الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف‏ ‏التفكير‏ (15): علاقة الإبداع بالتفكيك والتهديد بالتفسخ

ملف‏ ‏التفكير‏ (15): علاقة الإبداع بالتفكيك والتهديد بالتفسخ

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 23-3-2014

السنة السابعة

العدد: 2396

 

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية

الفصل الثالث: ملف‏ ‏التفكير‏ (15)

علاقة الإبداع بالتفكيك والتهديد بالتفسخ

(استجابة محدودة لطلب معقول)

فى نشرة الأحد 16/3/2014 (العدد: 2389) كتبت ما يلى:

 “كنت أنوى أن أعرض بإيجاز شديد ما تصورته فى المراحل التى أخرجتْ هذه الصورة الشعرية، وأنا أنتهج المنهج الفينومينولوجى غالبا مع مرضى الفصام بوجه خاص، لكننى عدلت، خوفا من افتعال جرعة مفرطة مما لا أعرف، لأكتفى بالمقتطف الشعري كمدخل لعرض صورة لجانب من أعراض وإمراضية الفصام”.

سألنى بعض تلاميذى وأصدقائى وزميلاتى عن سبب عزوفى عن نشر ما خطرلى، فأجبتهم: لأنى وجدت أنه اجتهاد افتراضى قد لا يمثل الواقع، فهو تصورى الشخصى لمأزقى الذى اضطرنى أن أعبر عن معرفتى شعرا بديلا عن الاستسلام للرصّ التقليدى للأعراض (كما أنا مضطر هذه الأيام فى هذا العمل غالبا)، وأننى أخشى أن يساء فهمه فيتصور القارئ أن هذا ما حدث فعلا، لكنهم أصروا ووعدونى أن يتلقوه فى حدود هذا الاحتمال، وأن هذا قد يزيد فهمهم لمفترق الطرق ذلك، فاستجبت بصعوبة على الوجه التالى:

الفرض (مرة أخرى)

التفكير الإبداعى ليس ضاما طول الوقت، والفكرة المركزية فيه ليست طاغية من البداية للنهاية، ولذلك فإن ثمَّ وجه للشبه مع  الاضطراب الجوهرى فى بداية مرحلة التفكير المنفرج المتباعد، حتى يتمكن المبدع من ضم التناثر، والتأليف بين الأفكار المتزاحمة، ليصيغ فكرة جديدة، أى لا يكون تحت رحمة فكرة واحدة مسبقة طاغية مركزية.

الخيال والتقمص والمنهج الفينومينولوجى:

المرحلة الأولى:

وأنا فى مأزق التحذير من مجرد رصّ أعراض الفصام تصوّرتُ أنه قد زاحَمَـتْنَى أربع أفكار ”معا” كالتالى:

* الفكرة  (1) ”لا بديل عن التواصل فالشرح فالتدريس بالعربية”

* الفكرة (2) ”علىّ أن أعدد وأشرح أعراض، وإمراضية Psychopathology الفصام”

* الفكرة (3) ”الفصامىّ صورة كليّة أساسا، يُقرأ جميعا قبل أن يُـجِزّأ”.    والشعر كذلك !!

* الفكرة (4)”لا أجدُ مَـنْ أخاطِِِب” وأوصل له الصورة الكلية كما أريد (أشعـر بالوحدة)

المرحلة الثانية:

يبدو أنه قد رُصَّتْ هذه الأفكار الأربعة فى تشكيل متجاور، ليس متزاحما بالضرورة، وقد قدرت أن احتمالات تطور الحركة والبدائل كانت كما يلى:

  • الاستسلام إلى رصّ الأعراض بالطريقة التقليدية.
  • تصور العجز التام عن التنازل عن الفرض حتى تجهض المحاولة مع انغلاق طريق العودة ومن ثم الاضطراب الجوهرى.
  • النجاح فى إعادة التشكيل وظهور الصورة الشعرية.

 المرحلة الثالثة:

نجحت  الفكرة المركزية التقليدية الطاغية فى استبعاد كل ما هو غيرها فأستسلمت – كما أفعل الآن – وبدأت بعرض الاضطراب الجوهرى للتفكير عند الفصامى مثلا، فظهرت المسألة كالتالى:

أعراض اضطراب جوهر التفكير فى الفصام تشمل:

  • التفكير العهنى، والتفكير المماس وشبه الفلسفى
  • فرط التضمين ، وفقد أدوات الربط وحروف العطف
  • اللاترابط الذى قد يصل إلى ما يسمى ”سلطة كلام”
  • العيانية والعجز عن التجريد…..الخ

23-3-2014_1

 

المرحلة الرابعة: المحتملة (لم تحدث!!)

فشل التفكير العادى أن يسود، كما فشل الإبداع أن يلم الانفراجة التناثر، فكان اللاترابط ربما كالتالى:

 على اللغة العربية، ضرورة التفكير الجوهرى، لا داعى إطلاقا لمثل، فصام الأغلبية، يضحكون علينا، لا فصام ولا يحزنون، خير من جليس السوء،  ومع ذلك….، شعر ….. ليلى فى العراق مريضة.

23-3-2014_2

المرحلة الخامسة البديلة:

نجاح التفكير الإبداعى فى ضم الأفكار المتنافسة فى تشكيل جديد غير مسبوق

التفكير الابداعى ينجح فى التوليف بين الأفكار الهائمة المتضاربة المفككة فتتكون صورة شعرية ضامة مؤلفة.

 23-3-2014_4

23-3-2014_5

وفيما يلى إعادة للنص الشعرى كما ظهر الأسبوع الماضى دون هذه المقدمة التخيلية:

  • بلسان الفصامى

      يا أسيادى، يا حفّاظ السر الأعظم، يا حملة سر المنجم، ، يا كهنة محراب الفرعون، يا أفخم من لاك الألفاظ تموء كقطط جوعى فى كهف مظلم، يا أذكى من خلق الله وأعلم، ياأصحاب الكلمة والرأى: هل أطمع يوما أن يُسمع لى؟ هل يُسمح لى؟ هل يأذنُ حاجبكم أن أتقدم: لبلاطكمـو ألتمس العفو، أنشر صفحتىَ البيضاءْ،  أدفع عن نفسى، أتكلم.

  • أحكى فى صمت عن شىء لا يحكى، عن إحساس ليس له اسم، إحساس يفقد معناه إن سكن اللفظ الميت: شئ يتكور فى جوفى يمشى بين ضلوعى، يصاعد حتى حلقى، فأكاد أحس به يقفز من شفتى.

 وفتحت فمى: لم أسمع إلا نفسا يتردد، إلا نبضَ عروقى.

  ورأيت  حواجبَ بعضهمُ تُرفع،  فى دهشةْ، وسمعتُ من الأخر مثل تحية، ظهرت أسنانى أكثر، وكأنى أضحك، ومضيت أواصل سعيى وحدى، وأصارع وهمى بالسيف الخشبى، السيف المجداف الأعمى.

 والقارب تحتى مثقوبٌ، والماء يعلو فى دَأبٍ، والقارب تحتى يتهاوى..، فى بطء لكن فى إصرار:

 فى بحر الظلمة..، .. فى بحر الظلمة.

وبحثت عن الألف الممدودة، وعن الهاء، وصرخت بأعلى صَـمـْتِى

 لم يسمعنى السادة

 وارتدّت تلك الألف الممدودة مهزومة، تطعننى فى قلبى، وتدحرجت الهاء العمياء ككرة الصلب…، داخل أعماقى ورسمت على وجهى بسمة، تمثال من شمع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *