الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف‏ ‏التفكير‏ (31) (تابع) التقسيم حسب محتوى الضلالات (3) (10) ضلالات التحكـّم (ظاهرة السلب: ملكية الأفكار)

ملف‏ ‏التفكير‏ (31) (تابع) التقسيم حسب محتوى الضلالات (3) (10) ضلالات التحكـّم (ظاهرة السلب: ملكية الأفكار)

نشرة “الإنسان والتطور”

 الأحد: 18-5-2014

السنة السابعة

العدد:  2452

 18-5-2014_1

الأساس فى الطب النفسى


الافتراضات الأساسية

الفصل الثالث: ملف‏ ‏التفكير‏ (31)

اضطرابات التفكير

(تابع) التقسيم حسب محتوى الضلالات (3)

 (10) ضلالات التحكـّم (ظاهرة السلب: ملكية الأفكار) (1)

مقدمة:

 الأفكار طاقة أم رموز.

 والمخ: تلفاز أم جهاز تسجيل؟؟!

فى ملف الإدراك تراجعت عملية التفكير من مركزها المتفوق والأساسى إلى موقعها المتواضع الموضوعى كجزء يسير وإسهام محدود فى عمليات المعرفة، ووصلنا إلى أن ما نسميه التفكير بمعنى “حل المشاكل” لا يمثل إلا ظاهر ما نعرفه ونرصده فى مجال الوعى السائد، هذا المدخل خليق بأن يجعلنا نتوقف هنا قليلا أو كثيرا لنفحص أبعادا جديدة لما يسمى “عملية التفكير”، وخاصة فى علاقتها بوظائف أساسية أخرى مثل الإرادة والتذكر، وأيضا بطبيعتها حسب فروض إبداعية أحدث وأجرأ.

حين احتل التفكير مركزا جوهريا انطلاقا من مقولة ديكارت “أنا أفكر إذن أنا موجود” تناول الفلاسفة والعلماء هذه المقولة بنقد وفحص شديدين حتى تراجعت أو كادت إلى مكانها المناسب بالنسبة فى موقعها من الوعى، وأيضا لمقارنتها بالإدراك وعلاقتها بالإرادة.

موضوع نشرة اليوم مفروض أنه إكمال لموضوع وتصنيف الضلالات من حيث المحتوى وهكذا يصبح الاعتقاد الخاطئ الثابت بانتفاء ملكية الأفكار لصاحبها (ضلالات ملكية الأفكار) هو ضمن تصنيف المحتوى، إلا أن هذا المحتوى بالذات له علاقة بالإرادة من جهة (أنظر بعد) وبطبيعة عملية التفكير من جهة أخرى، ثم بفروض (أو حقائق) موقع الأفكار بالنسبة للتركيب البشرى وللطبيعة.

لعلكم لاحظتم معنا – فى العلاج: حالات وأحوال – مثلا: (نشرة 31-3-2009. حالات وأحوال: “الفهد المتحفز، والخوف من الحب” أن تناولنا للضلالات عموما (وللهلاوس المكافئة للضلالات أيضا) يبدأ من التسليم بأنها خبرة حقيقية يعيشها المريض فى مواجهة واقع الداخل، وليست نسجا خالصا من الخيال يؤلفه المريض وهو يبتعد عن الواقع المشترك معنا، ومن هذا المنطلق نتعرف على داخل المريض من جهة، ونكتسب ثقته ونحن نعامله باحترام خبرته كحقيقته (وليس: نأخذه على قد عقله) من جهة أخرى، ثم بعد ذلك نعامل محتوى الضلال الذى أصبح “حقيقته” بمحاولة فهم غائيته وآلية ظهوره، فى محاولة أن نترجمه إلى أقرب ما يحقق هذه الغائية بلغة السواء.

كنت إلى عهد قريب، بعد أن أُقِرُّ المريض على حقه أن يعتقد ما يشاء، أستأذنه أن ننقل ما يراه واقعا خارجا إلى احتمال أن يكون مصدره من واقع داخلى، دون الإسراع بقياسه بمقياس الصواب والخطأ، وكان هذا المدخل يفيدنا كثيرا فى خلخلة ثبات الضلال وفى الإقلال من المسافة بيننا وبين المريض وفى ترجمة لغة الضلال إلى لغة السواء لاحقا.

لكننى فى الفترة الأخيرة ومن خلال ممارسة طويلة للعلاج الجمعى، وأيضا من خلال قراءتى مؤخرا فى العلم المعرفى العصبى والوعى البينشخصى والوعى الجمعى، انتبهت إلى فضفضة استعمال تعبيرات مثل “الواقع الداخلى” و”الواقع الخارجى”، فلجأت إلى التعامل مع مستويات من الوعى متعددة ومتداخلة ومتشابكة دون ضرورة تحديد ما هو داخلى جدا عن ما هو خارجى فعلا، وترتب على ذلك وبالذات على معايشتى لتخليق “الوعى الجمعى” Collective Consciousness واستعمال مصطلحات جديدة مثل الوعى البينشخصى Interpersonal consciousness، ترتب على ذلك اتساع مفهومى لهذا التوليف المحتمل، والعلاقات المتداخلة ليس فقط بين الوظائف المختلفة وإنما أيضا بين مستويات الوعى.

على هذا الأساس، فإن المريض الذى يصف خللا مما نسميه ضلالا من “ضلالات التحكم”، سواء زرع الأفكار أو إقحام الأفكار أو سرقة الأفكار أو إذاعة الأفكار ….الخ فإنه يشير إلى تركيبة إمراضية جعلته يعاين هذه العلاقات وقد اختلط ما يتصوره ملكه وداخل دماغه بما أعتاد أن يضعه خارجه منفصلا، وبالتالى هو يشكو من هذه المستجدات التى نسميها ضلالا، فجاءت خبراتى الأخيرة مع قراءاتى فى الأحدث فالأحدث تدعونى إلى إعادة النظر فيها كطبيعة محتملة لتركيبات متداخلة بين مستويات وعى الفرد، وأيضا بين الفرد والمحيط، وأن لها أصول فى التركيب البشرى عامة.

تدعيم نظرى:

هنا أجد لزاما علىّ أن أشير إلى بعض ما عاينته من خبرة (فى العلاج الجمعى خاصة) وما وصلنى من معلومات وفروض مؤخرا لعل الأمر يتضح قليلا.

ففى العلاج الجمعى عايشت تخليق “الوعى الجمعى” رأى العين، عاما بعد عام عبر أربعة عقود، حتى كدت (كدنا) نتلمسه عيانيا بما فى ذلك الذاكرة الجمعية، والإدراك دون فهم.

أما بالنسبة لما وصلنى حديثا فسوف أكتفى بمقتطفات محدودة من مصدرين هامين:

 أولاً: فى محاضرة روبرت شيلدريك:

 18-5-2014_2وهو يقدم كتابه “العلم يتحرر” (يناير 2012)(2)  حيث وضع فروضا يعطى للطبيعة من حولنا دورا أساسيا فى عمل الذاكرة، وقد اسماه Morphic Resonance   الرنين التشكيلى (3) ثم أكد شيلدريك على نَفْى أن الذاكرة (والأفكار) تخزّن فى الدماغ، مشيرا إلى أن هذا النفى هو عريق ومتكرر من مختلف الفلاسفة والمفكرين عبر مختلف العصور من أول نظرية الروح والمُثل عند أفلاطون حتى برتراند رسل، الذى أيد نظرية هنرى برجسون فى كتابة “المادة والذاكرة” وقد أشار شيلدريك إلى اقتراح برتراندرسل وجود ما أسماه Mnemic Cousation  “السببية الداعمة للذاكرة” التى تعمل كقاعدة للذكريات طوليا والتى تربط الأشياء المتشابهة عبر الزمن، وأخيرا استشهد بـ ريتشارد برونستين(4)  الذى وصل إلى نتيجة تقول: إن الذاكرة لا تختزن فى الدماغ. ثم إنه استشهد أيضا بتجارب كارل لاشلى فى الولايات المتحدة التى قام بها باكرا حين قام بإزالة أجزاء كثيرة من الدماغ فى مواضع متفرقة من حيوانات التجارب، دون إتلاف الذاكرة ووصل إلى نتيجة تقول: إن الذاكرة (الأفكار) تبدو فى كل مكان وليس لها مكان محدد.

انتهى شيلدريك بفروضه إلى أن المخ يعمل كالتلفاز وليس كمسجل فيديو أو قرص مدمج، أى أن دماغنا هو “مستِقبل” أكثر منه “جهاز تسجيل”.

انطلاقا من هذا الفرض قال: “هذا ما يفسر الذاكرة الجماعية” واللاوعى الجماعى.

ثانياً: إبداعٌ قومىّ موازٍ

وصلتنى منذ أسابيع مداخلات متلاحقة من الصديق أ.د. صادق السامرائى (5) تلامس هذه الفروض وتتداخل معها بعنوان “طاقة التكرار ومعجزة الأفكار”، وقبلها بعنوان “أفكار وتفكير قد حضر!!” وغيرهما، وجدت أنها تدعم وتتكامل مع فروض “شيلدريك”، وبالتالى قد تساعدنى أيضا فى أن أنطلق منهما إلى فهم جديد لضلالات “التحكم فى الأفكار”، أكتفى بأن أقتطف منها ما يلى:

يقول أ.د. السامرائى فى مداخلة “أفكار وتفكير قد حضر!!”:

“…حتى وكأنك لتشعر بأن الأفكار كالأطيار المحلقة في فضاءات وجودنا، وما نحن إلا صيادون لها، ومهاراتنا في الصيد متباينة، والكثير منا لا يعرف هذه الحرفة الإدراكية والإبداعية، أو حرفة الإمساك بالفكرة حية.”

ثم يقول:

“…فصيد الأفكار لا يعني قتلها بسلاح أو مدى، وإنما أن تمسك بها بكامل حيويتها ونشاطها وعافيتها، وهذا أمر صعب، ويتطلب جدا وإجتهادا ورياضة، وترويضا للذات وإرتقاءً إلى مدارات وجود الفكرة، للقائها والإندماج بها”.

وإذا إفترضنا الطاقة الإدراكية الكامنة في الإنسان كالإليكترون الدوار حول الذات المطلقة، فأن عليها أن تكتسب قدرات الدوران في مدار أرقى، لكي تتفاعل مع الفكرة الفاعلة في ذلك المدار الإدراكي.

وفي هذا تتباين مستويات المدارك وتتنوع الأفكار، فلكل فكرة مدار، والذي في مدار أصغر لا يمكنه أن يعي الفكرة التي في مدار أكبر، والعكس ليس صحيحا، لأن الذي في المدار الأكبر قد تحرر من أسر المدار الأصغر، بعد أن إمتلك طاقاتإدراكية تؤهله للوصول إلى ما يليه من المدارات الإدراكية المتسارعة، الغنية بالأفكار الوهاجة الطامحة لصناعة ذاتها المادية والمعنوية في ميادين الوجود الحي.

وهذا يأخذنا إلى التساؤل عن هل أن الأفكار موجودات حية؟!

ثم فى مداخلة بعنوان “طاقة التكرار ومعجزة الأفكار: يقول السامرائى: “والعلاقة ما بين الدوران والتكرار ذات تطبيقات سلوكية وتفاعلات نفسية وفكرية وإدراكية”.

ودون التطرق إلى تفاصيل شرحه عن علاقة التكرار بالطاقة أكتفى بالمقطتف الذى يقول: “….ويبدو أن طاقة التكرار توفرها الأفكار المتواردة إلى مراكز الحث والجذب العصبى فى دائرة التواصل الفعال”.

وبعد

أتوقف هنا بعد طول التمهيد لأضع أسئلة محددة تتعلق بملكية الأفكار والضلالات المتعلقة بها كما تتعلق بالوعى الجماعى (واللاوعى الجماعى أيضا) بما يساعدنا فى فهم هذه الضلالات من ناحية، ثم فى التعامل معها، ومن ذلك:

1- إذا كانت الفكرة طاقة والتفكير تعبير عن هذه الطاقة فما علاقة ذلك بالمحتوى فى الأحوال العادية، وبالذات فى هذه الضلالات؟

2- إذا كان الدماغ هو تلفاز مُستقبَل وليس مسجلا أو قرصا مدمجا، فما هى علاقتنا بأفكارنا فضلا عن مسئوليتنا عنها.

3- إذا كانت معظم الضلالات التى تقع فى هذه الفئة (ضلالات التحكم) ليست سوى إعلان يقر هذه الفروض، فكيف نبالغ فى وصفها بالشذوذ والغرابة والسلبية.

4- إذا كان الأمر كذلك أو قريبا من ذلك فكيف نستفيد منه فى علاجنا لها والتعامل معها.

……..

وهذا ما قد نعود إليه غدًا

[1]Delusions of Control: Passivity phenomenon: Possession of Thoughts

[2] – “العلم يتحرر “Science Set Free ( 4 September 2012) هكذا نشر الكتاب بهذا العنوان فى أمريكا فى حين نشر فى انجلترا بعنوان “ضلال العلم”   The Science Delusion (1 January 2012)

[3] –  وهو ما ترجم إلى “التحول الشكلى”، الأمر الذى لم أسترح له، وفضلت أن أترجمه إلى هذه الترجمة “الرنين التشكيلى”

[4] – أحد أكثر الفلاسفة تأثيرا على الدول المتكلمة بالانجليزية فى القرن العشرين.

[5] –  أ.د. صادق السامرائى زميل عراقى استشارى الطب النفسى يعمل فى الولايات المتحدة، شاعر مبدع وعالم جليل وطبيب رائع، تعرفت عليه عبر الشبكة العربية للعلوم النفسية بفضل الابن والصديق رئيسها أ.د. جمال التركى فطمأننى وآنسنى وأثرانى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *