الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (42) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (8) التاريخ العائلى (3) الصرْع والوعى، والمخ

الطبنفسى الإيقاعحيوى (42) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (8) التاريخ العائلى (3) الصرْع والوعى، والمخ

نشرة “الإنسان والتطور”

نشرة الأحد: 8-5-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3173

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (42)

Biorhythmic Psychiatry

المقابلة الإكلينيكية (8)

التاريخ العائلى (3)

الصرْع والوعى، والمخ

كلما تعمقتُ أكثر فى قراءة موقع الصرع حاليا بين الأمراض النفسية هالنى ما لحقه من إزاحة – ولا أقول تهميشا، أزيح تماما إلى تخصص آخر هو “الأمراض العصبية”، ومع مراجعة تاريخية اكتشفت أنه كان له قديما موقع متميز بين تقسيمات وتصنيفات الأمراض النفسية، ثم بدأ فى التراجع منذ بضعة عقود حتى اختفى كفئة مستقلة من معظم تقسيمات الطب النفسى الأحدث فالأحدث: القومية والدولية.

حين كنت مسئولا عن لجنة إعداد مسوّدة التقسيم المصرى (العربى)(1)أصررت أن أدرج الصرع كفئة مستقلة ” 4 صفر”، وإن لم تشمل آنذاك إلا مضاعفات الصرع، وتحديدا: “النوبات النفسية مع الصرع”، و”اضطرابات الشخصية عند الصرعيين”، و”الذهان الصرعى”، ثم “العته الصرعى”، وبالتالى لم نتعرض آنذاك لطبيعة الصرع وعلاقته بالوعى أو بالمخ البشرى من منظوره الأحدث “كمفاعل للطاقة والمعلومات”، أو للإنجازات الأحدث فالأحدث لنتائج العلاج الجمعى للصرعيين وهو ما وصلنى مؤخرا،  وتعجبت أن يأتى التصالح مع الصرْع من خلال أبعد ما كنا نظن أنه يسهم فى علاجه، وهو العلاج النفسى!!

المتابع لما نقدمه عن الطبنفسى الإيقاعحيوى حاليا وعن الوعى سابقا لابد أن يلاحظ صعوبة الإلمام بماهية الوعى، وأيضا أمانة كل من تعرض له حتى بعمل مستقل مثل هنرى إى(2)، ودانيال دينيت(3)(كما أشرنا) وبرغم اجتهاداتهم الرائعة والرائدة ظلَّ الوعى بكل هذا الغموض، ومع ذلك بكل هذه الأهمية، ولما كان الصرْع هو اضطراب فى الوعى أساسا، كان من البديهى أن تمتد الصعوبة ويشمل الغموض ما هو صرْع .

الصرْع وتشكيل الوعى، وإبداع المخ

 بحث رائع لإخصائية فى الأمراض العصبية(4) والعلاج الجمعى

فى ورقة قدمت فى مؤتمر الجمعة العالمية للعلاجات الجماعية IAGP الذى عقد فى القاهرة فى ديسمبر 2014 بالاشتراك مع الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية EAGT، قُدمِّت  ورقة بعنوان: مدخل من العلاج النفسى لمرضى الصرع (ممارسة تجريبية لمدة عشرين عاما)، قدمتها “كاترين ميلا Catherine Mela (5)]) (معالجة نفسية وأخصائية فى طب الأعصاب) .

جاءت هذه الورقة من منطلق إكلينيكى عملى يوضح علاقة الصرع الأشمل بسائر الأمراض النفسية تمهيدا لشرح دور العلاج الجمعى فى حالات مرضى بالصرْع شاركوا فيه عبر عشرين عاما.

 مقتطفات من هذا البحث:

 وفيما يلى المقتطفات التى رأيت أنها تعلن هذا التصالح وترجع الصرْع وعلاجه إلى موقعه فى الطب النفسى (وأضيف: الطبنفسى الإيقاعحيوى بوجه خاص):

أولاً : استعمال مضادات الصرع فى الأمراض النفسية المختلفة:

(1) يجرى استخدام مضادات الصرْع فى كثير من الأمراض النفسية، وإن كانت قد تُسْتَعمل تحت مسمى مثبتات المزاج Mood Stalatizer وقد استعملت بوفرة فى عديد من الاضطرابات النفسية أهمها:

  • – اضطرابات القلق
  • – اضطرابات الهلع
  • – اضطراب ما بعد الصدمة PTSD
  • – اضطرابات الشيخوخة (بما فى ذلك العته، أحيانا)
  • – اضطربات النوم Sleep  disorder
  • – اضطرابات الآلام المتخيلة Phantom pain disorder
  • – الاكتئاب
  • – الاضطراب الثنائى القطب

تعقيب: لا ينتبه الأطباء النفسيون عامة إلى أن معظم هذه العقاقير هى مضادات للصرْع ابتداءً بل أساساً، ولذلك لا يربط أغلبهم بين ذلك وبين علاقة الصرْع بالإيقاعحيوى، ولا بأى من هذه الأمراض.

ثانياً: أظهرت الباحثة التشابه بين الصرع وبين بعض الاضطرابات النفسية مثل نوبات الهلع: التى أسمتها الباحثة صرْع الهلع  Panic Epilepsy

وقد بينت أوجه الشبه كما يلى:

  • التكرار
  • البداية الحادة جدا
  • فترات الإفاقة بين النوبات تمامة (عادة)
  • تشابه شكل ونمط النوبات (بعيدا عن منطقة الوعى)
  • نمط النوبات عموما

تعقيب: وبالرغم من تحفظى على أوجه الشبه هذه لافتقار نوبات الهلع إلى تغير نوعى فى الوعى إلا أننى قبلت الفكرة ورحبت بها.

ثالثاً: تعداد العوامل والملابسات المشاركة مع الأمراض النفسية فى  ظهور الصرْع:

وقد عددت الباحثة هذه العوامل والملابسات كما رصدتها فى الذين خضعوا للعلاج النفسى من الصرْعين وأهمها:

  • فرط حماية الوالدين 80% (6)
  • معايشة الشعور بالخجل (يصل إلى العامة)
  • اضطرابات فى العلاقات الزوجية
  • صعوبات فى الحصول على زوج أو زوجة
  • التمييز من الأقارب فى العلاقات بعد الزواج

تعقيب: وقد رجحت أن هذه العوامل والملابسات هى أقرب إلى نتائج نوبات الصرْع المتكرر التى تمثل نوعا من الوصمة، ثم إن النوبات تتفاقم بحدوثها.

 رابعاً: أنواع العلاج النفسى:

 العلاج النفسى الذى أتيح لمجموعات مختلفة من الصرعين خلال عشرين عاما كما أشارت (الباحثة) كان كالآتى:

  • علاج نفسى شخصى
  • علاج نفسى جمعى خبراتى
  • علاج الوسط

(طبعا: بالإضافة لمضادات الصرْع)

خامساً: من أهم المظاهر والأحداث المواكبة التى ظهرت وكشف عنها العلاج النفسى (الجمعى خاصة) ما يلى:

  • ظهور علامات تعلق زائد بصورة الأم
  • الكشف عنف أثناء الطفولة
  • صعوبة فى التعبير عن الغضب
  • حداد بالغ بعد فقد عزيز (خاصة حين تظهر النوبة الأولى بعد هذا الفقد)
  • إدمان  (وقد ترتبط النوبة الأولى أيضا بجرعة زائدة)

سادساً : بعض نتائج العلاج النفسى الجمعى

  • تعديل  الشعور بالخوف والرفض
  • زيادة القدرة على التعبير على المشاعر السلبية
  • زيادة القدرة على تعديل الخبرات العاطفية
  • زيادة القدرة على تقبل العون من أعضاء الجماعة
  • تسهيل التعبير عن الحداد
  • نقص عدد النوبات
  • عدم عودة النوبات بعد التوقف عن تعاطى مضادات الصرع
  • تسهيل القدرة على التعبير عن الذات

التفسير النيوروبيولوجى

وقد خلصت الباحثة من كل ذلك وغيره إلى التأكيد على جوهرية المطاوعة النيورونية Neural Plasticity للمخ البشرى، وأنه قادر على إعادة التشكيل من خلال التفاعل النشط الدينامى مع العالم الخارجى، بمعنى أن التفاعل مع المجتمع (الواقع الخارجى) يُحدث أثرا نوعيا تشكيليا فى كلية تركيب المخ، وأن هذا يحدث من خلال آليات نشطة مثل التماسك السردى Narrative coherence والتدفق الزمنىTemporal Flow وحركية التبادل والجدل على مستوى الوعى البينشخصى والجماعى المتبادل والتقليد المرآوى.

كل هذا جعلت الباحثة تصك صفة أخرى للمخ هى “المخ المجتمعى” للتأكيد على هذا التفاعل الدائم بين خلايا المخ والواقع (المجتمع الخارجى).

والآن دعونا نطرح هذه الأسئلة بعد كل التقدير لهذا البحث الرائع:

1- هل يمكن أن يضيف هذا فهمنا للصرْع من المنطلق الأحدث عن المخ كمفاعل للطاقة والمعلومات؟

2- ما هى العلاقة بين الإيقاعحيوى وبين نوبات الصرْع ومسارات الطاقة المتبادلة؟

3- ما علاقة ذلك بوراثة الصرْع وخاصة ظهور المبدعين فى عائلات الصرعين أكثر؟

4- ما علاقة ذلك بتواكب الصرْع مع الإبداع فى نفس الشخص عند كثير من عظماء ومبدعى وقادة التاريخ؟

أكتفى اليوم شاكرا هذه الباحثة الرائدة التى مارست هذه المحاولة الأمينة بكل هذه المثابرة وقدمت هذه الملاحظات.

 وغدًا نربط ما أمكن من ذلك وغيره بممارستنا الخاصة وملاحظاتنا الإكلينيكلية.

وأكتفى اليوم بعرض هذا الشكل للتأمل حتى نلتقى.

8-5-2016_1

8-5-2016_2

[1] – اعتمد هذا التقسيم تقسيم عربى للأمراض النفسية، وذلك بناء على توصية المؤتمر العربى الثانى للصحة النفسية كما جاء فى مقدمة الطبعة العربية ما يلى: “بناء على توصية المؤتمر العربى الثانى للصحة النفسية المنعقد فى القاهرة سنة 1975 يتبنى الدليل المصرى كأساس لتصنيف الأمراض النفسية.

Psychiatric episodes with epilepsy, Personality and character disorders of epileptics, Epileptic psychosis and Epileptic dementia.

[2] –   Henry Ey: “La Conscience” Presses Universitaires De France (1968)

[3] – Kinds of Minds Towards Understanding of Consciousness    Daniel C. Dennet 1996 الكتاب المترجم صادر عن “المكتبة الأكاديمية” القاهرة  2003

[4] – Neurologist

[5] – Psychotherapeutic Appoach of Brain Plasticity: By Catherine Mela, Neurologist, Group-Analyst. Board-elected member and chair of the Research Committee of IAGP. Full Member of GAS (London)

[6] – Parental over protection

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *