الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / استهلالة من رواية “ملحمة الرحيل والعود” : عزبة البكباشى

استهلالة من رواية “ملحمة الرحيل والعود” : عزبة البكباشى

 

نشرة “الإنسان والتطور”

16-11-2011

السنة الخامسة

 العدد:  1538

 

استهلالة من رواية “ملحمة الرحيل والعود”

(الجزء الثالث من ثلاثية المشى على الصراط)

 

   استهلالة(1) الفصل الثانى“عزبة‏ ‏البكباشى”

فلما‏ ‏كانت‏ ‏الليلة‏ ‏الثالثة‏ ‏والسبعين‏ ‏قبل‏ ‏الألف‏، ‏ترقرق‏ ‏جدول‏ ‏عذب‏ ‏يخترق‏ ‏طريقه‏ ‏بهدوء‏، ‏ولكن‏ ‏بتحد‏ ‏لا‏ ‏يخفى ‏على ‏الصخور‏ ‏المتناثرة‏ ‏التى ‏يمر‏ ‏بها‏ ‏دون‏ ‏تردد‏.‏كانت‏ ‏الأعشاب‏ ‏الصفراء‏ ‏الجافة‏ ‏ملتفة‏ ‏حول‏ ‏نفسها‏ ‏بشكل‏ ‏يعلن‏ ‏استغناءها‏ ‏عن‏ ‏ماء‏ ‏الجدول‏ ‏المنساب‏، ‏بالرغم‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏أحاطتها‏ ‏قطرات‏ ‏الماء‏ ‏برفق‏ ‏وهى ‏تهدهدها‏، ‏ثم‏ ‏تراجعت‏ ‏القطرات‏ ‏فى ‏دلال‏، ‏ثم‏ ‏عادت‏ ‏فتقدمت‏ ‏هامسة‏ ‏بين‏ ‏ثنيات‏ ‏الحشائش‏ ‏المجعدة‏.‏

قالت‏ ‏بذور‏ ‏اللقاح‏ ‏طائرة‏ ‏إلى ‏المجهول‏ “‏إنى ‏راحلة‏”.‏

لم‏ ‏تصدقها‏ ‏الحدأة‏ ‏المحلقة‏ ‏فى ‏السماء‏ ‏لا‏ ‏يراها‏ ‏إلا‏ ‏مدقق‏ ‏حاد‏ ‏البصيرة‏. ‏مع‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الحدأة‏ ‏بالذات‏، ‏أو‏ ‏لعله‏ ‏صقرٌ‏، ‏تنتظر طول‏ ‏الوقت‏ ‏أية‏ ‏إشارة‏ ‏لنقل‏ ‏حبوب‏ ‏اللقاح‏ ‏هذه‏ – ‏أو‏ ‏مثلها‏ – ‏إلى ‏أرض‏ ‏أكثر‏ ‏خصوبة‏.‏

كانت‏”‏وردة‏” ‏تملأ‏ ‏جرتها‏ ‏من‏ ‏الماءالعذب‏ ‏قرب‏ ‏نهاية‏ ‏مساره‏، ‏فيصفو‏ ‏الماء‏ ‏أكثر‏ ‏ويترقرق‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏يتثنى، ‏ثم‏ ‏يلمح‏ ‏ويعد‏، ‏حتى ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏ما‏ ‏قطع‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الطريق‏ ‏إلا‏ ‏ليصل‏ ‏إلى ‏فوهة‏ ‏جرة‏ “‏وردة‏” ‏بالذات‏.‏

فردت‏ “‏وردة‏” ‏طولها‏ ‏وتمطت‏، ‏فقفز‏ ‏ثدياها‏ ‏إلى ‏الأمام‏، ‏وربما‏ ‏إلى ‏أعلى ‏قليلا‏، ‏بديا ‏شامخان‏ ‏يسبحان‏ ‏ما‏ ‏فى ‏السماوات‏ ‏وما‏ ‏فى ‏الأرض‏.‏

عادت‏ ‏فجلست‏، ‏ثم‏ ‏إنها‏ ‏اضطجعت‏ ‏بهدوء‏ ‏منساب‏ ‏على ‏جنبها‏ ‏الأيسر‏، ‏وقد‏ ‏ثنت‏ ‏ذراعها‏ ‏تحت‏ ‏رأسها‏. ‏أغمضت‏ ‏عينيها‏ ‏برغم‏ ‏أن‏ ‏النوم‏ ‏لم‏ ‏يغلبها‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏اليقظة‏ ‏الحادة‏ ‏هى ‏التى ‏جعلتها‏ ‏تغمض‏ ‏عينيها‏، ‏هكذا‏.‏

ارتسمت‏ ‏ابتسامة‏ ‏على ‏وجهها‏ ‏لتؤكد‏ ‏أنها‏ ‏يقظة‏، ‏أو‏ ‏لعلها‏ ‏كانت‏ ‏تحلم‏.‏

نظرت‏ ‏ضفدعة‏ ‏على ‏طرف‏ ‏الجدول‏ ‏لزميلتها.

‏- ‏هل‏ ‏رأيت؟‏.‏

نظرت‏ ‏زميلتها‏ ‏فى ‏خبث‏:‏

‏- ‏طبعا‏.‏

[1] – صدرت الرواية فى عام 2007 (هذا الجزء “المقدمة”، هو تقليد سبق كل الفصول، وكل مقدمة اسميتها هنا “استهلالة” هى منفصلة عن التسلسل الخطى المباشر لأحداث الفصل، وأحيانا لأحداث الرواية، لكنها فى نفس الوقت متصلة تماما.. بإبداع المتلقى)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *