الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الوجدان واضطرابات العواطف (49) عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (9) اللاستمتاع

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (49) عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (9) اللاستمتاع

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 14-12-2014   

السنة الثامنة

العدد: 2662

  الأساس فى الطب النفسى

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (49)

ثانيا‏: ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏:‏ (12) 

اضطرابات الوجدان (العواطف)

عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (9)

اللاستمتاع

مقدمة:

هل عكس كل ما هو حزن هو فرح؟ أم أن طيف الوجدانات العسرة يمتد ويتلون بكل ألوان الأسى والألم والعزوف والضجر والاختفاء، كل ذلك دون أن يكون عكس الفرح تحديدا؟

 مازلنا فى حيرة حول تسمية الوجدانات، العواطف، الانفعالات، فبمجرد نطق اسم عاطفة ما أو وجدان بذاته، تقفز الحاجة إلى تعريف وتمييز وتصنيف، دعونا نتحمل مسئولية ألا نفعل فنواصل مجتهدين كالتالى:

‏2-‏ اللاستمتاع Anhedonia:

‏احترت فى ترجمة كلمة anhedonia ووجدت أغلب التراجم تشير إلى “عدم التلذذ”، فرفضت تعبير التلذذ، ونحتُّ هذه الكلمة المضغَـمـَةْ “اللاستمتاع = فقد القدرة على الاستمتاع”

هذا‏ ‏وجدان سلبى، ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏موجودا‏ ‏وحده‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏الاكتئاب‏ ‏أو‏ الحزن،  و‏قد‏ ‏يكون‏ ‏مصاحبا‏ ‏لهما‏، ‏وهو‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏الشخص‏ ‏يجد‏ ‏صعوبة‏ ‏فى ‏الاستمتاع‏ ‏بما‏ ‏كان‏ ‏يمتعه‏ ‏سابقا‏ ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏المأكل‏، ‏أو‏ ‏المشرب‏، ‏أو‏ ‏الملبس‏، ‏أو‏ ‏الصحبة‏، ‏أو‏ ‏الجنس‏، ‏ويبلغ‏ ‏هذا‏ ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏التمتع‏ ‏أحيانا‏ ‏أن‏ ‏يشعر‏ ‏المريض‏ ‏بفقد‏ ‏طعم‏ ‏ومذاق‏ ‏الأكل‏ ‏مثلا‏، ‏ويصف كل أو أغلب ما كان يستمتع به على أنه قد فقد مذاقه، ويتساوى عنده ما كان يشتهى مع ما كان يرفض.

ويختلف التعبير عن فقد المتعة هذا باختلاف الثقافات، ومن أهم التعبيرات التى شدتنى فى ثقافتنا وصف مريض من دمياط أن الأكل أصبح فى فمه مثل “نشارة الخشب“، فى حين وصف فلاح مصرى طعم الخيار على أنه “قوالح ذرة” وهكذا.

وتمتد فقد المتعة عند من يعانى من هذا الاضطراب إلى أىٍّ من النشاطات التى كان يمارسها ويحبها، فلا يعود يقبل على رياضة كان يمارسها، ويظهر ذلك خاصة فى الرياضة المشتركة والجماعية، ويكف عن مواصلة هواياته، وقد يعوِّض ذلك بالاستغراق فى العمل ربما لملء الوقت، وعادة بلا متعة فى العمل أيضا، فيبدو له العمل وكأنه سُخرة، وقد يمتد اللااستمتاع إلى ما كان يفخر ويتباهى به من إنجازات قام بها فى عمله أو غيره.

وأحيانا يعبر المريض عن هذا الوجدان (اللاوجدان!!) بأنه يشعر بأنه أفرغ من داخله، أو أنه ملىء بالفراغ، (بقيت فاضى من جوه) (1)

هذا الوجدان عامة لا يشبه الحزن الحيوى، لكنه قد يصاحب الحزن اللّزِج النعاب، كما قد يقترب أكثر من وجدان اللامبالاة أو البلادة أو التبلد الذى يغلب فى الفصام وبعض اضطرابات الشخصية، الفرق هو أن المريض الذى يقال إن لديه وجدان اللااستمتاع هو الذى يصف نفسه بذلك، ووصفه يبدو عادة أنه يود لو عاد يستمتع كما كان يستمتع، أما من يوصف بأنه متبلد أو لا يبالى فغالبا ما يكون هذا  هو وصف الآخرين له أكثر من وصفه لنفسه.

 على أن هناك من المرضى من يعلن مثل هذه الشكوى وأنه يعانى من فقد المشاعر وكأنها انسحبت منه، لكن ذلك قد لا يدل على فقد الوجدانات الأصيلة فعلا، وإنما قد يكون إعلانا عن إفاقة واعية لما كان يعيشه قبل ذلك فيما يسمى الحياة العادية الراتبة (المغتربة غالبا) وكأنها مرحلة ما بين كشف أو تعرية المشاعر والوجدانات المغتربة وبين السعى إلى تنشيط استمتاع حقيقى من نوع آخر لعله ينجح فيبدع أو يتجدد، أو إذا لم تتوفر له ظروف النقلة الإيجابية فإنه يفشل، فيتمادى فى اللااستمتاع كلية، ولا يعود يستمتع لا بالمشاعر القديمة على سطحيتها، ولا هو يقدر أن يستمتع بمشاعر جديدة كان يأمل فيها، فتختفى هذه وتلك بلا رجعة إلى الاستمتاع الأول ولا تخليق لاستمتاع أرقى.

وقد وصف هذا اللاستمتاع فى مجالات متعددة أخذت تسميات فرعية مثل “اللاستمتاع الجنسى (2)، “اللااستمتاع الاجتماعى” (3) …الخ حسب المجال الذى أنطفأ فيه الاستمتاع.

ويشير اللاستمتاع الجنسى عادة إلى فقد الرغبة، وأيضا فقد اللذة فى الممارسة الجنسية حتى لو نجحت بشكل آلىّ وتم الوصول إلى ذروة الشهوة، ويغلب ذلك عند النساء حين يفتقدن أن يكون الجنس جزءًا من علاقة متكاملة، وعادة ما يتمادى اللاستمتاع الجنسى إلى البرود الكامل أو العنة عند الرجال.

أما اللااستمتاع الاجتماعى فهو يظهر فى فقد القدرة على التمتع بالصحبة أو المؤانسة مع الجماعة، وهو قد يتزايد أيضا حتى يوصف بالانسحاب أو العزلة مع أو بدون حزن ظاهر.

على أننا حتى نتكلم عن اللااستمتاع ونصفه بحقه يحتاج الأمر بداهة إلى افتراض أننا نعرف ما هو الاستمتاع، وكيف نقيّمه، حتى نقيّم زيادته أو نقصه حتى فقده، وهذه مسألة تختلف باختلاف الثقافات، والأهم باختلاف الفروق الفردية المتعلقة بدرجة كبيرة بطريقة التربية، ومدى القمع منذ الطفولة، ومدى تحقيق وتغذية الحقوق الأساسية للطفل منذ قدومه وحتى نضجه ومراعاة حقوقه الطبيعية ومنها حق الاستمتاع والحق فى الفرح والحق فى الشوفان والحق فى الدفء العاطفى المحيط…الخ

الفرق بين الاستمتاع والفرح:

يرتبط الاستمتاع بشكل ما بقدر من الفرح إذ قد يكون الفرح مصحوبا بمتعة حقيقية، أو يكون الاستماع مصدرا لفرحة مناسبة، لكنهما ليسا مترادفين تماما، فيمكن مثلا ملاحظة ما يلى:

–       الاستمتاع قد يكون صامتا، والفرحة عادة (وليست دائما) زائطة.

–       الاستمتاع فيه امتلاء ورضا، والفرح فيه انفتاح ومشاركة.

–       الاستمتاع فيه تقييم نوعى للمثير، والفرحة أكثر عمومية وانتشارا.

–       الاستمتاع قد يصحبه تأمل هادىء، والفرحة قادرة على الانتقال العدوى.

–       الاستمتاع عادة يكون ممتزجا بجانب حسى متميز، والفرحة تكون فيها قدر أكبر من التنشيط الحركى.

–       نقيض الاستمتاع هو اختفاؤه أى اللاستمتاع،

–        لكن نقيض الفرحة هو الحزن والكآبة والغم.

 

[1] –  Emptiness

[2] –  Sexual anhedonia

[3] –  Social anhedonia

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *