الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / المسيح يصلب من جديد

المسيح يصلب من جديد

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 23-4-2014

السنة السابعة

العدد:  2427

المسيح يصلب من جديد (1)

لا، ليست رواية كازانتاكس، مع أننى أعجبت بها جدا، وقدمناها فى ندوة ثقافية من ندوات جمعية الطب النفسى التطورى منذ ثلاثين عاما، ولا أعرف لماذا لم أربط بينها وبين زوربا اليونانى، مع أن المؤلف المبدع واحد، ومع أننى أيضا أحب رواية زوربا بشكل يفوق الوصف.

 رأيت المسيح عليه السلام يوم الخميس الماضى وهو يصلب من جديد، وهو يحتجّ على اليهود وهم يخلون بيت المقدس من المصلين المسلمين، وهو يدافع عن حق المسلمين فى أداء صلاتهم فى أوقاتها فى مسجدهم التليد، ثم رأيته وهو يـُرفع بعد صلبه، أو بدون صلبه، لكنه فى الحالين يرتفع إلى السماء لنكمل نحن رسالته به ومعه.

قبل المسيح عليه السلام بأكثر من ألفى عام كانت مصر تحتفل بعيد “بستان الزروع”: عيد شم النسيم هو عيد مصري، وكلمة “شم النسيم” هي كلمة مصرية (قبطية)، حيث: .. “شوم” تعني “بستان”، و”نسيم” تعنى “الزروع”… وقد تطوَّر نطق الكلمة مع الزمن فصارت “شم النسيم، وكانت مصر تصلى  لنفس الإله مهما اختلفت الأسماء.

 منذ طفولتى ولى علاقة بهذا العيد: شم النسيم لا أعرف لها سببا خاصا، كنت أنتظره طفلا بشوق شديد، عزوت ذلك أحيانا إلى أنه كان قبيل الأجازة الصيفية، لكنه كان بالنسبة لى أكثر من ذلك بكثير، مع أننى لا أتلقى فيه “عيديات” من الأهل والأقارب، لكنى كنت أنتظره، وكانت أمى ليلة الأحد تضع تحت وسادتى ، ووسادات إخوتى بصلة خضراء، كانت رائحتها  بالنسبة لى أجمل من رائحة أية وردة عطرة، لا أعرف لماذا، (طبعا أمى  لم تكن تعرف كيف ارتبط البصل عند قدماء المصريين بإرادة الحياة، وقهر الموت، والتغلب على المرض)، وكنت أفرح بالبيض الملون، وأشترك أحيانا فى اختيار ألوانه، ونادرا فى تلوينه فقد كانت أمى تخشى على ملابسى، أكثر من خشيتها على يدىّ،  وكان صالح أفندى (ناظر محطة الدلتا) وعم سعد (الأشرجى) يشاركوننا فرحتنا، ويعيّدون قبلنا بيوم، فكنت أعتبر عيدهم هو “الوقفة” وعيد شم النسيم هو “العيد” ونفرح معا بحق،  فرحة أعمق من كل القبلات وأصدق من معظم الأحضان .

اليوم هو عيد القيامة، وغداً هو شم النسيم، ولم أستطع أبدا أن أفصل بينهما ولو بليل واحد، أنا لا أدعى الانتماء إلى ما يسمى المواطنة، ولا أحب ترديد مقولة الدين لله والوطن للجميع ، فالدين لله والوطن لله والجميع لله، لكن لله الحق العدل العليم، وليس لله الذى احتكر رضاه ورحمته وجناته من لا يعرفه أصلا، جعلت هذا الصباح  أهنئ من أمكننى الاتصال بهم هاتفيا  من  أبنائى وبناتى المسيحيين، وأدعو لهم ولأسرهم بالفرح والعطاء، وتساورنى هواجس وأنا أدعو،  إذ كيف نفرح ومصر تبكى، فأختم المكالمة بأن يحفظ الله مصر، حين تستقل عن أمريكا وإسرائيل التى تصلب المسيح كل عام، بل وكل يوم، من جديد.

حين كنت أعد نقدى لرواية كازانتاكس “المسيح يصلب من جديد” طلبت من أحد أبنائى المسيحيين أن يحضر لى ما أقرأه عن “القيامة” لعله يوضح لى أكثر فكرة “القيامة” عند إخواننا المسيحيين، فأحضر لى كتابا أو أكثر لأبونا “متى المسكين”، قدس الله روحه، وفهمت الفكرة، وفرحت لها، فقد كان فكرى التطورى، من واقع ممارستى،  يتبلور حول إعادة ولادة الإنسان باستمرار من خلال “الإيقاع الحيوى” المتجدد طول الليل والنهار، وبالذات إيقاع دورات “النوم والحلم”،  وتحضرنى دائما وأنا أشرح نظريتى هذه دعوة الاستيقاظ، فأشعر أن المؤمن الحقيقى، حين يقول وهو يستيقظ “الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى، وإليه النشور” ، إنما يقرر اعترافه بما يعنيه الإيقاع الحيوى من موت وبعث باستمرار، بمعنى: أن كلاَّ منا يولد كل ليلة “من جديد”، فكيف بالله عليكم نستكثر على المسيح القيامة، وكل واحد منا يفعلها كل ليلة بفضل الله ؟!

لم أقف طويلا أمام هذا الذى يصر عليه المفسرون وهم يعمِّـقون الفرق بين أن تكون قيامة المسيح بعد موته ودفنه بأيام، أم تكون دون دفنه، وقد شـُـبـِّه لهم، فالحد الفاصل بين وعى الموت ووعى الحياة ليس بهذا العمق كما يتصور عامة  الناس، المهم أنه رفع إلى علّيين، ليثبت أن  اليهود القتلة أعجز من أن يمحوه محوا حتى وإن دفنوا جسده، وأن ما خيل إليهم أنهم فعلوه،هم لم يفعلوه،  لأن إرادة الله هى التى تـُحيى وتـُميت بالمعنى الحقيقى والباقى، أنا لا أفسر التنزيل، وإنما أفرح بالاستلهام الذى يوحد الناس إلى وجه الله.

فى رواية كازانتاكس،  جسّد الشاب منولويوس آلام المسيح عليه السلام.. ،…فأظهر هو وزملاؤه  اخلاصًا وصدقًا في كفاحهم للعدل ولإيواء أخوة مُستضعفين من قرية مجاورة، …فصُلب من جديد، !!

ثم دعونى أختم بنصٍّ من الرواية يقول:

“…  الله موجود يامنوليوس، موجود حتى في أصغر حصاة ، حتى عند الحيوان الأكثر وضاعة ، وفي النفوس الاكثر ظلامًا ، فدعنا نقوم بما نستطيع لجعل قريتنا الصغيرة ، خليتنا ، تشعّ الى ما حولنا بالوجود الإلهي ونكون مُجدّين ،ومزدهرين وموحدين ، لأن العمل الصالح حتى في أقصى صحراء ، تتردّد أصداؤه في كُل أرجاء العالمْ”

وفى رواية مصرالأن، على كل منا – يا منوليوس- أن يتأكد  أنه لم يعد أمامنا سبيل إلا الاستقلال بالعمل الصالح، الذى لا بد أن يتردد صداه فى كل أرجاء العالم”

وكل عيد قيامة ونحن نولد من جديد،

 وكل شم نسيم، والبصلة الرمز تؤكد لنا إرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، مرض التبعية، والغفلة، ومرض وضع اللوم على الآخرين، والصياح، والاستعجال  دون عمل.

 

[1] – تم المقال بموقع اليوم السابع بتاريخ الأحد، 20 أبريل 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *