الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات وأحوال (19) تابع: رحلة التفكيك والتخليق(15) إرهاصات نكسة محتملة، وإجهاضها

حالات وأحوال (19) تابع: رحلة التفكيك والتخليق(15) إرهاصات نكسة محتملة، وإجهاضها

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 28-12-2015

السنة التاسعة

 العدد: 3041

حالات وأحوال (19)

تابع: رحلة التفكيك والتخليق(15)

إرهاصات نكسة محتملة، وإجهاضها

(الجزء الثالث من نفس المقابلة الإكلينيكية

       بتاريخ 28-8-2008)

المقدمة:

(مازلنا فى نفس المقابلة ولن تنتهى اليوم)

——————-

——————-

د.يحيى : نرجع مرجوعنا للى انت جاى تحكيه النهارده بالذات، باين الجوع للناس رجع، ما هو كله حّرك كله، الجنس عندك يا محمد جاهز عالواسع

“محمد”: ….. وبتحصل معايا وأنا فى الشارع عادى، وأنا ماشى فى الشارع يعنى شفت واحده مثلاً ركزت معاها أوى، تخيلت الأعضاء مش عارف إيه فى ثوانى أتخيل نفسى إن أنا معاها، إيه ده أنا مش فاهم، أنا ذات نفسى أتخيل كده إنى أنا معاها وعلى السرير عادى، وبمارس معاها طبيعى، إيه ده مش فاهم انا!

د.يحيى: شوف كلمة تتخيل هنا فيها برضه فصال يعنى التخيل غير التجسيد غير الحقيقة يعنى، انت لما تتخيلها تبقى شايفها زى ما أنا قاعد كده؟

“محمد”: لأه أنا متخيلها عريانه أمامى بس أنا شايفها بالهدوم أنا شايفها كده قدامى بالهدوم فى ثوانى تبقى قالعة الهدوم، لحد ما أجيبهم

د.يحيى : يا خبرك اسود، ازاى تبقى قالعة وبالهدوم؟! وده بقى حانسميه خيال ولا حانسميه حقيقة ولا إيه؟ بالنسبة ليّا ماتفرقش أنا مصدقك يابنى كده وكده، احنا بنبدأ باحترام الموجود، وباحترام خلقه ربنا ونبتدى من ده، وده.

لست متأكدا من أن تحريك مستويات وعى محمد فى رحاب بالوعى الجمعى هو الذى سمح بهذه المنطبعات الجنسية أن تطفوا إلى سطح وعيه لينسج منها هذه الفانتازيا المجسدة، أم أن ذلك كان نتيجة لتزايد ثقة المريض بالمعالج بعد السماح والتهوية عن المكبوت بهذه الدرجة التى سمحت باستعادة القبول الطبيعى لما خلقه الله،

كذلك لست قادرا – فى حدود وصفه – أن أفصل بين الصور الخيالية والهلوسات الجنسية بعد أن وصلت إلى تجسيد الممارسة الكاملة حتى ذروة الشهوة هكذا، وهذا يسمح لنا أن نخفف من غلوائنا فى الاصرار على الفصل الحاسم بين الصور الخيالية والهلوسة خاصة بالنسبة لمجالى البصر واللمس، وإلى درجة أقل بقية الحواس.

لكن محمد هنا يُشَغِّل خياله بطريقة إرادية جزئيا، فهى ليست فقط مدركات هلوسية أو فانتازيا خيالية لكنها فعل إرادى، حتى فى إصداره أمر التخيل فى ثوان.

“محمد”: هيا دى المواضيع ديه اللى تعبانى بس

د.يحيى : ماهو إحنا بنشوفها سوا أهه، مش يمكن معنى كده إن العلاقات اللى عملناها فى الجروب كانت مهمة، والدكاترة وانت وانا والعيانين عملوا شغل جامد، (يلتفت إلى طبيبة من الجالسين) مين اللى كان معايا يا ياسمين من الدكاترة

د.شريف: دكتور محمد عبد الفتاح وعلياء وولاء

د.يحيى :  طيب، يا محمد، مش احنا عملنا علاقات بحق وحقيق

“محمد”: علاقات؟ مش فاهم يعنى إيه

د.يحيى : يعنى اتصاحبنا يعنى

يلاحظ أن استعمال كلمة علاقات غير مألوفة فى اللغة الشعبية بدرجة دالة، وكلمة صداقة أيضا غير كافية، ربما تعبير “إتصاحبنا” هو الأقرب إلى ثقافتنا وأكثر دفئا، بصراحة الذى يتخلق أثناء العلاج الجمعى خاصة فيما يتعلق بالعامل الجامع للجماعة ليس له اسم واحد متفق عليه، فهو من ناحية تفاعلات جدلية متراكمة خلاقة، ومن ناحية أخرى هو ينشأ تدريجيا متشعبا مستمرا بأجزاء شديدة الضآلة لكنها بالغة الجاهزية للتشكيل والإبداع، ومن ناحية ثالثة هو شىء عصى عن الوصف بالألفاظ حتى بعد نموه نموا كافيا، ربما يصلح أن نشبهه بما يجرى داخل الرحم وهو يحيط بالجنين إذ يتخلق شهرا بعد شهر، بل يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة بل أقل. أقرب اسم له الآن عندى هو “الوعى الجمعى” الذى يحافظ على بقاء  الجماعة كلها بقدر ما يحافظ على علاقة الفرد بالجماعة وقد أصبح وعيه جزءًا منها، الذى يفرق بين وعى البشر  الجمعى وغريزة القطيع هو أن الكائن البشرى يمارس برنامج الدخول والخروج طول الوقت من الوعى الشخصى إلى الجمعى وبالعكس طول الوقت، لكنه ليس دخولا وخروجا بنفس المسافة وإلا أصبح سيرا فى المحل داخل دائرة مغلقة.

“محمد”: آه اتصاحبنا، كنا بنتكلم مع بعضينا ومش عارف إيه

د.يحيى : عليك نور أهو “مش عارف إيه” دى هى اللى فيها البركة، عشان احنا مش كنا بنتكلم وبس، دا احنا كنا بنحس مع بعض ونشارك مع بعض، ونشيل هم مع بعض، ونتالم مع بعض، ونفرح مع بعض، ونفرح لبعض، أدى معنى اللى كان بينا، وكل حاجة رايحة جايّة حتى لما بِعِدْنا عن بعض، فضلت حاجات كفاية

“محمد”: إمال ليه الحاجات ديه اللى انا فيها دلوقتى ظهرت من جديد

د.يحيى : جديد إيه يا راجل، إنت شاب عمرك ماارتويت من الناس اللى بصحيح، ولا وصلك حقك زى ما ربنا خلقك

“محمد”: آه

د.يحيى : كله من بره بره، ولما تتزنق تقوم مقفول على نفسك منه فيه، مش كنت بتعمل العاده السريه مرتين فى اليوم

“محمد”: أيوه، بس الكلام ده ماكنش فى دماغى خالص

د.يحيى : رحت قافل باب الصحوبية، ومْزَحْزَح العواطف بعيد، وقلبتها جنس منه فيه

“محمد”: آه، يعنى إيه؟

د.يحيى : يعنى عمرك يا محمد ما إرتويت بالناس أو مع الناس، وأبوك ساب أمك بدرى بدرى، يعنى يا ابنى طلعت لقيت البيت ناشف مما جميعه

“محمد”: آه مع إنى قدامى إنى أعمل الحكايه ديه، وصحابى كتير بيعرضوا عليا الكلام ده بس أنا مش عارف، مش فى دماغى الحاجة دى

د.يحيى : هوا انت فاهم انك لوعملت الحاجه دى زى اصحابك يعنى، الحاجة دى حاترويك؟ ولاّ هِيّا لغْوَصَه وطرطرة، وأبوك عند أخوك

“محمد”: هوّا انا يعنى أنا مثلاً لو عملت الحاجات ديه، الحكايات ديه تروح

د.يحيى : بصراحه لأ، خلى بالك أنا بقولك علم مش بقولك اخلاق ولاّ دين وحرام وحلال.

“محمد”: يعنى حاتفضل هى هى حتى لو عملت الحاجة دى

د.يحيى : ويمكن تزود المصايب مصيبة من نوع تانى، أنا مش باقولك ده علشان ماتعملهاش ولا تعلمها، أنا العلم بتاعى بيقول إنك مش حاتتروى، ويا إما تلغيها، يا إما تخش فى ندم وذنب وكلام من ده

“محمد”: إمال اعمل إيه؟

د.يحيى :  البنى آدم يا محمد محتاج بنى آدم الأول، وبعدين جنس مش جنس هى وظروفها، يعنى هوّا الجروب اللى كنا فيه كان إيه، مش كان بنى آدمين مع بعض شايلين هم بعض واللى فيه الخير يقدمه وربنا

“محمد” : آه صحيح

د. يحيى: وبعدين لما انت بعدت عننا كنا لسه جواك، وبعدين غبت مدة، لا بتشوف دكاترة ولا زملايك، ورجعت عمال تشتغل زى الحمار زى زمان، وحتى الشغل ابتديت تفاصل فيه

لابد من مراعاة أن مثل هذا الحوار لا يصلح مع أى مريض، وأن حضور محمد وتوثق علاقته بالطبيب وحدة درايته البصيرية هى التى سمحت به، فضلا عن أن هذه المقابلة ليست علاجية خالصة، لأنها تتم فى حضور وعلى مرأى من الأطباء الأصغر والدارسين (ليس أكثر من عشرة)، ثم إنها ليست لها أساس تنظيرى محكم بقدر ما تبدو تطبيقا إكلينيكيا فى محاولة الربط بين اختفاء الاعراض ثم ظهورها مع فقد جرعات تدعيم العلاقاتية التى كانت تحتوى حركية عواطف واحتياجات المريض بما يتيح له فرص تأجيل أو توجيه مسارها حسب ظروف  تطور حالته ومراحل علاجه.

كما يبدو أن الوحدة والجوع إلى الناس الذى زاد بعد انقطاع صلته بالجروب يمكن أن يكون مثيرا لتحريك هذه الخيالات البديلة، والتى بدأت فى شكل فانتازيا (صور خيالية) جاهزة للتحول لهلوسات حسية حقيقية.

على أن الربط المباشر بين غياب التغذية العلاجية وظهور هذه الخيالات ليس سليما على طول الخط، حيث أنه توجد عوامل أخرى ترابطية طولية وآنية تتداخل بشكل غير مباشر ولا يمكن الكشف عن أغلبها فى مثل هذه المقابلات المتباعدة، بل قد لا يفيد الكشف عنها لتبرير هذا الربط المباشر حتى إذا توافرت السبل.

وبرغم كل ذلك فأن استجابة محمد للحوار بهذه السلاسة قد تكون دليلا على نمو علاقة إنسانية حميمة قادرة على توصيل جرعة أعمق لما وراء و هذا الشرح النظرى المباشر  بشكل أو بآخر.

“محمد”: يعنى دى نكسة ولا إيه؟

د.يحيى : الظاهر كده، بس أديك جيت وانت مستعد لها، قصدى واحنا مستعدين لها

“محمد”: احنا مين؟ هوّا فاضل غيرى انا وانت؟

د.يحيى: يا ابنى الدنيا مليانه بنى آدمين، اهم الدكاترة اهم حوالينا (1)مانطقوش ولا كلمة، إنما تلاقيهم معانا طول الوقت، و انا قلتلك إنهم مش بيتفرجوا، دول بيقرّبوا غصبِنْ عنهم.

“محمد”: بس ده مش جروب

د.يحيى : جروب مش جروب، الناس لبعضهم (يلاحظ تسهيمه) انت رُحْت فين يا محمد

“محمد”: لأ مارحتش أنا معاك

د.يحيى : طب كنت باقول أيه؟

“محمد”: ربنا خلق الناس

د.يحيى : خلق الناس بس ما تنفعش ، هو خلقهم لبعضهم يا راجل، واديك شفت بعينك

“محمد”: مش عارف، أنا حاسس إنى أنا عايز أضحك ليه مش عارف، مش عارف ليه كمّل كلامك

د.يحيى : أنا مش رافض ضحكتك، بس مش فاهمها بصراحة

“محمد”: أنا مش عارف باضحك ليه، مش عارف ليه كده عايز أضحك مش عارف

د.يحيى : مبسوط؟

“محمد”: مبسوط من إيه؟

د.يحيى : ماللى باقوله؟

“محمد”: يمكن

د.يحيى : المهم: لما بننجح إن الناس تبقى لبعضيها الأمور بتترتب صح، هوّا الجروب بيعمل إيه يعنى؟ بيعلم الناس يرجعوا يبقوا لبعضيهم، ده يطلع، ده ينزل، واللى يفضل يفضل، حتى لما بنبعد عن بعض بنلحق بعض من جوه، لما بِنِتْوِحِدْ بنلاقى بعض برضه من غير ما نحس

“محمد”: لما بِنِتْوِحِدْ؟

د.يحيى : آه لما بِنِتْوِحِدْ، ما بِنِتْوِحِدْشِى

“محمد”: لما بِنِتْوِحِدْ، ما بِنِتْوِحِدْشِى يعنى إيه؟

د.يحيى : مش عارف، يمكن يعنى لما بنبعد عن الناس بنلاقيهم جوانا

“محمد”: مش فاهم حاجة خالص بس عارف تأثيرها … الكلام ده، أنا فاهم كل حاجة، عشان كده.. (يسكت)

د.يحيى : يعنى إيه بقى مش فاهم حاجة خالص، وفى نفس الوقت انا فاهم كل حاجة، تيجى إزاى بذمتك، تصور أنا مصدقك، والله مصدقك فى الأتنين، بس الجماعة دول (يشير إلى الأطباء) لما يسمعونا كده يقولو دا كلام مش ماسك فى بعضه، ولاّ ضد بعضه، إنما شوية شوية حايقدروا يفهموا وما يفهموش فى نفس الوقت، زيك دلوقتى

من المفيد أن ننتبه إلى طبيعة نوع الحوار الجارى، كما نلاحظ أن الطبيب حين يعلن عن عجز معرفته، ولا يسارع بالإجابات النمطية يقترب من مريضه أكثر، ثم إن هذا الحوار على ما يحتوى من جرعة كبيرة من التنظير ليس شرحا نظريا بحتا، لعل ما يسمح باستمراره وتواصله هو استجابات المريض التلقائية السلسة، فنذكر ونتذكر أن من أهم معالم العلاج الجمعى هو أنه لا يتوقف عند “الفهم” و”التفهيم”، ولا يتمادى فى الشرح والتأويل، وأن المجموعة تتعلم باستمرار  بالفهم وبعدم الفهم الظاهر  – كما ذكرنا –  ويستمر الحوار دون إعاقة، ويبدو ذلك هنا فى تقرير محمد “أنا مش فاهم حاجة خالص”، وفى نفس اللحظة “أنا فاهم كل حاجة”، ثم قبول المعالج هذا التصوير بعد تساؤل لم يقصد به البحث عن إجابة، كل ذلك يؤكد على نوع تعدد قنوات الحوار، وأنه مختلف أشد الاختلاف عن حوارات المناقشات والشرح والإقناع، وحتى الحاضرين للدرس أثناء اللقاء كان يبدو أنه تصلهم طبيعة ما يجرى عبر هذا التواصل الذى يمكن وصفه الآن أنه يجرى عبر الوعى البينشخصى، وهذا ما أعلنه الأستاذ آمِلاً فى مشاركتهم.

“محمد”: ماشى كمِّل كلامك

د.يحيى : أخر مره جأت لك إمتى الخيالات دى

“محمد”: مش قادر أتذكر, يمكن كانت معايا فى الجروب لما كنت بحضر الجروب

د.يحيى : يا خبرّّ!! وكنت مِكَتِّمْ عليها

“محمد”: أفتكر إن هيّا كانت معايا برضه فى الجروب، أفتكر كده

د.يحيى : فى الأول ولاّ فى الأخر

“محمد”: ممكن تكون فى الأخر، أيوه متأكد إنها اكيد فى الأخر

د.يحيى : وبعدين

“محمد”: وبعدين راحت من غير ما ألاحظ

د.يحيى : طب ماتكلمتش عنها ليه فى الجروب

“محمد”: ما أنا كنت حاكلمك عليها من فتره

د.يحيى : اتكسفت؟

“محمد”: لأ ماتكسفتش، بس يعنى حاسس كده إن ماينفعش

د.يحيى : ماينفعش نجيبها “هنا ودلوقتى”

“محمد”: حاجه كده، حاجة كانت مانعانى مش عارف إيه هيّا

 د.يحيى : ربنا ستر

“محمد”: ازاى

د.يحيى : يعنى كنت عايز تعرى الدكتورات بناتى فى الجروب، ولا تعرى زميلاتك بنظراتك اياها؟

“محمد”: مش قوى كده

د.يحيى : أهو دا الكلام، باقولك لك إيه

“محمد”: إيه

د.يحيى : طب إيه رأيك لو سمحت لك إنها تيحى دلوقتى

“محمد”:  مش قادر، مابتجيش

د.يحيى: انا حبيت أورّى نفسى وأوريك إنك تقدر تجيبها وتقدر تمنعها، وانت مصحصح

“محمد”: باين كده

عودة مرة أخرى إلى آلية الإمراضية وتكوين الأعراض، ودور “إرادات” الوعى الأخرى فى تكوين الأعراض، واختيار المرض، فالمسألة ليست فقط أن “الجنون اختيار”، بل إن تكوين الأعراض عرضا عرضا قد يكون اختياراً جزئيا وموقفيا حسب تطور حالة كل مريض ومراحل وطبيعة علاجه، على أنه لابد من الانتباه إلى ان قرار اختيار “الحل المرضى” (اختيار المرض) هو ليس بأية صورة ادعاءً للمرض، وإنما هو تنفيذ إرادة شخصية تعرض بديلا نكوصيا أو انسحابيا يرد على ما اعتبرتْه هذه الإرادة الداخلية تماسكا ظاهريا واغترابا جاثما معا، وهى إذ تفعل ذلك تخرّب وتمزق كل ما عدَاها.

هذا بالنسبة لمستوى “فركشنى”

 أما بالنسبة لمستوى صناعة أعراض الفانتازيا التى جاء محمد يشكو منها فى هذه المقابلة وكذا بالنسبة لتفعيل الهلاوس، فهى تنتمى غالبا إلى قرارات جزئية مكملة أو داعمة لقرار المرض النكوصى أو الانسحابى أو التفسخى، والحوار هنا يتضمن احتمال إبلاغ المريض استطاعته استعمال إرادات إيجابية أخرى مدعومة بالوعى البينشخصى والوعى الجماعى، فى مواجهة هذه الإرادات الأخفى، وليس على حسابها على طول الخط، وبالتالى هو نوع من التدريب على القدرة على اختيار السواء، فى مقابل الاعتراف باحتمال فكرة اختيار المرض، فمن يمتلك مقومات وأدوات ومستويات الاختيار يمتلكها على الناحيتن، خاصة إذا ما اتسعت الرؤية وعمقت البصيرة.

د. يحيى: يبقى خلى بالك، إيه اللى بيساعدك إنك تمنعها، بصراحة قصدى إنك تستغنى عنها

“محمد”: إنتم

د. يحيى: طب بالذمة شوف انت بتعمل إيه: بتلغينا، وتستفرد بنفسك، وبعدين تشتكى

“محمد”: ألغيكم إزاى! هوّا انا باشوفكم؟

د. يحيى: تلغينا من جواك

“محمد”: وانا أعرف إزاى إنى لاغيكم من جوايا

د.يحيى: لما تظهر الحاجات دى تبقى لاغينا فى الغالب

“محمد”: الظاهر كده، طب وأنا أعمل إيه، ما هو مافيش جروب دلوقتى

د. يحيى: يا راجل الناس مالين الأرض، احنا مش قلنا الناس لبعضها

“محمد”: بس انت ماتعرفش الناس التانيه عاملين إيه

د.يحيى: عندك حق، أنا ما اعرفش زيك طبعا

“محمد”: بلاش بقى، بلاش نذكر حد فى غيابه

د.يحيى : هوّا احنا جبنا سيرة اسم حدّ

“محمد”: طيب انا حاروح أشرب وأجى لك

د.يحيى : لأه أجيب لك ميه هنا

“محمد”: ليه

د.يحيى: عشان ماتهربش

“محمد”: طب ليه ما انا قاعد كده من الصبح عايز أشرب

د.يحيى: ألا قل لى يا محمد هوّا انت مجنون ولا مش مجنون

وهكذا يتواصل الحوار فى نفس الاتجاه، ليوضح طبيعة الوعى الجمعى وبعض وظائفه: فمن ناحية هو قد يوسع مجال الرؤية لتشمل التوعية بمعنى اختيار المرض، ثم اختيار العَرَض، ثم المشاركة فى الوعى الجمعى، والائتناس به، ثم الوعى بأثر انسحابه من الوعى الجمعى الذى وسَّع الرؤية،

ومن ناحية أخرى هو يبين فكرة أن الوعى الجمعى ليس خارجنا فقط، ولا يشترط لوجوده فاعلا استمرار وجود الجماعة نفسها التى أسهمت فى تخليقه حاضرة فى الواقع الممتد، لكن بمجرد تخليقه فإنه يستمر فينا ومعنا بطبيعته، وهو بدوره يسهم فى التصالح بين مستويات الوعى الذاتى، إذا توفرت شروط التأهيل وتصحيح المحيط العلاقاتى بشكل مناسب.

وكل هذا يتدعم بتواصله – خاصة فى ثقافتنا – بالوعى الجمعى فالوعى الجماعى فالوعى الطبيعى فالوعى الكونى فالوعى المطلق إلى الغيب إلى وجه الله.

[1] الحاضرون المقابلة (والدرس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *