الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (52) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (18) التاريخ العائلى (13) “مراحل” دائمة الاستعادة، لا “مواقع” مفرطة الشحن

الطبنفسى الإيقاعحيوى (52) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (18) التاريخ العائلى (13) “مراحل” دائمة الاستعادة، لا “مواقع” مفرطة الشحن

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 30-5-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3195

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (52)

Biorhythmic Psychiatry

المقابلة الإكلينيكية (18)

التاريخ العائلى (13)

“مراحل” دائمة الاستعادة، لا “مواقع” مفرطة الشحن

لن أكف عن التذكرة – ربما فى كل نشرة حتى ننتهى من هذا الاستطراد المتمادى فى الإطالة – أنه برغم احترامى واعترافى بالفضل لمدرسة العلاقة بالموضوع، وبرغم اتفاقى معها على ترتيب هذا التسلسل النمائى (شيزيدى – بارنوى – اكتئابى) إلا أن مجرد رفضى أن تكون هذه المحطات النمائية هى “مواقع” تتعلق بفترة معينة من النمو، دون إشارة كافية إلى التاريخ العائلى والتاريخ التطورى، يجعلنى أبعد ما أكون عن بقية ما بُنِىَ على هذه الفروض حسب هذه المدرسة.

نعم: إننى أقر وأعترف أننى منطلق من هذه المدرسة ابتداء، لكن من خلال ربطها بجذور التركيب الإنسانى عامة، ثم التركيب الثقافى، ثم التركيب العائلى، وأنا أفعل ذلك من خلال مواكبة مرضاى، وهم معى نحاول الإسهام فى أن يستعيد المريض مساره السوى، ليواصل إعادة بناء نفسه – ونحن أيضا – من خلال إيقاع نبضٍ حيوى.

تعرفت على هذه المراحل (لا المواقع) وأنا أصاحب مرضاى فى الاتجاه العكسى، أعنى وهم يتراجعون نكوصا وردّة، بنفس الترتيب، ثم عدت أساهم فى إعادة البناء وأنا أتعلم من أمخاخهم، وأمخاخى ونحن متواكبون نمر بنفس المراحل لتعديل التوجّه فمواصلة الطريق، وهذا ما أسميته “نقد النص البشرى”، وهو ما أحاول تقديم أصوله وطرائقه تحت ما يسمى “الطبنفسى الإيقاعحيوى”.

هذا الاختلاف ليس ثانويا، فهو نقلة تحمل قدرا أخطر من المسئولية، بقدر ما تعد بمساحة أكبر من الأمل، وقد أبنت كيف ذلك من قبل، لكننى أشعر الآن – وباستمرار – أن علىّ أن أعيد تفاصيل عرض الفروق المتميزة والمحددة وخاصة أنها تتعلق بمدى فائدتها العملية فى العلاج قبل الوقاية.

وإليكم تجميع بعض نقط الخلاف وإن كان بها تكرار لا مفر منه:

(1) إن التسليم بأن هذه المواقع تتحدد باكرا أى تتشكَّل وتُشحن أساسا من خلال علاقة الطفل بأمه (أو من يقوم مقامها)، يجعل الأمر كله أقرب إلى تحميل الأم مسئولية سلامة طفلها منذ الولادة وحتى نهاية العمر.

= وهذا أمر غير عملى (وغير علمى غالبا) فقد بينا كيف أن الفروض المعدّلة تفترض أن هذه المراحل (المواقع) هى أساسية فى التركيب الحيوى الفيلوجينى، فهى تكمن من قديم فى تركيب كل فرد، حيث هى منغرسة من تاريخ تطور الحياة والأحياء، ثم إن قوة جذبها ونوع تنشيطها – سلبا وإيجابا – يتدعم فى الأسرة (التاريخ العائلى) كما يتدعم فى الفرد (العلاقة بالأم ثم العلاقات المتتالية طول العمر)، ولا بد من الاعتراف هنا أن الحصول على معلومات مميزة بين كل مريض ومريض تشير إلى القوة النسبية لكل مرحلة هو أمر مستعص إذا نحن حاولنا أن نجمعه من الحكى والتاريخ الخاص بكل مريض، لكن التاريخ العائلى، ونوعية الأعراض، ومسار ظهورها ، والنفسمراضية التركيبية الآنية، كل ذلك يساعدنا فى تخطيط خريطة التركيب الآنى لمستويات المخ ونسبية تنشيط كل مستوى، واحتمال تشخيص قائد هذه الأمخاخ (المايسترو) فى كل مرحلة من مراحل المرض، مراحل العلاج (أنظر بعد).

(2) إن تحديد معالم هذه المواقع بهذا الوضوح كما قدمته هذه المدرسة جنبا إلى جنب مع الحديث عن الانشقاق الأولى للذات النامية، ثم الموضوع الداخلى، إلى آخر هذه الأبجدية هو ةحديث يحمل رسالة واضحة أن هذه المدرسة تعتبر هذه المواقع (المراحل) بمثابة محطات لها معالمها وقوتها وطبيعتها وخاصة بلغة العلاقات الخارجية والداخلية بما يسمى “الموضوع”، ثم تركز المدرسة على أهمية تطبيق مواصفات هذه المواقع وكيف تشحن بشكل مفرط أو خاطئ، مما يترتب عليه أى خلل أو اضطراب لاحق يسمى “المرض”.

= وهذا وراد، لكن الإضافة أو التعديل الذى يضيفه الطبنفسى الإيقاعحيوى هو : إن هذه الأطوار هى أطوار تتكرر ليل نهار(وإن لم تتميز بهذه الأسماء تحديدا) وأن لها تجليات متعددة لا ترتبط تماما بهذه التوصيفات النابعة أساسا من أسماء أمراض غالبا (شيزيدى – بارنوى – اكتئابى) فهى تشير إلى أنواع من العلاقات موجودة طول الوقت، تتدعم بنسب مختلفة مع كل نبضة بالليل والنهار، فى اليقظة والحلم، فى الاستيعاب والإبداع على حد سواء، طول العمر، بعد أن أصبح تعاملنا مع المخ باعتباره جهاز (أجهزة) تنبض باستمرار لتعيد البناء بلا توقف ليلا ونهارا.

(3) تعتبر هذه المدرسة أن حضور مظاهر وآثار هذه المواقع (المراحل) يظهر فى المرض أكثر ويفسر النفسمراضية عند المرضى بوجه خاص.

= وهذا صحيح أيضا من حيث المبدأ، وهو يؤيد منطلقى بوجه خاص، وهو المنطلق الذى يبدأ بمحاولة فهم الطبيعة البشرية كما تصلنا من تعرى المرضى، وصدقهم (أعنى صدق خبرتهم وليس الصدق الأخلاقى) أثناء أزمة مرضهم، لكن هذه ليست نهاية المطاف، فطالما نحن مسئولون عن الأخذ بيدهم – مواكبةً – وهم على طريق استعادتهم تصحيح مسارهم (المخ يعيد بناء نفسه باستمرار) فعلينا أن نتعرف على دور هذه المراحل  فى الصحة كما دورها فى المرض، ما دامت هى موجودة وتتكرر مع كل نبضة وجود، نبضة بيولوجى، نبضة نمو، وبالتالى نبضة علاج.

(4) إن المواقع متتابعة الواحد تلو الآخر كما جاء فى وصف هذه المدرسة، وإن كان قد تم تعديل ترتيبها عن طريق هـ. جانترب، بموافقة أستاذه ومحلله فيربيرن (أنظر نشرة 23-5-2016)  وأن هذا الترتيب هو تريب طولى تتابعى غالبا.

= وهذا منطلقى أيضا مع التنبيه أن التتابع ليس خطيا متتاليا، وإنما هو تَلاَحُقٌ دوائرى متنوع متداخل طول الوقت، فهى تشكيلات جدلية نشطة مكثفة، وبالتالى لا يمكن فصل كل مرحلة عن التى تليها بشكل تعسفى، وكأنها مدرسة ينتقل فيها الطالب من “سنة أولى” إلى “سنة ثانية” إلى “سنة ثالثة”، وكل هذا ينقلنا إلى معضلة لا حل لها بالأدوات الحالية، سواء بأحدث الأحدث من آليات تكنولوجية، أو بشحذ ما تستطيعه الذاكرة، وتقدر على صياغته اللغة، وهنا نعود فنذكر بضرورة تضفر مناهل المعرفة جميعا من “فن” و”تشكيل” و”خبرة” و”حدس” و”طبيعة كموية” و”رياضة كموية”، ثم لا نصل إلى تحديد كاف لطبيعة تداخل هذه العمليات أو طريقة تتابعها، ألا أن ما يهمنى فى هذه المرحلة هو التركيز على المعرفة ككل، وعلى الدعوة لفتح أفاق الحدس وإعمال الإدراك والاستعانة بكل التنقيات المتاحة (1).

 (5) إن الخروج الآمن من أزمة كل من هذه “المواقع” هو الحل الوارد لاضطراد مسيرة النمو.

= علينا ألا ننسى أنها مواقع نمو، وأنه لا يوجد نمو بدون أزمات نمو برغم اختلاف تسمية هذه الأزمات وتوصيف طبيعتها، ومع التذكرة أيضا بأن كلمة أزمة لا تعنى أى معنى مرضى، أو معاناة غير مألوفة، وإنما هى تشير إلى مرحلة وطبيعة بدايات ومسارات النقلة النوعية من مرحلة إلى مرحلة، بغض النظر عن مآلها حيث أن أزمات النمو لا تتنهى (ولا ينبغى أن تتنهى) بالخروج الآمن، وإنما هى تنجح إذا ما حققت التغير النوعى الذى اضطرنا للدخول فيما يسمى “أزمة” لنخرج منه مختلفين إلى المرحلة التالية من مراحل النمو، أى أنها فرصة لاستكمال خطوة أخرى على طريق النمو بمزيد من تكافل فتشكيل مستويات الوعى المتجادلة والمتخلفة أبدا، إن هذه الأزمات أو المأزق هى لازمة لصالح اضطراد مسيرة النمو الحتمى وخاصة من منطلق الإيقاع الحيوى النمائى المضطرد، وذلك – آسف للتكرار – من خلال ما وصلنا عن مواصلة النبض من جهة، وكيف أن المخ يعيد بناء نفسه باستمرار، وهو لا يعيد بناء نفسه بعيدا عن أمخاخ (وأحوال ووعى وحضور) من حوله، وأنما هو دائم الإبداع ما دام دائم النبض وإعادة التشكيل طول الوقت طول العمر، وبالتالى فإنه لا خروج من هذه الأزمات إلا إلى دورة جديدة، ونبضة جديدة، على طريق منفتح النهاية، سواء استطعنا أن نرصد سلوكيا معالم تفاصيل كل نبضة أو عجزنا عن ذلك فإن النبض مستمر، واحتمالات الجدل والإبداع مستمرة، كما أن احتمالات التوقف أو النكوص والتعثر حتى التفسخ مستمر أيضا.

وبعد

أتوقف هنا لأعرض شكلين يوضحان الفرق بين “المواقع” و “الأطوار”

(ثم نكمل الأسبوع القادم)

30-5-2016_1

30-5-2016_2

[1] –  (ولا أعنى بها تقنيات التصوير بالأشعة أو الرنين) فكل ذلك يعطى نتائج كمية ومحصلات عشواية وإنما أعنى كل تقنيات المعلوماتية والفنون، ومناهل المعرفة من كل حدب وصوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *