الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (27) Biorhythmic Psychiatry قراءة النص البشرى من مدخل الإيقاعحيوى التطورى (1)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (27) Biorhythmic Psychiatry قراءة النص البشرى من مدخل الإيقاعحيوى التطورى (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 2-4-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3137 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (27)

Biorhythmic Psychiatry

قراءة النص البشرى

من مدخل الإيقاعحيوى التطورى

إن معايشة الحياة والأحياء بالمعنى الذى يقدمه الطبنفسى التطورى لابد وأن تجعل المقابلة الإكلينيكية مختلفة من حيث أنها تتم من خلال ما يسمى الوعى البينشخصى الذى يتكون بين المتقابلين (وليس بالضرورة المتحاورين، خاصة إن كان الحوار يعنى  س & ج والنقاش الكلامى)، من خلال هذا اللقاء يتحرك وعى كل من المشاركين فيه، حتى يتم إعادة تشكيل وعيهما معا، فيتجمع المريض إلى نفسه فالحياة، ويتحرك المعالج خبرة فنموا إلى نفسه ومرضاه، وحين وصلنى أن هذا اللقاء الذى لا ينجح إلا بإعادة تشكيل وعى كل منهما مهما قلّ مقداره: انتهبت إلى مصدر استعمالى مصطلح “نقد النص البشرى” وقبل ذلك مصطلح “قراءة النص البشرى” كما اكتشفت أنه لم يكتمل بهذا الوضوح الذى يصلنى الآن إلا من خلال مثابرتى فى هذه النشرات طوال هذه المدة.

حفزنى كل ذلك أن أعرض بعض المراحل التى مررت بها حتى ضُقِلَ هذا المصطلح، مهما كان من ذلك من تكرار، خاصة وأن فكرة القراءة فالنقد مع إعادة التشكيل لا يمكن أن نفهم كيف تجرى وتتواصل إلا من خلال تبنى مفهوم الإيقاعحيوى الدائم.

وسوف أبدأ من اليوم بعرض تطور هذا المفهوم خلال النشرات التى زادت عن الثلاثة الآف نشرة حتى الآن (1)

وفيما يلى تاريخ بعض ذلك:

حضرنى مصطلح “نقد النص البشرى” متأخرا ، بعد حوالى ربع قرن من كتابة أصول كتاب “الأساس فى الطب النفسى”. وقد ظهر هذا المصطلح  عن “قراءة ونقد النص البشرى” فى هذه النشرات على مراحل، وتم الحوار حوله والاستفسار عنه مرات كثيرة.

ولما كان لم يبقَ لى فى الجزء الذى ظهر من الكتاب الأول “الأساس” إلا فصلان: الأول باسم: المقابلة الإكلينيكية (2)، والثانى: الصياغة والاستقصاءات(3)، فقد فضلت أن أتناول هذين الموضوعين من منطلق هذا الكتاب الثانى حتى يبدأ التطبيق العملى من منطلق الإيقاعحيوى بمباشرة.

ولعل المدخل المناسب هو أن نتناول “المقابلة الإكلينيكية” باعتبارها قراءة النص البشرى تمهيدا لنقد النص البشرى.

تسلسل نمو مصطلح “نقد النص البشرى”:

كما ذكرت حالا  تغير عنوان “المقابلة الإكلينيكية” إلى “فن قراءة النص البشرى”، لعل هذا التغير يلزمنى أن أعرض ما استجد على هذه المقابلة من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى كما ذكرت، ذلك أنه يبدو أن مصطلح “نقد النص البشرى” لم ينبع إلا من موقفى التطورى الإيقاعحيوى معا، وقد سجلت ذلك تفصيلا منذ صدور هذه النشرة، وأسعدنى وشجعنى ترحيب الأخ والإبن والزميل صاحب الأفضال أ.د. جمال التركى على مواصلة استعمال هذا المصطلح، إذْ قد تفضل وحاورنى حوله بطيبة وكرم زائدين، وبما أن ذلك كان فى “بريد الجمعة”، وأظن أن أغلب المتابعين – إن وُجدوا- يحسبون أنه بريد خاص أو كالخاص، فقد رأيت أن أقدم تاريخ تطور الحوار معه بالذات حول هذا المصطلح وكيف سجلته هذه النشرات، قبل الدخول فى توظيفه فى الطبنفسى الإيقاعحيوى أصلا، ولعل استعمال هذا المصطلح بهذه التلقائية المتبادلة يشير كيف أن الممارسة الطبنفسية هى إبداع فنى يستعمل العلم والمعلومات، وأن هذا الإبداع هو أقرب إلى الإبداع النقدى والتشكيلى خاصة.

ونبدأ بعرض مقتطفات محدودة بترتيب تاريخى كما ورد هذا المصطلح فى هذه النشرات، لربطه بالإيقاع الحيوى والتطور.

المقتطف الأول:

المقتطف من نشرة رقم العدد (70) “حوار/بريد الجمعة” بتاريخ 9-11-2007 (4)

وصلنى هذا البريد من زميل لا أعرفه وكان يعقب على صعوبة النشرات عموما كالتالى:

د. كريم محمد شوقى

يبدوا أن الواحد لازم يقفل على نفسه ويقعد يقرأ عشر سنين متواصلة عشان يعرف يجاريك أستاذى.

د. يحيى:

لا أحسب يا إبنى أن المسألة مسألة قراءة وفهم بقدر ما هى مشاركة ووعى، أنا لوكنت قد قرأت مليون صفحة لم أكن لأصل إلى ماوصلت إليه من خلال قراءة النص البشرى لمريض واحد، متجادلا مع نصِّى البشرى الذاتى، كنت دائما أنصح طلبتى تحت التدريب أقول لهم إن رحلة سنوات مع مريض فصامى واحد سوف تعلمك كل الأمراض النفسية بلا استثناء، بل وربما كل البشر وكل الحياة.

المقتطف الثانى:

من نشرة رقم (123) بتاريخ: 1-1-2008

………………………

“….لم يعد هناك داع أن أعيد أننى لم أكن أتصور حين بدأت هذه النشرة اليومية أول سبتمبر 2007 أنها ستستمر إلى الآن (5) ولن أعيد أيضا الإشارة إلى ما عاد علىّ من هذه الورطة الرائعة شخصيا حين ساعدتنى فى هذه السن أن اكتشف ما عندى وما ليس عندى، ما قلته… وما كنت أتمنى أن أقوله، وغير ذلك مما كررت حتى أمللت، أما الفضل الذى لم أتوقعه أبداً فهو أن تكون هذه النشرة سببا فى إنشاء هذا المنتدى عن طريق الشبكة العربية للعلوم النفسية لتقديم فكرى الأحدث عن الانسان والتطور، وهو ما عبّر عنه الإبن د. جمال ترك بقوله:

“… قراءته اليومية للنص البشرى فى سوائه واضطرابه من منظور تطورى”

بأمانة شديدة، أنا لم أكن أحلم أن تصل خلاصة جهدى طوال عمرى إلى من يستطيع أن يجمعها هكذا فى عشر كلمات، وحتى أكون عند حسن ظن هذا الابن الواعى المثابر، وجدت نفسى ملزما بأن اقدم ما يفسر هذه الكلمات العشرة.. بمقتطف قديم من المجلة الأم “الإنسان والتطور” لعله يؤكد عمق هذا الموقف منذ عشرات السنين (فقد جاء من افتتاحية  العدد الثانى لمجلة الإنسان والتطور الفصلية، عدد أبريل 1980) ما يلى:

………………….

….هذه ‏‏المجلة هى ‏ذات‏ ‏فكر‏ ‏محدد‏ ‏وهو‏ ‏الانطلاق‏ ‏من‏ ‏مسيرة‏ ‏تطور‏ ‏الانسان‏ ‏البيولوجية‏ ‏واعتبار‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏من‏ ‏مضاعفات‏ ‏هذه‏ ‏المسيرة‏، ‏وليس‏ ‏جسما‏ ‏غريبا‏ ‏ينبغى ‏التخلص‏ ‏منه‏، ‏ولكنه‏ ‏نشاز‏ً ‏طارئ‏ ‏ينبغى ‏إعادة‏ ‏تنظيم‏ ‏مكوناته‏، ‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏الفكر‏ ‏المحدد‏ هى ‏تعلن‏ ‏قصور‏ ‏العلوم‏ ‏النفسية‏ ‏الحالية‏ ‏عن‏ ‏الوفاء‏ ‏بمتطلبات‏ ‏إنسان‏ ‏العصر‏، كما تعلن‏ – ‏كعينة‏ ‏محدودة‏ ‏غير‏ ‏ممثلة‏ – ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التخصص‏ ‏ليس‏ ‏تخصصا‏ ‏احتكاريا‏، ‏وأن‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏مثلا‏، ‏كما‏ ‏ثبت‏ ‏فى ‏النصف‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏هذا‏ ‏القرن‏ (العشرين)، ‏لم‏ ‏يوف‏ ‏بما‏ ‏وعدت‏ ‏بشائره‏ ‏فى ‏النصف‏ ‏الأول‏ ‏من‏ ‏نفس‏ ‏القرن‏، ‏وأن‏ أغلب ‏الطب‏ ‏النفسى المعاصر ‏باستغراقه‏ ‏فى تفسير الأمراض ب‏مفهوم‏ ‏كيميائى ‏تجزيئى إنما ‏يتخلى ‏عن‏ ‏مسئوليته‏ ‏تجاه‏ ‏كلية‏ ‏الانسان‏، و‏أن ما ينبغى أن ننتبه إليه هو ضرورة ‏أن‏ ‏نتوقف عند ‏مضاعفات‏ ‏التطور‏ (‏وصورتها‏ ‏فى ‏تخصصنا‏ ‏هى ‏المرض‏ ‏النفسي‏) ‏نعيد‏ ‏دراستها‏ ‏من‏ ‏منطلقات‏ تطورى ‏أشمل‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يحتكرها‏ ‏بعض علمنا‏ ‏العاجز‏ ‏بأسلوبه‏ ‏الحالى، ‏مع أنه قادر‏ ‏بانطلاقاته‏ ‏الأشمل‏ ‏على ما هو أبعد وأروع من ذلك بكثير.‏

………….

………….

ثم مقتطف آخر  من آخرعدد لنفس المجلة قبل توقفها بتاريخ 2000/2001 ما يلى:

……………….

الخطأ‏ ‏التطورى ‏الذى ‏يقع‏ ‏فيه‏ ‏الإنسان‏ ‏حاليا‏ ‏هو‏ ‏أنه ‏يعطى ‏هذا‏ ‏الجزء‏ ‏الإلكترونى، والجزء الأشبه بالالكترونى ‏فى مخنا العظيم (النصف الكروى الطااغى)، ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏حقه، ‏بل‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يحيط‏ ‏به‏. ‏هذا‏ ‏الكيان الجامع النابض المبدع طول الوقت،  لقد ثبت مؤكدا أن هذا الجزء الطاغى هو ‏أعجز‏ ‏- وحده – من‏ ‏أن‏ ‏يحيط‏ ‏بتاريخ‏ ‏الإنسان‏ ‏الحيوي، ‏ناهيك‏ ‏عن‏ ‏تاريخ‏ ‏الحياة، ‏علما‏ ‏بأن‏ كل من ‏هذا‏ ‏وذاك‏ (‏تاريخ‏ ‏الحياة، ‏وتاريخ‏ ‏الإنسان،)‏ ‏هو‏ ‏ماثل‏ ‏حالا‏ ‏فى ‏خلايانا، كل خلايانا، وأن المخ البشرى كله هو القادر على قيادة الحياة نحو هدفها إلى خالقها.

وبعد

أتوقف هنا لنواصل مع حوار أ.د. جمال التركى وغيره غدًا.

[1] – كما هو مبين فى رقم هذه النشرة (3137)

[2] – Clinical Interview

[3] – Formulation & Investigations

[4] – بعد صدور أول بشهرين ونصف

[5] – كان ذلك بعد ستة أشهر من صدور النشرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *