الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف‏ ‏التفكير‏ (21) اضطرابات التفكير: بقية تقسيم الضلالات

ملف‏ ‏التفكير‏ (21) اضطرابات التفكير: بقية تقسيم الضلالات

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 13-4-2014

السنة السابعة

العدد:  2417

 

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية

الفصل الثالث: ملف‏ ‏التفكير‏ (21)

اضطرابات التفكير

بقية تقسيم الضلالات

لاحظت أن الأمور تشعبت منا حتى كاد الخيط ينفلت من إبرة التتابع، ففضلت أن أبدأ نشرة اليوم بتجميع الأبعاد التى قدمنا تحتها مختلف التنويعات من الضلالات قبل تقديم ما تيسر مما تبقى من الأنواع ، كما يلى:

أولاً: بحسب التعدد والتتابع

 1) الضلالات الأولية

2) الضلالات الثانوية

 3)  المنظومة الضلالية

4)  الضلالات المتفردة

ثانياً: بحسب درجة الفوضى أو الشذوذ

 1) الضلالات الفوضى

2) الضلالات سيئة التنظيم

3) الضلالات الشاذة

ثالثاً: بحسب الاضطراب الأساسى القْبْلى والمصاحِب

1)  المزاج (الوجدان) الضلالى

 2) الإدراك الضلالى

 3) الجو الضلالى:

4)  الحدس الضلالى

5) الذاكرة الضلالية

 6) الخبرة الضلالية المعيشة

 7)  ظهور الضلالات معقلنة

8) ظاهرة التنشيط الضلالى: نشاط تكوين الضلالات

رابعاً: حسب العلاقة بالمزاج السائد، والوجدان

1) الضلال المتسق مع المزاج

 2) الضلال غير المتسق مع المزاج

3)  سبب فى المزاج السائد

خامساً:  حسب علاقة الضلال وتأثيره على بقية جوانب السلوك العادى

1)  ضلال موازى

2)  ضلال متداخل

3) ضلال متحوصل

4)  ضلال قِطَاعِى

5)  ضلال موقفى

6) ضلال تحت ضغط   يتخطى  العتبة

سادساً: حسب المحتوى (المضمون)

1) ضلالات الاضطهاد (والمراقبة والتجسس)

2)  ضلالات الإشارة:

3) ضلالات اللاجدوى

4) ضلالات الإثم (والشعور بالذنب)

5) ضلالات اختلال الإنية وتغير العالم:

6) ضلالات الفقر والإفقار

7) ضلالات الموت جوعا

 8) الضلالات العدمية

9) لضلالات المُـاقية

 10) ضلالات الخيانة الزوجية

11) ضلالات الغيرة:

12) ضلالات الحب

 13) ضلالات الجنس

14)  ضلالات التحكم (ظاهرة السلب)

15) ضلالات التأثير

سابعاً: من حيث ملكية الأفكار وتلاؤمها

1) أفكار مسموعة (صوتا  داخليا لا هلوسة سمعية)

2) قراءة الأفكار

3) إذاعة الأفكار

4) إقحام الأفكار

5) سحب الأفكار

6) سرقة الأفكار

وبعـد:

نواصل الآن ما تيسر من البعدين الباقيين

سادساً: تقسيم الضلالات حسب المضمون

مقدمة:

هذا المدخل إلى تقسيم الضلالات هو الأشهر فى التقديم التقليدى لتقسيم الضلالات، وبالرغم من أنه يمكن جمع محتوى (موضوع) الضلالات فى تجميعات متجانسة نوعا، إلا أن المحتوى عادة يكون  له دلالة خاصة بكل مريض حسب محتوى البيئة الداخلية، والتراكمات الطولية، والتثبيتات المحتملة، وأيضا حسب نوع المثير المحتمل لظهورها، وكذا المحيط الذى ظهرت فيه، وسوف يظهر هذا غالبا فى المرحلة التى سوف نقدم فيها نماذج من واقع الممارسة، ربما بعد أن نستكمل عددا من سلسلة كتب “حالات وأحوال”، وغالب سوف يكون ذلك فى الطبعة الورقية إذا ظهرت  بإذن الله فيما تبقى من العمر.

وفيما يلى أغلب ما نقابل من مضمون الضلالات:

13-4-2014_11) ضلالات‏ ‏الاضطهاد‏:

هذه‏ ‏الضلالات‏ ‏من‏ ‏أشهر‏ ‏الأنواع‏ ‏وأكثرها‏ ‏تواترا‏ ‏وخاصة‏ ‏فى ‏حالات ‏ ‏الفصام‏ ‏البارنوى ‏وحالات‏ ‏البارانويا‏، ‏لكننا‏ ‏نقابلها‏ ‏أيضا‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏حالات‏ ‏الاكتئاب‏ ‏وخاصة‏ ‏عند‏ ‏كبار السن‏. ‏وحين‏ ‏يقال‏ ‏أن‏ ‏ثمة‏ “ضلالات‏ ‏بارنوية‏” ‏فإن‏ ‏ما‏ ‏يتبادر‏ ‏إلى ‏الذهن‏ ‏أولا هو‏ “ضلالات‏ ‏الاضطهاد‏”. ‏فى ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏يكون‏ ‏موقف‏ ‏الكر‏ ‏والفر‏ ‏هو‏ ‏الغالب‏ ‏فى ‏كل‏ ‏التصرفات‏، ‏كذلك‏ ‏الموقف‏ ‏المتلفـِّت‏، ‏وفى ‏مجتمعاتنا‏ ‏لا‏ ‏يستغرب‏ ‏الشعور‏ ‏بالاضهاد‏ ‏أو‏ ‏المراقبة‏ ‏نظرا‏ ‏لظروف‏ ‏استخدامات‏ ‏السلطة‏ ‏المتجاوزة‏، ‏وبالتالى ‏يسهل‏ ‏تكوين‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الضلالات‏، ‏كما‏ ‏يصعب‏ ‏نفيها‏ ‏ابتداء‏. ‏

 وقد‏ ‏لاحظت – دون تعداد- ‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الضلالات‏ ‏بتواتر‏ ‏زائد‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏البلاد‏ ‏العربية‏ ‏مثل‏ ‏اليمن‏، ‏وقد‏ ‏يعزى ‏ذلك‏ ‏إلى ‏نوع‏ ‏الحياة‏ ‏القبلية‏ ‏وغلبة‏ ‏العيش‏ ‏متحصنين‏ ‏فى ‏الجبال‏ ‏لردح‏ ‏طويل‏ ‏من‏ ‏الزمن،‏ ‏هذا‏ ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏عادة‏ ‏تخزين‏ ‏القات‏ ‏يوميا‏ ‏وهو‏ ‏من‏ ‏مثيرات‏ ‏الجهاز‏ ‏العصبي‏، ومن‏ ‏سمات‏ ‏هذه‏ ‏الثقافات‏ ‏فى ‏منطقتنا‏ ‏أيضا‏ ‏أن‏ ‏هذاالشعور‏ ‏بالاضطهاد قد‏ ‏يتبادل‏ ‏بسهولة‏ ‏مع‏ ‏الشعور‏ ‏بالثقة‏ ‏المفرطة‏: ‏يأتى ‏المريض‏، ‏وبدون‏ ‏سابق‏ ‏معرفة‏ ‏يقول‏ ‏للطبيب‏ ‏أنا‏ ‏ليس‏ ‏لى ‏فى ‏العالم‏ ‏إلا‏ ‏اثنين‏ “ألله‏، ‏ثم‏ ‏أنت‏”،‏وقس‏ ‏على ‏ذلك: ‏”ربنا‏ ‏فوق‏ ‏وانت‏ ‏تحت‏”، ‏هذا‏ ‏الوضع‏ ‏الذى ‏يبدو فيه‏ ‏الطبيب‏ ‏كأنه فى ‏موقع‏ ‏القادر‏ ‏على ‏كل‏ ‏شىء‏ ‏هو‏ هو‏ ‏نقيض‏ ‏لضلالات‏ ‏الاضطهاد‏، ‏حتى ‏أننى رحت أرصد التواكب والتبادل بين هذين النقيضين ظاهرا، فوصلني ما أسميته :‏ “ضلالات‏ ‏الثقة‏”، وذلك حين يبدو ‏ ‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الثقة‏‏ ‏لا‏ ‏تنبنى ‏على ‏أى ‏أساس من‏ ‏الواقع‏، ‏ولكن‏ ‏بما‏ ‏أنها‏ ‏سمة‏ ‏ثقافية‏، ‏وأنها‏ ‏متواترة‏، ‏فهى ‏ليست‏ ‏ضلالا‏، ‏لكن‏ ‏يمكن‏ ‏النظر‏ ‏فيها‏ ‏باعتبارها‏ ‏السبب‏ ‏المبرر‏ ‏لظهور‏ ‏نقيضها ‏(‏ضلالات‏ ‏الاضطهاد‏) سواء ‏إمراضيا ‏أو تعليلا: مثلا‏ ‏حين‏ ‏لاتؤتى ‏هذه‏ ‏الثقة‏ ‏ثمارها‏ ‏التى ‏رسمها‏ ‏الخيال‏ ‏لشخص ما، ثم‏ ‏منحه‏ ‏إياها‏ ‏باعتباره‏ ‏قادرا‏ ‏على ‏كل‏ ‏شيء‏. وليس‏ ‏ضروريا‏ ‏أن‏ ‏يتوجه‏ ‏هذا الانعكاس‏ ‏نحو‏ ‏نفس‏ ‏الشخص‏ ‏الذى ‏بدا موضع ثقة لم تحقق أغراضها‏، ‏فقد‏ ‏تتم‏ ‏إزاحة العملية الإمراضية ‏ ‏نحو‏ ‏شخوص‏ ‏آخرين، وهكذا ‏.

13-4-2014_2 2) ضلالات‏ ‏الإشارة‏:

 ‏قد‏ ‏توجد‏ ‏مع‏ ‏ضلالات‏ ‏الاضطهاد‏ ‏والمراقبة‏، ‏وقد‏ ‏توجد‏ ‏مستقلة‏، ‏وفيها‏ ‏يشكو‏ ‏المريض‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏الناس‏ ‏تشير‏ ‏إليه‏ ‏أو‏ ‏تتكلم‏ ‏عنه‏، ‏أو‏ ‏أنهم‏ ‏يتغامزون‏ ‏حين‏ ‏يمر‏ ‏بهم‏، ‏أو‏ ‏أنهم‏ ‏يصمتون‏ ‏إذا‏ ‏حضر‏: ‏فلابد‏ ‏أنهم‏ ‏كانوا‏ ‏يتكلمون‏ ‏عنه‏. ‏وإذا‏ ‏كانت‏ ‏المسألة‏ ‏لم‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏حدة‏ ‏ضلالية‏ ‏فإنها‏ ‏تسمى ‏مشاعر‏ ‏أو‏ ‏أفكار‏ ‏الإشارة‏ ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏تعتبر‏ ‏عادية‏ ‏فى ‏مواقف‏ ‏بذاتها‏، ‏كما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏توجد‏ ‏مع‏ ‏القلق‏ ‏أو‏ ‏فى ‏الشخصية‏ ‏الشيزيدية‏ ‏أو‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏رهاب‏ ‏المجتمع‏، ‏أما‏ ‏إذا‏ ‏وصلت‏ ‏الحدة‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏ذهانية‏ ‏فقد‏ ‏توجد‏ ‏مع‏ ‏الاكتئآب‏ ‏أو‏ ‏حالات‏ ‏البرانويا‏ ‏وخاصة‏ ‏حالات‏ ‏البرانويا‏ “تحت‏ ‏الحادة‏” ‏أو‏ ‏الحادة‏، ‏وكذا‏ ‏فى ‏الفصام‏. ‏

ويمكن‏ ‏فهم‏ ‏هذه‏ ‏الضلالات‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏تذكر‏ ‏الحاجة‏ ‏الأساسية‏ ‏التى ‏أسماها‏ ‏المؤلف‏”الحاجة‏ ‏إلى ‏الشوفان‏”، ‏والتى ‏تقابل‏ ‏فى ‏مدارس‏ ‏أخرى ‏ما‏ ‏يسمى “الجوع‏ ‏للتقدير‏”. ‏حين‏ ‏يشكو‏ ‏المريض‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏الناس‏ ‏تنظر‏ ‏إليه  ‏فلعله‏ ‏يعلن‏ ‏بذلك‏ يعلن ‏حاجته إلى :‏” أن‏ ‏يـُرى ‏من‏ ‏الآخرين‏”، أن “يـُقدّر” أن “يــُذكر”  ‏ويصبح‏ ‏هذاالضلال‏ ‏هو‏ ‏الصورة‏ ‏المرضية‏ ‏لإلحاح ‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة‏، ‏وربما‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏التفسير‏ ‏المناسب‏ ‏ هذا العرض  ‏الشديد‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الأمراض‏ ‏فضلا‏ ‏عما‏ ‏أشرنا‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏ظهور‏ ‏بعض‏ ‏مظاهره‏ ‏عندالأسوياء‏ مع درجة مناسبة من البصيرة والقابلية للتصحيح.

 ويمكن‏ ‏أن‏ ‏تدرج‏ ‏بعض‏ ‏أنواع‏ ‏سوء‏ ‏التأويل‏ ‏الضلالى ‏مع‏ ‏هذا‏ ‏الضلال‏، ‏وذلك‏ ‏حين‏ ‏يشكو‏ ‏المريض‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏الإشارة‏ ‏لا‏ ‏تأتى ‏فقط‏ ‏من‏ ‏المحيطين‏ ‏به‏، ‏ولكن‏ ‏من‏ ‏جهات‏ ‏أعلى ‏وأعم‏، ‏مثلا‏: ‏يشكو‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏يذاع‏ ‏فى ‏التيلفزيون‏ ‏أو‏ ‏فى ‏المذياع‏ ‏إنما‏ “يشير‏”إليه‏ ‏ويعنيه‏ هو بالذات بصفة شخصية، ‏وهذا‏ ‏عرض‏ ‏فيه‏ ‏من‏ ‏الإشارة‏ ‏ما‏ ‏شرحنا‏، ‏وأيضا‏ ‏هو‏ ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏بعض‏ ‏مظاهر‏ ‏ظاهرة‏ ‏السلب‏ ‏والتى ‏من‏ ‏بين‏ ‏أعراضها‏ “إذاعة‏ ‏الأفكار‏”، ‏لكنه‏ ‏ليس‏ ‏هذا‏ ‏أو‏ ‏ذاك‏ ‏تحديدا‏، ‏وقد ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ “سوء‏ ‏التأويل‏ ‏ا‏لضلالى‏”.

13-4-2014_33) ضلالات‏ ‏اللاجدوى:

‏يوجد‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏مع‏ ‏الاكتئاب‏ ‏أساسا‏، ‏وفى ‏مجمعاتنا‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏الشعور‏ ‏باللاجدوى ‏الموجه‏ ‏للذات‏ (‏أنا‏ ‏ما‏ ‏ليش‏ ‏فايدة‏) ‏أقل‏ ‏تواترا‏ ‏من‏ ‏الشعور‏ ‏باللاجدوى ‏الموجه‏ ‏للعالم‏ ‏والآخرين‏ (‏الدنيا‏ ‏مش‏ ‏نافعة‏، ‏الناس‏ ‏ما‏ ‏عدشى ‏فيهم‏ ‏نفع‏. .‏إلخ‏) ‏ذلك‏ ‏أننا‏ ‏فى ‏مجتمعاتنا‏ ‏نميل‏ ‏إلى “طرح‏ ‏اللوم‏” ‏أكثر‏ ‏من‏ ” ‏الندم‏ ‏والمحاسبة‏ ‏الذاتية‏”، ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏نقابل‏ ‏الشعور‏ ‏بلا‏ ‏جدوى ‏الذات‏، ‏وقد‏ ‏أسقط‏ ‏على ‏أصوات‏ ‏هلوسية‏ ‏تقول‏ ‏للمريض‏ “أنت‏ ‏ليس‏ ‏لك‏ ‏معنى، ‏وليس‏ ‏لك‏ ‏فائدة‏ ‏أو‏ ‏معنى. .‏إلخ‏) ‏، وتكثر هذه الضلالات فى السن المتأخرة مع الاكتئاب بالذات، وقد تقتصر على لا جدوى ما تبقى من حياة، أو لا جدوى فى الشفاء مثلا إن كان ثمة مرض، أو قد تعمم على الحياة برمتها، أو المجتمع ككل، ومن أشهر المقولات فى هذا المجال الاستشهاد بمقولة سعد باشا زعلول قبيل وفاته (وقد ثبت أنه لم يقلها) بأن “سعد باشا قال مفيش فايدة)، ويعتبر الوازع الدينى من أكثر وسائل الإقلال من هذا الموقف إن لم يكن قد بلغ حد الضلال.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *