الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (19) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (14) تنويعات الإيقاعحيوى وحالات الوجود المتناوبة (1)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (19) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (14) تنويعات الإيقاعحيوى وحالات الوجود المتناوبة (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 14-3-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3118 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (19)

Biorhythmic Psychiatry

النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (14)

تنويعات الإيقاعحيوى وحالات الوجود المتناوبة (1)

مقدمة

بالرغم من أن الإيقاعحيوى يجرى ويتجلى فى كل شىء وكل وقت وكل حياة (وقبل الحياة، وبعد الحياة)، إلا أنه ليس واحدا وله قوانينه وتشكيلاته حسب الموقع والموقف والمجال والمحيط، وقد لاحظت فى مراجعتى لما سبق أننى حين كنت أشير إلى نبض الإيقاع الحيوى كنت استعمل قياس إيقاع نبضة القلب بشكل مباشر ومتكرر، وقد نبهت من قبل فى النشرة رقم 3102، بتاريخ 27-2-2016، كيف أن نبضات القلب ليست هى النموذج الأمثل للقياس عليها حيث أن الإيقاعحيوى كما وصلنى وأقدمه هنا يكاد يكون أبعد عن هذه الميكنة الكمية الذى تمثلها نبضات القلب، فالمخ لا يمتلىء  بالمعلومات مثلما يمتلىء القلب وإنما هو يُـبـَرْمِجُ دخولها من أول لحظة، ثم هو لا ينبسط بالمعلومات الواردة إليها أولا بأول بل إنه ينشِّطها ليعيد تشكيلها بجدلٍ إبداعى نابض، متكرر، لا ينقطع.

14-3-2016_1

حالات الوجود الثلاثة:

تمهيد:

فى نشرة سابقة أثبتُّ فرض حالات الوجود المتناوبة الثلاثة بادئا بثلاث حالات هى “حالة العادية”، و“حالة الجنون” (التفكيك) ثم “حالة الإبداع” ثم انتهيت إلى أنها حالات خمس، حيث أضفتُ إلى أقصى اليمين “حالة فرط العادية” وإلى أقصى اليسار “حالة الجنون”.

من المألوف أن نقبل ما هو عادى على أنه عادى، وما هو إبداع على أنه إبداع “خاص” بمعنى أنه يتميز به بعض الناس دون غيرهم، ومع الفارق، فإنه من المقبول أن نطلق، صفة “حالة” على أى منهما  “حالة العادية” و”حالة الإبداع”، أما أن نصف الجنون بأنه حالة، ونعتبرها ضمن حالات الوجود المتناوبة، فهذا ما يحتاج إلى إيضاح خاص، حتى لو كنا قد انتبهنا فيما بعد، وأضفنا إليها صفة أخرى تكاد تنفيها، (الجنون اللاجنون) ثم إننا حاولنا استبدالها بصفة بعيدة عن شبهة الجنون تماما (حالة التفكيك المفترقى) مما سيأتى ذكره.

من البديهى أن نبدأ بتوضيح ما نعنى بتعبير “حالة”، وأيضا أن نوسع مفهوم “الإبداع” حتى يسمح أن يكون أى شخص هو مبدع بالطبيعة ما دام ينام ويصحو مختلفا ولو واحد فى الألف، ما دام الإيقاعحيوى يقوم بالواجب فى إعادة تشكيل دماغة، بل كل كيانه، أثناء نبض النوم، ونبض الأحلام خاصة، أما إضافة كلمة حالة  إلى لفظ جنون فهذا هو ما يحتاج إلى توضيح خاص:.

تعريف بالحالات المتبادلة:

أولا:

حالة الجنون التى نتحدث عنها هى حالة مؤقتة قد تستغرق جزءا من ثانية إلى بضعة أيام ونادرا بضعة أسابيع، مع أو بدون ظهور أعراض ثابتة، وهى حالة تفكيك بيولوجيى تركيبى- قد يتقدم إلى إعادة تشكيل (إبداع) وقد يتراجع إلى العادية، وقد يتمادى حتى يستقر سلبا فلا يعود بذلك يستحق صفة “حالة” حيث أنه إذا  استمر وتفاقم لا تنطبق عليه دورات التبادل المقترحة، (إلا نادرا بعد علاج مكثف مواكب نمائى مسئول)(1) حالة الجنون هذه (وليس الجنون) تركز على حركية “التفكيك” وليس على محتوى السلوك أو ظاهر السِّمات أو أسماء الأعراض،   وحركية التفكيك هذه مرتبطة بالإيقاعحيوى كما سيرد الذكر، فحالة الجنون بهذا المعنى تحدث بشكل إيقاعى راتب بعيدا عن وعى الصحو عادة، وهى هى ظاهرة التفكيك فى الأحلام التى يتميز بها نوم الريم REM خاصة (النوم الحالم أو نوم حركة العين السريعة)، وإن كانت قد تحدث فى اليقظة أيضا مع أعراض مزعجة نسبيا، لكن لفترة محدودة ثم حسب مسارها كما ذكرنا.

ثانيا:

أما “حالة الإبداع”  فهى تشير إلى أن الكيان البشرى، وهو فى حالة إيقاعحيوى متصل، يعيد تشكيل نفسه (وبالذات مخه) طول الوقت فلا يوجد –كما ذكرنا- إنسان هو مبدع  والآخر ليس مبدعا، الاختلافات واردة، والفرص مختلفة، لكن ‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية‏ ‏بمسيرتها‏ ‏الحيوية‏ ‏تسمح بالتبادل الحتمى لكل فرد دون استثناء‏‏ ‏بين‏ ‏حالات‏ ‏الوجود‏ ‏التى أشرنا إليها، ومنها ما اسميناه “حالة الإبداع”، واستعمال كلمة إبداع هنا إنما يشير إلى النتاج الإيجابى من حالة التفكيك (الجنون اللاجنون) سواء كان هذا النتاج تغيرا نوعيا بالغ الرهافة لا يمكن رصده ظاهرا أولا بأول على مسار النمو نتيجة لنشاط الإيقاحيوى المستمر، أم كان ناتجا إبداعيا مسجلا.ً

ثالثا:

أما “حالة العادية” فهى ما يشير إليه ظاهر حالات أغلب الناس، أغلب الأوقات، فالإنسان العادى: عادى مهما اعتبرناه مشروع مبدع أو مشروع مجنون، ومهما تبادل سرا  أو علانية مع حالاته الأخرى نتيجة نبض الإيقاعحيوى المستمر.

التمادى إلى المرض أو الجمود الظاهر:

من حيث المبدأ: لا تتوقف حركية نبض الإيقاحيوى أبدا إلا بالموت (وحتى الموت اعتبرته فى فرضى عن الموت أنه أزمة نمو!!! أنظر: نشرة   23-2-2013)، لكن أطوار النبض وفاعليته قد تختفى طول الوقت بفعل الهرب وراء ميكانزمات قامعة أو مانعة أو مُنْكِرَة أو غير ذلك، فيتوقف النمو تماما أو يُجهض أولا بأول، إذْ تنغلق دوائر النبض فى دوائر مغلقة (النبض فى المحل) وهذا ما أسميته “فرط العادية” وهو الوصف المباشر لنوع من اضطراب الشخصية، علما بأن كل اضطرابات الشخصية قد اعتبرتها وقفة دائمة أو شبة دائمة على مسار النمو وصنفتها على هذا الأساس(2)

وعلى الجانب الآخر، فإنه إذا تمادت حالة التفكيك فإن ‏التناثر يتمادى فيتحلل‏ ‏‏ ‏الوجود إلى التدهور المتمادى فالتحلل المتفسخ السلبى  إلى المآل السلبى الهامد، (الإزمان والموت النفسى = الجنون الصريح المتمادى).

وأخيرا فإنه إذا‏ ‏غلبت حالة ‏الإبداع‏ بلا ناتج ابداعى أو استيعاب غائى  ‏فقد يكون ذلك على حساب استمرار حركية النمو والتطور أيضا، فتتواصل حالة الوجود النشط وتتمادى حتى قد تتجاوز الحدود-ونادرا ما تفعل إذا اتيحت الفرص المناسبة- فقد ينقلب الإبداع إلى عكسه وهو (الجنون) أقصى الناحية الأخرى

وفى جميع هذه التجاوزات يمكن رصد كيف أن الإيقاعحيوى قد اختل ولم يعد قادرا على أداء وظائفه الإيجابية، والحفاظ على التناوب لتحقيق الناتج النمائى على مسار النمو والتطور.

14-3-2016_2

تصنيف الأحوال بديلا عن تصنيف البشر:

هذه النقلة من “تصنيف البشر” إلى “تصنيف الأحوال” هى اعتراف ضمنى بحتمية التطور عند كل الناس، وهى نقلة معرفية لو قبلناها يمكن أن تمثل انطلاقة نحو قبول الطبيعة البشرية بما يسمح للعادى أن يبدع، وبما يُطَمْئِن المبدع، حتى لو خاف مخاطرة الجنون، أن يواصل الإبداع، كما أنها بمثابة تنبيه إلى ضرورة احترام الذى تمادى فى التفكيك حتى جـُنّ باعتبار أنه احتمال قائم عند أى واحد منا، وأيضا باعتبار أن ثمة فرصة أمام الذى تورط فى هذه المحنة محنة المرض، ليس فقط للعودة إلى العادية والتبادل الصحى، وإنما لاحتمال الإبداع ما دام أنه قد تحرك بما يشير إلى احتمال أنه أَجْهزُ للتفكيك من المتصلب العادى، مع اتخاذ كل الحذر لأنه أكثر عرضه من غيره للحل السلبى المتمادى.

إذن فحالة الجنون ليست هى الجنون، لكنها مشروع جنون لا أكثر، ونعيد توضيح‏ ‏هنا‏- ‏ثانية‏ ‏وكثيرا‏- أن‏ ‏اعترافنا‏ ‏بـ‏ “‏حالة‏ ‏الجنون‏” ‏على ‏أنها‏ ‏مرحلة‏ ‏ضمن حركية النمو‏، ‏لاينبغى ‏أن‏ ‏يعطيها‏ ‏أية ‏شرعية‏ ‏للتمادى، حتى تصير إلى ما يسمى “الجنون”، فعلا، وهكذا فلا بد من التأكيد على أن حالة الجنون هى غير الجنون وإن كانت هى المؤدية إليه متى طالت، وتمادت، وظهرت كما هى دون تطوير فى الوعى العادى مهما كان ضئيلا، إذن فإن ‏دفاعنا‏ ‏عن‏ ‏حق‏ ‏التواجد‏ ‏والتبادل‏ ‏والتفاعل‏ لهذه الحالة مع الحالات الأخرى ‏هو‏ ليس ‏دفاعا ‏عن‏  ‏ظاهرة‏ ‏الجنون‏ مرضاً، ‏أى ‏أننا‏ ‏نقبل‏ ‏الجنون‏-‏وندافع‏ ‏عنه‏- ‏بما‏ ‏هو‏ ‏حالة‏ ‏مرحلية‏ ‏نشطة، واحتمالٌ وارد، وبالتالى نسمح بحركتها‏ ‏فى ‏إطار‏ ‏حركية‏ ‏متكاملة‏ ، ‏لكن‏ ‏ليس‏ ‏أبدا‏ ‏بوصفها‏ ‏ظاهرة‏ ‏مستقرة‏.

 إنها دعوة أن نقبل حالة الجنون وليس الجنون، باعتبارها حالة ‏نحترم‏ ‏بدايتها‏ ‏دون‏ ‏مسارها‏ (‏إلى ‏التدهور‏ ‏والنكوص‏ ‏المستتب‏). ‏هذا‏ ‏الاضطرار‏ ‏الحذر‏ “‏الجنون فى رحاب العقل” ‏هو‏ ‏المخرج‏ ‏المحتمل‏ ‏لمواجهة‏ ‏غلبة‏ ‏رفضنا للجنون‏‏ ‏كليةً‏ ‏وابتداءً‏ ، ‏مما‏ ‏يترتب‏ ‏عليه‏ ‏رفض‏ ‏للحركية‏ ‏ضمنا‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ تراجع ‏احتمالات‏ ‏الإبداع‏ ‏الذى ‏يتفق‏ ‏معه‏ (مع الجنون) ‏فى ‏البدايات‏.‏

وغداً نكمل.

[1] – انظر نشرات “محمد طربقها” من التفكيك إلى التخليق” نشرة 20-10-2015 ، نشرة 2-11-2015 ، نشرة 12-1-2016

[2] – انظر الفصل التاسع “اضطرابات الشخصية دراسة فى علم السيكوباثولوجى ص 445 – 505.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *