الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 47 من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 47 من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

1-12-2011

السنة الخامسة

العدد: 1553

 M_AFOUZ

 قرار صعب جدا:

قررت أخيرا أن أتوقف عن مواصلة قراءة كراسات التدريب بنفس المنهج ولو مؤقتا وذلك عند الصفحة رقم 50 بمعنى أن أكف عن تناول ما خطه  شيخنا صفحة صفحة، وكذا عن إطلاق سراح تداعياتى بهذه الطلاقة كما حدث حتى الآن، ذلك لأننى قمت بالمرور فى بضع مئات من الصفحات التالية فوجدت التكرار قد أصبح هو القاعدة تقريبا، وهذا متوقع بداهة، لأنها كتابة للتدريب لا أكثر ولا أقل. صحيح أننى استطعت أن التقط فى بعض ما تكرر النص فيه بعض الاختلاف فى الترتيب أو الشكل أو الوضوح، وقد علقت على بعض ذلك فى حينه فى الصفحات السابقة، لكننى أيضا كنت أضبط نفسى متلبسا بالتعسف فى كثير من الأحيان حتى أتجنب تكرار التداعى، وقد اعترفت بذلك مرارا.

الاقتراح الذى خطر لى حالا، حتى لو كان مؤقتا: هو أن أواصل ولو لخمسين صفحة أخرى نفس الطريقة لكن دون تناول إلا ما استجد فى التدريب، بمعنى أننى بدلا من أن أثبت أن هذه الجملة أو هذا السطر سابقا فى صفحة كذا أو كيت، لا أعلق إلا على ما استجد من عبارات أو أسطر فقط، هذا مع عرض أصل صورة الصفحة كاملة ومقابلها بحروف الطباعة، وبالتالى قد استطيع أن أقدم خمس صفحات كل مرة، ربما لا أعلق فيها إلا على ثلاث أو أربع جمل جديدة لا أكثر.

كل هذا قد يبدأ من صفحة 51 إذا لم تصلنى اعتراضات مقنعة أو اقتراحات بديلة.

(ملحوظة: أتوقع أن يزيد التكرار أكثر فأكثر حتى لا أعود أجد أية عبارات جديدة، أو ربما افتقر أنا إلى أية تداعيات دالة، وساعتها قد أنتقل إلى الدراسة الكمية الشاملة التى أشرت إلى بعض ملامحها مسبقا والتى اعلنت كراهيتى ورفضى النسبى لها حتى قبل خوضها.

ولكن … من يدرى؟

والآن إلى صفحة 47 بالمنهج القديم:

ص 47 من الكراسة الأولى

1-12-2011

أعوذ‏ ‏بالله‏ ‏من‏ ‏الشيطان‏ ‏الرجيم

بسم‏ ‏الله‏ ‏الرحمن‏ ‏الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏عبد‏ ‏العزيز

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

الرحمن‏ ‏علم‏ ‏القرآن

الشمس‏ ‏والقمر‏ ‏يسجدان

فباي‏ ‏آلاء‏ ‏ربك‏ ‏تكذبان

نجيب‏ ‏محفوظ‏

 17/3/1995‏

 

القراءة:

توجد فى هذه الصفحة إضافات شكلية محدودة، مثلا:

يبدأ الاستاذ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وهذا أقل تواترا من البدء بالبسملة التى هى القاعدة.

وأيضا: ذكر اسم والده – عبد العزيز – وهذا نادر نسبيا، ثم جاء اسم كريمته أم كلثوم قبل فاطمة فى حين أننى اعتدت العكس غالبا وأنا لا أعرف من هى الأكبر منهما

أما سورة الرحمن، فقد وردت من قبل فى صفحة التدريب “15” بتاريخ 9/2/1995، (1) وقد أشرت فى قراءة تلك الصفحة إلى احتمال ذكرها سالفا إلا أننى لم أجدها تحديدا، لكننى نبهت فى تلك الصفحة (15) إلى الفرق بين “علّم القرآن” و “أنزل القرآن”، وربطت بين ذلك وبين أول سورة أنزلت من أى الذكر الحكيم “إقرأ باسم ربك الذى خلق”.

الآن يتيح لنا شيخنا أن نقف ونستلهم المزيد مما كتب وهو يتدرب بهذه الآيات البينات من سورة الرحمن، فنلاحظ أولا أنه كتب بعد علّم القرآن “الشمس والقمر يسجدان” وبمراجعة السورة لم أجد هذا النص، وإنما “الشمس والقمر بحسبان”، أما اللذان يسجدان فهما “النجم والشجر يسجدان”، وهذا ليس خطأ فيما جرى على قلم الأستاذ فهو لم يذكر أنها آية مقتطفة، فمن حقه أن يحضره سجود الشمس والقمر حتى لو أتى ذلك من خلال السياق وليس النص مادام لم يثبت أنها آيات مقتطفة أو متتابعة.

 رحت أبحث عن سجود الشمس والقمر دون ارتباط بما ورد فى سورة الرحمن تحديدا فوجدت أن سجود الشمس والقمر وما إلى ذلك شديد التواتر فى سياقات متعددة متكاملة بما قد يفسر حضورهما هكذا دون أدنى حرج.

هذه التجربة الجديدة جعلتنى أتمادى فى فرض استلهمته من صلاتى مع الشمس وصيامى مع القمر ورفضى للحسابات الفلكية لبدء الصيام وإنهائه بديلا عن الحسابات الفلكية المميكنة، وتدعيما لهذه العلاقة المباشرة بين الإيقاع الحيوى البشرى والإيقاع الحيوى الكونى مرورا بالطبيعة الحية وأفلاكها ومنها الشمس والقمر وهما يسجدان لخالقهما تعالى (الآية 18 سورة الحج)، ويسخّران لبارئهما (الآية 61: سورة العنكبوت)، ويسبحان بحمده تعالى (الآية: 33 سورة الأنبياء)، ويجريان لأجل مسمى، وفى نفس الوقت يسخرهما ربنا لنا (الآية: 33 سورة إبراهيم)، .. إلخ، ويبلغ هذا التناغم مداه حين يذكر التكوير (الذى هو عندى مواز للإيقاع الحيوى جدلا) “يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى”، ثم يُجمعان إلى بعضهما البعض “وجمع الشمس والقمر” (الآية: 9 سورة القيامة)

أتوقف هنا لأنفى مكررا ومصرا أن هذا ليس تفسيرا علميا للقرآن، فالإيقاع الحيوى الذى أتحدث عنه بما يتعلق بدورات نمو الإنسان فى الصحة والمرض ليس علما أدعم به كتابى الكريم وإنما هو مجرد “فرض عامل” كجزء من نظريتى الخاصة “النظرية الإيقاعية التطورية” وربما أكون استلهمتها من دينى وكدحى إلى وجه ربى، ومن دورات مرضاى صعودا وهبوطا فلا داعٍ للتمحك بمشروع نظرية لم تزل فرضا وادعاء أن القرآن الكريم سبقنى إليها، وإلا شوهتها ولم أضف إلى القرآن فضلا كما يتصور من يمارسون ما يسمى التفسير العلمى.

التفسير العلمى للقرآن هى ضد موقفى نحو القرآن ونحو العلم جميعا، لا القرآن يحتاج إلى علم يفسيره، ولا العلم أكثر مصداقية حتى يدعم كلام ربى.

أرجع إلى الآية الكريمة ” الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ” كما ورد معناها فى سورة الرحمن وليس كما وردت فى تدريبات الأستاذ فأجد التفاسير المتاحة تختزل كل هذا إلى حسابات أشبه بالعلم المختزل مثل : لولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر كله ليلا أو نهاراً، ومثل بحسبان : تقدير آجالهما أى يجرى بآجال كآجال الناس، أو بحسبان الوحى أو “متعافيين”

أرفض كل ذلك محذرا من الاختزال والحرفية والتسطيح لأنتقل لما هو أصعب “فبأى آلاء ربما تكذبان”

لم أتوقف كثيرا قبل ذلك عند معنى هذه الآية تحديدا، ربما احتراما لما وصلنى من جمال الإيقاع بما لا يحتاج لغير ذلك مما ذكرته فى نشرة صفحة “15” قائلا عنها: “الآية المتكررة بشكل هندسى سيمفونى رائع طوال السورة “فبأى آلاء ربكما تكذبان”، بصراحة كنت استقبل هذه الآية على أنها خطاب لى شخصيا وليس لهما وكأنها  “فبأى نعمة ربكَ تكذب” وكان هذا يكفينى للإفاقة والاعتذار بالإضافة إلى ما يصلنى من الوعى الإيقاعى الخالص الذى يصلنى مباشرة من القرآن الكريم بغض النظر عن معنى المحتوى المعجمى خاصة، لكن حين عادت الآية هكذا فى هذه الصفحة الجديدة تطلّ علىّ اضطررت أن أتوقف عند المخاطبين، وهما الإنس والجن.

فى خبرتى المهنية بعد خمس وخمسين عاما صرت أعامل “المحيط” الخارجى تماما مثل الواقع الداخلى بإقرار موضوعى فعلا، وكلما حضرنى مريض يشكو من مس من الجن، وحتى قبل أن يتحجج بأن الجن ورد فى القرآن، أبين له أن القرآن كتابى، وأنى أعترف بوجود الجن مثله وربما أكثر، لأننى أعترف به واقعا داخليا ممتدا أقرب إلىّ وإلى تناولنا معا،

 حكاية حضور الجن كواقع داخلى دون حاجة إلى إسقاطه فى الواقع الخارجى أصبحت أساسا فى ممارستى، لكننى لم أعد أتعجل فى تسميته باسم آخر مثل “حالات العقل”  أو “حالات الذات” ووجود هذه الكيانات بالداخل لا يتعارض حتى مع أصل الكلمة اللغوى الذى يعنى الخفاء والستر

انطلاقا من هذا الفرض العامل رحت أقرأ بعض الآيات التى ذكر فيها الجن فى القرآن فأفرح أن القرآن يخاطب هذا العالم الواقعى داخلى بكل هذا الاحترام، وأتأكد أكثر من استحالة الإلحاد ليس فقط بيولوجيا وإنما أيضا تركيبا نفسيا، وأن الذوات بداخلى يمكن أن تؤمن بالله سبحانه وتعالى حتى لو ألحدت هذه القشرة الخارجية الجافة المسماة “العقل”،

وحين رحت أستلهم آيات القرآن التى ورد فيها ذكر الجان من هذا المنطلق دون ادعاء تفسيرها لا علميا ولا تفسيرها أصلا، وجدت نفسى أفرح ان أغلب “حالات ذاتى” من الجن بداخلى، قد استمعت إلى كلام الله وقالوا “إنا سمعنا قرآنا عجبا” يهدى إلى الرشد فآمنا به، وأصدق أن هذا الإيمان النابع من الداخل المدعم بالخارج غالبا هو أقوى وأصلب من ألعاب عضلة العقل الظاهرة .

دون اختزال، ودون الاحتجاج بعلم مغترب، بل من واقع الممارسة عدت اقرأ كل الآيات التى وردت فيها الجن، وباستثناء سورة النمل لم أجد آية واحدة فى طول القرآن وعرضه إلا وتطمئننى على وجاهة هذا الاستلهام الذى أفرز هذا الفرض وعلى فائدته وقيمته، على الأقل فى علاج مرضاى ليس فقط الذين يمسهم الجن الداخلى كما اتفقنا، وإنما الذين يجمع العلاج الإنس والجن فيهم نحو تآلف ذواتهم على مسار جدل النمو إلى الكدح على الطريق سعيا إلى التناسق مع الوعى الكونى إلى وجه الله وهذا ما اعتبره قمة “الصحة الإيجابية”

أكرر بلا ملل أن هذا ليس تفسيرا علميا للقرآن، وإنما هو استلهام من خلال مطابقة بين خبرة واقعية مهنية وبين فرض عامل يصح أو لا يصح، فإن صح الفرض فالحمد لله على ما أفادنى وأفاد وقد يفيد مرضاى والناس، وإن لم يصح فلا مجال لأن ينال كلام الله أى مساس لأنه هو الصحيح بذاته فى ذاته لذاته.

[1] – نشرة 18-2-2010، قراءة فى كراسات التدريب، صفحة رقم “15”، العدد 902

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *