الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (28) Biorhythmic Psychiatry قراءة النص البشرى من مدخل الإيقاعحيوى التطورى (2)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (28) Biorhythmic Psychiatry قراءة النص البشرى من مدخل الإيقاعحيوى التطورى (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 3-4-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3138 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (28)

Biorhythmic Psychiatry

قراءة النص البشرى

من مدخل الطبنفسى الإيقاعحيوى (2)

مقدمة:

إذا اتفقنا على أن علاج المرض النفسى هو بمثابة “نقد النص البشرى“: “معا” حتى يمكن أن نرجع إلى ما هو “ربى كما خلقتنى”، فلابد من أن نعرف كيف نقرأ هذه النصوص أولا، النقد يبدأ بقراءة النص، وقراءة المريض تسمى فى الطبنفسى التقليدى “المقابلة الإكلينيكية” وهى توظف عادة للتشخيص أو ما يسمى لـ “كتابة المشاهدة”(1) وهى تعتمد أساسا على الأسئلة والأجوبة التى تجرى بنظام محدد يسمح بالحصول على معلومات كافية عن المريض وتاريخه واحتمالات أسباب مرضه وظروف معيشته، وعمله، فضلا عن ما يشكو منه، أو ما يشكو منه مـَنْ يعاشرونه، بالاضافة إلى تقييم ما أمكن من قدراته الحالية (والسابقة أحيانا)، كل ذلك يتخذ – كما ذكرنا- شكل السؤال والجواب له ولمرافقيه بل ويمتد إلى أى ممن يمكن أن يعرف عنه ما يساعد فى العلاج، ويسمى مثل هذا المصدر للمعلومات “المبلّغ” حتى لو لم يحضر المقابلة.

المقابلة من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى والتطورى لا تغفل أيا من ذلك، لكنها لها طبيعتها الفنية والإنسانية الخاصة، التى تضع كل ذلك فى الموضع المناسب للصورة المتكاملة للمريض حتى ترسم له “بورتريه” هو فريد نوعه، ليس كمثله أحد آخر مهما تشابهت الأسماء والأعراض والأوصاف والتشخيصات، وهذا ما نسميه هنا “قراءه النص البشرى” كخطوه أولى للبدء فى نقد النص البشرى (النصين معا: المريض والمعالج، كما سيأتى لاحقا)

اليوم – كما وعدت أمس – دعونى أكمل بعض ما ورد فى نشرات سابقة عننقد النص البشرى” مع إشارة محدودة إلى قراءة النص البشرى”، وقد أشرت أمس إلى فضل الابن والأخ والزميل الرائع أ.د. جمال التركى فى مثابرتى على كل ذلك، وحين هممت اليوم أن أنشر بعض حوارى معه حول هذا الموضوع ومثله خجلت من مقدمته لفرط ما أكرمنى به من صفات قد لا أستحقها، ولكن ما باليد حيله، فللأمانة أحكام!

* * * *

المقتطف الثالث: نشرة: حوار/بريد الجمعة: 16-5-2008

“لنترك الزمن/الإنسان يفعل فعله بنا تأصيلا أو تهميشاً”

                                                                     د. جمال التركى

……………

…………….

د. جمال التركى:

………………..،

    أنت لست صاحب رؤيا أو فكر أو بعد أخر فقط إنك صاحب مدرسة متكاملة فى العلوم النفسية، وليس من حقك أن تكتفى بتبليغ ما وصلت إليه لقلة من أصدقائك أو معارفك أو أهلك، إن ما اهتدى إليه فكرك هو ملك للإنسان أينما وجد. إلق بذرة فكرك فى حقل “الإنسان” فإن أثبت الزمن قدرتها وصلاحيتها فى قراءة النص البشرى فى سوائه و اضطرابه ماضيا و حاضرا و مستقبلا فستفرض ذاتها؟

د. يحيى:

والله يا جمال أنا أحاول كما ترى، لكن يبدو أننى ألقىِ كل البذور فى كل فصول السنة فى أى أرض، مرة واحدة، وأنت تعرف أن لكل زرع آوانه، وطقسه، ونوع رعايته، وتناسب تربته وفرص تكامله مع المزروعات الأخرى المحيطة، وإلا أكلته الحشائش وضَمُر قبل أن يُثمر.

د. جمال التركى:

لا أدرك الدوافع الحقيقية لبدء هذه “النشرة اليومية”، إنما استطعت استكشاف البعض منها، ولعل أهمها لفت الانتباه لحدث ما…و تحريك الوعى بأمر ما… ومحاولة توصيل فكر ما (بعض)… إلى المهتم بشأن “الإنسان” ويبدو لى أن جزءا كبيرا من هذا الدافع قد تحقق.

د. يحيى:

هو كذلك، وأكثر، بل لعل الأهم أنها كانت فرصة لى أن أتعرف أنا على ما سبق أن أنجزته ووضعته فى الأدراج، أو فى ملفات الحاسوب الصامتة.

د. جمال التركى:

– وفّق البروفسور ” الرخاوي” (إلى حد ما) فى الوصول إلى “الفئة المستهدفة” La Population cible “،  أى أن يصل فكره (ما يريد تبليغه) إلى المهتم بقراءة النص البشرى فى سوائه واضطرابه من منظور تطورى (ما يسعى إليه المتلقي) و ذلك من خلال موقعه على الويب (ولاحقا من خلال موقع شبكة العلوم النفسية العربية)،  وهذه الوسيلة لتوصيل المعلومة إلى المهتم بها، تتفق وأحدث النظريات فى حقل المعلومات، فالمعلومة الهامة تفقد قيمتها وتبتذل عندما تصل أشخاصا لا تهمهم؟

د. يحيى:

أوافق على أغلب ذلك، لكننى لا أوافقك أن المعلومة الهامة تفقد قيمتها وتبتذل عندما تصل أشخاصا لا تهمهم، ففى العلاج الجمعى تعلمت من مرضاى أن كثيرين ممن كنت أتصور أن هذه المعلومة أو تلك لم تصلهم لأنها لم تكن تهمهم، أكتشف بعد شهور وأحيانا سنين أنها وصلتهم بالرغم من سوء ظنى، بل وبالرغم منهم حتى هم أنفسهم.

 يا جمال يبدو أن المعلومة التى تلامس جانبا من الحقيقة لها قوة اختراقها الذاتية، بل لعل لها فترة كمون تفرض نفسها بعدها مهما طال الزمن.

د. جمال التركى:

لنترك “الزمن/الإنسان” يفعل فعله فيها تأصيلا أو تهميشا. إنه كلما كان الفكر مصيبا فى قراءة النص البشرى من منظوره التطورى، كان أرسخ وأصلب متنا وكلما أخفق كان إلى زوال.

د. يحيى:

نعم، على شرط أن تكون وحدتنا فى قياس الزمن ليست فقط بالسنين.

* * * *

المقتطف الرابع: نشرة: 26-8-2009

الفرق بين قراءة النص البشرى ونقد النص البشرى

……………

……………

نقد النص البشرى “معاً” فى العلاج الجمعى

منذ اكتشفت أن ما أمارسه فى العلاج عامة، وفى العلاج النفسى خاصة هو نوع من النقد، وأنا مطمئن إلى ما وصلنى فرِحٌ به، ربما  لأننى أمارس نقد النص الأدبى من قديم، ولأننى أعرف أن النقد الحقيقى هو إعادة تشكيل النص، فقد ترددت طويلا قبل الفرحة بفرحتى باكتشاف هذا المصطلح الذى يعبر فعلا عن ما أمارسه، لأن المريض ليس مجال تشكيل من ناحيتى أساسا، أو أوّلا.

رويدا روديا، وأنا أراجع ما أفعله مع مرضاى، خاصة فى العلاج الجمعى، اكتشفت أن نقد النص البشرى (المريض) يختلف عن نقد النص الأدبى فى أن المريض نفسه يشارك فى عملية النقد، وأن الطبيب نفسه هو نص بشرى آخر، وبالتالى فلا بد أن يكون عرضة للنقد من الطرفين طول الوقت. بهذا عدت للتصالح مع هذا المصطلح الجديد، وتمنيت أن أضيف كلمة واحدة له هى “معا”،”أى نقد النص البشرى معا“، ومن ثم فإعادة التشكيل هى واردة لكلى النصّين طول الوقت: المريض والمعالج معا!.

* * * *

المقتطف الخامس: نشرة:  1 فبراير 2013 (حديث فى جريدة الأهرام)

الفرق بين نقد النص البشرى ونقد النص الأدبى

(سؤال من ضمن أسئلة الحديث)

–  برأيك فيم تختلف قراءة النص البشري عن قراءة النص الأدبي؟

   د. يحيى:

بصراحة فرحت بهذا السؤال فرحا شديدا، فرحت به لأننى صككت هذا المصطلح “نقد النص البشرى” مؤخرا، وقد وصلنى من ممارستى العلاج الجمعى بالذات جنبا إلى جنب مع قيامى بنشاطى المستمر فى ممارسة النقد الأدبى.

النقد مهم وجوهرى فى الحالتين، ولكن دعنى أبدأ بتعريف النقد الأدبى بالتأكيد على أنه إبداع ثان، يبدأ بالقراءة المبدعة ثم يمتد إلى أن يعيد الناقد إبداع النص الأصلى حين يقوم بتفكيكه من جديد ليعيد تشكيله وقد يكتشف فيه ما غاب عن المؤلف الأصلى، وقد يعيد تنظيم وحداته من منظور نقدى يجدد النص ويثريه

 وقد وجدت نفسى أقوم بمثل ذلك حين أقرأ نفسِمْرَاضية (سيكوباثولوجى) مرضاى، ولا أكتفى برصد الأعراض أو تعليق لافتة التشخيص، ثم أنه تتم إعادة تركيب وحدات الوعى من خلال التفاعل البينى المستمر، وهذا يشبه ما أمارسه حين أقوم بعملية النقد الأدبى تقريبا وأحاور النصّ بعد قراءته وتفكيكه، لكننى حين أمعنت النظر فى فى المقابلة بين العمليتين، رعبت من احتمال أننى أفرض على مريضى ما لم يختَره، فإذا بى أكتشف أنه من المستحيل أن أفعل ذلك إلا بمشاركة مريضى وهو يعيد تشكيل نفسه، فيصبح ناقدا مشاركا، ليس لنفسه فحسب بل إنه يعيد تشكيلى أنا شخصيا معه فى نفس الوقت.

ونكمل بقية المقتطفات غدًا حتى يمكن هضم الجرعة فقد بدت بالغة الدسامة.

[1] – Sheet

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *