الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (101) الإدراك (62) الإدراك بين “الفهم” و”عدم الفهم”

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (101) الإدراك (62) الإدراك بين “الفهم” و”عدم الفهم”

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 14-8-2012

السنة الخامسة

العدد: 1810

 الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (101)7-9-2011

 الإدراك (62)

الإدراك بين “الفهم” و”عدم الفهم”

ما هذا؟

إلى أين وصلنا؟

كلام من غير كلام!! وإدراك بدون إحساس!!! واللاشعور ليس مرادفا للادراك!!! والإدراك ليس تلقيا فحسب، بل هو عملية معرفية لها حركيتها ذهابا وإيابا!!!

 إلى أين تجرجرنا هذه الاستطرادات ونحن بصدد تقديم الأساس فى الطب النفسى؟

ثم، ما هى المسئولية الأخلاقية والاجتماعية والثقافية (بل والدينية) حين نروج لهذه البدائل البعيدة عن ما ساد عبر العالم الحديث عن تقديس قيمة “العقل”و”المنطق” و”الفهم السليم”والمقدمات التى لها توالٍ و”التخطيط” ودراسة الجدوى: بل والبحث العلمى المؤسسى؟

وهل مجتمعنا الشديد التواضع فى مرحلة نموه الحالية يحتاج لمثل هذا الطرح هكذا بكل هذا الحماس وهذه الأدلة، ونحن لا ينقصنا رواج الخرافة، والحدس العشوائى، والتبعية، والتخدير الذاتى والمستورد، والتسليم الدينى السطحى بلا تمييز بينه وبين الوجد الإيمانى الإبداعى؟

كل هذه الأسئلة سبق أن تعرضنا للإجابة عليها فيما سبق من نشرات عن الإدراك، وقدمنا المبررات التى حسبناها مبررا كافيا للاستمرار، كما قدمنا ما ينشر لنا من تحذير للتفرقة بين أقصى المعرفة وشطح الخرافة، الأمر الذى قد يلتبس عند الكثيرين من المتعجلين والمستسهلين.

المبرر الأقوى الذى مازال هو الدافع الأول والأساسى هو أن هذا الذى نبحثه هو نابع من الممارسة العملية كما كررنا مرارا، وليس أبدًا من أى تنظير نفسى أو فلسفى أو لغوى (أكاديمى خاصة).

حين تطرق الأمر فى الأسبوع الماضى إلى تناول علاقة اللاشعور بالإدراك، أكدنا أن ثمة علاقة تماس مهمة، وفى نفس الوقت نفينا الترادف نفيا قاطعا وحاسما، وحين اقتربنا من الحديث عن علاقة الإدراك “بالوعى” كان الاستشهاد الأول هو بداية عرض عينات من لعبة “أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحسن…..” وبيَّنا كيف أن هذا ليس تفكيرا داخليا ولا استنباطا ذاتيا ولا بديلا عن الكلام المعلن بقدر ما هو نشاط معرفى مجاور ومواكب ومختلف فى نفس الوقت عن الكلام المعلن، بل وعنه هو هو إذا ما أعلن غالبا.

 مادام الأمر كذلك، دعونا نبحث أولا فيما يدعم مصدر هذه المعارف من العلاج الجمعى أساسا، وإذا بى أجد لعبة أخرى ذات ارتباط يكاد يكون مباشرا مع القضية التى نطرحها، وهى لعبة تكشف وربما تحدد علاقة “الفهم باللافهم (عدم الفهم)، ونصها “يا خير !! دانا لما مابافهمشى يمكن ….” قلت: إذا أضفنا نتائج هذه اللعبة إلى اللعبة التى أجلنا مناقشتها “أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحْسن..” فهناك احتمال أن تكتمل  أركان التعرف أكثر على ما هو إدراك بعيدا عن وصاية الاحساس (الحواس الخمس) والتفكير (الفهم)، وثم إنى وجدتنى أرجع إلى كلمة “فهم” فى اللغة العربية فإذا بها تعنى الإحاطة بالشىء، واستيعابه: فَهِمَ الدرس: أدركه وعلمه وعرفه، بل وحصّله!! قلت إذا كنت قد تجنبت البداية من القواميس فيما يتعلق بالإدراك (بالانجليزية والعربية) فكيف اسمح لنفسى ياستدراجى إليها وأنا أفتح ملف “الفهم” وعلاقته بالإدراك، وتوقفت راجعا إلى واقع العلاج:

سوف: أكتفى بالإشارة فى هذه المقدمة إلى عزمى على الربط بين اللعبتين لعلنا نقترب أكثر فأكثر من “الإعداد” فى الادراك (رشاد)(1) بقدر ما تقترب من آلية عدم الفهم كنوع خاص من الفهم، وعلى نفس القياس سوف نفاجأ أنه بقدر ما أريد الكلام ضرورة لا غنى عنها فى التواصل ومن ثم فى اتمام نوع خاص من الإدراك سوف نعرف أن “اللافهم” هو أيضا نوع آخر من “الفهم”.

اللعبة الجديدة التى قد يستغرق تقديمها كل نشرة اليوم بدأت حين سأل أحد أفراد المجموعة المعالج القائد (شخصى)، بعد مضى تسعة أشهر من عمر المجموعة “هو ممكن يا دكتور الواحد يخف (يشفى) من غير ما يفهم؟

 وإليكم هذه المقطع وتداعياته حتى يمكن التعرف على كيف بدأت فكرة اللعبة قبل أن تعرض لبعض نتائجها الرائعة لاحقا.

جلسة العلاج الجمعى: الأربعاء:31-3-2010

اللعبة ( ياخبر ده أنا لما بفهمشى يمكن… )

………

………

أحمد: أنا عاوز أشتغل فى حاجه يادكتور يحيى

د.يحيى : أنا موافق، بس إيه بعد مانشتغل عاوزين نربّط الأمور ببعضها، أنا موافق إتفضل

أحمد: هو تناقض

د.يحيى: لأه أنا وإنت وهنا ودلوقتى مش قضايا تناقض ومش تناقض ما إحنا كان فى تناقض اللى بتاع أنا بحب نفسى وماباحبش نفسى، وإشتغلنا فيه ماحلناش حاجه بس، اعمل معروف بلاش الشعارات، وخلينا نقلبها “أنا وإنت وهنا ودلوقتى”.

…..

أحمد: يعنى أنا دلوقتى فاهم الحوار أو الكلام دلوقتى وفى نفس الوقت مش فاهم حاجه

د.يحيى: الله يبارك!، ربنا يبارك فيك يا شيخ، الظاهر اللى بيفهم ده عمال على بطال ممكن يروح فى ستين داهيه

أحمد: أنا بقى عندى …

د.يحيى: مش إنت فاكر يا احمد من حوالى 6 أشهر لما قلت الكلمه ديه الكلمه الحكيمه بتاعة هو الواحد ممكن يخف وهو مش فاهم

أحمد: تقريبا فاكرها

د.يحيى : …. الظاهر إن الفهم ليها وظيفه وقلة الفهم ليه وظيفه، يا أخى ده إنت اللى علمتنا الحكايه

أحمد: بس الأحسن يادكتور يحيى إنى أنا أكون فاهم

د.يحيى : ليه ما إنت خفيت وإنت مش فاهم أهه أو يعنى على الأقل إتحسنت إتغيرت فعلا، إنت يا أخى اللى علمتنا إن الفهم ليه وظيفه وقلة الفهم ليها وظيفه، واللى بوظ الناس دول (يشير إلى المشاهدين خارج حلقة المجموعة الدائرة الخارجية انظر نظام المشاهدة فى التدريب (نشرة: 14-9-2007) إنهم متصورين إنهم فاهمين كل حاجه، وردى عملية باين عليها بتبوّظ حتى الفهم إنما قلة الفهم نفسه ليه وظيفه تانية ولا مش واخد يالك.

أحمد: بس مش على طول

د.يحيى :  طبعا مش على طول الله يفتح عليك

أحمد: هو ده معناه إيه

د.يحيى : ما إنت اللى جاوبت أهه معناه انك خلاص كسبت الحسنيين

أحمد: ده معناه إيه عندكم يادكتور يحيى

د.يحيى : معناه إنك حصان حلو يعنى “حصان” بتتحسن، يا أحمد إنت بتقول كلام شديد الأهميه

أحمد: أيوه يعنى هوّا أنا ممكن أقول كلام شديد الأهميه وانا مش فاهم؟

د.يحيى : هو إنت يعنى بتحفظه فى الكتب وبتيجى تسمعه؟ ما إنت بتعيشه وبتقولهولنا يا أخى أهه الله !!

أحمد: بس على الأقل أكون فاهم على الأقل دلوقتى يادكتور يحيى أكون فاهم الكلام اللى أنا بقوله

د.يحيى : ليه بقى؟ ما إنت ماكنتش فاهم وإتحسنت وإستغربت إزاى الواحد يتحسن وهو مش فاهم الله

أحمد: بس برضه الأحسن أكون فاهم

د.يحيى : لأه ياشيخ!!؟ مين اللى قال كده بقى، مش احنا قلنا ده بيغذى ده

نصرة: ممكن أتكلم فى موضوع تانى يا دكتور؟

د.يحيى : حاضر، بس عايز أسأل الدكتورة منى هى موافقه على الكلام اللى أنا باقوله لأحمد إن عدم الفهم مهم، إيه رأيك يا د. منى؟

د.منى: مش عارفه

د.يحيى : مش عارفه مش عارفة، ولا يهمك، ما إحنا بنشتغل فى اللى احنا مش عارفينه زى ما اتعودنا

د.منى: ما هو أحمد بيحلها أهه

د.يحيى : احمد ماحلش حاجه، ماحدش بيحل حاجة بدال حد، الراجل قاعد متنيل أهوه مش إنت قاعد متنيل يا أحمد

أحمد: آه

د.يحيى : بس خلاص، لأه أحمد ماحلهاش أحمد قال ده موجود وده موجود وعاوز أفهم أكتر قولت له لأه مش ضرورى وإن عدم الفهم ليه وظيفه والفهم ليه وظيفه وبعدين قال كلمه لطيفه خالص “إنها مش قاعده”، بس أنا لاحظت انك انت يا دكتورة منى بتتفرجى علينا وعاوزه تفهمى بالعافية

د.منى: فعلا: بافكر إذا كنت أنا بفهم ولا لأه

د.يحيى : ….. بالضبط، ياللا بقى نشتغل

د.منى: حضرتك عاوزنى أشتغل فى إيه فى عدم الفهم

د.يحيى : أيوه ! نشتغل كلنا فى عدم الفهم، كلنا مش إنتى بس الله يخربيتك ياأحمد لخمت الدكتورة

د.منى: من الواضح إن حكاية عدم الفهم محتاجه شغل

د.يحيى : إزاى يبقى مفيد عدم الفهم زى ما أحمد قال هو ماقلش كده أوى بس قبل كده يعنى، أنا مش عارف على فكرة أنا مش باسألك يا أحمد ولا بامتحنك، أنا بجد مش عارف أشتغل إزاى فى المنطقه ديه مع إنى أنا عارف إنها صح من خبرتى

د.منى: يعنى نشوف الفهم ازاى بيعطلنا

د.يحيى : لأه مش بس إنه بيعطل ده له وظيفه يعنى ده كويس عدم الفهم كويس والفهم كويس أحمد كان فاهم إن ده تناقض إشتغلت معاه ، وهو علمنا إن ده مش تناقض، حسبها بالنتيجه لإن وهو مش فاهم حصل تغيرات، أنا بكلِّمك جد يا د. منى علشان أنا مش عارف أشتغل فى المنطقة دى إزاى

د.منى: طيب نفكر فيها

د.يحيى : لأه مش قصدى، احنا يمكن نفكر فيها وممكن نكتب فيها مقالات وبتاع، احنا عايزين نشتغل فيها، بس إزاى هنا ودلوقتى …… أنا مش جايب الكلام ده من المقالات أنا جايبه من أحمد ومننا، أنا لما ما بفهمشى

د.منى: حانلعب بقى؟

د.يحيى : إحنا بقالنا زمان مالعبناش نخليها علشان تخف شويه نخليها لعبه: فلان ( أنا لما مابفهمش يمكن … ونكمل) بس حاتتلعب مع الكل، كل مرة غير التانيه، مش إنتى بس آه تقدرى تولعى النور الأحمر(2) ( أنا لما ما بفهمشى يمكن ….)

د.منى: أنا لما مابفهمشى يمكن

د.يحيى : آه

د.منى: يا أحمد

د.يحيى : مش هى حاجه غريبه طيب ماتعمليها وإنتى مستغربه لأه ما تحضريش إحنا كتير حاتقولى بقى إيه علشان تستغربى ( ياخبر!!! … ده أنا لما بفهمشى يمكن … وتكملى) لازم نجيب الدهشه على وشك وجسمك وكللك

بداية اللعبة ( ياخبر ده أنا لما بفهمشى يمكن… )

د.منى: يا أحمد ياخبر ده أنا لما بفهمشى يمكن أحافظ على نفسى

د.منى: يا هاله ياخبر ده أنا لما بفهمشى يمكن ده أحسن لى

د.منى: يانصره ياخبر ده أنا لما بفهمشى يمكن بمشى أحسن

د.منى: يادكتور يحيى ياخبر ده أنا لما بفهمشى يمكن أكون أجمل

د.منى: يامنى ياخبر ده أنا لما بفهمشى يمكن أكون مبسوطه اكتر

تعقيب مؤقت:

نلاحظ أن اللعبة بدأت بالطبيبة المساعدة (المتدربة)، وهذه ليست قاعدة متواترة عادة خشية التقليد، مع أنها ملزمة لقائد المجموعة أن يلعب فى النهاية، لكننى تعمدت أن أعرض هنا البداية بشخص يمثل السواء حتى تتصور أن الظاهرة تحت الفحص هى خاصة بالمرضى، وسوف أعود لمناقشتها طبعا مع بقية الاستجابات للأسوياء والمرضى فى العلاج الجمعى وفى التجريب فى ندوة الجمعية (جمعية الطب النفسى التطورى) بدار المقطم للصحة النفسية (ندوة مايو 2010).

وبعد

أتوقف اليوم هنا لأكرر اعتذارى عن عدم إكمال مناقشة اللعبة التى عرضناها الأسبوع الماضى، وسوف نكمل مناقشة كلا اللعبتين معا لاحقا – فى الأغلب- مع الأمل فى أن نقارن بعض النتائج بعضها ببعض.

[1] – نشرة: 5-6-2012

[2] –  (نشرة: 14-9-2007)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *