الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (231) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (231) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 31-3-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3129 

mahfouz 2

ص 231 من الكراسة الأولى

 

31-3-2016بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

ما حك جسمك مثل ظفرك  فتولّ

انت جميع أمرك، الصبر جميل جميل

الصبر. إذا نـام غِرٌّ في دجا الليل

 فاسهر وقـم للمعالى والعوالى وشَمِّرِ. نَصيبُكَ

 في حَياتِكَ من حَبيبٍ  نَصيبُكَ في مَنامِكَ

 من خيَالِ. رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى

فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ. سلو قلبى غداة

 سلا وتابا.

               نجيب محفوظ

                  30/9/1995

    القراءة:

لا أعرف لماذا أرجعتنى هذه الصفحة إلى الصفحات الباكرة، حين كان يعلمنى (يعلمنا)، ويذكّرنى (يذكرنا) بالشعر العربى الجميل الأصيل، وقد ذكرت سالفاً أنه كان نادرا ما يستشهد بأبيات من الشعر أثناء حديثنا العادى معه، وأننى لم أكن أعرف عنه حجم هذه الذخيرة الرائعة التى يحتويها وعيه من هذا الشعر الأصيل الدالّ التى كانت تحتويه مستويات وعيه بكل هذا الحب والإعجاب حتى تطفو على وعيه هكذا، فيتركها لنا بحدسه المتداعى هكذا نتعلم منها ومما تثيره فينا من تداعيات.

 حتى ما سبق وروده فى نشرات سابقة من قبيل نفس هذا الشعر الجميل المفيق مثل: “إذا نـام غِرٌّ في دجا الليل فاسهرِ وقـم للمعالى والعوالى وشَمِّر”(1)ومثل: “سلو قلبى غداه سلا وتابا(2)ورد فى هذه الصفحة فأثبته فى المتن لأؤكد هذه الملاحظة.

ثم نبدأ الجديد اليوم وهو من (شعر الإمام الشافعى) :

“ما حك جسمك مثل ظفرك  مقول كانت جميع أمرك”

 قليلون هم الذين يعرفون الإمام الشافعى شاعرا، فهو أحد الأئمة الكبار الأربعة الذين شاعت مذاهبهم فى الفقه عند المسلمين فى مصر خاصة، واسم الإمام الشافعى يذكر فى كل عقد قرأن، وكنت معجبا جدا بكثير من أقواله التى قرأتها فى “مناقب الشافعى للبيهقى” حتى أننى أهديت له كتابى الأم(3)  لمّا بلغنى نص من مناقبه يقول فيه :  “… مثل الذي يطلب العلم جزافا كمثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب ويحملها، ولعل فيها أفعى تلدغه وهو لا يدرى”، وقد سجلت هذا النص فى الإهداء، وقد تعجب كل من انتبه إلى هذا الاهداء، فهو كتاب فى علم السيكوباثولوجى (النفسمراضية!) فما دخل الإمام الشافعى فيه؟ وما علاقتى به حتى أهديه هذا الكتاب الذى اعتبره محور أعمالى؟ وحين كان أحدهم يسألنى عن ذلك لم أكن أجد جوابا شافيا، إلا أننى حين كنت أفكر لماذا أخترت الشافعى بالذات لأهديه أهم أعمالى مع أننى لا أعلم عن سيرته ومذهبه إلا أقل القليل فاكتشف أننى إنما كنت أوجه من خلاله تنبيها لمن يقرأ كتابى هذا وهو شرح على متن ديوانى “سر اللعبة”،  أنبهه أن هذا الكتاب هو علم خالص، وخبرة مهنية نقدية مُـحكمة، ربما فعلت ذلك لأننى كنت حذراً تمام الحذر من أن يتصور أحدهم أننى كتبت هذا الكتاب وأنا أطلب العلم جزافا، لأن هذا النقد كان هو أول ما أتوقعه وأنا أقدم خبرتى بمنهج غير مألوف يمكن أن يوصف بأنه من قبيل طلب العلم جزافا.

لكننى بعد ذلك بلغنى من جهود وكتابة المرحوم / “أ.د.نصر أبو زيد” كيف أن الإمام الشافعى كان أكثر المتزمتين فى قراءة النص، وتعجبت من فرط إعجابى بمناقبه وأنا شديد الحذر من المتزمتين فى الفقه أو فى العلم أو فى أى منظومة تقفل الباب أمام الاجتهاد والإبداع، ثم ها هو شيخنا يعيدنى إليه شاعرا فاكتشف أنه شاعر جيد، إلا أن أغلب ما وصلنى من شعره يمكن وضعه تحت ما يسمى “شعر الحكمة” ومن بينه البيت الذى أورده شيخنا فى هذه الصفحة وهو:

ما حك جلدك مثل ظفرك         فتولّ أنت جميع أمـرك

فأقف أمام البيت وأميل إلى قبول الشطر الأول، وأنا أحترم هذه النصيحة التى تؤكد أنك أكثر الناس دراية بكيفية احتياجك وطبيعة مشاكلك وبالتالى أقدرهم على اكتشاف أبعاد حلها، فلتتولها بنفسك، ثم اكتشف أننى أضيف إليه مرغما “ما أمكن ذلك”، وهو غير ممكن!! ويتأكد تحفظى حين أقرأ الشطر الثانى “فتولّ انت جميع أمرك”، وهو أمر أصبح مستحيلا فى عصرنا خاصة حيث أنه ضد فكرة ما يسمى “عمل الفريق”، إذ كيف تتولى جميع أمرك وهناك من المختصين فى جوانب شتى من أمورك يحذقونها أكثر منك، كما أنك يمكن أن تحذق بعض جوانب أمورهم، فيتم تبادل التعاون بكفاءة تجعل هذه الحكمة أقل بـَهْـرًا، ولكن يحضرنى مثلٌ عامى من بلدنا لعله يفسر هذا البيت أكثر إيجابية، هذا المثل يقول: “أم الاعمى أدرى بـِرْقاد الأعمى”، فهذا المثل ينبه إلى عدم التدخل بالنصح السطحى لشخص يمارس مهمته بحذق ونجاح طول الوقت، بطبيعة خبرته وانطلاقا من موقعه .

البيت التالى لهذا البيت فى قصيدة الشافعى يقول :

وإذا قصـدت لـحاجـةٍ                         فاقصد لمعترفٍ بقدرك

وقد أثبته أيضا لأنه أحضر لى تداعيا يبرره ويؤكده وهو القول القديم: “سئل أعرابىّ ما أشق الأمور على النفس؟ قال وقوف الكريم بباب الليئم ثم يرده”، تذكرت هذا القول والشافعى ينبهنا إلى اختيار من يستحق أن نطلب منه حاجتنا بعزة نفس وعشم من يرانا بما نستحق.

  • ثم أختم هذه الاستطرادات مع الشافعى بمقتطف من شعره أيضا لو أن شيخى كان معى لذكرته له مؤكدا ما كررته عليه من أن الجنس البشرى هو الأكثر عرضه للانقراض لأن أفراده يقتل بعضهم بعضا، الأمر الذى لا يحدث من أى نوع آخر.

وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ *** وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا

لكن دعونى أذكر الأبيات الثلاث على بعضها التى تقول:

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا *** وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ *** وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ *** وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا

  • ثم ننتقل إلى ما ورد فى نفس الصفحة مما طفا على سطح وعى شيخنا هذا اليوم فنقرأ البيت الثانى:

* نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ، نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ:

فاكتشف أنه بيت للمتنبى من قصيدته فى رثاء أم سيف الدولة التى أولها :

نُعِدّ المَشرَفيّةَ والعَوالي * * *  وتَقْتُلُنا المَنُونُ بِلا قِتالِ

ويبدو أن شيخنا يعرف القصيدة جيدا جدا حيث أورد بيتين منها معا هما البيت الثالث والرابع من القصيدة وهما:

نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ*** نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ

رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى*** فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ

وحين رجعت إلى القصيدة فضلت أن أضم إلى هذين البيتين: البيت التالى الذى يقول:

فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ*** تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ

فأتوقف من جديد أمام اختلافى مع شيخى، ومع كل من يشيد بالمتنبى إشادة مبالغ فيها، كنت ومازلت أحسب أنه لا يستحقها، ليس لضعف شعره، وإنما لما رفضته عن علاقته بسيف الدولة.

هذه القصيدة قالها المتنبى فى رثاء أم سيف الدولة كما ذكرت، وهو يشارك ولى نعمته أو “حبيبه” أحزان الفقد، فأتذكر نقاشى مع شيخنا حول علاقة المتنبى بسيف الدولة، وأذكر أننى رفضت تذلله له بالمحبة، وأنا بعدُ طالبا فى الصف الثانى الثانوى، حين كانت قصديته الميمية مقررة علينا وأولها:

واحـرَّ قلباهُ ممن قلـبُــه شـَبــِمُ  ***  ومنْ بجسمي وحالي عِنَـدَهُ سَقَــــــمُ

ثم قال:

مالي أُكَتّم حبّاً قد برى جسـدي ***  وتدعـي حـب ســيف الـدولة الأمــم

 وقد كانت أبيات كثيرة من هذه القصيدة مقرره علينا فى الثقافة العامة، وكان عمرى خمسة عشر عاماً، ولم أعجب من كل هذه القصيدة إلا ببيته القائل:

أعيـذها نظـرات مـنك صائبــة *** أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمـه ورمُ

وأذكر أن شيخى وأنا أصارحه بموقفى الرافض لهذه العلاقة قد نبهنى برقة أن هذه العلاقة مقبولة حسب الثقافة السائدة آنذاك، لأن شاعر الخليفة فى ذاك الزمان كان بمثابة وزير الإعلام لدى رئيس الدولة لدينا الآن، فماذا تنتظر من وزير الإعلام فى علاقته برئيس الدولة؟

 وتحضرنى علاقة محمد حسانين هيكل بالرئيس جمال عبد الناصر رحمهما الله، ولا أزيد.

[1] – وردت فى نشرة التدريب (ص 185) بتاريخ: 15-1-2015

[2] – ورد هذا النص فى صفحة التدريب (77) نشرة 24 -5-2012، وفى صفحة التدريب رقم (117) بتاريخ: 25-7-2013.

[3] – دراسة فى علم السيكوباثولوجى (1979)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *