الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (51) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (17) التاريخ العائلى (12) الطبنفسى الإيقاعحيوى بين الحركة والتشكيل والموسيقى والشعر (2)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (51) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (17) التاريخ العائلى (12) الطبنفسى الإيقاعحيوى بين الحركة والتشكيل والموسيقى والشعر (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 29-5-2016

السنة التاسعة

 العدد:  3194

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (51)

Biorhythmic Psychiatry

المقابلة الإكلينيكية (17)

التاريخ العائلى (12)

الطبنفسى اة والتشكيل والموسيقى والشعر (2) (1) 

مقدمة

جاء فى نشرة أمس عن الأشكال المعروضة ببرامج الاحياء على برنامج الباور بوينت PP: ما يلى:

“….. وبرغم أن حركتها راتبة معادة هى هى، إلا أنها كانت تصلنى ليست فقط باعتبارها إدراك بصرى مدهش فحسب، بل إننى سمحت لحدْس التلقى أن يستمع إلى ما ينبعث منها فى صمت من إيقاع وألحان بشكل أو بآخر، حتى ظننت بأحاسيسى الظنون، فانفتح علىّ تحدٍّ آخر، وهو دور الموسيقى فى تشكيل الزمن بشكل يتجاوز رتابة تكرار حركية  هذه الأشكال بل هو قد يستوعبها لما يتجاوزها بها وكأنه يحييها بوعى التلقى”.

ثم إنه قد جاءتنى تساؤلات مهمة عن علاقة الطبنفسى الإيقاعحيوى (التطورى) بكل هذا، وبالذات بالموسيقى، عدت اليوم أبحث عن إجابة لهذا التساؤل وعن مدى أهليتى للإجابة عليه، وقد أشرت أمس كيف أن علاقتى بالشعر مهدت لى الطريق للإجابة:

” هكذا وصلت دون قصد إلى الوعى أكثر بدور الشعر فى تصوير الفطرة البشرية، وتحريك أصولها، وملامسة أغوارها، باستيعاب كل من التشكيل والإيقاع فى إبداع مغامر برغم أنه يستعمل نفس الرموز (الألفاظ)؟”

صحيح أن لى محاولات متواضعة فى قرض الشعر، دون نقده،  أما بالنسبة للموسيقى فأنا محروم (بالمصادفة التربوية) من المشاركة فى تلقى هذه اللغة العالمية الإنسانية المتعدد المستويات البناءة للوعى والحضارة جميعا.

أدركت هذا القصور من البداية وأنا أطرق باب النقد الأدبى حتى أننى صدّرت فصلا بعنوان: “نظرات فى الأدب” فى أول كتاب ظهر لى باسم “حياتنا والطب النفسى” سنة 1971، بمقتطف من محاورة لأفلاطون على لسان سقراط كما يلى:

سقراط: فهل يصح البحث ذاته بالنسبة إلى سائر الفنون، أتود أن تسمع ماذا أعنى بذلك يا إيون؟

إيون: إنى أود، وحق زيوس يا سقراط، فأنت تعرف كم أحب الاستماع إليكم معشر الحكماء.

سقراط: بودى أن يكون ما تقوله يا إيون حقا، فأنتم أكبر الظن  – هم الحكماء، معشر المنشدين والممثلين، والشعراء الذين يرددون قصائدهم، وأنا إنما أذكر مجرد الحق، كما يجدر بشخص مثلى غريب عن الصناعة”.(كتاب الفن:  ترجمان الترجمان)

هكذا عرفت حدودى من قديم، ثم إنى رحت أستشير عمنا جوجل، وأتابع الفرحة المخجلة بجهلى، مع العرفان بكرمه، ففوجئت بما يلى:

عثرت على عنوان شدنى، وتعجبت له، وهو أنه يوجد علم اسمه: “علم الموسيقى التطورى” Evolutionary Musicology ، ثم انتهيت بمقال زاخر كتبه الصديق البديع أ.د. طارق على حسن من وحى كتاب مرجعى كتبه أ.د. زين نصار عن موقع الفن عندنا اليوم (وقت كتابته، كنا أحسن حالا جدا!!!)، كتب أ.د. طارق حسن دراسة مطولة شديدة الثراء، فائقة التحدى، عظيمة الأمل، برغم ما عرضَتْهُ بموضوعية هائلة عن سيادة مفهوم قاصر عن الفن لدينا بوجه عام.

برغم قصورى وجهلى فى هذه المنطقة كما ذكرت، وجدت نفسى أتحرك فى بيتى مؤتنسا، مع أ.د. طارق، حتى أننى رحت أقرأ كل ما كتبه عن الموسيقى (المونوفونية) وكأنه يكتب عن طغيان مستوى واحد من الوعى (المخ المنطقى الرمزى الطاغى الاختزالى)، وهذا موازٍ تماما لما قدمته وأقدمه طول عمرى، الأمر الذى تحدد أكثر طوال هذه النشرات، من أول تعدد الذوات، ومستويات الوعى حتى أنواع العقول، ثم مرورا بالإدراك والوجدان ومستويات الصحة ونبض الوجود، فطمأننى كل ذلك، وأذهب عنى الحرج مما قدمته أمس من أشكال تعبر عن النبض بتحركات مكررة برغم تنوعها وتكثيفها وتداخلها، ومع ذلك فقد نبهت أمس أننى خشيت أن تكرار الحركة التى عنيت بها أو أوضح حتم النبض ودوامه، أن يوصل للمتلقى شيئا أقرب إلى الصوت الواحد، (المونوفونى) مع أننى أشرت بوضوح أن كل نبضة برغم أنها “بصرية” كانت تصل إلىّ من نفس الشكل بإدراك نغمى مختلف، ألم أقل:

“وحين أطلقت لإدراكى الأعمق الحرية، رحت ألتقط بعد كل عدة نبضات، رسالة مختلفة، بل إننى قد رحت ألتقط اختلافاً ما فى كل استعادة كل نبضة واحدة  بعد الأخرى برغم أنها هى هى. ” ثم أضفت:

” بل إن ما كان من هذه الأشكال وهى تتحرك بتكرار منتظم  طول الوقت، وبرغم أن حركتها راتبة معادة هى هى، إلا أنها كانت تصلنى ليست فقط باعتبارها إدراك بصرى مدهش فحسب، بل إننى سمحت لحدْس التلقى أن يستمع إلى ما ينبعث منها فى صمت من إيقاع وألحان بشكل أو بآخر”

للإجابة على التساؤال الذى خطر لى أمس والذى أعدته فى أول هذه النشرة أحاول أن أذكر لمحات محدودة عن اكتشافى ما يسمى علم الموسيقى التطورى، ثم مقتطفات من أطروحة أ.د. طارق حسن فى نقد ما آل إليه حالنا بشأن فقرنا وأهمالنا لهذا المصدر الرائع لتحريك الوعى بلغة عالمية أملا فى المشاركة فى الحالة الكارثية التى آل إليها العالم.

علم الموسيقى التطورى Evolutionary Musicology

ابتداءًا، سوف أقدم كلمة موجزة عن هذا العلم الذى فوجئت به:

أن هذا العلم هو فرع  مما يسمى “علم الموسيقى الحيوى” (بل البيولوجى) Biomusicology  وقد اطمأننت إليه من البداية نظرا لانتمائى الأساسى للبيولوجى، وأنه علم يؤكد التخاطب النغمى بين الأحياء عامة بدءًا بمن هو قبل الإنسان، وأنه يمكن إرجاعه إلى تشارلز داروين شخصيا الذى كتب فى كتابه  “أصل الإنسان” ما يلى:

“…. حين نتناول الانتقاء الجنسى سوف نجد أن الإنسان البدائى، وحتى ما قبل الإنسان، قد استعمل الأصوات لإصدار ايقاعات نغمية مثلما تفعل قرده جيبون Gibbon apes الآن.

وأن هذا من ضمن طقوس التقارب والتودد الذى قد يصاحبها مظاهر للحب أو الغيرة أو الزهو فى مواجهة المنافسين، ويمكن اعتبار ذلك بداية التعبير عن مجموعة معقده متنوعة من العواطف (التى تخدم التكاثر فحفظ النوع).

وقد وضع العلماء لتحديد معالم هذا العلم عدة فروض، تتراوح بين إرجاع الأصوات إلى ثئانية الحركة Hypothesis  Bipedal  باعتبار أن ثَمَّ حسا إيقاعيا من الأصوات المنتظمة لحركة السير، يمكن أن تكون مصدرا للمخ للتمييز بين الأصوات من مصادر مختلفة، وهو ينسق بين الحركات وبعضها، وكل ذلك يسهم فى تعرف الفرائس على بعضها ضد المهاجمين بشكل قد ينجح فى حماية القطيع فالنوع، وكان هذا الفرض يرجح أن وقع الحركة وتعميماتها المنتظمة كان يساعد كل فرد من الجماعة على دعم التماسك الاجتماعى والإقليمية، وأن الموسيقى منذ هذه البدايات كانت تعمل كوسيلة معرفية تواصلية بقائية فى عمق اسهامها للبقاء، وهذا ينقلنا إلى الفرض الثانى الذى يتعامل مع الموسيقى كلغة Musicolanguage Hypothesis  ، وقد تأسس هذا الفرض على ملاحظة أن إصدار الأصوات ليست مبنية على محض الصدفة وإنما هى وظيفة نابعة من منظومة وموجهة إلى منظومة أخرى، علما  أن الأصوات كموسيقى كان لها وظيفة وجدانية حافزة فى مقابل أن اللغة لها وظيفة مرجعية Referential

أما الفرض الثالث: فهو يعتبر أن نشأة الموسيقى كانت  كعرض تحذيرى من الافتراس للاقلال من الخوف والألم:  Audio Visual Intimidating Display AVID  ويقترح هذا الفرض أن الترنيم الصوتى وأصوات الحركات الانتظامية تعتبر إنذارات تغير الوعى حتى يمكن تحمل الألم والتخفيف من الخوف وبالتالى تقوم الأصوات (الموسيقى) بوظيفة دفاعية حتى أن هذا الفرض اعتبر ان التوقف عن إصدار هذه الأصوات (أى الصمت) إنما يقوم بوظيفة دفاعية أيضا، وذلك حين يكف الحيوان فجأة عن اصدار أى صوت إذْ يتلقط احتمال هجوم افتراسى، فمتصل الرسالة إلى سائر القطيع، فيصمتون جميعا كنوع من اخفاء مكان وجودهم، وقد لاحظ تشارلز داروين ذلك فى الخيول المتوحشة وقطعان الماشية، وسجلها فى أوائل أعماله.

عودة إلى أ.د. طارق على حسن

“منذ ثلاثين عاما، وكنت فى معرض إعجابى بإسهاماته الموسيقية الكلاسيكية التى شرفنا بها حتى أذيعت فى الـ BBC،  فاتحته أن يفتح لى باب التصالح، أو التعرف على على هذا المستوى من الموسيقى، وكان معنا المرحوم أ.د. محمد شعلان يشجعنى ألا أحرم نفسى من هذا المنهل الذى لا غنى عنه لمفكر مثلى، وأجابنى د. طارق أجابة لم تصلنى أبعاد فحواها إلا منذ بضع سنوات، قال: أنت لا ينقصك إلا أن تسمح لهذه اللغة العالمية أن تخاطب ما أعرفه عنك، ولن تحتاح إلىّ، وحين افترقتْ بنا السبل وواصلت طريقى فى النهل من الخبرة الحية، والتعرف على الفطرة مباشرة، ومعا بشتى لمنظومات التعدد أكتشفت ما رآه أ.د. طارق فى تركيبى منذ عشرات السنين، وكيف أننى جاهز لتلقى كل تعدد وأى تعدد معا، من أول الوعى حتى الوجدان  فالإدراك إلى مستويات الموسيقى التركيبتة المتعددة، وإن كنت غالبا لم أعد أحتاج إليها”.

بعد هذا العمر وجدت نفسى أفهم تعليقه الباكر وأنا أتابع أطروحته الحالية وهو  يتكلم عن تعدد مستويات الموسيقى فى مقابل أحادية الصوت الواحد، فوجدتنى وأنا أقراه كأنى أسير فى بيتى مؤتنسا وأكاد أترجم ما وصلنى من خبرتى  إلى ما يحاول تقديمه أولا بأول، وإذا بنا نلتقى برغم اختلاف الأبجدية.

شكرا يا طارق ثم دعنى أثبت سماحك وجمال رأيك، بأن أقتطف بعض ما راقنى مع أن كل الدراسة وصلتنى رائعة صادقة عميقة مفيدة، ولتعذرنى على اضطرارى للاقتطاف، ودعنى أبدأ بما يؤكد سماحك بكل المستويات:

  • “….(أنا) لا أقلل أبدا من قيمة و حلاوة وجمال فنون التسلية و شغل وقت الفراغ و الطرب و الكلام والزخرفة، و لكن أن تطغى فنون التسلية و اللهو و الطرب على كل المساحة المتاحة للفنون التعبيرية بالنسبة الى شعب او حضارة او ثقافة، إن هو إلا حرمان مأساوي للمجتمع من الفنون التعبيرية التعددية الاستكشافية ودورها الكامن الهائل في نماء البشر و ميلاد الوعي و القدرات المجتمعية و الابداعية فيه

……………….

  • وليس عجيبا فى ظل ما قدمته من رؤية قد تبدو قاتمة أو قاسية، أننا مجتمعات لم تضف إلى بوتقة المعرفة البشرية شيئا مؤثرا خلال فترة تزيد عن ألف عام، و قد أصبحنا معتمدين فى كل شئ و فى كل شؤون المعرفة و تطبيقاتها على الآخرين، رغم ما نعرف بيولوجيا أن تراث الجينات الذي يمثل ثراء مجتمعاتنا الكامن هو تراث بالغ الثراء، و يحمل، كمونا، إمكانيات العطاء بلا حدود. و القضية هي كيف يتحقق هذا الكمون عن طريق الاهتداء الى مسالك النمو و الحركة و التعبير و من هذه المسالك المطلوبة بالتأكيد دور الفنون والموسيقى بالذات كقنوات تنمية بشرية ومجتمعية وليس كأدوات تسلية و دغدغة و تخدير.” 

ثم نلتقى يا طارق وأنا فرح بك وأنت تقول:

  • “… تقول لنا معلوماتنا الطبيعية و السيكولوجية و البيولوجية إن الإنسان كيان متعدد الجوانب, كيان قابل للنمو و متعدد الجوانب و ان مقتضيات نموه تشمل حق التعبير و حق تعلم أدواته على عدة محاور، و تشمل الحركة من حال الى حال. فهل طورنا النسيج المفاهيمي الصحي الذي يسمح بعلاقة تفاعلية صحية بين الثابت والمتحرك؟ بين الكائن و الكامن؟ بين الكينونة و الصيرورة؟هل حللنا مشكلة التصالح بين الثابت و المتحول؟

وأخيرا تنبهنا أن هذا التراجع عن تحمل التعدد والنهل من الإبداع الأصيل ليس قاصرا علينا فقط:

  • “… أما المعضلة التالية فهي ما يبدو من انحسار الموسيقى المعمارية الجادة من العالم ككل وانضمام العالم في أزماته المتفاقمة فيما يبدو لمعسكرنا الشرقي الذى لا يرى فى الموسيقى وسيلة من وسائل المعرفة العظمى، بل وسيلة من وسائل التسلية و شغل وقت الفراغ و شل التفكير و اقتحام مساحات الهدوء و التأمل. و ها هو عالم الغرب في أزماته المتصاعدة و قد انضم لنا فى مأساة حبس الموسيقى فى مجال مصاحبة الكلام مع نفى الموسيقى البحتة البنائية التأملية، يكاد يحبس الموسيقي من جديد فى مجال الرقص و التشنج و الجنس و الفيديو كليب و الإيقاع الزاعق المتكرر.

وبعد

كل هذا يا طارق يفسر لى كما ذكرت أمس أيضا لماذا كتبتُ ابتداءً كل ما وصلنى من النفسمراضية شعرا  بالعربية الفصحى (سر اللعبة) ثم  بالعامية المصرية (أغوار النفس)، فى عشرات الصفحات قبل أن أقدم له شروحات فى مئات الصفحات.

ولا أظن أنك تحتاج إلى روباط للرجوع إليها، ومع ذلك فها هى تحت أمرك فأنا متأكد أنك تعرفها من خلال إبداعك وأن اختلفت الأبجدية.

[1] – توقفت عن نشر هذه التداعيات المنطلقة التى عجزت أن أحد من انطلاقها تحت عنوان “المقابلة الإكلينيكية” مع أنها جزء لا يتجزأ من اللقاء وحوار الوعى البينشخصى ، ما علينا على من يحتمل أن يتابع أن يحتمل معى مبطن ما يجرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *