الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الربيع العربى، والربيع العلمى، يبدأ من تونس

الربيع العربى، والربيع العلمى، يبدأ من تونس

نشرة “الإنسان والتطور”

  27-12-2011

السنة الخامسة

 العدد:  1579

الربيع العربى، والربيع العلمى، يبدأ من تونس

اعتذار غير مقبول

من البديهى أن  ما آلت إليه هذه النشرة هو مسئوليتى تماما، وإذا اختفت، كما اختفت المجلة الأم بعد عنادها عشرين عاما،  فلن يكون السبب هذه المرة هو سبب مادى كما كان الحال سنة 2002 ، وإنما سوف يكون السبب هو محررها الوحيد شخصى الفاشل (ديمقراطيا)!

تأكد لى ذلك يوم الجمعة الماضى، حين وجدت أن البريد قد تضاءل حتى كاد يختفى، وأننى رحت أقسم التعليق الواحد عدة فقرات (بنفس الاسم طبعا) حتى يبدو وكأن ثَمَّ تعليق، وكأن ثَمَّ رد، وكأن ثم حوار. لن أواصل هذا السخف الآن، فلا فائدة منه، دعونى أعترف أن كثرة التنقل من موضوع لموضوع، ومن مشروع لمشروع، ومن كتاب لكتاب، يمكن أن يكون أحد أسباب انصراف المتابعين عن ما يصدر فى النشرة بهذا التشويش الأقرب إلى “طيران الأفكار”، ولكن من هم المتابعون من الأطباء النفسيين خاصة؟

هذا ما خطر لى حين تعثرت الاسبوع الماضى فى بدء نشركتابى عن التشخيص والتصنيف باللغتين الإنجليزية والعربية ، حتى قررت فى نهاية النشرة أن أعدل، ولو فى المرحلة الحالية عن مواصلة النشر إلا بلغتى.

فجأة ذكرتنى سكرتيرتى بأن ثم كتاب قديم كنت قد أتممته باللغتين مع مقاومة أقل، وهو لم يصدر أبدا لا إلكترونيا فى الموقع، ولا ورقيا طبعا، وكنت قد نسيته تماما فاستبعدت ذلك، إلا أنها أكدت لى أن ذلك كان فى مرحلة استعمالى حاسوب ماكينتوش، وأنها هى التى قامت بنقله إلى الآى- بى- إم، فطلبته منها، فأحضرته كاملا لا تنقصه إلا المراجعة الأخيرة ، وتجديد الرسوم التى عجزنا عن نقلها لأسباب تقنية.

ماذا أفعل؟

قلت أستسهل، وأبدأ بنشر هذا الكتاب الجاهز باللغتين حتى أذيب ثلوج مقاومتى الكتابة بالانجليزية، وهو كتاب عن “أعراض الأمراض النفسية”، بعنوان “الإمراضية النفسية الوصفية”، (أو علم السيكوباثولوجى الوصفى)  وعنوان فرعى باسم “فينومينولوجيا المرض العقلى، وعلاقتها بالإبداع”

حكاية هذا الكتاب الآخر

إذن هذا كتاب آخر أسبق، وربما أوْلى، وهو قديم كذلك، كتب من عشرين سنة أيضا، ولم ينشر فى حينه، إلا أن الدافع الذى جعلنى أرجع إليه منذ عشر سنوات وأنهيه تقريبا باللغتين كان خارجا عنى، فقد جاء الحافز من تونس الخضراء التى يبدوا أنها مصدر ربيع دائم لو أحسنا استقبال ريحها الطيب ، ثم أحسنا توجيهه، يا رب.

يحضرنى صلاح جاهين كلما حضرنى ربيع علمى أو سياسى أو غير ذلك ، يحضرنى بتشكيلات رباعياته المتنوعة المشرقة، فالمحذِّرة، فالمنذرة تباعا، يقدم  لنا صلاح رباعية الربيع الأولى بكل الفرحة فنجد فيها حدسه لما عشناه مؤخرا، حين هبت علينا رياح الربيع من الشارع والشباب والبراءة والحلم

مرحب ربيع مرحب ربيع مرحبا

يا طفل يا اللى ف دمى ناغى وحبا

عشان عيونك يا صغنن هويت

حتى ديدان الأرض واللِّـغربا

هكذا كانت البداية ربيع طفلى برئ، حالم، جميل: “طفل ناغى وحبا”، حتى لو كان ذلك وسط الدماء “يا طفل ياللى فى دمى ناغى وحبا” (يا للحدس!!)

ثم ينبهنا صلاح إلى أننا إن لم نتعهد هذا الطفل الذى ناغى وحبا فى دمنا، فسوف تنحسر نسمة الربيع، وتتحول إلى لهيب جاف يكوى الوشوش، إذْ ها هو يذكرنا – أو يحذرنا – من هذا الانقلاب :

نسمة ربيع لكن بتكوى الوشوش

هيا الحياة كدا كلها فى الفاشوش

ثم يعود ينبهنا أننا لو استسلمنا لهذه النسمة القاسية الجافة، ونسينا فرحة البدء، ولم نتعهد خطوات وقوانين النمو أفراد وشعوبا، فسوف ينتهى كل ذلك إلى “الفاشوش”، استسلاما لليأس، تموت المناغاة، ويتعثر الحبو، ويختفى النبض فهو الموت الذى لا تحييه الزهور ، ولا يستجيب لتفتحها أصلا

دخل الربيع يضحك لقانى حزين

نده الربيع على إسمى لم قلت مين؟

حط الربيع أزهاره جنبى وراح

وايش تعمل الأزهار للميتين؟

أدعو الله تعالى أن يكون هذا الحدس المخترق، والشعر الثورة، هو تحذير يذكرنا أن الطفل الحديث الولاده يحتاج إلى العناية والتعهد حتى لايكون مصيره إلى الموت برغم كل وعود وبراءة الطفولة!

حكاية هذا الكتاب

حتى هذا الكتاب الذى ولد من عشرين سنة حول 1984، ثم هبت عليه نسائم صفاقس (تونس) المنعشة، فاستيقظ وقطع خطى مهمة فى النمو فكاد يتكامل فى 2004، حتى 2006 ثم عاد إلى سبات فإهمال حتى استيقظ أخوه صدفة فهو كتاب “التصنيف والتشخيص” فغار منه الكتاب الأقدم، وقفز إلى السكرتيرة الأم، ليزيح أخاه الأصغر، ويحكى حكايته التى يبرر أسبقيته:

ولكن عندك !! حاولت أن أستأذنه أن يؤجل ظهوره، لأنه كتاب للأطباء النفسيين دون سواهم وننشره الإنسان والتطور أعم من ذلك فقدم لى سببين وجيهين، الأول: أن أخاه الذى استيقظ حديثا هو أيضا موجه للأطباء النفسيين، والثانى (قالها وهو يعايرنى برسوبى فى انتخابات الديمقراطية العلمية) أن ندرة الندرة من هؤلاء المختصين هى التى تنظر أحيانا، وليس بالضرورة تتابع، ما أكتب وأنه ليس لما أكتب “كاريزما” كافية، وأنى لا أعرف الطريق إلى رشوتهم ودغدغة معارفهم، فأغلبهم يريد أن يعرف ما يعرف، وأن هذا هو سر عدائى للديمقراطية

بصراحة، أُقحمنى فأسرعت أكمل حكاية هذا الكتاب المنافس قبل أن تنسد نفسى وأتوقف،

نرجع لحكاية هذا الكتاب المغير :

عدت من صفاقص بتونس2002،  وأنا ملىء بالعرفان بفضل وكرم الصديق والإبن أ.د. جمال التركى، فقد أطلعنى على مدى حماس المغرب العربى للغة العربية، وأملهم أن نوصل لإخواننا فى عالم الغرب وغيره بعض ما عندنا، وقد بلغ الحماس به، ( وبالإبن أ.د. سليم عنابى) أن وعدانى أنه إذا أنا أكملت مهمتى فى كتابة فكرى باللغتين الإنجليزية والعربية، أن يقوما مشكورين بترجمته إلى الفرنسية أيضا، ولم ينكثا الوعد حتى الآن، أنا الذى تأخرت حوالى عشرين عاما (برغم المسودات التى سترونها تباعا لإثبات حسن النية)،

 ثم أسس أ.د. جمال الشبكة العربية للعلوم النفسية، فحققت معجزة غير مسبوقة إذ نجحت أن تجمع كل الزملاء العرب النفسيين  الجادين والمثابرين والتمألمين والمبدعين بشكل لم أكن أتصور أنه بالإمكان أن يتم من حيث المبدأ، لكن ذلك لم يكن إلا نتيجة لتصوراتى الخاطئة عن واقعنا العربى وشعورنا بالنقص، وبعدنا عن لغتنا، عن ثقافتنا، مضطرين أحيانا، ومعذورين أحيانا، وربما كسالى (ولا أبرئ نفسى) أحيانا أقل، إلا أن فرد واحدا آمن بالفكرة وعملها، بديمقراطية منقطعة النظير وسماح احتوى كل التيارات، لم أشارك فى هذه الشبكة بما ينبغى كما ينبغى لثقتى بالقائمين (القائم) عليها من جهة، ولعلمى مسبقا بعجزى عن التكلم باللغة الطبنفسية المستوردة ولا حتى السائدة فأنشأت بدورى، دون ربط مباشر إلا بفصل جمال، هذا الامتداد لمجلة “الإنسان والتطور” وهى نشرة “الإنسان والتطور”، ربما كنوع من الاعتذار عن تقصيرى فى حق الشبكة الأم ونشاطها الموضوعى المتمادى فى كل اتجاه على كل مستوى، ذلك النشاط الذى علمنى معنى ديمقراطية أخرى، مع أنه ظل عندى عليها نفس تحفظاتى على الديمقراطية السياسية الحالية، وإذا كنت أعترف بالفضل لشيخى محفوظ الذى أقنعنى – وأنا مازلت مضطرا–  بقبولها باعتبارها أحسن الأسوأ (على حد تعبيره) فإنى ظللت محتفظا بحقى فى التحفظ عليها حتى بعد رضوخى لها كمرحلة، الأمر الذى لخصته قياسا على مثلنا العامى “تجمَّزْ بالجميز يأتيِكَ التِّين” بمقال بعنوان “دَمَقْرط بالديمقراطية حتى تأتيك الحرية”، وقد وجدت الآن نفس تحفظاتى قائمة فيما يتعلق بالديمقراطية العلمية التى أبدع فى نشرها وتنميتها أ.د.جمال التركى، حتى كدت أرضخ راضيا، وأنا أشعر أكثر بتقصيرى .

شكرا يا شيخى الجليل نجيب محفوظ،

شكرا يا إبنى الجميل جمال التركى

لكن هل يا ترى وصلتكما تحفظاتى على هذه وتلك؟

ولمزيد من الايضاح حتى لا يفهم قبولى بالديمقراطيتين خطأ سوف أقتطف بعض ما سجلته يوم الإثنين الماضى هنا فى النشرة، من مقالى “دليل الحاكم المسلم لحكم شعب مؤمن“، حيث قلت:

11تذكر سيدى أن هذا المستوى من الاختيار بهذه الديمقراطية الضرورية مرحليا، لا يعلن إلا مدى تماثل الناخب مع من انتخبه، فى أمور بعضها ظاهر، وأغلبها باطن، فهذه الديمقراطية هكذا لا تستطيع أن تكتشف اتفاقهما (الناخِب والمْنَتَخب) على خطأ فادح، أو تماثلهما فى التعجيل بخراب قادم، أو تشابههما فى تمادى ظلم متفق عليه، أو فى زيادة اغتراب مدمر، أو تجميد فكر متفتح، لا قدّر الله، ومع ذلك فلها الشكر أنها أتت بك إلينا لنأمِل فيك، ونتعشم فى ربنا وفى قدرتنا على تغييرك إن شاء الله إذا لزم الأمر.

وقياسا: خطر لى أن أكتب مقالا موازيا هنا بعنوان “دليل الطبيبة الذكية، للمعالجة الطبنفسية” لأحذو حذو الملهم الأول برناردو شو الذى ألهمنى المقالين السابقين من عنوان كتابه “دليل المرأة الذكية للاشتراكية والرأسمالية” ووجدتنى أقتطف من المقال الذى لم أكتبه بعد هذا المقطع:

“…. تذكرى يا ابنتى الغالية أن هذا المستوى من الرطان العلمى (شبه العلمى) لا يعلن إلا مدى تماثلنا مع بعضنا البعض وهو ما يسمى “ثبات” الحكم Reliability لكنه لا يستطيع أن يهدينا إلى حقيقة ما نفحص Validity، كما أنه هو لا يعلمنا فن نقد النص البشرى فى حالة المرض، ولا هو ينبهنا إلى ضرورة نقدك (ونقدى) أنفسنا باعتبارنا نصا بشريا فى نفس وقت المعالجة، بل إن هذه الفرحة بالاتفاق على لغة مشتركة (لدرجة الثبات) لا تفيد فى أن تساعدنا على اكتشاف خطأ فادح فى تناول مرضانا، ولا هى تحول دون تجميدهم أصناما نتيجة للإفراط فى التسكين،وسوء التوقيت….الخ.

إيقاف بالأمر

أسارع بأن أنهى هذه اليومية حتى لا أستدرج إلى إكمال كتابة مقال “دليل الطبيبة الذكية” أو ربما يحل كتاب ثالث محل الجميع

وإلى الغد ننشر مقدمة هذا الكتاب القديم الجديد المغير عن “فينومينولوجيا المرض العقلى” (علم السيكوباثولوجى الوصفى)

ملاحظة ختامية

اكتشفت فى هذه المقدمة التى سوف تنشر غداً أننى كنت على وشك أن أنشر هذا الكتاب “ثنائى اللغة” على حلقات فى موقعى حتى قبل صدور النشرة اليومية!!

وهذا تأكيد لحقه فى السبق لو سمحتم . وغدًا:

علم‏ ‏السيكوباثولوجى ‏(‏الإمراض‏ ‏النفسى‏) ‏الوصفى

فينومينولوجيا‏  ‏المرض‏ ‏النفسى (‏وعلاقتها بالإبداع‏) ‏ 

Descriptive Psychopathology

The Phenomenology of Mental Illness & Creation

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *