الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الوجدان واضطرابات العواطف (23) محاولات باكرة ومراجعات ضرورية لتعريف “الانفعال” (2)

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (23) محاولات باكرة ومراجعات ضرورية لتعريف “الانفعال” (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 21-9-2014

السنة الثامنة:

 العدد: 2578

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية: الفصل الخامس:    

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (23)

محاولات باكرة ومراجعات ضرورية

لتعريف “الانفعال” (2)

مقدمة:

أنهيت نشرة الإثنين الماضى كالتالى:

أكتفى بهذا القدر اليوم، فهو ثـُلث التعريفات – تقريبا-  التى أوردها بلوتشيك، أملا فى أن نهضمها، ونساهم فى نقدها، علما بأنه ليس المطلوب هو التوقف عند كل تعريف على حدة، وإنما المقصود هو أن نرى مدى صعوبة الإلمام بالموضوع الذى نتناوله، وأيضا تنوع الاقتراب منه، كما آمل فى المشاركة فى نقد النقد برغم التنوع.

وفى النهاية أرجوا أن تكونوا قد لاحظتم معى غياب ربط التعريفات حتى الآن بما هو “وعى” بشكل متواتر يكاد يكون القاعدة، مع ترجيح ارتباطه بما هو جسد (علما بأننى أعامل الجسد مؤخرا باعتباره وعيا متعينا) (1) وهذا ما سوف نعود إليه بعد عرض كل التعريفات تاريخيا، والتى نأمل ألا تمتد أكثر من نشرتىْ الأسبوع القادم.

وها نحن نواصل ، برغم علمى بصعوبة الإلمام بكل ذلك معا، وأيضا برغم أننى سأتوقف عند ما توقف عنده بلوتشيك (1980) ، لأترك ما ظهر من  تعريفات مؤخرا –إذا لزم الأمر- إلى ما بعد.

وأجد أنه من الأمانة أن أذكركم أن الإضافات التى أضفتها للنقد والمناقشة الآن هى بحروف مائلة، وأضيف إليها اليوم أنها ببنط أسود تحته خط، بعد أن اشتكى بعض الزملاء من صعوبة التمييز.

‏(10) أتو‏ ‏فينخل‏ 1946  (2)

“‏العواطف‏ ‏هى ‏ظاهرة‏ ‏إفراغ‏ ‏شحنات‏ ‏قديمة‏ (archaic) ‏لتزيح‏ ‏أفعالا‏ ‏إرادية‏ ‏فى ‏أحوال‏ ‏معينة‏ ‏مثيرة‏”‏

وهكذا‏ ‏يعود‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى ‏لإعلان‏ ‏بدائية‏ ‏العواطف‏ (‏الانفعالات‏) ، ‏وأن‏ ‏ظهورها إنما هو للتفريغ وبالذات تفريغ شحنات قديمة، ثم هو يضع ذلك كأنه يعطل الفعل الإرادى (حتى لو تحفظ أن ذلك يحدث فى أحوال مثيرة معينة )، فيذكرنا‏ ‏‏ ‏مرة‏ ‏أخرى ‏بالاتجاه‏ ‏التحليلى ‏الذى يعتبر الانفعال إذا استقل ‏ظاهرة‏ ‏غير‏ ‏سوية فى المقام الأول، ‏وهو‏ ‏كذلك‏ ‏إن‏ ‏صح‏ ‏هذا‏ ‏التعريف،‏ ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏دائما‏ ‏ولا‏ ‏أصلا‏ ‏الا‏ ‏إذا‏ ‏درّجنا‏ ‏مراحل‏ ‏الانفعال‏ ‏تصعيدا‏، ‏واختص‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏بأولى ‏مراحله‏ ‏ليس‏ ‏الا‏.‏

ثم إنه بذلك، ولو بطريق غير مباشر، ينكر على العواطف دورها المعرفى، (أو بغفله على الأقل) وأنها قادرة على معالجة المعلومات، وأنها عقل ثان مما أفضنا فيه فى النشرات السابقة فى الأسابيع القليلة الماضية

‏(11) ولهام‏ ‏رايخ‏ 1949‏ (3)

‏أساسا‏، ‏الإنفعال‏ ‏هو‏ ‏حركة‏ ‏بلازمية‏ ‏تعبيرية‏. .. ‏وهذان‏ ‏الاتجاهان‏ ‏البيوفيزيقيان‏ ‏لتيار‏ ‏البلازما‏ [من‏ ‏المركز‏ ‏للطرف‏، ‏وبالعكس‏] ‏انما‏ ‏يقابلان‏ ‏العاطفتان‏ (‏الانفعالان‏) ‏الأساسيان‏ ‏للجهاز‏ ‏النفسى ‏اللذة‏ ‏والقلق‏.‏

وهنا‏ ‏يربط‏ ‏رايخ‏ – بثوريته وإبداعاته-‏ ‏بين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏بيولوجى ‏أولى ‏وبين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏تعبيرى ‏معقد‏ ‏ولكنه‏ – ‏بشطحاته‏ ‏الاختزالية‏- ‏يكاد يستقطب‏ ‏الظاهرة‏ ‏الى ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يصلح‏ ‏لها‏ ‏بكل‏ ‏تعقيداتها‏ ‏وتصاعداتها‏.‏

ومع ذلك فهذا الرأى  يتفق مع منطلق  تنظيرى، ومع رأى بلوتشيك أن العواطف إنما  تبدأ من “التهيج البروتوبلازمى العام” لتتميز تصعيدا حسب الممارسة والدعم والجدل مع بقية الوظائف / لكن رايخ يظل ملتزما بهذا الاستقطاب الفرويدى بين اللذة والقلق، برغم ثورته الرائعة والخطيرة على فرويد، وهو أيضا يكاد  يقصر الانفعال النفسى هنا على اللذة والقلق،   دون النظر مثلا إلى البدء بالبهر فالاستكشاف كما  أشرنا منذ أسبوع، وبالتالى مع إغفال دوره المعرفى.

‏(12) نينا‏ ‏بل‏ 1951‏  (4)

المشاعر‏، ‏بمعنى ‏العاطفة‏، ‏تنبع‏ ‏من‏ ‏موقف‏ ‏حركى ‏لا‏ ‏اإرادى، ‏وتستمر‏ ‏كنوع‏ ‏من‏ ‏الاستعداد‏ ‏أو‏ ‏الرغبة‏، ‏معلق‏ ‏فى ‏رباط‏ ‏موقوف‏، ‏الى ‏أن‏ ‏يزاح‏ ‏أى ‏ميكانزم‏ ‏متداخل‏، ‏أو‏ ‏حاجز‏ ‏وظيفى ‏عائق‏ ‏مانع‏ ‏للحركة‏.‏

وهذا‏ ‏بـُعدٌ‏ ‏جديد‏ ‏للانفعال‏ (‏العاطفة‏) ‏جعل ابتداءه ‏حركيا‏، ‏غير‏ ‏إرادى، ‏مع‏ ‏وقف‏ ‏التنفيذ‏، ‏كأنه‏ ‏حفز‏ ‏تهيـُّئِىّ ‏متربـِّص‏، ‏لا‏ ‏ينتهى ‏إلا‏ ‏بالتغلب‏ ‏على ‏مصدر‏ ‏الإعاقة‏ ‏التى ‏حالت‏ ‏دون‏ ‏إطلاقه‏ ‏بعد‏ ‏إثارته‏ ‏فوضعته‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الوضع‏ ‏الاستعدادى، ‏وهو‏ ‏تعريف‏ ‏يبطن‏ ‏الفعل‏ ‏الإرادى ‏بالحفز‏ ‏اللارادى (‏أو‏ ‏تحت‏ ‏الارادى ‏ان‏ ‏صح‏ ‏التعبير‏) ‏ويجعل‏ ‏الأخير‏ ‏أقرب‏ ‏الى ‏الوجدان‏ (‏الانفعال‏) ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يشير‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏الى ‏الخبرة‏ ‏الشعورية‏ ‏أو‏ ‏التغيرات‏ ‏الحشوية‏.‏

وهو يذكرنا أيضا بفكرة وليام (5)،حيث  يذكرنا بالبدء من الجسد وإن كان يركز على الموقف الحركى اللاإرادى، وهو بذلك يتفق مع التنظير التطورى الذى يـُرجع أصل العواطف إلى برامج بقائية وقائية غالبا، قبل أن تصل إلى الوعى ، أما أن يعلق بقاءها بإزاحة العائق المانع للحركة، فهذا اختزال يؤخذ عليه، وإن كان قد  يتناسب مع المرحلة التى قيل فيها.

‏(13) بيرس‏ ‏ف‏ ‏سكنر‏ 1953  (6)

إن‏ ‏الاصطلاحات‏ ‏الشائعة‏” ‏عن ‏الحب‏”، أو “‏ ‏الخوف‏ أو ” ‏الغضب‏” ‏توحى ‏بتعريف‏ ‏الانفعال‏ ‏كحالة‏ ‏مفهومية‏ ‏تكون‏ ‏فيها‏ ‏الاستجابة‏ ‏المتميزة‏ ‏هى ‏نتاج‏ ‏وظيفى ‏لتاريخ‏ ‏الفرد‏”‏

ويلاحظ‏ ‏هنا‏ ‏تطور‏ ‏سكنر‏ ‏نفسه‏ – ‏راجع‏ ‏تعريفه‏ السابق (8) سنة 1939 (7)– ‏بإنتقاله‏ ‏جزئيا من‏ ‏الجانب‏ “‏الدوافعي‏” ‏فى ‏الإنفعال‏ ‏إلى ‏الجانب‏ “‏المفهومي‏” ‏اللغوى – ‏ويبدو أنه تراجع عن فكرة نفى الاستجابة، واعتبر أن للانفعال وظيفة وليس مجرد تعبير أو تفريغ  لكنه حصرها فى كونها استجابة تتعلق أساسا  بالبعد  ‏التاريخى ‏لنمو‏ ‏الإنسان‏ ‏الفرد‏ ‏كعامل‏ ‏محدد‏ ‏لهذه‏ ‏الإستجابة‏.‏(وفى نفس العام أضاف تعريفا آخر رصده بلوتشيك أيضا)

‏(14) بيرس‏ ‏ف‏ ‏سكنر‏ 1953‏  (8)

“‏إننا‏ ‏نعرّف‏ “‏إنفعالا‏” ‏ما‏. . ‏كحالة‏ ‏خاصة‏ ‏من‏ ‏القوة‏ ‏أو‏ ‏الضعف‏ ‏بالنسبة‏ ‏لواحد‏ ‏أو‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الإستجابات‏ ‏الناتجة‏ ‏من‏ ‏أى ‏من‏ ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏العمليات‏، ‏ونستطيع‏ ‏أن‏ ‏نميز‏ ‏أى ‏عدد‏ ‏نريده‏ ‏من‏ ‏السمات‏ ‏الفارقة‏ ‏بين‏ ‏الإنفعالات‏ ‏المختلفة‏…”.‏

ولا‏ ‏أعلم‏ ‏سبب‏ ‏إصرار‏ ‏بلوتشيك‏ ‏على ‏أن‏ ‏يورد‏ ‏ثلاث‏ ‏تعريفات‏ ‏مختلفة‏ ‏لسكنر‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏، ‏على ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏الأخير‏ ‏قد‏ ‏يزيد‏ ‏الأمر‏ ‏غموضا‏ ‏وتعميما‏، ‏فالكلام‏ ‏عن‏ ‏حالة‏ ‏من‏ “‏القوة‏ ‏والضعف‏”، ‏يكاد يؤكد أن الانفعال استجابة فى المقام الأول  ، لكن إشارته إلى ما هو “‏مجموعة‏ ‏عمليات‏” ‏تكاد‏ ‏توحى ‏بالتراجع‏ ‏عن‏ ‏الاعتراف‏ ‏بالانفعال‏ ‏كدافع‏، ‏أو‏ ‏كحالة‏ ‏مفهومية‏…. ‏الخ‏ ‏وهو‏ ‏ينتهى ‏برغم‏ ‏هذا‏ ‏التعميم‏ ‏الى ‏إمكان‏ ‏التفرقة‏ ‏الدقيقة‏ ‏بين‏ ‏كل‏ ‏انفعال‏ ‏وآخر‏ ‏مهما‏ ‏بلغ‏ ‏العدد‏، ‏فهو‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏قد‏ ‏عمم‏ ‏حتى ‏الغموض‏، ‏ومن‏ ‏جانب‏ ‏آخر‏ ‏قد‏ ‏أعلن‏ ‏خصوصية‏ ‏وانفرادية‏ ‏كل‏ ‏انفعال‏ ‏عن‏ ‏الآخر‏.‏

‏(15) ماريون‏ ‏أ‏. ‏فنجر‏ 1956 (9)

‏الانفعال‏ ‏هو تنشيط ‏ ‏و‏ردّ‏ ‏فعل‏ ‏للانسجة‏ ‏والأعضاء‏ ‏التى ‏تغذيها‏ ‏أعصاب‏ ‏الجهاز‏ ‏العصبى ‏الذاتى، ‏وقد‏ ‏يشمل‏ ‏ذلك‏ – ‏ولكنه‏ ‏ليس‏ ‏ضروريا‏ ‏أن‏ ‏يشمل‏‏ – ‏العضلات‏ ‏الهيكلية‏ ‏أو‏ ‏النشاط‏ ‏العقلي

نلاحظ‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏ثمة‏ ‏رجعة‏ ‏الى ‏ربط‏ ‏الانفعال‏ ‏بالبدائية‏ ‏والاستجابات‏ ‏الأولية‏ ‏الأقدم‏، ‏بما‏ ‏يتجاوز‏ ‏حتى ‏مقولة‏ ‏وليم‏ ‏جيمس  ‏وقد‏ ‏يدل‏ ‏ذلك‏ ‏على ‏تذبذب‏ ‏اليقين‏ ‏بأحقيه‏ ‏الانفعال‏ ‏فى ‏اعتباره‏ ‏من‏ ‏الوظائف‏ ‏العقلية‏ ‏الأعلى (وهو ما بدا واضحا وجوهريا فى نشراتنا الأخيرة هنا حول هذا الموضوع، وهى تؤكد دور العواطف فى المعرفة وبالذات فى اعتمال –معالجة–  المعلومات)

(16) دونالد‏ ‏هب‏ 1958 (10)

إن‏ ‏الانفعال‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏منظـِّـما‏ Organising (‏بما‏ ‏يجعل‏ ‏التكيف‏ ‏مع‏ ‏البيئة‏ ‏أكثر‏ ‏فاعلية‏) ‏أو‏ ‏مفسـِّخا‏ (11) Disorganising، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏حافزا‏ ‏أو‏ ‏مثبطا‏، ‏وفى الحالين يكون إما مثيرا ‏للسعى‏، ‏أو‏ ‏حافزا للتجنب‏”‏

ونلاحظ‏ ‏هنا‏ ‏تجنب‏ ‏التعريف للتعريف، واستبدال ذلك بالاتجاه ‏إلى ‏ذكر‏ ‏آثار‏ ‏الظاهرة‏ ‏دون‏ ‏التعرض‏ ‏لماهيتها‏، ‏كما‏ ‏يلاحظ‏ ‏أن‏ ‏الأصل‏ ‏الانجليزى ‏هو‏ ‏بلهجة‏ ‏الجمع‏ Both and. . ‏فاستعمال‏ ‏الحرف‏ “‏أو‏” ‏هنا‏ ‏فى ‏الترجمة‏ ‏ليس‏ ‏للتفضيل‏ ‏بين‏ ‏الأقطاب‏ ‏المتبادلة‏ ‏ولكن‏ ‏لتأكيد‏ ما وصلنى من ‏إحتمال تواجدهما معا ‏ ‏بالتناوب‏ (‏وأحيانا‏ ‏بالمواكبة‏)، ‏وبصفة‏ ‏عامة‏ ‏فان‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏التعاريف‏ ‏لا‏ ‏تزيدنا‏ ‏معرفة‏ ‏بالظاهرة‏ ‏المعينة‏، ‏بل وقد ‏ ‏تزيد‏ ‏الأمر‏ ‏غموضا‏ ‏وتعميقا‏ ‏مع‏ ‏إحتمال‏ ‏إنارة‏ ‏بعض‏ ‏جوانب‏ ‏الأثر‏ ‏المحتمل‏ ‏للظاهرة‏.‏

‏(17) تيورور‏ ‏س‏. ‏شنيرلا‏ 1959 (12)

‏إننا‏ ‏نعرف‏ ‏الانفعال‏ ‏بشكل‏ ‏رحب‏ ‏باعتباره‏:(1) ‏نوبات‏ ‏أو‏ ‏تتابعات‏ ‏لتكيف‏ ‏عضوي‏(‏بدنى) ‏ظاهر‏ ‏أو‏ ‏مبتدئ‏ (‏أو متسحب‏)، (2) ‏وهو‏ ‏غالبا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏رخوا‏ (‏بلا‏ ‏نمط‏ ‏جامد‏)، ‏ومتغيرا‏,(3) ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏يصاحبه‏ ‏تأثيرات‏ ‏حسية‏ ‏مثيرة‏، ‏وربما‏ ‏مواقف‏ ‏إدراكية‏ ‏يمكن‏ ‏تصنيفها‏ ‏الى ‏ما‏ ‏هو‏ ‏مرغوب‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏مرغوب‏، ‏ما‏ ‏هو‏ ‏لذِّىّ ‏أو‏ ‏ضد‏ ‏اللذة‏، (4) ‏وهو‏ ‏يتناسب‏ ‏مع‏ ‏شدة‏ ‏الفاعلية‏ ‏أو‏ ‏المعانى ‏المُدركة‏ ‏لمثير‏ ‏ما‏، (5) ‏ومتناغم‏ ‏مع‏ ‏نوع‏ ‏التغيرات‏ ‏العضوية‏ ‏إما‏ ‏”جاذبة‏ ‏نحو‏” ‏أو‏ ‏”منسحبة‏ ‏من”‏.‏

وهكذا‏ ‏تبدأ‏ ‏المحاولات‏ ‏المفصلة‏ ‏لتعلن‏ ‏ترامى ‏أبعاد‏ ‏الظاهرة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏تعلن‏ ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏الإلمام‏ ‏بها‏، ‏مهما‏ ‏أضفنا‏ ‏مزيدا‏ ‏من‏ ‏الصفات‏ ‏والترقيم‏، ‏فالقارئ‏ ‏لهذا‏ ‏التعريف‏ ‏لا‏ ‏يخرج‏- ‏مرة‏ ‏أخرى‏- ‏إلا‏ ‏بأنه‏ ‏أمام‏ ‏ظاهرة‏ ‏رخوه‏ ‏النمط‏، ‏تعتبر‏ ‏جزاء‏ ‏لا‏ ‏يتجزا‏ (‏وإن‏ ‏كان‏ ‏فى ‏الخلفية‏) ‏من‏ ‏النشاطات‏ ‏الأخرى ‏الأكثر‏ ‏ظهورا‏، ‏وهذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏يمكن‏ ‏استنتاجها‏ ‏فى ‏أغلب‏ ‏الأحوال‏، ‏وقد‏ ‏نواجهها‏ ‏دون‏ ‏تحديد‏، ‏ولكننا‏ ‏لا‏ ‏نلمسها‏ ‏منفصلة‏، ‏اذ‏ ‏لا‏ ‏نخلص‏ ‏اليها‏ ‏متعينة‏ ‏فى ‏ذاتها‏.‏

‏(18) ماجدا‏ ‏أرنولد‏ 1960‏ (13)

الانفعال‏ ‏هو‏ ‏الشعور‏ ‏بميل‏ ‏تجاه‏ ‏أى ‏شئ‏ ‏نكون‏ ‏قد‏ ‏قيمناه‏ ‏حدسا‏ ‏باعتباره‏ ‏حسنا‏ (‏مفيدا‏)، ‏أو‏ ‏الشعور‏ ‏بميل‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏أى ‏شئ‏ ‏نكون‏ ‏قد‏ ‏قيمناه‏ ‏سيئا‏ (‏مؤذيا‏)، ‏ويصاحب‏ ‏هذا‏ ‏الانجذاب‏ ‏الى، ‏أو‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏، ‏نمط‏ ‏من‏ ‏التغيرات‏ ‏الفسيولوجية‏ ‏منظمة‏ ‏فى ‏إتجاه‏ “‏الإقتراب‏ ‏من‏” ‏أو‏ “‏الانسحاب‏ ‏بعيدا‏ ‏عن”‏، ‏ويختلف‏ ‏النمط‏ ‏المعين‏ ‏بكل‏ ‏انفعال‏ ‏باختلاف‏ ‏الانفعالات‏ ‏المحددة

ولم‏ ‏تزد‏ ‏ماجدا‏ ‏أرنولد‏ ‏شيئا‏ ‏بهذا‏ ‏التعريف‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏نبهتنا‏ ‏الى ‏احتمال‏ ‏سبق‏ ‏التقييم‏ ‏الحدْسى ‏لكل‏ ‏من‏ ‏الشعور‏ ‏به‏ (=‏ادراكه‏ ‏شعوريا‏ ) ‏وما‏ ‏يصاحبه‏ ‏من‏ ‏تغيرات‏ ‏فسيولوجية‏، ‏ولكن‏ ‏بنظرة‏ ‏تالية‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏(……) ‏تسلسل‏ ‏كلمات‏ ‏التعريف‏ ‏ ‏ ‏يوحى ‏بأن‏ ‏حدوث‏ ‏التغيرات‏ ‏الثلاثة‏ ‏فى ‏آن‏ ‏واحد‏ ‏لا‏ ‏يُستبعد‏ ‏أصلا‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏ما‏ ‏ترصده‏ ‏شعوريا‏ ‏هو‏ ‏لاحق‏ ‏بالضرورة‏ ‏لأى ‏تغير‏ ‏آخر‏ ‏لم‏ ‏يرصد‏ ‏بعد‏، ‏أو‏ ‏غير‏ ‏قابل‏ ‏للرصد‏ ‏أصلا‏، ‏ولعل‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏ومثله‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏دفع‏ ‏بماجدا‏ ‏أرنولد‏ ‏الى ‏تحرير‏ ‏كتابها‏(أنظر قبلا نشرة: 7-7-2014 “تحفظات‏ وهوامش ‏حول‏ ‏لغة موضوع‏ ‏الدراسة‏‏”)‏ ‏عن‏ ‏طبيعة‏ ‏العواطف‏ ‏لتجمع‏ ‏فيه‏ ‏مقتطفات‏ ‏متنوعة‏ ‏من‏ ‏آراء‏ ‏علماء‏ ‏بارزين‏، ‏آملة‏ ‏أن‏ ‏تجلى ‏الموقف‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏يريد‏ ‏آن‏ ‏ينجلى ‏حتى ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏الجمع‏ ‏المستفيض‏.‏

‏(19) روبرت‏ ‏بلوتشيك‏ 1962 (14)

يمكن‏ ‏تعريف‏ ‏الانفعال‏ ‏باعتباره‏ ‏تفاعلا‏ ‏جسديا‏ ‏نمطيا‏ ‏لما‏ ‏يمكن‏ ‏ان‏ ‏يكون‏: ‏تحطيما‏، ‏أو‏ ‏تكاثرا‏، ‏أو‏ ‏إحتواء‏، ‏أو‏ ‏بهرا‏  (15) ‏أو‏ ‏حماية‏، ‏أو‏ ‏اعادة‏ ‏تكامل‏، ‏أو‏ ‏نبذا‏، أو ‏استكشافا‏، ‏أو‏ ‏بعض‏ ‏تركيبات‏ ‏مما‏ ‏سبق‏، ‏مما‏ ‏يمكن‏ ‏ان‏ ‏ينشـِّط‏ ‏استجابة‏ ‏لمثير‏ ‏ما‏.‏

ها‏ ‏هو‏ ‏بلوتشيك‏ ‏يعلن‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏اخيرا‏ ‏وسط‏ ‏هذا‏ ‏الحشد‏ ‏الذى ‏قام‏ ‏بجمعه‏ ‏شخصيا‏، ‏وهذا‏ ‏التعريف‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏اتجاهه‏ ‏التطورى ‏وربطه‏ ‏الانفعال‏ – ‏بداية‏- ‏بالغرائز‏، ‏كما‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏النظر‏ ‏الى ‏الانفعال‏ ‏باعتباره‏ ‏تفاعلا‏ ‏جسديا‏ ‏هادفا‏ ‏فى ‏المقام‏ ‏الأول‏، ‏ولكن‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أنه‏ ‏اذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏اقتطف‏ ‏بلوتشك‏، ‏فى ‏نفسه‏، ‏تعريفا‏ ‏للإنفعال‏، ‏فإنه‏ ‏قد‏ ‏أورده‏ ‏فى ‏سياقه‏ ‏التاريخى ‏سنة‏ 1962، ‏وسجله‏ ‏فى ‏كتابه‏ ‏الشامل‏ ‏عن‏ ‏الانفعال‏ ‏المنشور‏ ‏سنة‏ 1980، ‏والذى ‏انتهى ‏فيه‏ ‏الى ‏تعريف‏ ‏أوسع‏ ‏سنناقشه‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏، (‏تعريف‏ 29).‏

‏(20) بول‏ ‏ماكلين‏ 1963 (16)

‏إن‏ ‏الاحساسات‏ ‏الانفعالية‏ ‏إنما‏ ‏توجه‏ ‏سلوكنا‏ ‏بما‏ ‏يتناسب‏ ‏مع‏ ‏مبدأين‏ ‏أساسين‏ ‏للحياة‏ ‏وهما‏ ‏الحفاظ‏ ‏على ‏النفس‏ ‏والحفاظ‏ ‏على ‏النوع‏.‏

‏ ‏ولست‏ ‏أدرى ‏لم‏ ‏أوْرد‏ ‏بلوتشيك‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏باعتباره‏ ‏تعريفا‏ ‏فى ‏حين‏ ‏أنه‏ ‏يبدو أكثر وصفا لنتيجة‏ اللظاهرة‏ ‏الانفعالية‏ ‏ (‏قارن‏ ‏ما‏ ‏ذكرناه‏ ‏قبلا‏ ‏فى ‏تعريف ‏16)، ‏ولكن‏ ‏لعل‏ ‏انتقاءه‏ ‏كان‏ ‏متأثرا‏ ‏بفكره‏ ‏التطورى، ‏ولعل‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المقتطف‏ ‏ما‏ ‏يؤكد‏ ‏هذا‏ ‏الفكر‏ ‏عامة‏، ‏ويمهد‏ ‏لفكرة‏ ‏بلوتشيك‏ ‏شخصيا‏ ‏كما‏ ‏طورها‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏إطارها‏ ‏التطوري‏.‏

وبعد

وصلنى الآن أن الجرعة ثقيلة اليوم، يكفى هذا، ودعونا نكمل غدا إن تحملتم.

[1] – Concretized consciousness

[2]-Affects are originally archaic discharge syndromes that supplant voluntary actions under certain exciting conditions’‏

OTTO FINICHEL 1946

ولاحظ‏ ‏هنا‏ ‏مدى ‏بدائية‏ ‏ما‏ ‏هو‏ affect ‏مما‏ ‏يؤكد‏ ‏ما‏ ‏ذهبنا‏ ‏اليه‏ ‏من‏ ‏خطأ‏ ‏ترجمة‏ ‏وجدان‏ ‏الى  affect‏

[3]- Basically، emotion is an expressive plasmatic motion… These two basic directions of biophysical plasma current ,from the center toward the periphery، or vice versa , correspond to the two basic affects of the psychic apparatus، pleasure and anxiety’‏

WILHELM REICH 1949

[4]- ‏Feeling in the sense of affect، arises from involuntary motor attitude، maintained as readiness or wish، and held in leash pending the lifting of whatever form of interfering mechanism or functional barrier، is holding the action’‏

NINA BULL 1951

[5] – (ونضيف هنا إليه لانج لتكون الإشارة إلى شريكه فى النظرية المعروفة باسميهما  “نظرية جيمس لانجJames –Lang Theory

[6]- The common idioms ‘in love’، ‘in fear’ ‘in anger’ suggest a definition of an emotion as a conceptual state، in which the special response is a function of circumstances in the history of the individual:‏

BURRHUS F. SKINNER 1953

 -[7]بيرس‏ ‏ف‏. ‏سكـِنـَر‏ 1938 – إن‏ ‏الانفعال‏ ‏ليس‏ ‏أساسا‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الاستجابة‏ ‏أصلا‏ ‏ولكنه‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏القوة‏ ‏يمكن‏ ‏مقارنتها‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏جوانبها‏ ‏بما‏ ‏هو‏ ‏دافع‏.‏

[8]- We define an emotion…as a particular state of strength or weakness in one or more responses included by any one of a class of operations. We may make as many distinctions as we wish between separate emotions…’‏

BURRHUS F. SKINNER. 1955

[9]- Emotion is activity and reactivity of the tissues and organs innervated by the autonomic nervous system. It may involve، but does not necessarily involve, skeletal muscular responses or mental activity’.‏

MARION A. WENGER 1956

[10]- Emotion can be both organizing (making adaptation to the enviromment more effevtive) and disorganizing both energizing and debilitating، both sought after and avoided’‏

DONALD HEBB1958

[11] – بتشدي السين وكسرها، وقد فضلت منذ زمن ترجمة Disorganize الى “فسخ” لما تشمله الكلمة العربية من معانى التفريق والافساد والضعف والتناقض جميعا.

[12]- We define emotion broadly as: 1) episodes or sequences of overt and incipient somatic adjustment,2) often loosely patterned and variable3) usually with concurrent exciting sensory effects، perhaps also pleasant or unpleasant 4) related to the intensity effect or perceptual meaning of a stimulus5) synergic with organic changes of A. (approach)، or W-(withdrawal) types’‏

THEODORE C. SCHNEIRA، 1959

[13]- Emotion is the tendency toward anything intuitively appraised as good (beneficial)، or away from anything intuitively appraised as bad (harmful). This attraction or aversion is accompanied by a pattern of physiological changes organized toward approach or withdrawal. The pattern differ for different emotions’‏

MAGDA ARNOLD 1960

[14]- ‏An emotion may be defined as a patterned bodily reaction of either destruction، reproduction، incorporation، orientation، protection، reintegration، rejection or exploration or some combination of these، which is brought about by a stimulus’‏

ROBERT PLUTCHECK.1962

[15] – الكلمة الإنجليزية Orientation تترجم عادة إلى التعرف (على المكان والزمان … الخ) أو التوجه (للشرق) … الخ لكن بلوتشيك يستعملها غالبا بمعنى: الدهشة المتولدة من مواجهة الجديد لأول وهلة، وقد اخترت لهذا الوصف كلمة “بهر” حيث تحمل المعنى المراد: بهر الشئ فلانا: أدهشه، كما تحمل معنى الإضاة والإفاقة جميعا، وسوف أذهب بعد ذلك إلى تطوير هذا الانفعال بوجه خاص فيما يتعلق بالإبداع (انظر بعد) كما أرجو أن تنسخ هذه المحاولة ما سبق أن أوردته من لفظى الدهشة، والوهل ترجمة لنفس الكلمة (ثم تطور الأمر بعد ذلك تأكيدا لموقفى هذا، أنظر (نشرة 8-9-2014 “من عاطفة “البهر” إلى تخليق الإبداع”).

[16]- ‏Emotional feelings guide our behaviour with respcet to the two basic principles of self- preservation and preservation of species’‏

PAUL MACLEAN ,1963 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *