الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (24) Biorhythmic Psychiatry من أين نبدأ؟ من أبسط النماذج!

الطبنفسى الإيقاعحيوى (24) Biorhythmic Psychiatry من أين نبدأ؟ من أبسط النماذج!

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 26-3-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3130 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (24)

Biorhythmic Psychiatry

من أين نبدأ؟ من أبسط النماذج!

استهلال:

التنظيم – اللاتنظيم – الجديد ليس أقل تشتتا من كل ما سبق، ومع ذلك، ولندرة المتابعين، لن أتراجع عنه، وعلى كل متابع جاد أن يعد لنفسه ملفا خاصا يجمع فيه ما يستحق أن يُجمع إلى بعضه البعض،

 سوف يظل يوما الثلاثاء والخميس لمشايخى الأفاضل مولانا النفرى، ومولاى نجيب محفوظ،

وسوف يستمر الأربعاء يوما حرا نسبيا ، أرجو أن يتسع لما تبقى من ملف “الاعتبارات الأساسية لكتاب “الأساس فى الطب”، مع استئذان هذا الكتاب بين الحين والحين، لنقدم حديثا هنا أو نشرة هناك لطارئ عابر، أو خاطر ملح.،

 ويظل يوم الجمعة مخصصا لبريد الجمعة (إن كان هناك بريد!)

أما نشرات السبت والأحد والإثنين، فأرجو تتسع للقيام بمهمة استيعاب هذا المحيط الجديد: الطبنفسى الإيقاعحيوى،

شكرا، وعذرا

مقدمة:

   “انتهت نشرة الأثنين الماضى كما يلى: “دعونا نأمل أن نبدأ الأسبوع القادم فى تقسيم الأمراض النفسية من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى”.

اجتمعت عندى ثلاث مُنْطلقات يمكن أن أبدأ منها :

المنطلق الأول:

هو كتاب التقسيم ، بالإنجليزية فقط Nosology (1)])، وهو الذى عرضت بعض مقدمته وترجمتها فى النشرات السابقة، وهو يحوى تاريخ تطور فكرى عن تقسيم بعض الأمراض واختلاف ذلك عن التقسيم التقليدى، وهذا المنطلق يبدو أنه الأسهل للبدء به، وذلك لأنه يتناول  وجهة نظرى فى عدد كثير من الأمراض، ونقدى لبعض التصنيفات التقليدية (الاكتئاب – الفصام – الذهان ..إلخ) ولكن بمراجعتى له، وبرغم وجود البعد التطورى الذى لا يخطئه أحد، من حيث أن أى وجهة نظر لى كانت تطورية سواء سمـِّيت كذلك أم لا، سواء قصدت إلى ذلك أم لا إلا أن الغالبية الأغلب فى هذا الكتاب كانت وجهة نظر نقدية للسائد فى التصنيف والتوصيف، وليست تطورية بشكل مباشر، وطبعا ليست إيقاعحيوية، فوجدت أننى سوف أضيف على كل مرض أعرضه هذين البعدين التطورى والإيقاعحيوى، مما قد يصعب المتابعة، ففضلت ألا يكون هذا منطلقى ابتداء، مع دعوتى لمن يشاء أن يتابع تطور فكرى أن يرجع إلى هذا الكتاب بالإنجليزية فى موقعى الخاص www.rakhawy.org، وبرغم  أنه كتاب قديم نشر/(لم ينشر) 1992 إلا أنه تسجيل مهم متفق أغلبه مع سوف نذهب إليه فى الطبنفسى الإيقاعحيوى

المنطلق الثانى :

هو تقديم الفرض الاساسى الخاص بالأبعاد التشخيصية dimensions، (وهى غير المحاور Axes) ، وقد لاحت لى أفضلية أن نبدأ منه: ذلك أن به تحديدا عمليا لفائدة هذا الفرض فى الممارسة الإكلينيكية والعلاج، وقد قمت  بتطبيق هذا الفرض فعلا مع زملائى وطلبتى  فى مستشفى دار المقطم منذ سنوات، وثبتت فائدته العملية، ، ثم إننى بدأت مؤخرا أطبقه مع الأطباء المقيمين بقسم الطب النفسى قصر العينى، فى المرور الأسبوعى (الاختيارى) ، واكتشفوا مثل زملائهم السابقين ما  له من فوائد عملية، وعلمية، وتطبيقية، مرتبطة أيضا بالبعد التطورى، وإلى درجة ما بالإيقاعحيوى، لذلك خطر لى الآن  أن أبدأ  من هذا المنطلق ربما  يغرى بعض الممارسين بتطبيقه، الأمر الذى سوف يسهم فى تدعيم المنطلق التطورى، بما له من فوائد عملية تطبيقية كما ذكرت،

إلا أننى أيضا وجدت أن تصدير هذا المنطلق للتطبيق يحتاج إلى ممارسة عملية تدريبية مباشرة: كما حدث معى فى مستشفى دار المقطم، ثم فى قسم الطب النفسى قصر العينى، وبالتالى فقد يكون مجرد نشره وخاصة فى صورته الأولى، غير كاف لإظهار البعد التطورى الإيقاعحيوى كما أريد فى هذا العمل الحالى.

المنطلق الثالث:

هو البدء من فرض تطورى (إيقاعحيوى)، يعرض مختلف الأمراض (وغير الأمراض أحيانا) من منطلق تطورى هيراركيى مباشر، وهو فرض: الواحدية فى مقابل التفتيت التصنيفى : الأمراض النفسية: اضطراب واحد وتجليات مختلفة؟  أم أمراض عديدة متميزة ؟

UNITARY CONCEPT versus MULTIPLE NOSOLOGICAL CATEGORIES

Psychiatric Disorders: One basic disorder with different presentations, or numerous  fragmented  categories ?

 وهذا المنطلق هو الأقرب إلى ما نقدمه لما سوف يترتب عليه من تقسيمات تصلح مباشرة لإيضاح مبررات تبنى هذا الفرع الذى نحاول تمييزه فى هذا العمل ، أعنى “الطبنفسى الإيقاعحيوى” .

الفرض الأساسى:

كل الأمراض النفسية (فيما عدا المرض العضوى الصريح المباشر، نتيجة التهاب أو ورم أو ضمور: مثل الهذيان أو العته أو الخرف) هى دفاعات هيراركية تنازلية ضد: التفسخ والنكوص والعدم، أى ضدالفصام التفسخى فالسلبى فالعدم.( (2)

26-3-2016_2

يبدو هذا الفرض بالغ الجسارة: حين يختصر كل الأمراض النفسية إلى مرض واحد، ويجعل كل الأمراض الأخرى هى محاولة دفاعية للحيلولة بين أن يفرض هذا المرض الخطير مساره ومصيره على المريض، وعلى الحياة ،إلا أن هذا الفرض لم ينشأ من فراغ، وإنما من ممارسة  كادت تصل الآن إلى ستين عاما، فى واقع ثقافتى وثقافة ناسى من كل الطبقات، بالإضافة إلى منابع فكرى الطبيعية والإيمانية، وما أضيف إلى هذا وذاك من اطلاع على ما يجرى وما يستجد من معارف ومعلومات وعلوم، عبر العالم فضلا عن ممارستى الخاصة فى محاولات النقد على كل المستويات.

الفكرة الأساسية هى أن الله سبحانه خلق هذا الكائن البشرى الذى تجمع الذى يجمع فيه تاريخ الحياة فى أحسن تقويم، وهيأ له الفرصة ليكمل طريق تطوره إليه بدرجة غير مسبوقة من الاختيار الواعى (حمل الأمانة) ليواصل ما سبق أن أشرنا إليه من تفعيل وتخليق مستويات أرقى فأرقى يحتوى من خلالها كل تاريخه فتتواصل مسيرته نحو الواحدية  تكاملا مع مستويات الوعى الممتدة إلى وجه خالقه ، وطالما أن الإنسان يواصل هذا الطريق فهو يواصل تزكية نفسه (أى تنميتها) ونوعه، بعمليات نبض تشكيلية مضطردة فى جدل إيقاعى متصل.

الفصام هو عكس ذلك تماما، فهو عملية شرذمة تفكيكية نشازية متمادية ، فهى تعوق أى توجه توحيدى ضام لمستويات النمو (التطور) وهى تتمادى فى كل الاتجاهات بما فى ذلك النكوصية والانتكاسية، وتختلف إشارات أسهم الحركية والنبض فى اتجاهات متنافرة تحول دون أى فاعلية لإيقاع النبض النمائى، بل وينقلب معها هذا الإيقاع الضام أصلا، إلى إيقاع مفرِّق مباعـِد، لينتهى إلى مزيد من التشرذم فالتفسخ، الذى يهمد فى النهاية نتيجة للعجز عن التشكيل والنمو والتطور، وحين تهمد الحركة التفكيكية وهى متجهة إلى منحدر التدهور، تمتلئ قجوات التفسخ بتندب تجمّدى سلبى عاجز.

هذه الصورة  البشعة المنذرة تجعل أى احتمال يحول دون هذا التمادى، وهذه النهاية هو احتمال أفضل، حتى ولو كان مرضا أقل إِنْشَازا (من النشاز) أى أقدر تماسكا لكنه مرض أيضا

بدا لى هذا الفرض من واقع الممارسة من البديهيات حتى تجرأت فرحت أشرح نموذجا له للأصغر فالأصغر يشرح هذه التركيبة، وهذه الاحتمالات على الوجه التالى:

  • لو أن بيتا بدأت تسمع فيه هسهسات التهديد بالانهيار، وترصد فيه بعض الشقوق المتمادية فى الزيادة ، ونما إلى علم سكانه وصاحبه هذا الاحتمال، فإن المتوقع أن يبادروا بعمل كل ما يستطيعون حتى يحولوا دون التمادى فى التصدع فالانهياروالتفسخ (الفصام المتفسخ) إلى أشلاء من الأنقاض والتراب والصفائح التى سرعان ما تبلى وتصدأ (الفصام السلبى).
  • فإذا أسرع ساحب البيت والسكان إلى “تنكيس” هذا البيت بوضع قوائم من الحديد، ترفع سقفه حتى يتمكنوا من وقف الانهيار والعثور على اسبابه وترميم ما يمكن ترميمه ودعم خرساناته، وكانت هذه القوائم متامسكة وصلبة وداعمة فعلا ، إلا أنها احتلت مساحة كانت صالحة للسكنى والاستعمال، تأجل الانهيار أو توقف، وكان ذلك أفضل من الاستسلام،
  • هذا هو ما يقابل  ما يسمى “المنظومات الضلالية المتماسكة، أى إغلب ما يقابل حالات البارانويا المتأصلة، وهذأ ما يعنى أيضا كيف تكون الدفاعات البارانوية هى دفاعات ضد الفصام

26-3-2016_1

  • فإذا لم تنجح هذه الدفاعات (التنكيس) أو لم تكن بالصلابة المطلوبة، فإنه يلوح حل مساعد، أو حل آخر، وهو التخفيف من عدد سكان هذا البيت الآيل للسقوط، ولو بإخراجهم كيفما اتفق إلى الشوارع (ولو مؤقتا) حتى يتم ترميم البيت، وإصلاح ما أدى به إلى البدء فى الانهيار، وهذا ما يقابل حالات الهوس التى تخرج ما بالداخل عشوائيا (وأحيانا خطرا) إلى الخارج ، وهذا ما يقوم به فرط حركية طاقة الهوس دفاعا ضد تمادى الفصام فى التفكيك إلى التفسخ إلى الهمود والتندب (المآل السلبى)
  • فإذا كان هذا الحل غير كاف، أو غير جاهز، أوبديلا عن هذا وذاك فإن احتمال أن يقوم السكان بعمل قميص مسلح داعم المنزل ، وإغلاق المزيد من فتحاته أبوابا ونوافذ، وقمع الحركة داخله ، حتى يؤجلوا أو يحولوا دون انهياره، إلى أن تتم الحيلولة دون التمادى فى التفكك، وهذا ما يقابل التمادى فى استعمال حيل الكبت والكف فيظهر ما يسمى الاكتئاب، وبديهى أن وضع قميص تقوية للجدران، وإغلاق المنافذ سوف يزعج السكان، ويحرمهم من حرية الحركة  وانطلاق التشكيل.

وبعد

فقد اكتفيت – كنموذج بدئى – بعرض للدفاعات الجسيمة التى تؤدى إلى أمراض جسيمة ، لمجرد شرح فكرة كيف يكون المرض الأخف دفاعا ضد المرض الأخطر والأسرع تدهورا، أرجوا ان نتمكن الآن – كما عهدت من الأصغر فالأصغر- أن نفهم ما يقصده الفرض.

على أن هناك وسائل دفاعية جسيمة ومتنوعة أخرى تسمح بالتمادى فى هذا الفرض ، حين نفهم أن العصاب بأنواعه، هو إسهام دفاعى أيضا فى الحيلولة دون تمادى الفصام فى تخريبه وتفكيكه، باستعمال الحيل الدفاعية بطريقة تحول دون التكيف ، وتفسد رضا الشخص ومتعته، وتواصله.

كذلك يمكن فهم اضطرابات الشخصية على أنها درجة أكبر وأكثر إزمانا من استعمال هذه الميكانزمات الدفاعية ، أو االإفراط فى استعمال بعضها لتفريغ الطاقة فى نزوات لتسهم فى التخفيف من ضغط الداخل المسئول أيضا عن احتمال التمادى فى انهيار المبنى.

وبعد

أعرف أننى أجملت وبسّطت أكثر من اللازم ، ولكننى سوف أعود لكل هذا بتفاصيل التفاصيل في حينه، لكن من حق القارئ أن يتساءل : ما علاقة هذا كله بالتطور والإيقاع جيوى ؟

طبعا لا يمكن أن أجيب فى بضعة الأسطر المتبقية فى نشرة اليوم عن هذا السؤال، ولكننى فقط أشير إلى أن هذا الترتيب التنازلى التدهورى هو المقابل السلبى للترتيب التطورى النمائى ، لأن المسيرة التطورية تبدأ من الخلية الواحدة غير المحتاجة إلى أخرى حتى للتكاثر، (هو ما يقابل المرحلة الشيزيدية)، إلى مرحلة الغابة (طور الكر والفر، بما يقابل الموقع البارنوى ) ، إلى صعوبة العلاقات الإنساينة الثنائية  الوجدان (بما يقابل الموقع الاكتئابى) ، فمسيرة المرض هى عكس مسيرة التطور والنمو، وكلاهما يتواصل ويتمادى من خلال حركية الإيقاعحيوى إما فى اتجاه التشكيل والإبداع، وإما فى اتجاه التفكيك والتفسخ

فيصبح العلاج من منطلق هذا الفرض هو محاولة عكس هذه  المسيرة السلبية إلى المسيرة الإيجابية، كما سيرد تفصيلا.

26-3-2016_3

[1] – Y.T. Rakhawy (1992): StructuraL-Teleological Approach To Nosology & Diagnosis In Psychiatry An Egyptian Point of View.

وهو ليس PDF  لمن يشاء أن يطلع عليه ابتداء، أو ينزله كتابا ورقيا فهو متاح بلا مقابل.

[2]- All psychiatric disorders (except organic ones caused directly by inflation degeneration or neoplasm etc e.g. dementia or delirium) are hierarchical defenses against disorganization regression and nihilism (against schizophrenia).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *