الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (78) : من: “موقف بين يديه”

حوار مع مولانا النفّرى (78) : من: “موقف بين يديه”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 3-5-2014

السنة السابعة

العدد: 2437

 

 حوار مع مولانا النفّرى (78)

من: “موقف بين يديه”

وقال مولانا النفرى فى موقف “بين يديه”

أوقفنى بين يديه وقال لى:

                        ما رضيتك لشىء ولا رضيت لك شيئاً، سبحانك أنا أسبّحك فلا تسبّحنى

                        وأنا أفعلك وأفعّـلك فكيف تفعلنى.

                        فرأيت الأنوار ظلمة والاستغفار مناوأة والطريق كله لا ينفذ،

              فقال لى: سّبحك وقدّسك وعظّمك وغطّك عنى ولا تبرزك فإنك إن برزت لى أحرقتك وتغطّيت عنك.

 فقلت لمولانا:

قلت لك يا مولانا أننى أهرب مما يصعب علىّ من كلماتك، وأعتبر هذا الهروب معرفة فى ذاتها، بل أمانة، لكننى أعود مرغما، أو بالصدفة، أو بنداء داخلى لا أسمعه لفظا.

هربت من وقوفى أمام هذا الموقف مرارا، وحين وجدت نفسى بين يديه قلت لا مفر

كنت قد مِلتُ – وأنا أحاورك – أن أتعلم مزيدا عن المنهج بما فى ذلك مستويات المعرفة من الحرف إلى الوقفة، وكنت أحاول أن اصالح بعض العلم على بعض الكشف، فكان هذا أسهل علىّ برغم أننى لم أنجح طبعا.

الآن أجدنى، أعنى أجدك، ربما أجدنا، “بين يديه” فأترك كل هذا النقاش الذى لن يحل شيئا وأنتبه إلى أنه ينزهك، فينزه كل من وصلته قيمته بشرا إليه، أن تكون خالصا له، فلا يرضاك لشىء، ولا يرضى لك شىء، وحين يغنيك عن الأشياء ترتقى – نرتقى – إلى كل هذا التكريم.

وصلنى الآن كيف أنه البدء الآن ودائما، وكل تصوراتى، بل وآمالى بل وكدحى، وغايتى، كل الطرق والوسائل عليها ألا تبدأ منى بل منه، فهو هنا الذى يسبّحنا، فكيف تصورت أننى أنا الذى أسبّحه، وإذا به يسبحنى؟ كيف ذلك؟ مالى أنا الآن وكيف؟ نفس الحال بالنسبة للرضا: هو الذى يرضى فأرضى، رضى الله عنهم فرضوا عنه، فهو الذى يسمح بأن نستجيب لبدئه بما يليق بكرمه، إلا أنه هنا ينبهك أنه ما دام يسبحك فلا تسبحه، هل هذا نهى عن التسبيح أم استغناء عنه ما دام قد سبحك هو؟ طيب: إذا كان هذا شأن الرضا والتسبيح، فماذا يا تـُرى يصلنى من تصريحه بأنه يفعّلنا؟ ويفعلنا “أفعلك وأفعلك” ثم يحضرنى التساؤل (وليس النهى هذه المرة) عن كيف يتجرأ من اطمأن إلى أنه ليس إلا ناتج تفعليه وفعله، كيف يتجرأ أن يتقدم ليتصور أنه هو الذى يفعله، يتعرف عليه؟ يعترف به؟ مع أن كل ما عليه هو أن يتقبل هذا الفضل ويطمئن إلى مركزه فى الكون ومركزه عنده، التفعيل(1)  يا مولانا فى علمنا القاصر: هو أن ينبسط ما بداخلى إلى فعل ظاهر، لكن البسط هنا يصلنى على أنه يشملنى كلّى، أما الفعل بعد التفعيل فهو يطمئننى إلى خَلْقِى من جديد.

قد يؤكد لى  ذلك ضرورة التذكرة المتجددة أننا نتخلق منه وبه باستمرار وليس فقط فى بدء الخليقة، ولا فى بدء حياة كل منا أفرادا، وبالتالى يكون تنبيهنا أنه إذا وصل إلينا ذلك، فما علينا إلا أن نكون كذلك، فنفيق مما كنا فيه ونحن نتصور أننا بوعينا المجتهد يمكن أن نتعرف عليه وكأننا نخلقه فى وعينا، وهذه درجة خادعة مغتربة حتى لو قامت بدور مرحلى أثناء الرحلة.

للتسبيح عندى يا مولانا منزله خاصة ومعان لا تتوقف عند سجن المعاجم، وذلك حين أنطلق لاستيعابه من “إيمان” الذرّة، إلى “إيمان” الخلية، إلى “إيمان” الجسد بما فيه القلب، إلى “إيمان” العقل، إلى “إيمان” اللسان، التسبيح المشتمل النابض الجدلى هو كل ذلك معاً، فلا قدرة لأحد عليه، فهو إذ يسبّحنا – على قدر ما وصلنى – إنما يسمح لنا بانتظام كل ذلك فى دوائره، فلا نعود نحتاج إلى تسبيح لفظى من جانبنا، إلا أن يكون تسبيحنا مجرد إقرار بفضله هذا، (وغير هذا).

فوجئت بزلزلة هذه المرة من كل هذا، حتى لو كنت قد أخطأت فى القراءة، فرعبت، ولكنى اطمأننت حين واصلت قراءة تفاعلك لهذه الزلزلة وأنت تقول حين أعقبتها بأنك – بكل فضلك – قد فوجئت أيضا: ألم تقل بعد ذلك مباشرة:

“…..فرأيت الأنوار ظلمة والاستغفار مناوأة ….الخ”

رحمة بى – بنا – يا مولانا، دعنى أكمل الحوار الأسبوع القادم فالفقرة التالية مرعبة أكثر، مرعبة حتى التهديد بالحرق وبالبُعد.

“……فرأيت الأنوار ظلمة والاستغفار مناوأة والطريق كله لا ينفذ، فقال لى سبِّحك وقدِّسك وعظِّمك وغطِّك عنى، ولا تبرزك فإنك إن برزت لى أحرقتك وتغطيت عنك”.

[1] – acting out

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *