الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (55) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية الإيقاعحيوية الجذور (2) الأطوار الثلاثة الأساسية لدورات المخ (1) أولا: الطور النكوصى الإنسحابى الكرّفـَرّى التوجسى (1- )

الطبنفسى الإيقاعحيوى (55) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية الإيقاعحيوية الجذور (2) الأطوار الثلاثة الأساسية لدورات المخ (1) أولا: الطور النكوصى الإنسحابى الكرّفـَرّى التوجسى (1- )

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 6-6-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3202

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (55)

Biorhythmic Psychiatry

النظرية التطورية الإيقاعحيوية

   الجذور (2)

الأطوار الثلاثة الأساسية لدورات المخ (1)

أولا: الطور النكوصى الإنسحابى ó الكرّفـَرّى التوجسى (1-)

مقدمة :

أدمجت هذين الطورين معا، – لأسباب علمية  وعملية سوف أذكرها- برغم أننى سوف أتناولهما الواحد تلو الآخر .

 أما الطور “النكوصى الانسحابى” فهو الذى  يقابل “الموقع الشيزيدى” عند مدرسة “العلاقة بالموضوع”،  وهو لا ينفصل عن الموقف التالى أى الطور  الكرّفـَرّى التوجسى وهو ما يقابل “الموقع البارانوى” عند مدرسة العلاقة بالآخر  ، وسوف نشير بعد قليل إلى الترابط الوثيق بين الموقفين، حتى لا يمكن فصلهما!

نبدأ بالطور  الأول:(1)، ولن نتورط فى عرض ما لا يمكن قياسه أو ملاحظته، وسوف نكتفى بعرض الأطوار طورا طورا وكأنها نوع وجود: كامل/حاضر/مستمر، يمكن شرحه وتوضيحه، وكأننا نضع الأطوار  ذات الأزمنة متناهية الصغير تحت مُكَبِّر آلاف المرات (أو مضاعفاتها بلا حصر) (2):

 النكوصى الانسحابى:

 تتميز آليات هذا الموقف بإلغاء الموضوع أصلا ، والانسحاب بعيدا عنه، إلى الرحم أو ما يعادله، ومما يؤكد مشروعية رفضنا لتسميته باسم مرضِى (أو شبه مرضى: شيزيدى) أنه، مثل كل نبضات المخ وأطوارها موقف دفاعى، وهذا هو الفكر الأساسى للطبنفسى التطورى (وليس بالضروري الإيقاعحيوي) على أساس أن أى موقف أو آلية تبدو مرضية، أو ينتج عنها مايسمى مرضا فى الإنسان، هى فى جذورها آلية (أو برنامج) تطور دفاعى مشروع، ونحن حين نستقبل الأمر من هذا المدخل يصبح تعاملنا معه مختلفا ، فيصبح المطلوب هو قبوله من حيث المبدأ، ثم محاولة تعديل مساره من ناحية، والعمل على تأكيد تآلفه مع البرامج اللاحقة والمتبادَلة حسب التوقيت والغاية من ناحية أخرى، (وهذا هو الأسلوب الذى سوف نتعامل به مع كل أطوار نبض المخ  فى الصحة والمرض)

والآن، دعونا نبدأ من البداية:

بدأت الحياة – بدءا من الفيروس وما بعده– دون حاجة تطورية لعمل علاقة تكاثرية بموضوع آخر، كان ذلك فى المرحلة أحادية الخلية (وما قبلها) حيث يتم فيها التكاثر “بالانقسام اللاجنسى”، وهذه المرحلة تكاد تقابل بداية البويضة قبل التلقيح، وهى مرحلة تشير إلى عدم ضرورة التنوع الجنسى للحفاظ على النوع.

6-6-2016_1

 ثم أنه بعد حدوث التلقيح يظل التواجد الحيوى داخل الرحم دون حاجة إلى “أخر” وتتم المحافظة على الحياة عن طريق الحبل السرى، لكن يبدو أن العلاقة بالأم تبدأ من ناحيتها على الأقل منذ التلقيح وربما قبله، وتظل هذه المرحلة التى تستغرق عند الكائن البشرى تسعة أشهر لها  حضور متميز، بل وجاذب، ومغر فيما بعد الولادة:

عند الولادة تستمر هذه المرحلة المتواصلة مع الرحم لفترة مناسبة (لم تتحدد بشكل نهائيا) يواصل فيها الطفل التعرف على العالم الخارجى، مع طلب الاعتراف به بشكل مضطرد، لكنه لا يتنازل أبدا عن حقه فى العودة إلى أمان الرحم وحمايته متى لزم ذلك دفاعا أو نوابية.

من هنا ينبغي أن تعتبر هذه المرحلة من أهم أطوار حركية إيقاع المخ مدى الحياة، ويظل “حق العودة” قائما طول الوقت ، ولكنها عودة إلى رجعة باستمرار، وعلى ذلك فإن هذا الطور هو ضمن الدفاعات الطبيعية لاستمرار النمو، ومرة أخرى نشير إلى أهمية النظر إلى “برنامج الدخول والخروج” (قبل ومع برامج التشكيل والإبداع) باعتباره برنامج مرن دفاعى ضرورى، بما فى ذلك دورة (دورات) إيقاع  النوم واليقظة، والحلم واللاحلم، فهى دورات تجرى فيها برامج الدخول والخروج كأنشط وأنفع ما يكون.

من هنا يصبح كل ما يوصف به الموقف الشيزيدى (حسب مدرسة الموضوع)  فى حاجة إلى مراجعة وبالتالى لا يصح وصفه بأنه شيزيدى وكأنه  ليس طبيعيا، كما لا يصح أن يقتصر على مرحلة نمو الطفل الأولى، وإنما هو “طبيعى” طول العمر، طول الوقت، طالما يؤدى وظيفته الدفاعية فى الانسحاب للانطلاق عبر نشاط الإيقاعحيوى النمائى.

يخرج الطفل من بطن أمه، لكنها تظل تحتويه بدرجة أو بأخرى فى رحم وعيها، وبالتدريج تسمح له بالتواجد – خارجا داخلا– عبر الوعى البينشخصى، وهذا ما أشرت إليه تفصيلا فى تفسير طقوس  احتفالية “السبوع”  فى ثقافتنا الخاصة، حين يصر المجتمع الأسرى على تعميق وعى الأم بأن ما كان بداخلها اصبح خارجها، وبالتالى فعليها أن تعيش حملا موازيا فى وعيها، أنظر (نشرة 22-1- 2008:  طقوس “السُّبُوعْ”، وجدلية الانفصال/الاتصال) حملاً له بداية ونهاية وولادة (بل ولادات) جديدة متكررة مع كل نبضة إيقاعحيوى عندها وعنده.

6-6-2016_2

هذا الطور يستحيل أن ينفصل عن الطور التالى وهو طور الكرّ فَرّ التوجسى (المسمى عند مدرسة الموضوع: الموقع البارانوى) : ذلك ان ما يدفع الطفل إلى اللجوء إلى دفاع العودة إلى الرحم، وإلغاء الأخر، هو المواجهة التدريجية مع ما هو “ليس أنا”   (الأخر المستقل) بدءا من أمه إلى كل ما ومن يصل إلى وعيه البازع للتعرف على المحيط الجديد، فهو يستقبله بتوجس مبدئى، هو دفاعى أيضا، باعتبار أنه جديد عليه، يحمل احتمال الخطر، ومن ثم يستعد للكر، ولكنه بَعْدُ لا يملك أى مقومات للكرّ، فيلجأ إلى الفر، فإلى أين يفر، إلى الرحم حيث كان الأمان، وهكذا :

الربط مع الطور التالى:6-6-2016_3

من هنا جاء الربط بين الطور الأول والطور الثانى وهو ربط شديد الأهمية والحيوية واللزوم لمواصلة النمو التدريجى بالسماح البيولوجى الطبيعى الذى يتمثل فى العلاقة المتدرجة مع الأم، ثم الآخرين، مع تزايد المساحة بين الطفل والآخر باستمرار، وأيضا زيادة المرونة بالسماح اللازم  للحركة الإيقاعية بكل مستوياتها طول الوقت.

وتظل هذه الحركية لهذين الطورين معا لمدة تطول أو تقصر (من أسابيع إلى شهور إلى أكثر) حسب سلامة وإيقاع وحركية السماح بالذهاب والعودة، بالدخول والخروج، بالاختبار والكمون، ومع نجاح كل دورة نبض، بما فى ذلك السماح بالكر والفر، ونشاط الطور الأول مع الطور الثانى يدعمان – دفاعا متبادلا –  تتواصل مسيرة النمو، إذ تتخلق الذات النامية بنبضات الإيقاعحيوى الإيجابية ، مدعمة بالرؤية (الشوفان) والاعتراف والجدل، الأمر الذى يتوقف على مدى نمو الأم أساسا، والسماح للقادم الجديد بتكوين وعيه الحركى نحو التَّمَيـُّز الذاتى المستقل دون انفصال دائم  أو استغناء ساكن.

هذا الطور النكوصى الانسحابى إذن – كما ذكرنا – لا يصح أن يوصف بأى اسم مرضى أو شبه مرضى (شيزيدى)، وهو يمكن أن يتجلى بكل صفاته التى سوف نقدمها فى أى من المواقف والتجليات التالية:

1- هو برنامج دفاعي مشروع ، عادى وصحى، وهو ما أشرنا إليه حالا من أنه من حق أى إنسان (أو مَنْ دونه) أن يتراجع وينكص ويتحوصل فى مواجهة خطر حقيقى، حتى يزول الخطر أو يستعد له، فيعود يواصل.6-6-2016_4

2- هو طور طبيعى دورى من أطوار الإيقاعحيوى ، يتبادل بإيقاع منتظم مع أدوار أخرى مكملة ومتكاملة معه ، وأكبر تمثيل لذلك هو دورة النوم واليقظة، وبرغم أن النوم ليس خال من الموضوع، حيث الأحلام زاخرة بكل المواضيع الحقيقية الداخلية (لا المتخيلة)، وحركية الإبداع فيه نشطة، وربما انشط مما هى فى اليقظة، ومع ذلك فإن الانسحاب إلى النوم، هو ما يقابل الرجوع إلى الرحم فى دورات منتظمة متكاملة، والخروج منه إلى اليقظة يكمل الدورة (إعادة الولادة).(3)

3- هو صفة دائمة تصبغ الشخصية ككل، وذلك حين يتوقف النمو الظاهر عند هذا الطور، ويستعمل كل الدفاعات التى تسهم فى استمرار هذه الوقفة طول الوقت (أو طول العمر) ، وهذا ما يسمى عادة الشخصية الشيزيدية، أو الانطوائية، وهذا لا يعنى أن نبض المخ فى إيقاعحيوى قد توقف، وإنا هو يشير إلى أن ما أحيط به هذا النبض من قهر وإلغاء لنتائجه التشكيلية الإبداعية قد نجح أن يقلل من أثر النبضات الخلاقة ويحولها إلى نبض مغلق الدوائر (السيْر فى المحل) وبالتالى يتواصل النبض دون فاعلية النمو، ولهذا  التركيب أشكال كثيرة مختلفة فى تفاصيل السمات الظاهرة ، لكن كلها تؤدى إلى:   تجنب العلاقة بالموضوع، وإلغاء حركية البصيرة الوجدانية الدافعة للتشكيل، وإجهاض نتائج الإيقاع الحيوى الإيجابية، فمظاهر6-6-2016_5 هذه الشخصية المتوقفة بشكل دائم فى هذا الطور ليست قاصرة على الانطوائية، بل تشمل كثيرا من مظاهر الاغتراب بكل أنواعه ومستوياته، بما فى ذلك “فرط العادية”.

4- هو طور نشط من أطوار النمو، يتناقص باستمرار لحساب ما هو أكثر نضجا وعلاقاتية وإبداعا من أطوار النبض الحيوى المتواصل.

وبعد

مع اختلاف هذه التجليات فإن تقديمنا لهذا الطور – وغيره –  سوف يلتزم بشرح مواصفات تشمل كلا من السمات الظاهرة، وأيضا تعرض لطبيعة تركيب الآليات الغالبة التى إذا تمادت أصبحت مرضية معيقة، وذلك مثل: استسهال الانسحاب والنكوص، والاعتمادية، وإلغاء الآخر باستمرار برغم الإيقاعحيوى الموقوف عن التشكيل داخل دفاعات التجميد.

وإلى الاسبوع القادم  حيث نعرض متقطفات من اجتهادات سابقة لشرح أبعاد هذا الموقف الأول.

[1] –  مع التذكرة بأن كلمة “طور” بالنسبة لدورات المخ تستغرق ما بين أجزاء الثوانى إلى كل العمر وأكثر

[2] – ربما هذا هو ما فعله أفلاطون وهو يكتب “الجمهورية ” حين قدّم أنه إنما يصف الذات البشرية، وأنه لا يعنى تماما المدينة الفاضلة، وأنه اضطر أن يقدمها في هذه الصورة بعد تكبيرها لتصل المعانى التى اكتشفها فى النفس الإنسانية إلى المتلقي.

[3] – ” الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *