الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 43 الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : ص 43 الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

10 – 11 – 2011

السنة الخامسة

العدد: 1532

 Mafouz & Yehia (1)

 

ص 43 من الكراسة الأولى

10-11-2011بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

أم‏ ‏كلثوم‏  ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏  ‏نجيب‏ ‏محفوظ

كل‏ ‏أعوذ‏ ‏برب‏ ‏الفلق

تبارك‏ ‏الذي‏ ‏بيده‏ ‏الملك

طه‏ ‏ما‏ ‏انزلنا‏ ‏اليك‏ ‏القرآن‏ ‏لتشقى

نجيب‏ ‏محفوظ

 ‏12/3/1995‏

 

القراءة:

يبدأ التدريب كما اعتدنا فى الصفحات الأولى، بالبسملة ثم اسمه ثم اسمى كريمتيه، يبدو أنه كلما اشتاق إليهما عادتا إليه حبيبتان طيبتان، وربما خاف عليهما اليوم من “العين” فقفزت إليه الآية الكريمة “قل أعوذ برب الفلق”، عين من يا تُرى؟ (ما يحسد المال إلا اصحابه)، استبعدت هذا الاحتمال لأن هذا طبعى وليس طبعه، فقد اعتدت أن تحضرنى هذه السورة  كلما أردت أن أكسر عين حسود، خاصة لو صدّقتُ أن عينّا بذاتها قادرة على كسر هارمونية الحياة = الصحة، لى أو لمن أحب، أعنى إفساد التناسق بينى وبينى جسدا ودماغا ومستويات وعى، ولى تفسير خاص لذلك بعد استبعاد ورفض مايسمى التفسير العلمى للقرآن الكريم، وهذا التفسير ليس إلا فرضٌ “خبراتىّ” “معرفىّ” “إمبريقىّ” أعفى نفسى الآن من الحديث عنه تفصيلا، فقط أشير إلى أنه يرتبط بفكرى التطورى، وكيف يمكن أن يستقل المخ البدائى بقدرة خاصة منفصلة تسمح لى أن أعاملها باعتبارها نشازا يصل إلى درجة القدرة على الإضرار بإفساد اللحن الكلى بينى وبينى، وبينى وبين الهارمونى الأعظم إلى وجه الله، ما علينا: استبعدت – لست أدرى لماذا – أن تكون علاقة الأستاذ بهذه السورة الكريمة هى من هذا القبيل، فرحت أبحث عن احتمالات أخرى تشمل بقية آيات هذه السورة الواقية الدفاعية  المشرقة، إلا أننى حين  رجعت إلى ما تيسر لى من تفاسير للسورة الكريمة وجدت أن كل ماوقع تحت ناظرى يحكى عن ما لحق نبينا عليه الصلاة والسلام من سحر، مع ذكر مَنْ سحره، وكيفية فك سحره إلى آخره بما لا يليق، فحمدت الله أننى لا أقرأ تفسير القرآن الكريم أصلا، وحمدت شيخى أن ألجأنى إلى التأكد من سلامة وجهة نظرى هذه، أنا لا أتهم التفاسير على إطلاقها، لكن ليس هكذا لو سمحتم، القرآن الكريم وعىٌ خالص كما سبق أن ذكرت، وهو يحرك الوعى البشرى ليتناسق مع الوعى الكونى، إلى وجه الله، أما أن تبدأ التفاسير من خارجه بحكى قصص تكاد تبدو وصية على النص المقدس، فاسمحوا لى.

الذى تحرك فى وعيى مما وصلنى من هذه السورة الكريمة هو ذلك المعنى البسيط المهم الذى يفتح لى باب الاستغاثة للحماية برب الفلق، فالق الإصباح، والنوى، والحب، أستعيذ به من كل شىء، من كل ما خلق، فكل ما عداه إن لم يتصل به ويدور فى فلكه هو احتمال مصدر شر ما، وبذا وصلنى أنه تنبيه آخر لرفض مداخل الشرك، فكل ما عدا الله باطل إن لم ينتسب إليه سبحانه وتعالى، كل ما يصلنى مستقلا عن هارمونية الكون وحضور الله فى الوعى إليه، يحتمل أن يكون شرا بمعنى نشازا يحول بينى وبين الاندماج فى اللحن المطلق، “من شر ما خلق”،  أيا كان هذا الذى خلقه،

ولكن كيف يكون الله هو خالقه، ثم يصبح نشازا؟ إنه يكون كذلك إذا انفصل عن الله واستقل بنشاطه لذاته، قياسا على عازف فى فرقة ينشز حين ينفصل عزفه عن بقية الفرقة المتناسقة المتكاملة، مضطرٌّ أنا الآن برغم اعتذارى البادئ أن ألمّح إلى فرضى عن كيف أن الاستعاذة من شر الحاسد (باعتباره نشازا ضارا) تكون باللجوء إلى الاندماج فى اللحن الأكبر، وما علينا إلا زيادة العازفين – قياسا– ليمتد غلبة الهارمونى السليم إلى غايته، إلى وجه الله، وهكذا يتضاءل أثر النشاز فى إفساد اللحن الأعظم، فيبطُلُ مفعوله، ولا تختل كلية اللحن، وتعود الصحة – بمعنى التناغم الحيوى الإيقاعى اتساقا مع الإيقاع الحيوى الكونى – تعود بفضل احتمائنا بهارمونية أكبر، إلى وجه الله،  تعود إلى عنفوانها واتساقها حتى  تستطيع أن تقوى على صد أثر عين الشر (تأثير المخ البدائى منفردا).

شرط أن يمتلك الحاسد إطلاق قوى النشاز المخلّة هو أن يطلقها: أن “يحسد”، (من شر حاسد إذا حسد) فالحاسد المعطـَّل لا يحسد إلا إذا أطلق تلك  القوى الجاهزة لاقتحام اللحن المتسق، فهو ليس له قيمة ولا هو قادر على تنشيز اللحن الأساسى إلا “إذا حسد”، فلا مفر من الاستعاذه بالله من إشراك أية  قوة تبعدنا عن هذا اللحن الأساسى، سعيا إلى وجهه.

مما شجعنى أيضا وأنا استلهم هذه السورة كلها أن حضرتنى فروضى حول الإيقاع الحيوى، واللحن الكونى، فوجدت أن  السورة تحمل أيضا الاستعاذة من شر “غاسق إذا وقب”، وبرغم أن الغاسق هو الليل أساسا، إلا أن الاستعاذة منه ليس فى ذاته ولكن “إذا وقب”، أى: إذا دخل. فالليل إذا دخل بظلامه غاسق، بل والقمر إذا أضاء بنوره فإنه غاسق أيضا، وقد تصورت أن دورات الإيقاع الحيوى لا تكون ضمن اللحن الأساسى إلا  وهى تسبِّح لله، وأن الاستعاذة هنا تنبه –أيضا– إلى أن هذه الدورات إن لم  تكن جزءا من الإيقاع الحيوى المتنامى، فهى مظنة انفصال، وبالتالى: مصدر نشاز محتمل.

هذا ليس تفسيرا علميا للقرآن، فالذى ذكرته هنا ليس علما أصلا حتى يفسِّر القرآن الكريم، لكنه فرض حدْسى حضرنى استلهاما وليس تفسيرا، ثم إنى  أستبعد طبعا أن أى شىء من ذلك قد خطر على أى مستوى فى وعى شيخى، ولو أننى أذكر أننى ذات مرة شرحت له فكرتى هذه عن تفسير الحسد، وكيف نفسد فعله بالاستعانة بهذه السورة الكريمة، أعتقد أننى حكيت له عن ذلك  الشاب الذى جاء يشكو لى من أنه “يحسد الناس” وليس أن الناس يحسدونه، وأنه ذهب ليصلى المغرب ويستغفر لما شعر به داخله من قوى ضارة، من شر، وأثناء الصلاة وجد نفسه يحسد الإمام على أنه: (1) يصلى كل الأوقات حاضرة، (2) وفى المسجد، (3) ويؤم الناس، وفضلا عن كل ذلك (4) يقبض مرتبا، وتعجب من نفسه واستغفر أكثر وعاد إلى بيته، ثم رجع ليصلى العشاء ليستغفر مرة أخرى على ما أصابه أصلا وعلى ما جدّ عليه أثناء صلاة المغرب أيضا، فلم يجد الإمام ، وحين سأل عنه قالوا له أنه تعثر أثناء عودته وكسرت رجله بعد صلاة المغرب، واعتبر الشاب نفسه أنه السبب، وصدقتُهُ، وطبقت عليه فرضى عن نشاط المخ البدائى مستقلا، واحتمال انطلاق القوى النشاز منه فى أزمة مرضه، وكتبت له جرعة  مكثفة من النيورولبتات الجسيمة لتحجيم  نشاط هذا المخ القديم انتقائيا وإذا به يعود لى بعد أسبوعين وقد زالت هذه القوة التى أخافته حين أضرت بعض الناس، حتى خاف من نفسه على المقربين منه، وأذكر أن الأستاذ لم يعترض على فرضى هذا، لكنه تحفظ بدهشة وسماح، كل ذلك ويظل الفرض فرضا فاعلاً لا أكثر، أليس هذا أفضل مما قرأت  فى التفاسير فيما يتعلق بهذه السورة؟

أما النفاثات فى العقد، فيمكن فهم دورها من خلال العودة إلى طبيعة المخ القديم وتجليات انفصاله ليس فقط فى حالة الجنون، وإنما عند بعض الناس الذين يمارسون ما يسمى السحر الأسود، ولهذا حديث يطول،

لكن  بالله عليكم ما ذنب الأستاذ أتخذه حجة لقول كل ذلك؟

* * *

ثم ننتقل إلى الآية الكريمة التالية

تبارك الذى بيده الملك“:

 بحثت عنها فيما سبق من تدريبات الأستاذ فتداعياتى فى  صفحات التدريب السابقة ووجدتها قد وردت – حتى الآن– فى كل من صفحات رقم: (10، 30، 38) (1) :

وقد انطلقت تداعياتى على بعضها هناك، فى حين لم أعلق على الأخرى، وكمثال لتعليق سابق مهم ثَمَّ تعليق: ورد فى  صفحة التدريب (10) بتاريخ 4 /2/ 2010 عن بعض ما أشرت إليه من أهمية الالتفات إلى ترتيب كيف خلق الله سبحانه الموت والحياة، أعنى كيف قدم خلق الموت على خلق الحياة (الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، وقد ربطت هناك بين هذا الترتيب وبين أول كلمات استهل بها نجيب محفوظ ملحمة الحرافيش قائلا: “فى الممر العابر بين الموت والحياة(أنظر  نشرة  4/2/2010)  (وليس بين الحياة والموت).

وقد حضرتنى الآن إضافات هامة لكننى أجلت ذلك واثقا من أن شيخى سوف يعود إلى نفس السورة فى تدريبات لاحقة، إذ يبدو أنها تملؤه ملأً، ولم أجد عندى ما أضيفه الآن أكثر من ذلك حتى ألتقى بها فى صفحات لاحقة.

* * *

أركز الآن على الآية التالية التى جاءت فى تدريب اليوم، وهى:

 “طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى” ولا أتوقف عند زلة القلم طبعا حيث كتبها الأستاذ “ما أنزلنا “إليك” بدلا من “عليك”، فهى زلة شكلية مائة بالمائة،(2)فتحضرنى هذه الآية بكل علاقتى بها لتهزنى هزا، وتجر وراءها ما تجره عادة، مثل قوله تعالى” : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ” [فاطر: 8 ]، وأيضا : “لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”[ الشعراء: 3]، وكذلك فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً” [الكهف: 6]

فيصلنى من مجموع هذه الأيات  أمران:

 الأول: حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمن الناس، لصالح الناس، كل الناس، وهو عليه السلام يستغرب أن هناك من غاب عنه طريق الإيمان مع أنه لصالحه فعلا، فيتألم له بشكل شخصى حتى يكاد يهلكه الألم (بَخَعَ = هلك. “بخَع نفسَه أهلكها غَيْظًا أو غَمًّا”) يتألم لهم لأن كل هؤلاء الناس لن ينعموا بكل هذا الخير، “بأن يكونوا مؤمنين”، فهو يحزن ويتألم لغير المؤمنين وطبعا للمؤمنين، أجد هذا الموقف مفيدا جدا فى ممارستى المهنية من ناحية، ثم إنى أجد فيه حبا شديدا للمختلفين عنا وللمخالفين لنا أيضا، حتى دون أن يؤمنوا، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تألم لكافر لأنه لم يؤمن، تألم له قبل أن يؤمن، فلينظر أى منا لقسوة بعضنا الآن ونحن نكفر المؤمن فرحين زائطين بنفيه من رحمة ربنا؟

 يا ساتر يا رب!!

ثانياً: إن ما يصلنى – أيضا– من هذه الآيات مجتمعة هو جمال العلاقة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ربه، وهو موقف حب شديد، ورحمة بالغة، وتقدير لما يبذله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبيل الناس حتى يؤمنوا، فما بالك بعد أن يؤمنوا، الله سبحانه بكل رحمته يشفق على نبيه أن  تذهب نفسه عليهم حسرات، أو أن يقتل نفسه أسى وألما حين لا يستجيبون لما يحييهم، كل ذلك انطلاقا من اللوم الحانى أن ربنا لم ينزل عليه القرآن ليشقى بهذه المعاناة البشرية الصادقة، وإنما أنزله ليهدى به من يهدى، وأنه “ليس عليك هداهم” بل إنى تذكرت ماناقشناه هنا سالفا حول الآيات التى جاء فيها أن “الله يهدى من يشاء”  فى صفحات التدريب(3) وتصورت أنها أيضا كانت تخفيفا عن شقاء وتألم رسول الله عليه الصلاة حين يذكره ربنا أن المسألة ليست فى يده تماما، وأن عدم هداهم ليس تقصيرا منه.

يصلنى من هذا الموقف ما يهمنا الآن، وهو أن نتذكر أن المطلوب منا هو أن نعمل ما علينا، كل ما علينا، وأن فى هذا وحده ما ينبغى أن يرضينا بغض النظر عن النتائج، فلماذا كل هذا الأسى والحسرة

هكذا كان شيخى طوال سنين معرفتى به

ومعرفة أصدقائه به

ومعرفة الناس به

ومعرفة ربنا به

 

[1] – نشرة 4-2-2010، قراءة فى كراسات التدريب، صفحة التدريب رقم “10”، العدد 888 ، نشرة 6-10-2011، قراءة فى كراسات التدريب، صفحة التدريب رقم “38”، العدد 1497 ، نشرة 21-7-2011، قراءة فى كراسات التدريب، صفحة التدريب رقم “30” الجزء الأول العدد 1420 ، نشرة 28-7-2011، قراءة فى كراسات التدريب، صفحة التدريب رقم “30” الجزء الثانى، العدد 1427

[2] – تذكرة بأنه لا يستطيع أن يقرأ ما يكتب بعد أن يكتبه، ولا أحد يقرأه عليه أبدا

[3] – (نشرة 28-1-2010 صفحة التدريب 9)،، وأيضا (نشرة11-2-2010، صفحة التدريب 12)، وأيضا: (نشرة 8-9-2011، صفحة التدريب 36)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *