الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الجزء الأول: الافتراضات الأساسية الفصل السابع: ملف الاضطرابات الجامعة (26) صورة‏ ‏ومخطط‏ ‏الجسم‏ ‏و‏‏صورة‏ ‏ومخطط‏ ‏الذات

الأساس فى الطب النفسى الجزء الأول: الافتراضات الأساسية الفصل السابع: ملف الاضطرابات الجامعة (26) صورة‏ ‏ومخطط‏ ‏الجسم‏ ‏و‏‏صورة‏ ‏ومخطط‏ ‏الذات

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 23-3-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3127 

 

الأساس فى الطب النفسى (1)   

الجزء الأول: الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (26)

استهلال:

مازلنا فى الوظائف الشاملة، وقد توقعنا بعد موضوع “قوة الأنا” ثم “وظائف الأنا”، وبقيت لدينا صورة ومخطط الجسم ثم صورة ومخطط الذات.

صورة‏ ‏ومخطط‏ ‏الجسم‏ ‏

و‏‏صورة‏ ‏ومخطط‏ ‏الذات

مقدمة:

فى ‏الممارسة‏ ‏الإكلينيكية‏ قليلا ما ‏نستعمل‏ ‏تعبير‏ “‏صورة‏ ‏الجسم”، Body Image ‏بالمقارنة باستعمال‏ مصطلح “‏صورة‏ ‏النفس‏” Self Image، ‏وبدرجة أقل ‏من هذا وذاك نستعمل ‏ ‏تعبير‏ ‏”مخطط‏ ‏الجسم‏” Body Schema‏”ومخطط‏ ‏الذات‏!” Self Schema ‏

سوف نناقش اليوم كل هذه المصطلحات ومشروعيتها.

23-3-2016_1

 ينشط‏ ‏مخطط‏ ‏الجسم‏ ‏مباشرة‏ ‏بعد‏ ‏الولادة‏ ‏كنتيجة‏ ‏لحركية‏ ‏التفاعل‏ ‏بين‏ ‏جميع‏ ‏الواحدت والمشتبكات‏ ‏الحسية‏ ‏المستقبلة‏ ‏من‏ ‏العالم‏ ‏الخارجى (‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الحواس‏ ‏الخاصة‏) وأيضا من خلال رسائل الوعى البينشخصى مع الأم ثم المحيطين، ‏وكذلك المعلومات الجاهزة المُنَشَّطةْ من‏ ‏العالم‏ ‏الداخلى (‏بما فى ذلك الإحساسات‏ ‏العميقة‏ ‏والإحساسات‏ ‏الحشوية‏ ‏إلخ‏)، ‏وهذا‏ ‏المخطط‏ هو أيضا فى الْيـَتكوّن”،(2)وهو ‏تنظيم‏ ‏نيورونى مشتبكى خلوى، ‏وليس‏ ‏صورة‏ ‏ذهنية‏ ‏أو‏ ‏متخيلة، وبهذا يمكن أن نربط بين مشروع مخطط  الجسم وأيضا مخطط النفس القائمين فعلا بما هو فينا ابتداءً منذ الولادة عبر تاريخ الحياة والتاريخ الفردى، وبين رسائل المحيط من حولنا ليتخلق المخطط ويتطور، و لقد بدأت بالمخطط قبل الصورة لأنه الأصل، مع أنه أقل استعمالا بين الزملاء.

‏أما‏ ‏صورة‏ ‏الجسم‏ ‏فهى ‏الصورة‏ ‏المعقلنة‏ ‏التى ‏تنشأ‏ ‏من‏ ‏كلٍّ‏ ‏من‏ ‏المخط‏ ‏ومن‏ ‏تجميعات‏ ‏المدركات‏ ‏والأفكار‏ ‏المتعلقة‏ ‏بما‏ ‏هو‏ “أنا” (‏ باعتبارى كيانا‏ ‏قائما مستقلا على درجة من الوعى بأننى أنا كذلك)،

 وبألفاظ‏ ‏أخرى: ‏بينما‏ ‏مخطط‏ ‏الجسد‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏يمثله‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏النيورونية‏ ‏البيولوجية‏ (البيونيورونية‏) ‏فإن‏ ‏صورة‏ ‏الجسد‏ (فالنفس) ‏هى ‏أكثر‏ ‏تجريدا‏ ‏وأكثر‏ ‏عقلنة‏ ‏نتيجة‏ ‏لتراكم‏ ‏المدركات‏ ‏حول‏ “ماهية‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏أنا‏ ‏كيانا‏ عيانيا‏ ‏متجسدا‏”، مستقلا على درجة من الوعى الظاهرى به، كما قلنا ولذلك فصورة الجسد (والنفس) تتأخر عن حضور المخططين إلى مرحلة تالية، حيث تتكون من إجابات متتالية متصاعدة عن أسئلة غامضة، وإذْ يتكثف الرد عليها لتكوِّن مفهوما معقلنا كما ذكرنا، هو رمزىّ بدرجة ما: وهو صورة الجسد (فالنفس).

23-3-2016_2

فإذا‏ ‏انتقلنا‏ ‏إلى مخطط ‏النفس Self schema تحديدا، ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏التأكيد‏ ‏ابتداء‏ ‏أن‏ ‏النفس‏ ‏لا‏ ‏تنفصل‏ ‏عن‏ ‏الجسد‏، ‏وحسب‏ ‏الفرض المقدم‏ ‏هنا‏ ‏فإننا‏ ‏نتناول‏ ‏النفس‏ ‏باعتبارها‏ ‏إحدى تجليات‏ ‏الكيان‏ ‏البشرى ‏الشامل‏ ‏للفرد، ‏وبالتالى ‏فإن الأرجح‏‏ ‏أن‏ ‏ثمَّ‏ ‏مخططا‏ ‏للنفس‏ ‏موازٍ لـمخطط ‏الجسم‏ ومندمج معه إذْ يتشكل فى نفس الوقت، ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏نوضح‏ ‏هذا‏ ‏الفرض‏ ‏أكثر‏ ‏باعتبار‏ ‏أن‏ ‏مخطط‏ ‏النفس‏ ‏هو‏ ‏تنظيم‏ ‏بيولوجى ‏نيورونى (‏بيونورونى) ‏أيضا، تشكَّل‏ ‏من‏ ‏امتزاج‏ ‏مخطط‏ ‏الجسد‏ ‏مع‏ ‏التمثيل‏ ‏الهولوجرافى ‏المتعدد‏ ‏لمفهوم‏ “ما‏ ‏هو‏ ‏أنا‏”  ‏من‏ ‏خلال‏ ‏عمليات‏ ‏تشبه‏ ‏عمليات‏ ‏التسجيل‏ ‏الشامل‏ ‏للذاكرة‏ سواء فى الوعى الذاتى أو فى امتداده خارج الجسد كما يزعم شلدراك(3)

أما‏ ‏صورة‏ ‏النفس‏ ‏فهى ‏أيضا‏ ليست سوى ‏التصور‏ ‏التجريدى ‏المعقلن‏ ‏لما‏ ‏يعتقد‏ ‏الشخص‏ ‏أو‏ ‏يتصور‏ أنه‏: ‏”هو‏”: صورة لنفس أو مفهوم النفس: هى مجموع المفاهيم التى تتضفر لتتخلق منها  صورة للنفس أو مفهوم للنفس فهى جماع تكاملى من القيم، والأهداف، والمعتقدات، والقدرات، ورسائل المجتمع الأخرى فى كلٍّ مفهومىٍّ رمزىٍّ أساسا.

23-3-2016_3

وبعد:

إن هذا‏ ‏التداخل‏ ‏المكثف‏ ‏بين‏ ‏هذه المفاهيم الرباعية‏ ‏للجسم‏ ‏والنفس‏ ‏قد‏ ‏يفسر‏ ‏علاقة‏ ‏تغير‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏هذه الظواهر‏ ‏مجتمعة‏ ‏أو‏ ‏منفصلة‏ ‏بتغير‏ ‏أى ‏منها.

‏وفى ‏مشاهداتى الإكلينيكية المواكبة لأغراض فروضى ‏ ‏رصدت – مثلا – ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏التغير‏ ‏الذى ‏يحدث‏ ‏فى مخطط وصورة ‏الجسد فى البداية النشطة للذهان خاصة، وأيضا‏ ‏أثناء‏ ‏العلاج‏ ‏النشاطى ‏فى ‏مجتمع‏ ‏علاجى، بين‏ ‏مفهوم‏ ‏الذات‏ ‏ومحتوى ‏الفكر‏، ‏ووجدت‏ ‏إشارات‏ ‏دالة‏ ‏على ‏تداخل‏ ‏هذه‏ ‏الأبعاد‏ الأربعة ‏بشكل‏ ‏شديد‏ ‏التكثيف‏ ‏والدلالة‏، وهذا ما سوف يأتى تفصيله فى سياق وصف الاضطرابات المخلتفة والعلاجات المتنوعة.

“جاك لاكان”، وتشكيل وصورة النفس:

حين نتقدم للحديث عن صورة الجسد فالنفس، أى عن عملية ظهور ما هو: حالة “الشخص” متفردا أو مستقلا (وكاملا)، لابد من إشارة إلى رأى “جاك لاكان” فى نمو وتخليق صورة النفس وخاصة فى وصفه المتحمس لما أسماه “مرحلة المرآة”، وفيما يلى موجز رأية:

23-3-2016_4

* مرحلة المرآة : جاك لاكان (1949):

“فى سن مبكرة جداً بين الشهر السادس والشهر الثامن عشر يبدأ الطفل بتطوير قدرة التعرف على صورته فى المرآة، التى تشكل له وحدة جسدية متكاملة ينتحلها لنفسه مما يمنحه حسّاً بالكمال والوحدة، كما يمنحه وعياً بفكرة الاختلاف والانفصام عن الغير. غير أن الكمال هذا مجرد وهم يتعارض مع معايشة الطفل لتَشَظِّى جسده وتشظى تجربة الجسد نفسه. ويثبت الطفل وعياً بالرابط بين حركاته وسلوكه وبين مثيله المنعكس فى المرآة. كما يدرك لاحقاً أن الصورة المنعكسة ليست صورة مطابقة تماماً له، وإنما هى صورة مثالية جسدياً واتحاداً يسعى الطفل للتماهى معها، وتكون أرضية لتبينه عامل “الأنا” قبل أن تحدد اجتماعياً، ولعل مثل هذا الوضع يكشف أسس النرجسية والهوية وقضية التماهى.

إن أهم ما تنطوى عليه هذه المرحلة هى بذور الاغتراب، أى انفتاح هوة سحيقة لا تقبل الوصل بين الطفل وما يتراءى له من صورة الذات، وسيظل هذا الانفصام مصاحباً لكل علاقاته المستقبلية، ومن هذه اللحظة وصاعداً لا يدرك الطفل هويته إلا من خلال منظور وهمى، يهئ بدوره للاغتراب الذى سيتحقق مع اكتساب اللغة وعبور الطفل إلى النظام الرمزى، فالأنا أو الذات منزرعة فى مهاد وهمى تحاول دائماً الدفاع عنه ضد هجمات ما يسمى بـ “الواقع الحقيقى”.

أن المرء لا يتشكّل كفرد دون علاقة تربطه بالآخر، فالطفل يدرك أن الصورة محض صورة خارجية بالنسبة للذات، وهى مرحلة نظام الرمز.

23-3-2016_5

بعض نقد رأى لاكان :

أولاً: حين يقول  لاكان : “إن الكمال مجرد وهم يتعارض مع معايشة الطفل لتشظى جسده وتشظى تجربة جسده فعلا” فهو يفترض ابتداءً أن الأصل منذ الولادة هو التشظى، وأن الذى يجمع هذا التشظى فى واحدية هى خبرات ما بعد الولادة وبالذات بدءًا فى حوار الطفل مع صورته ابتداءً – وليس مع أمه –  فى المرآة، وهذا ضد ما نذهب إليه من جاهزية الطفل الطبيعية لاستعادة مسار الحياة لإكمال التشكل بعد مواجهة مثيرات الواقع ومع الجدل النمائى مع الآخرين، بدءًا بأمه التى تنشط ما ولدَ به من برامج تطورية عبر الحياة وعبر الوارثة كما أسلفنا فى تقديم أساسيات الطبنفسى الإيقاعحيوى.

ثانياً: إنه يصيغ نظريته على ما يغلب فى ثقافته (فرنسا كمثال)، فهناك عشرات أو مئات الملايين من الأطفال عبر العالم يولدون ويكبرون ويتكون لهم صور للجسد والنفس وهم لم ينظروا فى المرآة أصلاً، هذا إذا كان عندهم مرآة !!! فكيف ينمون؟ وكيف تتكون ذواتهم؟ .

ثالثاً: إنه بقوله “إن الطفل يدرك تدريجيا أن الصورة محض صورة خارجية بالنسبة للذات، يتجاوز احتمال تخليق ما أسميناه مخطط الجسد وهو حقيقة فسيولوجية، تبنى عليها ومعها ما أسميناه “مخطط النفس”، ومن ثَمَّ صورة الجسد وصورة النفس.

رابعاً: كيف لا يدرك الطفل هويته إلا من خلال منظور وهمى يهيِّئ بدوره للاغتراب  الذى سيتحقق مع اكتساب اللغة، صحيح أن اكتساب النظام الرمزى هو نقلة إلى اغتراب إيجابى باللغة، لكننى لا أحسب أنه يؤدى إلى استثارة الذات المنزرعة فى مهاد وهمى لتدافع ضد هجمات ما يسمى بالواقع الحقيقى.

 من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى نفترض أن الجدل المستمر من خلال نبض الإيقاعحيوى الدائم يحتوى كل ذلك إيجابيا وإبداعا مع كل نبضة على كل مستوى طول الوقت مدى العمر بطول الحياة للفرد والنوع فى الأحوال الطبيعية.

………………

وغير ذلك كثير مما سيتبين أولا بأول خاصة مع التطبيق.

[1] – ابتداء من اليوم سوف يخصص يوم الأربعاء لإستكمال ما تبقى من ملف الجزء الأول من كتاب “الأساس فى الطب النفسى”، وله علاقة غير مباشرة بالطبنفسى الإيقاعحيوى فهو عرض مطول للوظائف النفسية الأساسية من منطلق شامل متضمن البُعد التطورى والإيقاعحيوى والإيمانى أحيانا، وخاصة ملفات: الوجدان والإدراك والوعى، وهذا لا يعنى أن الكتابين هما واحد، ولكنهما متكاملين ضمنا. (آسف لكثرة التغيير).

[2] – هذا التعبير استعملناه سابقا لوصف دوام الشخصية فى النمو مع نشاط الإيقاعحيوى المستمر.

[3] – نشرات:  نشرة 21-6-2015 ،  نشرة  18-5-2014 ،  نشرة  1-6-2014

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *