الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (25) Biorhythmic Psychiatry تدعيم الفرض بملاحظات إكلينيكية عامة

الطبنفسى الإيقاعحيوى (25) Biorhythmic Psychiatry تدعيم الفرض بملاحظات إكلينيكية عامة

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 27-3-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3131 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (25)

Biorhythmic Psychiatry

تدعيم الفرض بملاحظات إكلينيكية عامة

مقدمة:

26-3-2016_3

   أنهيت نشرة أمس بالفقرة التالية:

“…. إن هذا الترتيب التنازلى التدهورى هو المقابل السلبى للترتيب التطورى النمائى، لأن المسيرة التطورية تبدأ من الخلية الواحدة غير المحتاجة إلى أخرى حتى للتكاثر، (هو ما يقابل المرحلة الشيزيدية)، إلى مرحلة الغابة (طور الكر والفر، بما يقابل الموقع البارنوى )، إلى صعوبة العلاقات الإنساينة الثنائية  الوجدان (بما يقابل الموقع الاكتئابى)، فمسيرة المرض هى عكس مسيرة التطور والنمو، وكلاهما يتواصل ويتمادى من خلال حركية الإيقاعحيوى إما فى اتجاه التشكيل والإبداع، وإما فى اتجاه التفكيك والتفسخ فيصبح العلاج من منطلق هذا الفرض هو محاولة عكس هذه  المسيرة السلبية إلى المسيرة الإيجابية، كما سيرد تفصيلا”.

وقد الحقت بهذه الفقرة شكلا إجمالا، لكنه كان قاصرا عن إيضاح هذه الفقرة.  ففضلت أن أبدأ نشرة اليوم بهذا الشكل الأكثر تفصيلا.

وبعد

الفرض الذى بدأت فى تقديمة أمس نشأ من الممارسة، لكن كان على خلفية تنظيرية متعددة الأبعاد فقد سبق إلى نفس الفكرة – مع الفارق – ثقات مهمين فى تاريخ الطب النفسى نذكر منهم:

أولاً: كارل مننجر  Meninger  

كارل مننجر: (وهو المولود فى نفس سنة ولادة كل من فرويد وكريبلين) فقد أورد  منظوره  عن الواحدية فى كتابه   “التوازن الحيوى” (1963) أما شقيقه وليام مننجر: فقد أسس جماعة التقدم بالطب النفسى ع27-3-2016_2قب الحرب العالمية الثانية مباشرة وكانت تدعو لمثل ذلك.

ثانياً:  أدولف ماير Adolf Meyer

  وهو الذى اعتبر إن المرض النفسى هو نوع من اللغة التى يتفاعل بها  المريض (أو يتفاهم بها رغم خطئها) مع ضغوط الحياة باستعداد خاص

لكن الرأى المشترك عند كل هؤلاء كان كميا وليس تطوريا أو هيراركيا بمعنى أنهم اعتبروا أن الأمراض النفسية متصل من البسيط إلى الأكثر شدة , مثلا من العصاب إلى الحالات البينية إلى الذهان.

ثالثاً: أما  هـ. جانترب  :H. Guntrip

 فى كتابه “الظاهرة الشيزيدية والعلاقة بالموضوع والنفس”(1)قد أرجع معظم الأمراض النفسية كلها إلى أصل الظاهرة الشيزيدية، لكن دون ربطها بالتطور أو الإيقاعحيوى، مكتفيا بمنطلقه من مدرسة العلاقة بالموضوع، وكتابه هذا هو الكتاب الذى اعتمدت عليه فى الربط بين مراحل نمو الطفل ومراحل تطور الحياة كلها (الفيلوجينيا).

وبعد:

 الملاحظات الإكلينيكية المدعمة بالفرض:

أولاً:  من منظور الوراثة: التبادل والتداخل الوراثى

v    لوحظ إنه لا توجد وراثة مرض بذاته وإنما الأغلب هو الاستهداف لتشكيلات متعددة من الأمراض فى العائلة الواحدة (بما فى ذلك الصرْع)

v    كما  لوحظ مدى تأثير وراثة مرض ما على الصورة الإكلينيكية لمرض آخر وقد ذهب “مايرجروس” إلى أن الفصام البارنوى هو ناتج التأثير الوراثى على الفصامى فى عائلة بها شخصيات دورية cyclothymic أو جنون دورى cycloid psychosis

v    كذلك لوحظ  تأثير وراثة مرض ما على المسار والتكهن والمآل للمرض الظاهر: بمعنى أنه لوحظ أنه إذا ظهر الفصام مثلا فى عائلة أغلب ما ظهر فيها هو جنون دورى، أو كان أفرادها ذوو شخصية نوابية فإن مسار الفصام وتكهن مصيره يكون أفضل مما لو كانت العائلة بها حالات فصام متدهور أو اضطرابات شخصية نمطية منحرفة.

ثانياً: من  منظور نقلة الزملات

  • فى المسار الطبيعى لبعض الأمراض قد تتناوب نوبات “ذهان غير متميز” مع نوبة “بارانويا تحت الحادة” أو “مع نوبة اضطراب وجدانى مختلط”، أو مع كل ذلك، مما يشير إلى أن الأصل هو الواحدية، وعادة ما تتغير شكل النوبة بتغير السن أو ظروف حدوثها.
  • فى الاضطرابات الثنائية القطب يمكن اعتبار أن النقلة من الهوس إلى الاكتئاب وبالعكس هى إعلان عن واحدية المرض ولو فى حدود هذه الفئة، إن اعتبار الهوس والاكتئاب مرضا واحدا ليس إلا دليل على الواحدية ولو فى حدود هذه الفئة.

ثالثاً: من منظور نقلة الأعراض

 إن تغير الأعراض فى المرض الواحد، بمرور الزمن أو بتغير المحيط يؤيد هذا الفرض أيضا بطريقة أو بأخرى ومثال ذلك:

  • من الاكتئاب اللا مبالى ظاهريا إلى الاكئتاب النشط المهدد بالهياج
  • من التصلب الكاتاتونى إلى الهياج الكاتاتونى, وبالعكس
  • من القلق إلى الاكتئاب و بالعكس

رابعاً:  الأمراض غير النموذجية والاضطرابات البينية

لعل مصطلح “الأمراض غير النموذجية” Atypical، وأيضا مصطلح “الاضطرابات البينية” Borderline هى الدليل المباشر على أن هذه النماذج تقع فى منطقة واحدة مشتركة وهذا هو من أصول هذا الفرض الواحدى، ومن ذلك:

  • كل أنواع الفصام غير النموذجية مثل: الفصام الكامن Latent Schizophrenia – الفصام المحتمل Potential Schizophrenia – الفصام شبه العصابى Pseudoneurotic Schizophrenia – والفصام المبتدئIncipient Schizophrenia
  • كثير من أنواع الاضطرابات الوجدانية توصف بأنها “غير نموذجية”، ويطلق عليها أسماء مختلفة مثل الاكتئاب النعّاب nagging Depression – الاكتئاب اللزج Sticky Depression– الاكتئاب الطفيلى Parasitic Depression – الاكتئاب المقاوم للعلاج Resistant Depression – الهوس المنتهى بندوب تنذر بمآل سلبى (تكاد تقترب من مآل الفصام السلبى)
  • لوحظت كذلك تنقلات بين أنواع اضطرابات الشخصية مثلا: من الشخصية النزوية إلى الشخصية السيكوباتية إلى الشخصية الانفجارية.

خامساً:  النقلات فى العلاج النفسى

  • أثناء العلاج النفسى وخاصة العلاج المكثف منه والعلاج الجمعي يعتبر ظهور الاكتئاب خطوة أساسية دالة على نمو العلاقة بالواقع وبالموضوع , خاصة لمريض فصامى أو مريض اضطراب شخصية
  • أثناء العلاج النفسى المطوّل والتنفيثى قد يتراجع الاكتئاب ليحل محله ما يكافئ اللامبالاة (الهرب إلى ميكانزمات شبه السلامة)
  • كذلك لوحظت نقلات من الفصام الانسحابىإلى الفصام البارنوى وبالعكس وأحيانا إلى حالات بارنويا، ونادرا إلى مآل وسواسى عقب فصام وكذا اضطراب شخصية كأعراض متبقية residual على مسيرة العلاج

سادساً: نقلات  مع العلاج الدوائى

  • إن ظهور الاكتئاب بعد استعمال النيورولبتات الجسيمة لا يكفى تفسيره بأنه تأخرحركى, والتفسير بالموصلاتالنيورونية ليس كافيا، فمن منظور المرض الواحدى هو نقلة توضع فى الاعتبار إيجابا أو سلبا حسب تطور الحالة.
  • الأعراض البارنوية بعد مضادات الاكتئاب قد يكون لها تفسير نقلات أعراضية – حسب هذا الفرض – أكثر من أنها أعراض جانبية لمضادات الاكتئاب.
  • النقلة إلى الهوس مع مضادات الاكتئاب ليست مجرد نتيجة تأثير العقار المضاد للاكتئاب وإنما – من خلال هذا الفرض أيضا – تعتبر إحدى التجليات لذات النفسِمْراضية المسئولة عن المرض الأصلى.

سابعاً: من منظور المآل المختلف لبعض الأمراض

تعتبر  النقلة الثالثة للفصام (مآل الفصام) بتنويعاتها إسهاما فى دعم فرض الواحدية وهذه النقلة الثالثة تشمل “اضطراب الشخصية” و”الوسواس القهرى” و”المُراق” Hypochondriacs أو هبوط الطاقة، وحالات بارانويا غير نموذجية.

ثامناً: من منظور الاستجابة المختلفة للعقاقير

  • اضطرابات الطيف الوجدانى: لوحظ مؤخرا – ليس مؤخرا جدا – أن ثمة أمراض لا تعتبر ضمن الأمراض الوجدانية إلا أنها تستجيب بنفس الجاهزية لمضادات الاكتئاب وذلك مثل: فقد الشهية العصبى والوسواس القهرى ونوبات الهلع، وهذا قد يشير إلى أن الاضطراب التحتى الذى يكمن وراء هذه المظاهر هو واحد، حتى أن هذه المجموعة جمعت كلها تحت ما يسمى “اضطرابات الطيف الوجدانى”.
  • إن ملاحظة الاستجابة الإيجابية نتيجة إعطاء الاضطرابات الوجدانية الجسيمة بما فى ذلك الاكتئاب جرعة مناسبة من النيورلينات هى دليل على أننا نتعامل مع “ما وراء الاكتئاب الذى يعد بالتالى دفاعا ضد الفصام كما ذكر الفرض المطروح وكأننا نعالج الفصام التحتى فلا يعود المريض يحتاج إلى استعمال الاكتئاب دفاعا ضد التفسخ الفصامى الذى كان يهدده.
  • معظم الذهانات: الهوس – الفصام – البارانويا (تعالج بنفس جرعة بالنيورولبتات الجسيمة يكاد يعلن واحدية أصل هذه الذهانات برغم اختلافات التشخيص.

 

[1] –  H Guntrip, Melanie, Klien, Fairbairn”Object-Relations” Theory of the Personality. (1952) New York: Basic Books.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *