الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد: دليل الحاكم المسلم: لحكم شعب مؤمن

تعتعة الوفد: دليل الحاكم المسلم: لحكم شعب مؤمن

نشرة “الإنسان والتطور”

 25-12-2011

السنة الخامسة

 العدد:  1577

تعتعة الوفد:

دليل الحاكم المسلم: لحكم شعب مؤمن

منذ أكثر من عشر سنوات كتبت هنا بتاريخ 9-4-2001 مقالا بعنوان “دليل الحاكم الذكى لِحُكـمِ شعبٍ صبور” ثم كان ما كان هذه الأيام فشعرت أنه لابد أن يتغير الخطاب، فيتغير الدليل، وبرغم حرصى الشديد ألا أحرم هؤلاء الفائزين من فرحتهم التى هى حقهم برغم كل شىء، فقد وجدت أن علىّ أن أقول ما عندى فى هذا الوقت الذى أراه مناسبا تماما، مع دعواتى لهم بالتوفيق وألا يصاب أى منهم بالصمم السياسى، خاصة وأن بعضهم عنده استعداد – بعيد الشر– للإصابة بالصمم التراثى.

وإليكم بعض توصيات  الدليل الجديد التى لا تعدو أن تكون  رؤوس مواضيع قد تحتاج إلى عودة:

عزيزى الحاكم المسلم (وفقه الله وأعانه على نفسه وعلينا) أنت خير من يعلم أن الدين النصيحة، لكن دعنى أولا أدعو الله أن يهدينا وإياكم إلى خير العمل وعمل الخير، ثم خذ عندك:

1-   تذكّر أن الأمانة التى تصدينّا لحملها – نحن البشر – دون السماوات والأرض والجبال لا تقتصر عليك لأنك مسلم، بل هى لأى إنسان، أى أنها أعم وأشمل، فهى أمانة أنك بشر أكرمك الله بالوعى والإرادة، وقد اشفق سبحانه أن يعرضها عليك ابتداءً، لكنك تصديت لها، فحذرك ربنا، كإنسان، أن تكون جهولا بتبعاتها، أو أن تظلم نفسك إن أنت عجزت عن حملها، فما بالك وقد أصبحت مسئوليتك أن تحكمنا؟!

2-   تذكر سيدى الكريم أنه ليس لك فضل شخصىّ جدا أن تكون مسلما، وإنما الفضل لله سبحانه وتعالى الذى أتاحت لك مشيئته أن تولد من أبوين مسلمين، فإذا خطر لك أنك متميز، فلا فضل لك فى ذلك، بل عليك مسئولية أكبر، فما بالك وأنت تحمل هذه الأمانة الأثقل: الحكم!!؟

3-   من حقك، مع أنك لم تبذل جهدا كافيا، أن تعتبر أن دينك أفضل الأديان وأصحها، ولأنى مسلم مثلك، فأنا وجدت فى دينى ما يبرر ذلك، لكن فى نفس الوقت، أعتقد وأذكّرك، ونفسى، أن كل من ولد من أبوين غير مسلمين، وله دين، أو حتى لو اخترع له دينا خاصا، يعتبر دينه أفضل الأديان، وبقدر ما تسخر منه، أو تشفق عليه وتدعو له بالهداية ناهيك عن احتمال أن تظلمه، هو مثلك تماما، فلا تنس أنه قد يخطر بباله عنك، تماما مثل ما يخطر ببالك عنه.

4-   تذكر أيضا أن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبك كما أوصاك أن تحاسب نفسك، بمقياس العدل المطلق، وهو نفس المقياس الذى عليك أن تقيس به آراء ومعتقدات الآخرين، وإلا كنت من المطففين، الذين إذا قيّموا دينهم يستوفون، وإذا حكموا على غيرهم يُخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟

5-  تذكر أنك لو قضيت عمرك كله لتقنع مليونا واحدا من كل البشر من غير دينك (خمس مليارات ونصف ليسوا مسلمين = 5.430.000000 نسمة) تقنعهم بالدخول إلى دينك حبا فيهم ورحمة بهم، فلن تنجح إلا مع أقل القليل، ربما لمحدودية عمرك، فلضيق الوقت!!، فى حين أنك لو أحسنت حمل أمانة ما أمر به دينك – الإسلام–  لصالحم لمقاومة ما يجرى فى العالم ضدك وضدهم من شرور وظلم لكان أنفع للجميع، وأكرم لديننا الإسلام حلاًّ لكل الناس المستضعفين فى الأرض.

6-   تذكر أنك حملت الأمانة لمجرد كونك بشرا، ثم توليت أمرنا لكونك مسلما نجحت أن تقنع بعض أهل دينك أنك قادر على الوفاء بوعوده، فما أكرم وأثقل كل ذلك مع أن البداية كانت بفضل الله عبر والديك، لا بجهدك.

7-    أنت مسئول سيدى عن ما آل إليه حالنا، ليس بمعنى أنك السبب فيه، ولكن بمعنى أن هذه هى نقطة بدايتنا معك، وأن اختيار الأغلبية لك، بأقل قدر من التزوير فعلا، مهما قالوا، قد حمّلك المسئولية أوضح وأكمل، لتصلح ما أفسد القهر، داخلنا وخارجنا، بدءًا بمصر امتدادا لكل الدنيا.

8-     لعله قد وصلك سيدى رفضى لما اضطر إليه غيرنا (ممن يسمون العلمانيين، أو المدنيين أو التنويريين…الخ) من تهميش الدين، أو استعماله من الظاهر بعض الوقت، أو استعماله مثل المسكنات العابرة، أو إخفائه بشطبه من الهوية وكأنه إثمٌ يحيك فى الصدر ونخشى أن يطلع عليه الناس، أقول لعل رفضى لموقفهم هذا، مع كل احترامى له وفهمى كيف اضطروا إليه، قد وصلك وأنا أكرر تعرية الشعار السطحى أن “الدين لله والوطن للجميع” وأنبه ساخرا أن الحياة ليست “تورتة” نقتسمها مع الله، وقد أعلنت موقفى مرارا من منطلق ما وصلنى من دينى وكدحى وهو: “إن الدين لله، والوطن لله، والجميع لله”، ولهذا تطبيقات عملية، أعتقد أنها قادرة على أن تنقذ المسلمين وغير المسلمين من هذا الاختزال والاستقطاب الذى لا يليق بكائن تصدى لحمل أمانة سعيه إليه تعالى من كل صوب ودين.

9-  تذكر أن الشفافية المستوردة، والتى يفخرون بها ويحاولون تصديرها لنا هى أبسط أنواع الشفافية، وبعضها مضروب، لأنها سهلة التزييف بالأرقام الملتبسة والإعلام المغرض، أما الشفافية الإسلامية/الإيمانية  فهى أشمل وأعمق لأنها تعمل طول الوقت، ليل نهار، من أول تعريف الإحسان، “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، حتى “وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى”.

10-  أدعو الله لك – ولى طبعا– أن تجد الوقت لتتابع ما يجرى فى العالم هذه الأيام، وقد أصبح ذلك أسهل من ذى قبل بفضل إنجازات صندوق الدنيا الجديد (النتّ وأخواته)، وسوف يصلك – خصوصا الآن بعد أن أصبحت مسئولا عنا وعنهم- أنها محنة واحدة يعانى منها الأفقر والأضعف عبر العالم، ولن يسامحنا الله، إلا برحمته الواسعة، أن نعتذر بأننا كنا مستضعفين فى الأرض (الكروية)، وقد تكون الهجرة الجديدة التى يدعوننا سبحانه إليها الآن هى أن نهجر كل هذه القيم الفاسدة مهما شاع تقديسها إلى قيم جديدة قادرة، ربما نجدها فى إسلامنا لو أحسنا قراءته لصالح كل الناس، فهيا أرنا شطارتك.

11-   تذكـّر سيدى الحاكم المسلم  أن الديمقراطية التى أتت بك رُبّانا لسفينتنا، هى آلية شديدة التفاهة، ضعيفة القدرة، وأنها لا تقيس إلا  الرأى الظاهر ، ولا تكشف إلا  عن قشرة تَوَجُّه عامة الناس، فهى عاجزة عن قياس الوعى الجمعى الأعمق، أو قياس الحس البقائى اللازم لاستمرار الحياة إلى أفضل، كما أنها عاجزة عن أن  تعرى مسيرة التدهور الأخبت التى يقودها الأغنى والأشرس، وهى المسيرة التى تهدد نوعنا بالانقراض، ومع ذلك فلا تزال هذه الديمقراطية هى أفضل الأسوأ حاليا، وللضرورة أحكام!! وقد أتت بك إلينا فالحمد لله.

12-   تذكر سيدى أن هذا المستوى من الاختيار بهذه الديمقراطية الضرورية مرحليا، لا يعلن إلا مدى تماثل الناخب مع من انتخبه، فى أمور بعضها ظاهر، وأغلبها باطن، فهذه الديمقراطية هكذا لا تستطيع أن تكتشف اتفاقهما (الناخب والمُنتَخَب) على خطأ فادح، أو تماثلهما فى التعجيل بخراب قادم، أو تشابههما فى تمادى ظلم متفق عليه، أو فى زيادة اغتراب مدمر، أو تجميد فكر متفتح، لا قدّر الله، ومع ذلك فلها الشكر أنها أتت بك إلينا لنأمل فيك، ونتعشم فى ربنا وفى قدرتنا على تغييرك إن شاء الله إذا لزم الأمر.

13-   لعلك تدرك بذلك سيدى أن كل هذه الأصوات ليست شهادة على أنك على صواب، وإنما هى دليل أنك أقرب شبها لمن جاؤوا بك فى هذا المكان، وعليك، كما عليهم، كما هو أيضا علينا، أن نتذكر دائما أنه “بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ”.

14-   تذكر أنك لن تدخل البرلمان بعد القادم – أو تجلس على كرسيك هذا – بنفس أصوات هؤلاء الناخبين الحاليين، بل بأصوات ناخبين جدد، لهم وعى جديد، وموقف جديد، يقاس المرة القادمة بأدائك وليس بوعودك.

15-  انتبه سيدى انك لن تدخل الجنة بأصوات الناخبين، وإنما بحساب رب العالمين ورحمته، “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه”

16-  تذكر أنه لن ينفعك عند الله أن تعتذر عما فعلت وما ستفعل بأنك إنما تطبق حرفيا ما جاء فى مصدر مكتوب فى كتب قديمة، أو لأنك اتبعت فتوى قادمة من أهل الكهف، لان كاتبى هذه الكتب سوف يتبرأون من تبعيتك لهم يوم القيامة، وقد يحتجون أن ما كان صالحا فى زمنهم هو غير صالح فى زمن حكمك فلماذا استمعت لهم؟ وبنص كلام ربنا لن تتاح لك الفرصة أن تتبرأ منهم كما تبرأوا منك.

17-   وأخيرا تذكر يا سيدى الكريم حال “الأعراب” الذين أعلنوا الإسلام، ولمّا يدخل الإيمان فى قلوبهم، وبالتالى فأرجوك أن تجتهد معنا أن يكون الإسلام، بما فى ذلك حكمك، طريقا ليدخل الإيمان فى قلوبنا وقلوب – وليس بالضرورة بطاقات هوية- كل البشر، لو سمحت.

وللحديث بقية

أم أن لحكامنا الجدد رأيا آخر؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *