلوا منه علما واسموه “علم النقد الأدبى”، تماما كما حدث لعلم النفس حين انتزعوه من الفلسفة والإبداع انتزاعا. نقد النص البشرى هو قراءة نقدية إبداعية واقعية لنصَّين معا: المريض والمعالج حيث تقاس النتيجة بعدة مقاييس كيفية وليس بمجرد اختفاء الأعراض أوتحقيق الرفاهية، ومن بين هذه المقاييس: انطلاق مسيرة النمو، وتحريك الإبداع، ودعم برامج وقوانين البقاء، ومدى انتشار نفع النتيجة على دوائر محيط الناس والأحياء من حوله إلى خالقهم، وكل هذا هو ألف باء ما حفظ استمرار الواحد فى الألف من الأحياء التى استطاعت أن تقاوم الانقراض حتى الأن.

ثم أن استعمال التعبير النقدى“التناصّ” هو الأقرب لما يجرى فى العلاج الجمعى بصفة خاصة، كذلك فإن تطبيق فكرة التناصّ على تفاعل هذه النصوص البشرية معا،  قد يتيح  لنا أن نفهم ليس فقط تفاعل المرضى مع بعضهم البعض، بل – وفى نفس درجة الأهمية-  تفاعل المعالج مع بقية المرضى والمعالجين، وأخيرا، فإن المعالج، برغم أنه القارئ والناقد الأول، إلا أنه “نص بشرى” بدوره ، وبهذا تسرى عليه القراءة النقدية المتضمنة فى فكرة  “التناص” بنفس الدرجة التى يتفاعل بها المرضى مع بعضهم البعض ومع المعالجين لتشكيل وعى الجماعة معا، وربما أكثر.

(أما ما هو التناص فهذا سوف يرد فى المقتطف التالى)

المقتطف السابع:  (نشرة الإنسان والتطور: 21-7-2014)

نقد النص البشرى والفن التشكيلى

4-4-2016_3

كثيرا ما يسألنى  أحد الحاضرين فى جلسات العلاج الجمعى من المتدربين، أو المشاهدين  (داخل المجموعة أو حولها فى دائرة التدريب الأوسع) لماذا فعلت كذا فى الوقت الفلاني بالذات مع هذا المريض بوجه خاص، وكثيرا ما رددت نفس الرد: “تصور يا إبنى، أنك  سألت فنانا تشكيليا بعد أن أتم لوحته، أو أثناء قيامه بتشكيلها، لماذا وضعت هذه المساحة من اللون الأزرق بهذا التدرج فى هذه المنطقة بالذات؟ فبم يجيبك”؟ ثم أستطرد: أرجو أن يكون حليما حتى لا يطردك من مرسمه! إن أية لمسة أو كلمة أو إشارة أو حركة هى جزء من لوحة كاملة يعاد تشكيلها بحسب مهارة من يقوم بها، فما بالك لو كان عدد المشاركين فى رسمها وإبداعها هم كُثْرٌ لا واحد، المهم هو ناتج العمل وأصالته وبقائه، ثم إنه فى العلاج الجمعى يكون الأمر أصعب لأن المشاركين كثيرون، وعلى قائد الاوركسترا أن يحسن توجيه العازفين الذين يعيدون صياغة اللحن، وأيضا صقل آلاتهم فى نفس الوقت.

هذا بعض ما أعنيه بتعبير “نقد النص البشري”، إن‏ ‏هذه‏ ‏الممارسة‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏(البحثية) التى ‏أعنيها‏ ‏لا تستغنى عن ‏ ‏تجميع‏ ‏مظاهر‏ ‏الأعراض‏ ‏فى ‏زملة‏ ‏بذاتها‏، ‏وان‏ ‏كانت لا تضع ذلك فى المقام الأول، ولا ترجع إليه إلا نادرا لأن طول الوقوف عنده يكون أحيانا معطلا، لكن من حقها أن تستعمل كل ‏المعلومات المتاحة ‏ ‏فى ‏إعادة‏ ‏البناء‏ ‏والتصنيف‏ ‏والتقويم‏ ‏الحالى ‏والمستقبلى، وهى ‏ليست مرادفة لما يسمى‏ ‏التأمل‏ ‏الذاتى ‏بالمعنى ‏‏الانشقاقى‏ ‏القديم‏، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏تشمل‏ ‏الحضانة‏ ‏الذاتية التلقائية‏ ‏للملاحظات‏ ‏ثم‏ ‏التأليف‏ ‏الجدلى ‏بين‏ ‏الداخل‏ ‏والخارج‏ ‏لإعادة صياغة النصين (أو النصوص الكثيرة فى العلاج الجمعى وعلاج الوسط).

‏إن هذا التنظير عن “نقد النص البشرى”: يحمل‏ ‏قدرا‏ ‏من‏ ‏الإبداع‏ ‏الخالقى، ‏الذاتى ‏بالضرورة‏، و‏هو‏ ‏الذى ‏ينظم‏ ‏المعلومات‏ ‏المتاحة‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏نظرية‏ ‏متماسكة‏، ‏فهو ‏عمل‏ ‏فنى ‏علمى ‏معا‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏هو ‏عمل‏ ‏ذاتى ‏موضوعى ‏فى ‏آن‏ ‏واحد‏، ‏على ‏أن‏ ‏نتاج‏ ‏هذا‏ ‏الإبداع‏ ‏العلمى الفنى  ‏مثل‏ ‏كل‏ ‏إبداع‏ ‏يأتى ‏من‏ ‏ثلاث‏ ‏مصادر‏ ‏أساسية‏ ‏لاغنى ‏عنها‏، ‏وهى‏‏:‏

1– ‏أبجدية‏ ‏الإبداع‏: ‏وتعنى ‏مجموع‏ ‏الملاحظات‏ ‏الشعورية‏، ‏واللاشعورية‏ ‏فى ‏صورها‏ ‏الجزئية‏ ‏المتباعدة‏، المعروفة مسبقا، والمتخلِّقَةْ والمُسْتَكَشَفة  أثناء الممارسة.

2– ‏موضوعية‏ ‏المبدع‏: ‏وأكرر‏ ‏أننى ‏لا أعنى ‏هنا‏ ‏بالموضوعية‏ ‏ما هو‏ ‏ضد‏ ‏الذاتية‏، ‏بل‏ ‏إنى ‏أعنى ‏معنى ‏يؤكد‏ ‏الذاتية‏ ‏فى ‏شكلها‏ ‏المسئول‏ ‏وباعتبارها‏ ‏الأداة‏ ‏والحقل‏ ‏الأول‏ ‏لاستيعاب‏ ‏الواقع‏ ‏وإعادة‏ ‏تشكيله‏ ‏بالتالى،‏وترتبط‏ ‏موضوعية‏ ‏المبدع بالدرجة‏ ‏‏التى ‏تجعل من‏ ‏ذاته‏ ‏أداة‏ ‏أساسية‏ فى الإبداع، حيث هى حقل لاستيعاب أبجدية الملاحظات، مما يجعلها ذاتا ليست ‏بالضرورة‏ ‏أفضل من‏ ‏الآخرين‏ ‏وإنما‏ ‏هى ‏فى ‏موقف‏ ‏البحث‏ ‏هذا‏ ‏يمكن‏  ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏عينة‏ ‏لوجود‏ ‏منفتح‏ ‏قابل‏ ‏للتعدد‏ ‏والتجمع طول الوقت بمسئولية مطلقة‏، وهكذا يكون الباحث قادرا على رحلة الالتحام والعودة بوعى نسبى مع الآخرين بوصفهم  ‏كيانا‏ ‏منفصلا‏/متصلا  ‏طول‏ ‏الوقت‏،‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏هذه‏ ‏الحركة‏ ‏النشطة‏ ‏منه‏ ‏وإليه‏ ‏بما‏ ‏ينتج‏ ‏عنها‏ ‏من‏ ‏اتساع‏ ‏فى ‏دائرة‏ ‏الوعى ‏تصبح‏ ‏هذه‏ ‏الذات‏- ‏بدرجة ما‏-‏ عينة‏ ‏لوجود‏ ‏مشارك‏ ‏يمكن‏ ‏الاعتماد‏ ‏على ‏نتاجه‏ ‏بقدر‏ ‏اقترابه‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الموضوعية، ‏على ‏أن‏ ‏موضوعية‏ ‏الذات‏ ‏هذه‏ ‏وارتباطها‏ ‏بالنضج‏ ‏الشخصى ‏أمر‏ ‏يختلف‏ ‏من‏ ‏مجال‏ ‏إبداع‏ ‏إلى ‏مجال‏ ‏آخر.

3- ‏القدرة‏ ‏الإنشائية‏: ‏وهى ‏التى ‏تميز‏ ‏المبدع‏ (‏الفنان‏ ‏أو‏ ‏العالم‏ ‏الفنان‏) ‏بوجه خاص‏، ‏لأن‏ ‏العاملين‏ ‏الأساسيين‏ ‏السابقين‏ ‏قد‏ ‏يتصف‏ ‏بهما‏ ‏متصوف‏ ‏أو‏ ‏إنسان‏ ‏نام‏ ‏له‏ ‏أبعاد‏ ‏متطوره‏ ‏فى ‏دائرة‏ ‏محدودة، أما ‏‏المبدع‏ ‏العالم‏ ‏فهو‏ ‏القادر‏ ‏على ‏إعادة‏ ‏تركيب‏ ‏أبجدية‏ ‏الإبداع‏ ‏عبر‏ ‏ذاته‏ ‏الموضوعية‏ (‏نسبيا‏ ‏بالضرورة‏) ‏فى ‏جُمّاع‏ ‏نظرى ‏متماسك‏ ‏ومتكامل‏.

لا شك أن هذه الممارسة لا ينبغى أن تترك تماما للمواهب الخاصة، أو للثقة فى الأمانة الشخصية والوعى الذاتى فحسب.

المقتطف الثامن:  (نشرة الإنسان والتطور: 21-7-2014)

الممارس الإكلينيكى باحثا/ناقدا/مبدعا

………………

……………..

لا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أعمم‏ ‏التوصيات‏ ‏من‏ ‏موقعى ‏المحدود‏ ‏فى ‏الممارسة‏ ‏الاكلينيكية‏ ‏التى اعتبرها بحثا علميا إبداعيا نقديا طول الوقت‏ ‏ ‏ولكنى ‏أضع‏ ‏حقيقة‏ ‏ماوصلنا‏ ‏إليه‏ ‏مجردة‏ ‏للاستفادة‏ ‏منها‏ ‏على الوجه التالى‏:‏

‏1- ‏إن‏ ‏الممارسة‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏المدروسة‏ ‏الطويلة‏، ‏تحت‏ ‏إشراف‏ ‏مباشر‏، ‏وتقويم‏ ‏مستمر‏، ‏فى ‏مجال‏ ‏الأمراض‏ ‏الذهانية‏ ‏خاصة‏، ‏والتى ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تُعَرِّضُنَا‏ ‏لخبرة‏ ‏النكوص‏ ‏المعالجى، ‏هى ‏ممارسة ضرورية‏ ‏لكل‏ ‏مقدم‏ ‏على ‏البحث‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏علم النفسمراضية‏ (السيكوباثولوجى) ‏وبعض‏ ‏نواحى ‏سيكولوجية‏ ‏النمو، ودراسات الإدراك والوجدان‏.‏

‏2- ‏إن‏ ‏القول‏ ‏بأن‏ ‏المادة‏ ‏المستقاة‏ ‏من‏ ‏المرضى ‏لاتنطبق‏ ‏على ‏الأسوياء‏.. ‏قول‏ ‏سليم‏ ‏من‏ ‏جانب‏، ‏وغير‏ ‏سليم‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏آخر‏، ‏فلو‏ ‏أخذنا‏ ‏مادة‏ ‏النكوص‏ ‏المرضية‏ ‏بعجزها‏ ‏وتناثر‏ ‏ماحولها‏ ‏وتصورنا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏صفات‏ ‏الطفل داخلنا مثلا، لكان هذا خطأ مخِلاَّ، أما لو رصدنا  تنشيط مراحل بذاتها بإيجاز يسمح بالتناول كما أسلفنا، ثم تحرك فينا ما يقابل هذه المراحل وهذه المستويات حالة كوننا نمارس المواجدة فالإبداع، فهذا هو السبيل الذى نسلكه وهو  الذى يجذبنا إليه تلقائيا لو أننا كنا نمارس هذا النوع من العلاج.

‏3- ‏إن‏ ‏مواجهة‏ ‏الجنون‏ ‏تساعد على‏ التعرف على الوجدان الأعمق، وهى‏ ‏تحتاج‏ ‏ بوجه‏ ‏خاص‏ لموهبة‏ ‏خاصة ‏لأنها‏ ‏دراسة‏ ‏فنية‏ ‏علمية‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏وتنمية‏ ‏هذه‏ ‏الموهبة‏ ‏ممكنة‏ ‏مثل‏ ‏تنمية‏ ‏الإبداع‏ ‏عند‏ ‏أى ‏فرد‏، ‏ولكن‏ ‏درجة‏ ‏النمو‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏تختلف‏ ‏من‏ ‏فرد‏ ‏لآخر‏، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏فريق‏ ‏الممارسين الإكلينيكيين‏ ‏الذين‏ ‏سيتعرضون‏ ‏لمثل‏ ‏هذه‏ ‏الخبرات‏ ‏الإكلينيكية هم باحثون بالضرورة، ويتم تدريبهم لذلك‏ ‏تحت‏ ‏إشراف مستمر،‏ و‏لابد ‏ ‏أن تجرى متابعتهم ودعمهم وإعادة تقييمهم طول الوقت‏، ‏فيكمل‏ ‏أحدهم‏ ‏الطريق‏ ‏حتى ‏نهايته‏، ‏ويتوقف‏ ‏آخر‏ ‏وقد يختار‏ ‏طريقا ومجالا يرى أنه أفضل‏ له وأنجز فيه، ‏ولا يعيب‏ ‏هذا‏ ‏أحدا‏ ‏فإن‏ ‏لكلٍّ‏ ‏قدراته‏، وما يناسبها من مجالات.

وبعد

ما هى علاقة كل ذلك بالطبنفسى الإيقاعحيوى (التطورى)؟

تكرر هذا السؤال كثيرا، وسوف يتكرر أكثر، وبصراحة لا أجد له إجابة جاهزة أو محددة، لكننى أعتقد أن مما يساعدنا مرحليا أن نتذكر ما يلى:

(1) العلاج النفسى الذى نمارسه من خلال هذه المدرسة، وحتى قبل أن تسمى مدرسة، هو علاج “المواجهة” “المواكبة” “المسئولية. “م.م.م.”.

(2) إن مواجهة إشكالة المرض، من كلٍّ من المريض والطبيب معا، وحضور المريض ماثلا كوعى بشرى يحتاج إلى استقباله: “كيانا تاريخيا مركبا” و”كيانا إنسانيا متداخلا”: فى حالة استعادة دائمة من خلال الإيقاعحيوى المستمر، هذه المواجهة لا يصلح لها تعبير “فحص المريض ورصد أعراضه”، فهى تحتم أن نبحث عن “غائية المرض أساسا”، أى: عن وظيفته الدفاعية الخائبة، وعن معنى كل عرض بما يسمح لنا بتخليق البديل الجديد ودعم المسيرة بلا توقف.

(3) إن مواكبة ذلك يحتاج من المعالج أن يقبل نفسه على نفس الطريق بنفس حركية النمو من خلال استدامة الإيقاعحيوى ليل نهار، وأنه أيضا، ومع مريضه: فى “الـْيتَكَوّنْ” in- the- making باستمرار، فالمعالج من خلال هذا المنظور دائم الحركة دائم الإبداع فى تواصل مستمر مع وعى مريضه دائم الحركة دائم المحاولة الجاهز لاستعادة مسيرته على طريق النمو  بدءًا بالإبداع اليومى الذاتى، ولا يمكن أن يطمئن إلى احتمال معاودة السير على طريق النمو من جديد إلا من خلال مواكبة إيجابية إبداعية، تستعمل كل معطيات العلم وأنواع العلاج بانتقاء وصبر واستمرار.

(4) إن المسئولية تنشأ من الشعور بالانتماء إلى هذا النوع من الأحياء المسمى بالجنس البشرى، وبأنه من خلال هذا الوعى بالتطور والانتماء إلى أصل الحياة ثم الامتداد إلى خالقها، هو جدير بحفز توظيف الوعى العلاجى توظيفا إيمانيا تطوريا للحفاظ ليس فقط على سلامة فرد تعثره أو تناثره، وإنما على ترجيح سلامة مسيرة النمو والتطور بالطول والعرض:

“وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا “.

خاتمة مؤقتة:

ورد تعبير التناصّ بشكل متكرر، وهو تعبير نابع من دراسات النقد الأدبى خاصة، وقد استعملته فى آخر دراسة نقدية نشرت لى فى الدورية النقدية السنوية لنجيب محفوظ، وقد قارنت بينه وبين “المعارضة الشعرية”، وأيضا قاربته من مبدأ كيف أن “الشعر لا ينقد إلا شعرا”، وحين اكتشفت الآن أننى استعمل تعبير “التناصُّ” لأقترب من شرح ما هو وعى بينشخصى ثم وعى جمعىّ رجعت إلى أصله فى النقد الأدبى وإذا بى أفاجأ أنهم يغوصون فى حركية الوعى الإبداعى ليس فقط بين النصوص الأدبية (الشعر خاصة) وإنما فى تاريخية الظاهرة وامتدادها حتى الأسطورة وما قبلها، وقد وصلنى ما تصورت أنه قد يعيننى على شرح ما يجرى فى العلاج الجمعى  خاصة من تناصُّ بين النصوص البشرية، وعلاقة ذلك بما تحوى من تاريخ الحياة، فتاريخنا  الأنواع، فتاريخ الأفراد: حتى ما يتعلق بما هو الطبنفسى الإيقاعحيوى/التطورى.

4-4-2016_4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *