الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (49) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (15) التاريخ العائلى (10) دورات القلب ودورات المخ

الطبنفسى الإيقاعحيوى (49) Biorhythmic Psychiatry المقابلة الإكلينيكية (15) التاريخ العائلى (10) دورات القلب ودورات المخ

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 23-5-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3188

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (49)

Biorhythmic Psychiatry

المقابلة الإكلينيكية (15)

التاريخ العائلى (10)

دورات القلب ودورات المخ

مقدمة:

منذ أسبوع واحد بتاريخ 16 مايو تكلمت عن بدايتى من مدرسة “العلاقة بالموضوع”، (المدرسة التحليلية الإنجليزية) وعن فرحتى بها بقدر اختلافى معها، وعرضت  باختصار أبعاد اختلافى  مع تفاصيل مهمة فى أساس فكرها:  أوجزها فى التالي:

(1) هى مدرسة “لا- بيولوجية”، حتى انها وهى تزعم أنها تجاوزت سيجموند فرويد، دون نكران أنها خرجت من عباءته، اعتبرته بيولوجىّ الفكر بسبب تركيزه على الغرائز، (على أساس أن الغرائز هى جزء من البيولوجى)، وفى مقابل ذلك اعتبرت هذه المدرسة أن اصل السيكومراضية هى التثبيت أكثر من اللازم عند موضع من مواضع مراحل نمو الطفل، وعدَّدَت هذه المواضع الواحد تلو الآخر، ومن ثم ما يترتب على التوقف عند أى منها،  بدءا بعلاقة  الطفل بأمه (كما بيّنا  سابقا)،

اختلفتُ مع هذه المدرسة حول نفى كل ما هو بيولوجى هكذا،  لأننى أعترف أنني  بيولوجى الهوى بالطول وبالعرض، بدءا من بيولوجية التطور واستمرار آثاره فيها، امتدادا فى الوارثة كما سبق أن أشرت،  انتهاءا بتخطيط أى نفسمراضية تخطيطا آنيًّا من واقع تركيبى “حالا”، أرى فيه النشاط النسبى لكل مخ، وكل مستوى وعى، وما آلت إليه العلاقة بينها، وكأنى “أقرأ المخ” الآن قبل البحث فى تاريخه وأسباب ما آل إليه، حتى أشعر أحيانا أننى أمام نص كامل أبدعه مبدع كل شىء فى أحسن تقويم قبل أن ينحرف إلى ما صار إليه.

(2) تبدأ هذه المدرسة أى نفسامراضية بفحص ما يتعلق بالمواقف الثلاثة التى تتحدد بتدرج نوع العلاقة  بالأم بوجه خاص (وبالموضوع/بالأخر بصفة عامة ) بالتتالى،  وفى هذا تأكيد أنها  لا تضع التاريخ الوراثى فى الاعتبار بالدرجة الكافية، وبداهة هى  لا تذكر التاريخ التطورى أصلا، فى حين أن بدايتى هى التطور بكل تاريخه، وتفريعاته العرقية إلى الأسرة أى التاريخ الوراثى الأقرب (كما ذكرنا) إلى ما هو “هنا والآن”، بل دعوني أعترف أننى أبدأ بـ”هنا والأن”  وهو الذى يهدينى إلى أولويات ما أبحث بالطول، وطول الطول.

(3) ميلانى كلاين كانت تضع ترتيب المواقع الثلاثة كالتالى: الموقع الشيزيدى، فالموقع الاكتئابى، فالموقع البارنواى، وقد  أعاد جنترب ترتيب المواقع، وأقره فيربيرن (أستاذه ومحلله كما ذكرنا) أعاد الترتيب إلى  الوجه التالى: الموقع الشيزيدى فالموقع البارنوى ثم الموقع الاكتئابى،

وقد اتفق ذلك مع خبرتى، مع الربط بالتاريخ الوراثي السالف الذكر، وأيضا التاريخ التطورى ما  أمكن كذلك.

(4) اعتبرت ميلانى كلاين أن الموقف الاكتئابي  متعلق بالشعور بالذنب نتيجة لقتل الطفل -فى خياله-  لأمه، مع يقينه بأنها مصدر الحب ولهذا خصت هذا الموقف بما نبهتْ إليه وهو غلبة وجود ما يسمى “ثنائية الوجدان”.

 فى حين اعتبرتُ أن الموقف الاكتئابى له وجهان ينبعان معا من نفس الموقف الذى يتميز  بثنائية الوجدان (يحبًّ من يكرهْ)، بل إننى لاحظت ونظـّرت كيف أنه موقف لا يتصف فقط بثنائية الوجدان، بل بحضور وجدانات كـُـثْر فى نفس الموقف مما يثرى الحركية وينشط الجدل، ومن ثم النضج وتحمل الغموض، وقد وجدت  أن هذا الموقف بالذات هو موقف إنسانى بالدرجة الأولى، حتى اكتشفت مؤخرا – كما ذكرت فى النشرات السابقة مباشرة – أنه يمكن أن يمتد إلى عديد من الحيوانات  (كما سيرد فى الدراسة المقارنة، وهذه هى الإضافة الجديدة  توصلت إليها بفضل حدس وفن التشكيليين والمصوِّرين) وعلى ذلك فتناقض الوجدان لا يؤدى بالضرورة إلى عدم تحمل احتمال تخلى مصدر الحب والحياة لدرجة التخلص منه ومن ثم الشعور بالذنب ..الخ، وإنما قد يكون الخطوة التمهيدية لتحمل الغموض، وقبول آلام تكوين علاقة موضوعية مع آخر حقيقى، ومن ثم ألم النضج واحتمال إبداع النمو ولا يكون تثبيتا مستهدفا بالمرض، إلا إذا عجز عن ذلك، فانقلب إلى ما رأته هذه المدرسة أو غيره من سلبيات.

(5) اعتبرتُ أن هذه المواقف لا تبدأ فى  مرحلة الطفولة الأولى، وإنما هى منغرسة فى تركيب الحياة كلها، وتختلف باختلاف الاختلافات العـِرقية والثقافات الفرعية فالعائلية، ثم تـُنـَشـَّط بموقف الأم واستيعاب فطرتها لما يلزم للانتقال الملائم دون تثبيت مفرط بين المواقف المتتالية فى هذه المرحلة الباكرة، بما سيترتب عليه لاحقا (المرض إن ظهر) ثم يظل تتابع هذه المواقف يتكرر بلغات مختلفة، وفى أدوار مختلفة، بما له من نتائج مختلفة فى التفاصيل، ولكنها ليست مختلفة من حيث النقلات النمائية التطورية فى حالة الصحة، وبالتالى من حيث الاستهداف للانتكاسات  المحتملة فى حالة المرض: ( أنظر بعد)

(6) مع تركيزى على هذه المواقف ابتداءً، (الشيزيدى، فالبارنوى، فالاكتئابى) ونسبتها إلى مراحل التطور السابقة ما أمكن ذلك، سوف أعفى نفسى – والقارئ من أى تفاصيل تطورية أو نمائية مواكبة ومحتملة ومؤثرة، لعلنا  نستطيع أن نتابع تكرار النبض التتابعى واحتمالات توقفه أو انحرافه (المرض)، فهذه الدورات  الشاملة لهذه المواقف الثلاثة، ومآلها هى التى سأتعامل معها على أنها “دورات المخ النابضة طول الوقت”.

(7) تتكرر هذه الدورات بشكل يمكن رصد بعض مظاهره فى أزمات النمو المتتابعة، مع اختلاف التفاصيل، وقد ضربتُ مثالا لهذه الأزمات النمائية بما يوازى  أزمات النمو الثمان (“أعمار الإنسان الثمانية ” لإريك إريكسون)، دون الالتزام بأى تفاصيل بشأنها

(8) الفروض التى لن أتطرق إليها إلا من خلال بعض نتائجها تفترض أن نفس هذه الدورات تتكرر فى فترات زمنية أصغر فأصغر، تبدأ من دورات “النوم- الحلم- اليقظة “، وتتصاغر فتراتها أكثر فأكثر حتى تصير إلى دورات ولادة الفكرة أو تنشيط الحدس عموما، وفى دورات الإبداع خاصة .

(9) إن تبنى هذه الفروض جميعا له فائدة عملية مشرقة حيث يعلِنُ ضمنا وجود فرص النمو (والتصحيح العلاجى) طول العمر طول الوقت، وقد كررت  شرح ذلك  مرارا  بأنه: إذا كان العطار أعجز عن أن يصلح ما أفسد الدهر (هل يصلح العطار ما أفسد الدهر!!)، فإن الدهر هو الأقدر على أن يصلح ما أفسد الدهر، بمعنى أن كل دورة هى فرصة متاحة لتعديل المسار إن كان قد انحرف

(10)  وعلى ذلك – مرة أخرى – تصبح مواكبة دورات المخ البنائية (حيث المخ يعيد بناء نفسه نابضا باستمرا) هو الدهر الذى يصلح ما يعجز عنه العطار، أو يشوهه أحيانا أو يوقف المسيرة برمتها خوفا من انحرافها أو خطرها، فتستمر الثقة فى احتمال سلامة المسيرة بفضل خالقها، ووعى المشاركين فيها

دورات القلب ودورات المخ

بدأت أستلهم علاقة نبضات القلب بنبضات المخ  من خلال تأملى ومتابعتى لما كان يسمى العلاج بالصدمات الكهربية،  (Electo Convulsiv Therapy) ECTوالذى انتهيت إلا تسميتها “تنظيم إيقاع الدماغ” Restoring Therapy RRT)  (Rhythm      والتى أرجو أن أسميها الآن BRT    (Brain Rebuilding Therapy) بعد أن عدّلت فروضى لطريقة عمل جلسات هذا العلاج باعتبارها إعادة تشغيل بعد الاطمئنان لتنظيم مستويات الوعى (المخ) بما يضمن من يكون “المايسترو”، بعد إعادة التشغيل دون استبعاد تعسفى لسائر المستويات الأخرى.

ولنشأة هذه الفروض وتطورها من واقع الممارسة ما يستحق أن يـُحكى:

  • انتبهت إلى أنه أثناء جراحة القلب المفتوح قد ينتج عن التدخل الجراحى رجفان للأذين، (أو للبطين Auricular or Ventricular Fibrillation) أو يتوقف القلب، فيسارع الجراح وطبيب التخدير بإحداث “صدمة كهربية” تعيد تنظيم القلب حتى تستعيد نقطة انبعاث دقاته Pace Maker قيادتها للنبضات(1)، ونقطة الانبعاث  فى القلب هى بؤرة تركيب عصبى يقود شبكة توصيل القلب النابض، ومنها تبدأ الإثارة ثم تنتشر بانتظام إلى بقية عضلات وحجرات القلب، فهى بمثابة المايسترو لمسار وتكرار هذه النبضات، وقد شد انتباهى وجه الشبه لاستعمال نفس التعبير “صدمة كهربائية ” فى هذه الحالة، مع استعماله فى الاضطرابات النفسية التى تحتاج مثل ذلك بشكل آخر فى ظروف أخرى.
  • فى نفس الوقت بدأت أتقبل فكرة تعدد الذوات أكثر فأكثر (وبالذات من منطلق التحليل التفاعلاتى لإريك بيرن: Transactional Analysis . Eric Bern ) وأنه فى لحظة بذاتها تقوم بقيادة سائر حالات الذات Ego States حالة واحدة مسئولة عن قيادة سائر حالات الذات (مستويات المخ)، وهو  ما عرفت فيما بعد كيف تقابل هذه الحالات “مستويات الوعى” بالمخ، فيكون هذا المستوى القائد هو المايسترو الذى يوجه نشاط المخ بما يناسب الموقف والمرحلة والنشاط النسبى لسائر مستويات المخ الأخرى، والفرق بين المخ والقلب فى هذا النموذج المقارن هو أنه فى المخ تتعد المستويات القادرة على القيادة، والجاهزة لها، والمستعدة لاستلامها للتوفيق بين دور كل المستويات لخدمة الغرض المناسب فى الظرف المناسب، وهذا عكس ما يحدث فى القلب حيث قائد الأوركسترا واحد طول الوقت طول العمر (إلا فى حالات المرض)
  • نظرا لهذا الخلاف الجوهرى بين نبضات المخ، ونبضات القلب، وبناء على ما وصلنى خلال الثلث قرن الماضى عن طريقة عمل المخ، وكيف يعيد بناء نفسه طول الوقت، وعدد دوائر نبضاته المحتملة التى تربو على مائة، أيقنت أنه قد الأوان لكى أتوقف عن أن أقيس   نبض المخ بنبض القلب:
  • لتوضيح ذلك، رأيت أن اختم اليوم بعرض هذا الشكللنبض القلب لعله يبين كيف أن القلب بنبضاته هو أشبه بالمضخة المنتظمة المحكمة، لا أكثر ولا أقل، فى حين أن المخ بتعقيداته، وقدراته، وحركيته، وجدليته، هو أرقى من أقدر حاسوب نعرفه (كما سيرد شرح بعض ذلك فى نشرات لاحقة)

23-5-2016_1

(شكل يبين دورات القلب وأنها مضخِة ميكانيكية صماء)

23-5-2016_2

وباختصار يمكن إيجاز كل ذلك فى شكل أبسط أوضح، يؤكد فكرة المضخة أسهل.

أما نبضات المخ، وبعد هذه المدة من المتابعة والملاحظة والقراءة، فهى أكثر تعقيدا، وأنشط حركية، وأقدر إبداعا، وأقرب رصدا لما نبحث عنه بشأن فطرة البشر وطبيعتها على مسار النمو خاصة، ولهذا توقفت فى تفسيرى لعمل جلسات تنظيم إيقاع المخ بفكرة  صدمة القلب المفتوح بتفسير يوازى فكرة “إعادة التشغيل” Re-start التى نمارسها مع الحاسوب الجيد، آملين فى أن يعيد تنظيم برامجه بعد التوقف القسرى (التهنيج)

أما الآن فسوف أكتفى بإعادة عرض أطوار النمو من وجهة نظر مدرسة العلاقة بالموضوع، لأتناول كل “موقع” على حدة بدءا من الأسبوع القادم

23-5-2016_3

[1] – نشر هذا الفرض منذ ثلث قرن  1982 فى مجلة الإنسان والتطور عدد أبريل 1982 بعنوان “صدمة‏  ‏بالكهرباء‏ …. ‏أم‏  ‏ضبط‏  ‏للإيقاع‏؟”من  ص 33 إلى ص 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *