الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حكاية كتاب قديم لم يظهر (6) تصنيف وتشخيص الأمراض النفسية : الحلقة السادسة: تاريخ حيرتى مع فكرة التشخيص

حكاية كتاب قديم لم يظهر (6) تصنيف وتشخيص الأمراض النفسية : الحلقة السادسة: تاريخ حيرتى مع فكرة التشخيص

نشرة “الإنسان والتطور”

 14-12-2011

السنة الخامسة

 العدد:  1566

حكاية كتاب قديم لم يظهر (6)

تصنيف وتشخيص الأمراض النفسية

Nosology & Diagnosis in Psychiatry

الحلقة السادسة: تاريخ حيرتى مع فكرة التشخيص

‏المقتطف‏ ‏الثانى‏:‏

‏تطبيقات‏ ‏من‏ ‏كتابى‏ “‏دراسة‏ ‏فى ‏علم‏ ‏السيكوباثولوجى”‏القاهرة‏ 1979

 

 مقدمة:

أثناء كتابتى لكتابى الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” (شرح ديوان سر اللعبة) أنتبهت أننى لم أعط للتشخيص أهمية أولية، فى هذا الكتاب. تأكدت حيرتى، وفى نفس الوقت لاحت مفاتيح للتخفيف منها مع التمادى فى المحاولة، فبالرغم من استعمال اسماء أمراض شائعة مثل الفصام وحالات البارانويا إلا أننى لم ألتزم بأن يكون هذا هو منطلقى إلى شرح السيكوباثولوجى بالمعنى الوصفى.

رأيت الآن أن أنهى هذه المقدمة بالعربية (التى ليس لها ما يقابلها فيما يلى فى القسم بالانجليزية)، الذى قد يتطور إلى أن يكون “ثنائى” اللغة بالرغم منى، أنهى هذه المقدمة بهذا المقتطف الذى من آخر ما جاء فى خاتمة الكتاب بدءًا من صفحة (719).

‏تطبيقات‏ ‏محتملة فى ‏مجال‏ ‏التشخيص

لاحظنا‏ ‏طوال‏ ‏الدراسة‏ (‏دراسة‏ ‏فى ‏علم‏ ‏السيكوباثولوجى) ‏أننا‏ ‏لم‏ ‏نتناول‏ ‏الأمراض‏ ‏بطريقة‏ ‏تقليدية‏، ‏كما‏ ‏أننا‏ ‏لم‏ ‏ندرس‏ ‏كل‏ ‏الأمراض‏ ‏دراسة‏ ‏منهجية‏ ‏وتقليدية بهذا العمل‏ علما بأن ‏الدراسة‏ ‏أساسا‏ ‏هى ‏شرح‏ ‏لمتن‏ ‏شعرى، فضلا عن ‏أن‏ ‏كل‏ ‏حالة‏ ‏فردية‏ ‏بذاتها‏، ‏مهما‏ ‏اتفق‏ ‏التشخيص‏، ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لها‏ ‏تركيبها‏ ‏السيكوباثولوجى ‏الخاص‏ بغض النظر عن توحد التشخيص.

برغم كل ذلك فسوف أقدم‏ ‏مجرد مقدمة‏ ‏محددة‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏دليل‏ ‏تشخيص‏ ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ العربى/المصرى ‏علما بأننى سوف أطرح‏ ‏جانبا‏ – ‏ومرحليا‏ – ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏والعقلية‏ ‏المقترنة‏ ‏بالزملات‏ ‏العضوية‏ ‏المخية‏، ‏لأن‏ ‏هذه‏ ‏الدراسة‏ ‏لم‏ ‏تتناولها‏.

فإذا‏ ‏اقتصرنا‏ ‏على ‏الزملات‏ ‏التى ‏تناولتها‏ ‏الدراسة‏ ‏فسوف‏ ‏نقدم ‏أمثلة‏ ‏توضح‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏التشخيصات‏ ‏التقليدية‏ ‏السائدة‏ ‏تكاد‏ ‏تكون‏ ‏عاجزة‏ ‏عن‏ ‏الوفاء‏ ‏بما‏ ‏وضعت‏ ‏من‏ ‏أجله‏ ‏عجزا‏ ‏لا‏ ‏يصلح‏ ‏معه‏ ‏إصلاح‏ ‏جزئى ‏بإضافة‏ ‏زملة‏، ‏أو‏ ‏تغيير‏ ‏اسم‏ ‏زملة‏ ‏أخرى ‏أو‏ ‏حذف‏ ‏زملة‏ ‏ثالثة‏.

وفيما يلى‏ ‏نورد‏ ‏بعض‏ ‏الأمثلة‏ ‏الموضحة‏ كبداية لنقد هذا التقسيم المصرى/العربى المتواضع ‏أولا‏:‏

‏1 – ‏يدرج‏ ‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏ Manic and Depressive Illnesses ‏تحت‏ ‏فئة‏ ‏رئيسية‏ ‏واحدة‏ (6 ‏صفر‏) ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يصب‏ ‏المريض‏ ‏إلا‏ ‏بنوبات‏ ‏اكتئاب‏ ‏خالصة‏ ‏طول‏ ‏حياته‏، ‏ورغم‏ ‏أن‏ ‏علاجهما‏ ‏يختلف‏، ‏وسيكوباثولوجياتهما‏ ‏مختلفة‏ ‏ونتاجهما‏ ‏مختلف‏.‏

‏2 – ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏زملة‏ ‏قائمة‏ ‏بذاتها‏ ‏اسمها‏ “‏الذهان‏ ‏الدوري‏” Periodical Psychosis‏ (1) مع‏ ‏منها كانت النوابية أو الدورية هى الأصل كما رأينا‏ – ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذه‏ ‏الدراسة‏ ‏والمشاهدات‏ ‏الكلينيكية‏ ‏عامة‏ – ‏هى ‏الأصل‏، ‏فالمرض‏ ‏النفسى ‏لا‏ ‏تظل‏ ‏حدته‏ ‏كما‏ ‏هى ‏طول‏ ‏الوقت‏، ‏وأغلب‏ ‏الأمراض‏ ‏إما‏ ‏دورى Periodical ‏أو‏ ‏متفتر‏ Intermittent ‏وقليل‏ ‏منها‏ ‏هو‏ ‏المتمادى ‏فى ‏الإزمان‏ ‏والتدهور‏ ‏دون‏ ‏طِبَاقٍ‏ ‏أو‏ ‏إفاقة‏، ‏فإذا‏ ‏ما‏ ‏قابلنا‏ ‏ذهانا‏ ‏دوريا‏ ‏من‏ ‏أى ‏نوع‏ ‏آخر‏ ‏غير‏ ‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏ ‏فإنه‏ ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏يوضع‏ ‏تحت‏ ‏فئة‏ ‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏ (‏أخرى) (6 ‏صفر‏/9) ‏رغم‏ ‏أن‏ ‏الدورة‏ ‏قد‏ ‏لا‏ ‏تشمل‏ ‏أعراض‏ ‏الهوس‏ ‏ولا‏ ‏أعراض‏ ‏الاكتئاب‏!!(2)

‏3 – ‏يوجد‏ المرض ونقيضه ‏تحت‏ ‏نفس‏ ‏الفئة‏ والاختلاف النقيضى هو ‏من‏ ‏حيث‏ ‏العلاج‏ ‏والمسار‏ ‏والموقف‏… ‏الخ‏ ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ “‏المرض‏ ‏الاكتئابى ‏الذى ‏لم‏ ‏يتعين‏ ‏فى ‏مواضع‏ ‏أخري‏”Depressive illness not elsewhere specified(‏صفر‏6/5) ‏والذى ‏أسماه‏ ‏آخرون‏ ‏كما‏ ‏ورد‏ ‏فى ‏حاشية‏ ‏الدليل‏ (‏الاكتئاب‏ ‏المزمن‏ ‏المتراكم‏ ‏القلق‏)Chronic cumulative agitated depression، ‏أقول‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏المرض‏ ‏بالوصف‏ ‏الذى ‏ورد‏ ‏به‏ ‏يكاد‏ ‏يكون‏ ‏نقيض أصل‏ “‏مرض‏ ‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏: ‏النوع‏ ‏الاكتئابي‏”Manic and Depressive Illness Depressive Type (‏صفر‏/6 ‏صفر‏) ‏كذلك‏ ‏فإن‏ “‏الفصام‏ ‏الاستهلالي‏” (7 ‏صفر‏1/) Incipient schizophrenia‏ ‏ ‏ يكاد يكون أيضا‏ ‏نقيض‏ ‏الفصام المتفسخ‏ ‏الهيبفرينى Hebephrenic Schizophrenia (7‏صفر‏5/) ‏وكذلك البسيط كما‏ ‏أن‏ ‏نوبة‏ ‏البارانويا‏ ‏الحادة‏ ‏وتحت‏ ‏الحادة‏ Acute and subacute paranoid state‏(1صفر‏/‏صفر‏) ‏تكاد‏ ‏تكون‏ ‏نقيض‏ ‏البارانويا‏ ‏المزمنة‏ Chronic paranoid state(1‏صفر/6)… ‏وأعنى ‏نقيضها‏: ‏علاجا‏ ‏ومسارا‏ ‏ونتاجا‏ ‏معا‏.‏

‏4 – ‏يوجد‏ ‏خلط‏ ‏هائل‏ ‏فى ‏الألفاظ‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تساعد‏ – ‏مهما‏ ‏حاولنا‏ ‏شرحها‏ – ‏على ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏التشخيص‏ ‏بدوره‏ ‏الجامع‏ ‏المانع‏ ‏التواصلى ‏وذلك‏ ‏مثل‏ ‏استعمال‏: “‏الذهان‏” ‏فى ‏مقابل‏ “‏العصاب‏”، ‏ثم‏ ‏استعمال‏ “‏الذهان‏” ‏فى ‏مقابل‏ “‏غير‏ ‏الذهان‏” Nonpsychotic‏ثم‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ “‏حالات‏” (‏حالات‏ ‏البارانويا‏ ‏مثلا‏) ‏أو‏ ‏كلمة‏ ‏مرض‏ (‏أمراض‏ ‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏) ‏واضطراب‏ ‏أحيانا‏ ‏أخرى (‏اضطراب‏ ‏الشحصية‏) ‏دون‏ ‏تحديد‏ ‏لفرق‏ ‏بين‏ ‏الحالة‏ ‏والمر‏ ‏ض‏ ‏والاضطراب‏.

تحديد موقف الممارس ابتداء

‏إن‏ ‏ما‏ ‏تقترحه‏ ‏هذه‏ ‏الدراسة‏ ‏يحتاج‏ ‏فى ‏المقام‏ ‏الأول‏ ‏إعداد‏ ‏من‏ ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏إعدادا‏ ‏سليما‏ ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏موقفه‏ ‏من‏ ‏ماهية‏ ‏الانسان‏ ‏ومسار‏ ‏نموه‏ ‏شخصيا‏.‏

ونخاطر‏ ‏فنبدأ‏ ‏بالقول‏:‏

على ‏من‏ ‏يتعرض‏ ‏لتشخيص‏ ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏أن‏ ‏يواجه‏ ‏نفسه‏، ‏مهما‏ ‏بلغت‏ ‏قسوة‏ ‏المواجهة‏، ‏بأسئلة‏ ‏محدودة‏ ‏ومرشدة‏ ‏عن‏:‏

‏1 – ‏من‏ ‏هو‏ ‏الانسان؟ (من وجهة نظره، شاملا نفسه)

‏2 – ‏وما‏ ‏هى ‏خطواته‏ (خطوات الإنسان) ‏السليمة‏ ‏على ‏الطريق (طريق العلاج فالنمو)؟

‏3 – ‏وماذا‏ ‏يعيقه بما يسمى مرضا عادة؟

‏4 – ‏وعلى ‏أية ‏صورة‏ ‏تظهر‏ ‏هذه‏ ‏الاعاقة؟

ثم‏ ‏يبدأ‏ ‏المشخص‏ ‏يتحسس‏ ‏طريقه‏ ‏بأن‏ ‏يحدد‏ ‏أولا‏ ‏وقبل‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ مجموعتين من الأمراض‏ ‏لم‏ ‏تردا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الدراسة‏ أصلا، ‏وسوف‏ ‏نتناولهما‏ ‏بالتفصيل‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏ ‏مع‏ ‏الدراسة‏ ‏المستقلة‏ ‏عن‏ ‏التشخيص‏، ‏ألا‏ ‏وهما‏: ‏الذهانات‏ (‏والحالات‏ ‏غير‏ ‏الذهانية‏) ‏المقترنة‏ ‏بالزملات‏ ‏العضوية‏ ‏المخية‏، ‏ثم‏ ‏التأخر‏ ‏العقلى.‏

وتحدد‏ ‏هاتين المجموعتين للاستبعاد‏ ‏أساسا كما يلى:

‏(‏أ‏) ‏بالتقدير‏ ‏الكمى ‏لقصور أو اضطراب‏ ‏الوظائف‏ ‏المعرفية أساسا‏ ‏

‏(‏ب‏) ‏وباكتشاف‏ ‏السبب‏ ‏العضوى لهما ‏إن‏ ‏وجد‏ ‏

‏(‏جـ‏) ‏وبتتبع‏ ‏آثار ذلك ‏تشريحيا‏ وقياسيا (بوسائل الفحص الأحدث مثل الرنين المغناطيس، واختبارات الذكاء) ‏إن‏ ‏وجدت‏ ‏

‏(‏د‏) ‏وبأن‏ ‏يشعرالخبير‏ ‏بعجزه‏ ‏تماما‏ ‏عن‏ ‏أن‏ ‏يجد‏ ‏للمرض‏ ‏وأغراضه‏ ‏معنى ‏غائيا‏ ‏يمكن‏ ‏تفسيره‏ ‏سيكوباثولوجيا‏ ‏تفسيرا‏ ‏سلسا‏ وهو ما أسميته “استحالة فهم الغاية من ظهور المرض أى: “عدم القابلية للفهم” understandability وهو اللفظ الذى استعمله كارل ياسبرز ليشرح به الفصام والذى وجدت أنه لم يعد يصلح للفصام بعد أن أصبح الفصام بالنسبة لى – على الأقل – كتابا مفتوحا فى كل مراحله تقريبا. ‏

وبعد

انتهت المقدمة بالعربية، ولن يجد القارئ على الأقل فى المرحلة الحالية ما يقابلها فى القسم الانجليزى علما بأن كل ما سبق كان بعض جوانب حيرتى إزاء هذه المشكلة، لا أكثر.

لكن المحاولة مستمرة.

 

[1] – وهو الأقرب إلى ما اسماه ليونهارت Cycloid Psychosis

[2] – ‏(‏هذا‏ ‏ما‏ ‏تداركته‏ ‏بعض‏ ‏الشيء‏ ‏فى ‏وصف‏ ‏الذهانات‏ ‏الست‏ ‏الأحدث‏ ‏فى ‏الجزء‏ ‏الإنجليزى ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الكتاب‏‏).‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *