الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (200) من الكراسة الأولى (1)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (200) من الكراسة الأولى (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس:  16 – 7 – 2015

السنة الثامنة

العدد: 2876

mahfouz 2 (1)

صفحة (200) من الكراسة الأولى (1)
16-7-2015_1
بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

فجر جديد، وعى المفكرين

مارى انطوانيت ملكة فرنسا

روبسبير رئيس الانقلاب الدموى

صلاح الدين الأيوبى مجد (أو محرر) العرب

المعز لدين الله الفاطمى

المماليك البحرية والبرجية

محمد على الكبير مؤسس مصر الحديثة

الخديو اسماعيل يباشر الحضارة الحديثة

أحمد عرابى رئيس الثورة العرابية

ثم فترة حديثة من التاريخ

                        نجيب محفوظ

                      29/8/1995   

    القراءة(1):

فى ختام هذه الصحفة (200) يدعونا شيخنا إلى مأدبة من التاريخ حافلة بما ينبغى تذكرهم والتعلم منهم: من أمجادهم كما من أخطائهم من اخلاصهم وأمانتهم، كما من إجرامهم وجبروتهم، العجيب أن هذه المأدبة بدأت بمشهيات ليست لها علاقة مباشرة بالتاريخ وإن كانت قد انتهت بفتح الباب لتاريخ قادم حديث، من يعرف شيخنا يعرف تفاؤله وطموحه دائما فى أن يكون “القادم أفضل”.

المشهيات كانت بعد ذكر الديباجة المعتادة البسملة واسمه واسم كريمتيه أنه:

الافتتاح:  “فجر جديد، وعى المفكرين”

 أما مسك الختام ففى السطر الأخير أنه :

 “ثم فترة حديثه من التاريخ“.

هل يمكن أن يكون هناك أشمل من هذا الدرس مع أنه ليس إلا جزءً من التداعى الحر لمجرد التدريب على الكتابة؟

 حين نربط هذه البداية الآمِلة بمسك الختام: يمكن أن نتصور أو نستنتج موقف شيخنا الطيب ورأيه فى دور المفكرين (وليس فقط المثقفين أو العلماء أو الفقهاء أو الساسة). وأن يكون وعيهم الإبداعى (وليس مجرد حذقهم العقلانى) هو الفجر الجديد الذى سوف يصنع “فترة حديثه من التاريخ”.

سبق أن كررت أن التاريخ الوحيد الذى أسمح لنفسى أن أعول عليه هو ما تحمله خلايانا “هنا والآن” متمثلا فى “الدنا” DNA داخلها، وإنما يتفجر الفجر القادم من الإبداع الذى ينطلق من هذا “الدنا” وهو يتجادل مع الواقع ليطوره ويتطور به، وهذا قد يفسر ما أراده شيخنا من أن وعى المفكرين هو الفجر الجديد الذى يصنع (وليس سوف يصنع) فترة حديثة من التاريخ.

ومع ذلك فلا مفر من قراءة التاريخ المكتوب (بحذر) لنواصل مسيرتنا الآن، لا لنبكى على الأطلال، أو نقدس الأصنام، وهذا ما قد يفسر هذه الوليمة التاريخية التى يدعونا شيخنا للنظر فيها بهذه الصفحة خاتمة المائة الثانية من صفحات كراسات تدريبه.

افتتح شيخنا دروس التاريخ اليوم يدرس “مارى انطوانيت”، ولدت فى 2 نوفمبر 1755 وتوفيت فى 16 أكتوبر 1793 عن عمر 37 سنة، وتولت مُلك فرنسا من (10 مايو 1774 حتى 21 سبتمبر 1772) بأنها “ملكة فرنسا”، صحيح أن مارى انطوانيت كانت ملكة فرنسا، حين تزوجت ملك فرنسا لويس السادس عشر، لكنها قبل ذلك هى ابنة لملكة هى ماريا تيريزا ملكة المجر، وهى اخت ليوبولد الثانى ملك النمسا، وقد تزوجت فى الرابعة عشر من عمرها، وحين صارت ملكة عاشت مدللة وفى نفس الوقت،  نافرة من الملك –عاطفيا وغير ذلك- ثم إنها تدخلت فى السياسة، وقامت بتجاوزات بالغة تغرى بأن نربط بينها وبين ما يجرى عندنا وها نحن نعيش أو نتصور مثل ذلك هذه الأيام، مارى انظوانيت هى صاحبة المقولة المشهورة للفقراء المتظاهرين الذين لا يجدون خبزا يأكلونه حين عقبت قائلة: “إذا لم يكن لديهم خبزٌا.. دعهم يأكلون كعكاً”، وقد أورد جان جاك روسو هذه العبارة فى كتابه “الاعتراف” لكنه لم ينسبها إليها تحديدا، وقيل إن انطوانيت كانت وراء تخبط الملك (زوجها) ففشله فى استيعاب أو مواجهة الثورة، وقيل  أنها كانت الحاكمة الفعلية وكانت وراء كل قرارت زوجها الملك لويس السادس عشر، وأنها كانت تدعمه فى عناده فى مواجهة الثورة التى حين نجحت طردته وهى معه من قصرهما فى فرساى إلى قصر تويلرى بباريس حيث اصبحا سجينين بالفعل،

 وثمة حادث طريف دال جرى أثناء محاكمتها .

“في اثناء جلسة محاكمتها اتهموها بالقسوة على ابنها فسألها القاضي لماذا كنت تقسين على ابنك؟ فقالت: لن اجيب لأنه سؤال لا يسأل لأم. فصفقت كل الأمهات في المجلس لها وظنت الامر سينقلب لمصلحتها، ولكن حكم عليها بالإعدام بالمقصلة وحينما كانت تسير لمنصة الاعدام كانت تمشي بكل فخر واعتزاز وكأنها تمشي إلى قصرها المحاط بالحدائق.”

يا ترى هل هذه الاشارة التى كتبها شيخنا فى 29-8-1995 لها أية علاقة بما حدث عندنا بعد ذلك على الناحيتين مؤخرا وحتى الآن؟!

ثم ينقلنا شيخنا إلى “روبسبير” (1758 – 1792)، وهو معاصر لمارى انطوانيت، وهو: محام فرنسي وزعيم سياسي. أصبح أحد أهم الشخصيات المؤثرة في الثورة الفرنسية، ثم أصبح النصير الرئيسي لعهد الإرهاب، وقد انتخب نائبا لرئيس مجلس الطبقات، الذي اجتمع عام 1789  عشية اندلاع الثورة الفرنسية، ثم التحق بالجمعية التأسيسية الوطنية (المكونة من ممثلي الشعب)، حيث لمع نجمه ولفتت خطبه وأحاديثه البارعة الأنظار إليه.

وفي عام 1790 انتخب رئيسا لحزب اليعاقبة، وازدادت شعبيته كعدو للملكية ونصير للإصلاحات الثورية. وعقب سقوط الملكية في فرنسا عام 1792 انتخب روبسبير أول مندوب لباريس للمؤتمر القومي الذي ألح فيه على مطلب إعدام الملك لويس السادس عشر وعائلته، وبهدف استعادة النظام في البلاد وتقليل خطر الغزو الخارجى، بدأ روبسبير في القضاء على كل من اعتبرهم “أعداء الثورة” فأعدم معظم زعماء الثورة الفرنسية، وهو ما عرف بعهد الإرهاب. وكان لا يزال يتمتع بتأييد المجتمع الباريسى، ولذلك انتخب رئيسا للمؤتمر الوطنى وازدادت الإعدامات، حتى وصل عدد المعدومين إلى ستة آلاف شخص فى ستة أسابيع، وأدت خطب روبسبير النارية إلى خوف عدد من كبار أعضاء المؤتمر الوطني على سلامتهم الشخصية، ولذلك دبرت مؤامرة ضده هو وأعوانه، واتفق بعض متزعمي المؤامرة الذين كانوا خائفين مما ما يفعله روبسبير ومن معه، وعزما على التخلص منه بنفس الطريقة التي كان يقتل بها الناس، فجهزا قوة عسكرية واقتحما بها دار البلدية التي كان بها روبسبير يحاول تبرير جرائمه وتدبير جرائم جديدة. ونجحت إحدى الرصاصات التي أطلقت عليه في أن تصيب فكه، ومن ثم قيدوه وأخذوه إلى المقصلة مع مائة من أتباعه وأعدموهم جميعهم، مما أنهى عهد الإرهاب.

وسجل شيخنا هنا روبسبير بصفته رئيس الانقلاب الدموى وليس بصفته ثوريا، كما أثبت أن مارى أنطونيت هى ملكة فرنسا ويبدو أنه اختار لكل منهما الصفة التى قفزت إلى وعيه كأقرب ما يميز كلا منهما، والملاحظ أن نهايتهما كانت واحدة برغم أن كلا منهما كان يقف على الجانب المضاد للآخر.

هل يا ترى كان يعنى بذلك كشف أن هذا القدر من القسوة والمبالغة فى الابادة الجماعية هما وجهان لعملة واحدة، بغض النظر عن الفاعل الدموى، وهل فى ذلك ما ينبهنا بشكل أو بآخر أن مبدأ “الإعدام هو الحل” هو مبدأ خاطئ فى نهاية النهاية، كتبتُ مرارا أنبه على فشل عقوبة الإعدام أعجز من أن تؤدى غائية فلسفة العقاب من حيث قيامها بدورها فى “الردع الخاص” و”الردع العام”، فمن جهة الردع الخاص فانه يسقط لأن التخلص من حياة ووجود المجرم تماما إلى غير رجعة، لا يعمل أى احتمال أن يرتدع وهو فى قبره إذا ما أعدمناه، أما الردع العام فهل يمكن أن تقوم عقوبة الإعدام ببعض دورها إذا افترضنا أن عامة الناس سوف تعدل عن اقتراف هذا الجرم الذى عقوبته الإعدام لخوفها على حياتها، لكن يبدو أن هذه العلاقة ليست بهذه المباشرة إذ أن الخوف من الموت – ولو بالإعدام – لا يكفى رادعا مقارنا بالخوف من فقد الحرية (السجن) أو فقد السلطة (الخلع والطرج والحرمان مما جمع) بل لعل الإعدام يحرك فى الباقيين غريزة الموت الخفية فيسهّل عليه الإقدام على الجريمة التى عقوبتها الإعدام، فما بالك إذا كان يلوّح بالبطولة والاستشهاد أو كليهما فى نفس الوقت.

وبعد

اسمحوا أن أتوقف فى حصة التاريخ هذه عند هذين المثالين لأن النقلة بعد ذلك هى حصة تاريخ أخرى عن مصر وحكامها من المصريين وغير المصريين مما يحتاج إلى تفاصيل مهمة لابد أن شيخنا حريص على أن نلم بها خصوصا – مثلا – بالنسبة لصلاح الدين الأيوبى الذى فتح بعضهم مؤخرا ملفه فى الصحف المصرية(2) ولكن فتحته كان من الناحية الأخرى.

وإلى التكملة فى نشرة الأسبوع القادم.

 

[1] – أكرر الإشارة إلى ما ورد سابقا “محمد على” ورد هذا النص فى صفحة التدريب 111، نشرة 6-6-2013  .

– ” الخديو اسماعيل” ورد هذا النص فى صفحة التدريب 111، نشرة 6-6-2013  .

[2] – جريدة المصرى اليوم بتاريخ 5/3/2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *