الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (84) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (84) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

12-7-2012

السنة الخامسة

العدد: 1777
M_AFOUZ

ص 84 من الكراسة الأولى

12-7-2012

أعوذ‏ ‏بالله‏ ‏من‏ ‏الشيطان‏ ‏الرجيم

بسم‏ ‏الله‏ ‏الرحمن‏ ‏الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

لقد‏ ‏أتي‏ ‏علي‏ ‏الانسان‏ ‏حين

من‏ ‏الدهر‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ شيئا ‏مذكورا‏ ‏

انا فتحنا لك فتحا مبينا

نجيب‏ ‏محفوظ

‏ 26/4/1995

القراءة:

(1) – اعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

 كما توقعت: بدأت آية الاستعاذة ترد أكثر تواترا عن ذى قبل، وهو ما أشرنا إليه فى صفحة التدريب 46 بتاريخ 24-11-2011، وأيضا فى صفحة التدريب 47 بتاريخ 1-12-2011، كذلك صفحة التدريب 82 بتاريخ 28-6-2012،كذلك فى صفحة التدريب 83 بتاريخ 5-7-2012.

وليس عندى على ذلك تعليق جديد

أما الجديد اليوم فهو فقرتان: الأولى هو استلهام من الآية الكريمة التى تقول:

  (1) “هَلْ أَتَى عَلَى الإْنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْر…ِ”

كتبها شيخنا محفوظ: “قد” أتى على الإنسان حين من الدهر” إذن هو لم يكتب الآية بنصها ولم أستطع منذ البداية أن أجد فيما فعل تحريفا ولا سهوا كما قد يسهل على المتعجل فى الحكم وإنما قرأتها كما هى. كما سيرد حالا،

 أما الآية الثانية فهى “إنا فتحنا لك فتحاً مبينا”،

 نبدأ بالأولى: لقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.

رجعت إلى تفسير أصل هذه الآية فوجدت العجب كالعادة، فقد تركزت أغلب التفاسير على محاولة تحديد هذا “الحين” من الدهر مثلا: باعتباره أربعين سنة مرت به، قبل أن ينفخ فيه الروح، وهو ملقى بين مكة والطائف، ثم انتقلت التفاسير إلى محاولة تحديد هذا الحين بالسنين عددا، فعن ابن عباس في رواية الضحاك أنه خلق (الإنسان) من طين، فأقام أربعين سنة، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة، ثم من صلصال أربعين سنة، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة. (ما هذا؟!) وزاد ابن مسعود فقال: أقام وهو من تراب أربعين سنة، فتم خلقه بعد مائة وستين سنة، ثم نفخ فيه الروح؟، على أن أحدهم قد قال: أن “الحين” تسعة أشهر، مدة حمل الإنسان في بطن أمه “لم يكن شيئا مذكورا”: إذ كان علقة ومضغة؛ لأنه في هذه الحالة جماد لا خطر له.، (جماد؟)!!

ما وصلنى الآن شىء آخر تماما: “الحين” المذكور ها هنا: لا يُعرف مقداره قصدا، فهو زمن مفتوح النهاية، بل لعل هذا الحين من الدهر أوسع وأرحب مما توصف به كلمة “زمن”.

أما رأى المفسرين فى “لم يكن شيئا مذكورا” فهو أيضا أقرب إلى التعيين المجسد مثلما قال الضحاك عن ابن عباس: لم يكن شيئا مذكورا لا في السماء ولا في الأرض. وقيل: أى كان جسدا مصورا ترابا وطينا، لا يذكر ولا يعرف، ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به، ثم نفخ فيه الروح، فصار مذكورا.

لكن وصلتنى من بعض التفاسير الأخرى تلميحات تشير للإقرار الضمنى بالتطور، لم أفرح بها رفضا لهذا العبث المسطح المسمى التفسير العلمى للقرآن، لكنها طمأنئنى على سلامة توجه بعض المفسرين حين يقول أحدهم: لم يكن الإنسان شيئا مذكورا لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله، ولم يخلق بعده حيوانا.

عودة إلى النص:

يأتى شيخنا اليوم ليكتب فى تدريبه “لقد” أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، وكأن السؤال التنبيهى الذى طرحته  الآية الكريمة على البشر قد وصله شخصيا، كما يصل للكادحين من العارفين باعتباره إجابة ضمنية من ناحية، وأيضا استدراجا لإجابة مفيدة لها ما بعدها من جهة أخرى.

ها هو أستاذنا يجيب على السؤال إجابة العبد الكادح المجاهد أن: “نعم” لقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، فنقرأ هذه الكتابة الآن (لحظة كتابتها) متجاوزين اللغة المعجمية والحكاوى الاستشهادية لنعيش الحقيقة المعرفية (ولا أقول العلمية) أن الله سبحانه ينبهنا – لو شحذنا آلة استقبالنا – إلى أبعاد ثلاثة متداخلة متكاملة هى المكثفة القابلة للتخلق طولا وعرضا باستمرار “بعد الزمن”، و”ماهية الإنسان”، و”عدم العدم”، “الحين” الذى وصلنى عبر الأستاذ هنا هو مساحة قابلة لها طول وعرض وأعماق، وهى مساحة تشير إلى زمن شاملٍ مكانه المتسع، هو زمن يمضى ولا يمضى لكنه لا يدور فى المحل، هو البداية الغامضة.

أما الإنسان المقصود فى الآية – كما وصل لشيخى غالبا-  فهو ذلك الكائن الذى يقف على رأس هرم الأحياء فى حدود علمنا، وهو مشروع متجدد متطور أبدا، فيكون فعل “أتى” هنا ليس للماضى فحسب وإنما هو يجذبنا إلى الحاضر لأنه يأتى الآن كما أتى أبدا.

 أما بُعد “عدم العدم”، فإن ما وصلنى – وهو الذى وصل للأستاذ على الأرجح – هو الجانب الاستنكارى فى التساؤل الذى طرحته الآية الكريمة، ألم يئن الأوان أن يصل إلى الإنسان حقيقته، فالإنسان مع أنه يمكن أن يكون غاية الكون فهو ليس إلا مشروع يتخلق، وأن ما لحقه مؤخرا من التركيز على أن “يُذكر” (شيئا مذكورا) متفردا مميزا (مغرورا غالبا) قد ينسيه أصل وطبيعة وجوده الأهم: دفع التطور كمشروع دائم الوجود، والتجدد، لا يحتاج بالضرورة إلى أن يتحقق فى ذكر معين، يحدد معالمه منفصلا، الإنسان مشروع حياة تقبع فى حين من الدهر “ليصير” بعد أن يسمح له أن “يكون”، تلك هى المسألة، ليست أن اكون أو لا أكون، وإنما أن أنشأ، وأذكر أو لا أذكر لأصير.

 وحين ابتلى الإنسان لتميزه (وامتحانه) بما اسميته  “الوعى بالوعى”، راح يركز على طلب “الذكر الذاتى” حتى كاد ينسى أصل الحركة من أصله إلى غايته المفتوحة، الإجابة التى وردت فى التدريب وصلتنى تقول أن الإنسان من حيث هو إنسان هو مشروع وجود متجدد، أما الوعى بذلك حتى “الذكر المحدد” فهو أمر لاحق يحدث أو لا يحدث، ليصبح الإنسان شيئا ويذكر أولا يذكر بكل ما نعرف وما لا نعرف.

ربما

ثم نأتى إلى الآية الثانية

(2) انا فتحنا لك فتحا مبينا

اختلف المفسرون ايضا، لكن أغلبهم حدّدّ هذا الفتح بفتح معين هو “فتح الحديبية”

لكن إذا حضرت هذه الآية فى وعى شيخنا اليوم فلا أظن أنها كانت  – الآن – قريبة أو حتى مناسبة لفتح الحديبية وصلنى من صحبته وجهودى فى نقده أنه قد عاش طريقا رائعا بطريقة فريدة لم تكن فيها غاية قصده فى نهاية النهاية أن يصبح “شيئا مذكورا” بقدر ما أمل من خلالها أن يفتح الله عليه فتحا مبينا، فتحقق له الاثنان معا والحمد لله.

هكذا بعد كدحه كدحا إلى وجهه تعالى وصلته رسالة من ربه أنه فتح له فتحا مبينا ليتجاوز به أى احتمال وقفة عند مرحلة “أن يكون شيئا مذكورا” هذا الكيان الإنسانى الرحب بكل آفاق تلقيه الابداعى فإبداعه المترامى من أول ابداع حياته هو إلى إبداع من حوله “حى <==> حى” (مقالة الأهرام 30/1/2002 “أصداء‏ ‏شخصية‏: ‏نجيب‏ ‏محفوظ أو‏ [‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ : ‏السهل‏ ‏الممتنع‏”)

إلى كل ما وصلنا من إبداعاته وما ظل كامنا كمشروع لم يذهب معه هو علاقة الفتح المبين لكل آفاق وعود ربنا للبشر.

أذكر وقع كلمة فتح علىّ من أبى وأمى بشكل خاص حين كان يسمعنى وأنا أقرأ العربية قراءة صحيحة فيمدحنى داعيا مباركا “الله يفتح عليك” كنت أفرح بها أكثر من أيه دعوة أو تقريظ آخر، وأما أمى فكانت تقول وهى تدعو لى أن “روح يا ابنى ربنا يحبب فيك خلقه، ويسلك لك طريقك، ويفتحها فى وشك ويجعل لك فى كل خطوه سلامة “كنت أتوقف عند “يفتحها فى وشك” وأفرح بها أكثر مما قبلها وما بعدها اكتشف الآن أن ذلك كان كذلك ربما لأن ما قبلها مربوطه بالخلق وما بعدها بالخطوات والسلامة أما “يفتحها” هكذا فكانت تصلنى غالبا على أنها فتح بلا تحديد ولا حدود”.

حين قرأت هذه الآية فى تدريبات اليوم ربطُّ رغما عنى بينها وبين نجاح شيخى فى الاجابة على تساؤل الآية الكريمة المنبهة، وأنه – فعلا – قد أتى على الانسان – حيث أن شيخنا لم يكتف بأن يأخذ المسألة على أنها مجرد دعوة ضمنية ليكون شيئا مذكورا، وفضّل أن يواصل حتى يقبل هدية ربنا إليه بهذا الفتح المبين حين ينعم الله على عبد مثله بأن ينفتح له كل – أو أغلب – إمكانياته وقدراته نهلا من معارف الحياة بالطول وبالعرض، ومن ثَمَّ دفعا بما يشكل منها  لها بالطول وبالعرض هذا هو الفتح المبين.

الآية التالية: “لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً”.

رجعت إلى تفسيرها أيضا ولم أتوقف طويلا أمامها إلا بالنسبة لفكرة غفران ما تقدم من الذنوب، فقد كنت أتوقف كثيرا عند  هذه الفكرة: كيف يغفر الله للانسان ما تقدم من ذنبه؟ من السهل أن يصلنا غفران ربنا لنا ما أذنبناه فعلا، أما أن يغفر الله ما سيأتى فهذا ما أربكنى طويلا خشية أن يكون تشجيعا على الخطأ ما دام سبحانه سوف يغفر لى ما سوف أفعله أيضا، وكانت دهشتى أكثر بالنسبة للذين يؤدون العمرة طلبا لكارت المغفرة (السرى) بأثر ممتد، وأكتشف أن هذا هو الذى يبرر لهم ما سيقدمون عليه من أعمال مخالفة لاحقا، إنتهيت مؤخرا إلى أن الله لا بعد هذا الوعد إلا لمن “رضى عنه” و”فتح عليه” فأصبح ذلك العبد الذى يمكن أن يقدم على الأخطاء ليس باعتبارها ذنبا مثل الذنوب القديمة بقدر ما هى جزء لا يتجزأ من إنسانية وجودنا،

تكملة الآية: “وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً” قفزت إلىّ فاتحة الكتاب (صفحة التدريب رقم (44) بتاريخ 17-11-2011) وبالذات إلى ما تناولته من أن الصراط المستقيم لا أكثر ولا أقل (وأيضا فى صفحة التدريب رقم (49)15-12-2011)

 وهكذا يتم الله نعمته عليه – علينا – بالهدى إلى الصراط إلى الطريقة، إلى الطريق (هل تذكرون رواية الطريق؟) النعمة تتم بالسير فى الطريق وليس بالضرورة بالوصول إلى الهدف.

إذا فتح الله على عبده فتحا مبينا استغنى بطريقة أو بأخرى أن يكون شيئا مذكورا كما يشيع تحت مصطلحات مثل “اثبات الذات” “البحث عن الذات” وهى بدعة غربية بولغ فى قيمتها جدا ثم دُعمت بالجوائز والنيانيش والألعاب وكتب التاريخ ومثل هذا الكلام،

 الانسان يكون شيئا مذكورا بقدر ما يفتح الله عليه فتحا مبينا فيتحدد ذكره بما ينفتح عليه لا بما يكونه، وحين كنا نجلس حول شيحنا كنا ننهل من هذا الفتح أكثر مما يصلنا من هذا الشىء المحدد باسم “نجيب محفوظ” لست أدرى كيف؟

الإنسان يكون إنسانا حين يتم الله نعمته عليه وهو فى طريق إليه صراصا مستقيما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *