الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : الصفحة (41) الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : الصفحة (41) الكراسة الأولى

 نشرة “الإنسان والتطور”

27-10-2011

السنة الخامسة

العدد: 1518

Mafouz & Yehia (1)

مقدمة:

أرجو أن تتحملونى، أو تتحملوا معى كثرة الحديث عن المنهج والمراجعة، كما أرجو أن تتحملوا بعض الإعادة علما بأننى شخصيا حين أعيد فقرة من هنا أو مقتطفا من هناك أشعر أنه جديد بشكل أو بآخر.

عذرا

ص 41 من الكراسة الأولى

27-10-2011بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

السلام‏ ‏عليكم‏ ‏ورحمة‏ ‏الله

الفوز‏ ‏لمن‏ ‏اهتدي

ويأتيك بالأخبار‏ من ‏لم‏ ‏تزود

لابد‏ ‏من‏ ‏صنعاء  ‏وان‏ ‏طال السفر

الصحة‏ ‏تاج‏ ‏علي‏ ‏رءوس‏ ‏العباد

نجيب‏ ‏محفوظ‏

 9/3/1995‏

 

القراءة:

فى هذه النشرة عاد شيخى بعد البسملة إلى كتابة اسمىْ كريمتيه ثم ألقى السلام، ربما عليهما ثم أردف  “الفوز لمن اهتدى” تعجبت لاستعماله كلمة الفوز هنا، وبالذات ليصف به مكافأة من اهتدى، مقارنة بما اعتدناه من تكرار نص الآية الكريمة“الهدى لمن اهتدى” وهو ما ناقشناه وانطلقت منه التداعيات فى بداية البداية (نشرة 28-1-2011  العدد 881 صفحة التدريب 8)  وقد ربطت بين ذلك وبين ما جاء فى الصفحة التالية مباشرة (نشرة 28-1-2010 صفحة التدريب 9)   مكان لفظ “أن الله يهدى من يشاء” ،

وأنصح الصديق القارئ أن يعود إليهما الواحدة تلو الآخرى ليراجع معى تفسير مسئوليتنا أن نهتدى بإرادة الله حين نستأهل ذلك.

لم يبتعد عنى التساؤل هنا: لماذا أحل شيخنا “الفوز” هنا محل “الهدى”، شعرت أن المعنى الذى وصلنى من “الهدى لمن اهتدى” أعمق وأقوى برغم ظاهر إشكالته التى ناقشتها قبلا، فرجعت مرة أخرى إلى القرآن الكريم وكنت قد وصلت بعد النشرة الأربعين إلى يقين أن القرآن الكريم يقع دائما فى خلفية تدريبات الأستاذ.

فوجئت اليوم بإحلال لفظ “الفوز” مكان لفظ الهدى ولم أجد فى القرآن الكريم هذا النص: “الفوز لمن اهتدى” بل إننى تعجبت أن غاب عنى – مقارنة بما وصلنى اليوم – أن الفوز فى القرآن الكريم كان دائما يوصف بـ “الفوز العظيم”(1) (أربعة عشر مرة)، وقد كان هذا الفوز العظيم يرد مرتبطا عادة بدخول الجنة، أو (رضى ورضوان الله)، أو استبشارا ببيعة الله، أو بشرى فى الدنيا والآخرة، أو فضلا من الله ورحمة، كما ورد الفوز المبين (مرتين)، والفوز الكبير (مرة واحدة)،

 لم أتوقف كثيرا عند العدّ الذى لا أحبه، وإن كنت قد ألجأ إليه فيما بعد حين يحين آوان الدراسة الشاملة. أما الفوز الكبير (مرة واحدة) (2) كان مثل الفوز العظيم مرتبط بالجنة، أما الفوز المبين (مرتان)(3) فقد ارتبط برحمة الله أساسا أو تماما.

 يا ترى أى فوز كان يعنى شيخنا من كل هذا؟ الأرجح عندى أنه “الفوز المبين” رغم ندرته، وليس الفوز العظيم، وهذا يفسر لى أكثر أن علاقة هذا الفوز المبين تبدو لى أكثر ارتباطا برحمة ربنا بالهدى الذى هو لمن اهتدى، كذلك هذا الفوز المبين.

….

يأتى فى السطر التالى بعد “الفوز لمن اهتدى” شطر البيت “ويأتيك بالأخبار من لم تزود” وقد ناقشناه بما تيسر من تداعيات (نشرة 14-1-2010 العدد 867 صفحة 6) ولم أجد ما أزيده هنا.

الأستاذ الذى لم يسافر إلا مرتين للخارج (على حد علمى) (اليمن ويوغسلافيا) مستغنيا بترحاله الدائم النشاط فى عالمه الداخلى كما فى شوارع القاهرة، هو ملك السفر المتجدد فى المحل، وبصراحة أنا لم تتح لى فرصة مناقشته حول هاتين الرحلتين برغم طول ما حكيته له عن ترحالاتى، كما حكى له توفيق صالح ما شاء له الحكى عن العراق وباريس وسوريا، وكان يطيب له جدا أن يسمع لنا الواحد تلو الآخر، بشغف وانتباه شديدين كأنه يعيش معنا خبرتنا الآن مهما بعدت وكان يتابعنا،

ربما حرك هذا البيت وما يليه ذكريات:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً = ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ويأتيك بالأخبار من لم تبع له = بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد

نعم، كنا نأتيه، توفيق وأنا، بأخبار اسفارنا حتى خيل لى أنه يصحبنا فيها، وربما حرك هذا الشطر ذكريات سفره إلى اليمن فجاء تاليا الشطر الذى يحكى عن صنعاء:

“لابد من صنعاء وإن طال السفر” وهو ما يقابل عندى فى الثقافة الأوربية تقريبا “كل الطرق تؤدى إلى روما”.

رحلتى شخصيا إلى اليمن كانت مرة واحدة، لأشارك فى مؤتمر طب نفسى دروى ولم تستغرق سوى أيام قلائل أعتقد أنها ورد ذكرا فى الترحال الثانى من ترحالاتى الثلاثة حيث قلت مثلا:

“.. رغم أنى مدين بقدر كبير من الوعى لرحلتى لليمن، صنعاء وثلا، والبيوت ذات الستة أدوار منحوتة فى الجبال منذ آلاف السنين، يسكنها ناسها هم هم  حتى اليوم، ومجالس القات.  صنعاء: روما العرب (كما نعتها الطيب صالح)…..” (4)

وكان من أهم ما عايشت فى تلك الأيام القليلة جلسات العصر إلى ما بعد المغرب وهى التى تسمى بالمقيل، ومن أهم ما أسعدنى وآنسنى مشاركة الصديق الشاعر الجميل د. عبد العزيز المقالح بحضور الطيب الصالح وآخرين كتبت فى ذلك:

“.. فى بيت أحد الأصدقاء فى صنعاء، ومعنا عبد العزيز المقالح الشاعر الدكتور مدير الجامعة، الصديق القديم، وآخرون وبينهم الطيب صالح المبدع الجميل الذى أذكر أنه قال: إن صنعاء هى روما العرب. هذه الجلسات من العصر إلى المغرب والتى تسمى “المقيل” بلغ عددها فى صنعاء وحدها حوالى عشرة آلاف، إذا ضُربت فى متوسط عشرة أفراد لبلغ من يلتقون يوميا مائة ألف، أى مجتمع هذا؟ ديمقراطية أثينا هذه؟ ليست المسألة تخزين قات، أو طق حنك، لكنّه مجتمع يتنبه ويتحدث باستمرار، هذا هو الجانب الإيجابى الذى سمح لى أن أسمع الطيب صالح وهو يقول قولا فى هذه القضية ـ قضية “نحن والغرب”: أين نحن من الحضارة الغربـية، وكيف يقيسوننا بمقياسهم فنقيس أنفسنا بمقياسهم، ثم نضع أنفسنا حيث يريدون، كان الطيب صالح يقول إنه إذا سأله أحدهم لماذا يتزوج الواحد منا نحن المسلمين أكثر من امرأة؟ لا يرد عليه أصلا، بل إنه يجيبه “إنت مالك يا أخى”؟ هل اشتكت لك زوجتى الأولى أو الثانية، الخلاصة إن المنطق الذى طرحه الطيب صالح هو حكاية “إنت مالك يا أخى؟؟ “، وهذا ما نحتاجه تحديدا فى هذا المنعطف الخطر بيننا وبين الغرب” نحن مُعَطَّلون ليس بسبب أننا كسالى أو متخلفون أو متحجرون فقط، ولكن لأننا نبدأمن حيث لا ينبغى، لنقيس أنفسنا بمقياس وُضع لنا دون اختيار(5)

وقد حكيت عن هذه الجلسات للأستاذ، وكما أثبت حوارنا حول الدور السياسى لهذه الجلسات – لتخزين القات- وليس فقط الدور الاجتماعى، وذكرت ذلك فى كتابى (تحت النشر) “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” كتبت(6)

عاد الأستاذ ‏يتساءل‏‏ ‏عن مزيد من الإيضاح عن تجمعات اليمن هذه، فيسميها ‏د‏. ‏رفعت‏ ‏محفوظ‏  ‏” ‏المقيل‏ ‏السياسى”، ويتمادى الأستاذ فى حب استطلاعه ويسأل المزيد أكثر، ‏فحكيت‏ ‏له‏ ‏كيف‏ ‏أنه‏ ‏فى ‏صنعاء‏ ‏وحدها‏ ‏يعقد‏ ‏يوميا‏ ‏حوالى 15000 ‏مقيل‏ ‏للرجال‏ ‏على ‏ما‏ ‏أذكر‏ ‏وعدة ‏مئات‏ ‏للنساء، ‏وأن‏ ‏المقيل‏ ‏يستغرق‏ ‏ثلاث‏ ‏ساعات‏ ‏يوميا، ‏وأنه‏ ‏تجرى ‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏الحوارات‏ ‏على ‏كل‏ ‏المستويات‏ حول القضايا الساخنة ‏حسب‏ ‏مستوى ‏الحضور‏ ‏بما‏ ‏يعتبر‏ ‏تحريكا‏ ‏ديمقراطيا‏ ‏شعبيا‏ ‏هائلا‏ ‏طول‏ ‏الوقت، ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عن‏ ‏النشر‏ ‏أو‏ ‏التوظيف‏ ‏المباشر، ‏وبالتالى ‏فإنى أطمئن لنفسى أنه لو‏ ‏حدث‏ ‏قهر‏ ‏من‏ ‏الذى‏ ‏نتصوره‏ ‏نتيجة‏ ‏لحكم‏ ‏إسلامى ‏قادم، ‏فقد‏ ‏يلجأ‏ ‏الناس‏ ‏إلى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الحلول‏ ‏الشخصية‏ ‏حفاظا‏ ‏على ‏أنفسهم‏ ‏وانتظارا‏ ‏للانتفاضة‏ ‏التالية‏ (‏وربما‏ ‏الثورة‏).

حين عدت أقرأ الآن ونحن نعيش ثورة اليمن الملتبسة حاليا، ما سبق أن قلته للأستاذ، رحت أحاول الربط بين هذه الاجتماعات المنشطة بالقات، الغنية بالحوار فلا أستطيع لأن الجارى ملتبس وغير متجانس، الأمر الوحيد الذى أنا واثق منه هو أن هذا الشعب اليمنى ضاق بأشياء كثيرة، وعاش هذا فى حراك “مقيلى” أو غير مقيلى حتى ثأر ولست متأكدا – مثل كل انتفاضات الربيع – إلى أين؟ كما أننى لست متأكدا هل مازلت المقيلات تعقد بنفس الكثافة هناك حاليا أم لا، وما دورها فيما يجرى؟ هل هو نقد أو تثوير، أم مشاركة فى مسئولية جديدة؟ أم تأجيل لأجل غير مسمى؟

قصيدة: “لابد من صنعاء وإن طال السفر” من نظم الصديق الجميل د. عبد العزيز المقالح، هى تبدأ هكذا:

لا بد منها .. حبنا .. أشواقها:
تدوي حوالينا: إلى أين المفر؟
إنا حملنا حزنها وجراحها
تحت الجفون فأورقت أزكى الثمر

ثم انظر حين تمتزج المرارة بالدموع كما يحضرنى أن هذا هو ما يحدث الآن:

وبكل مقهى قد شربنا دمعها

الله ما أحلى الدموع وما أمر

ثم تختتم القصيدة بتوقعات الثورة برغم ظاهر التبلد والخدر حين يقول:

صنعاء وإن أغفت على أحزانها
حيناً وطال بها التبلد والخدر
سيثور في وجه الظلام صباحها
حتما ويغسل جدبها يوماً مطر

يا رب يا دكتور عبد العزيز تكتمل توقعاتك ولو بعد حين، ليس فقط فى صنعاء

الطريق طويل، والثمن غال، والرؤية ضبابه، لكن الله وجود، والشعوب قادرة

كل هذه التداعيات أثارها هذا الشطر الذى هو من نظم الصديق المقالح، ودعونى أحييه داعيا لليمن السعيد ولنا بما يستحق ونستحق، وهو ليس قليلا.

……

……

ويختم الأستاذ تدريبه اليوم بأن “الصحة تاج على رؤوس العباد، فأنتبه إلى أنه لم يثبت أنها تاج على رؤوس الأصحاء فقط، ولم يكمل الاستاذ “لا يعرفها إلا المرضى”، وإذا بالغنا فى فرض دلالة أختلاف الشائع من ما يرد فى التدريبات لقلنا إن شخينا ينتبه – فينبهنا – أن الصحة ليست فقط على رؤوس الأصحاء، بل أيضا على رؤوس المرضى، وبالتالى ينسخ القول المأثور بما سطر فى التدريب، فبدلا من أن يقر أن الصحة لا يعرفها إلا المرضى، يتركها مفتوحة وكأنها دعوة أن نفترض – أو نرى – أنه يعرفها المرضى والأصحاء، على حد سواء. كيف؟

الشعور الغامر بالصحة عند الأصحاء وارد تماما، وهو شعور لا يوصف إلا بأنه شعور بالحياة، هو نوع من الامتلاء بالنشاط والجذل والحركة الفائقة التشكيل المتغير، تغمرك حتى وأنت جالس فى مكانك، الصحة هى شعور بالنشوة والتحفز والدهشة والتجدد معا.

يقابل ذلك تماشيا مع الفرض الفارق أن المرضى ربما لا يعرفون الصحة لمجرد غيابها عنهم ومن ثم شعورهم بالفرق فهم يفتقدونها، ولكنهم قد يعرفونها تاجا على رؤوسهم أيضا وهم حالة كونهم مرضى،

 أحيانا كنت أشعر أن محفوظ بكل إعاقاته الحسية وهزاله وتحفظاته الوقائية يزين هامته بتاج من الصحة، أكثر وهجا، تاجا كنت أفتقده عند كثير من المحيطين به من مختلف الأعمار فى كثير من اللقاءات، وأتصور أنه بما أورد هكذا أيضا ينبهنا بإحلال هذا اللفظ “العباد” محل “الأصحاء” إلى أن انتبهت أن الصحة يمكن أن تكون على رؤوس المرضى ايضا حالة كونهم يحبون الحياة (فى امتحان المرض كذلك)،

وبعد

كما كان محفوظ يحب الحياة فى تصالح مع الموت حتى أحبه، ربما استطاع أن يتزين بتاج الصحة فى عز أزمته – أزماته – المرضية

ربما.

 

[1] – الفوز العظيم: الآيات: (13) سورة النساء، (119) سورة المائدة، (72) سورة التوبة، (89) سورة التوبة، (100) سورة التوبة، (111) سورة التوبة، (64) يونس، (60) سورة الصافات، (9) سورة غافر، (57) سورة الدخان، (12) سورة الحديد، (12) سورة الصف، (9) سورة التغابن، (64) سورة يونس.

[2] – الفوز الكبير: الآيات: (11) سورة البروج.

[3] – الفوز المبيت: الآيات: (16) سورة الأنعام، (30) سورة الجاثية.

[4] مقتطف من الترحال الثانى :الموت والحنين – الفصل السادس “مسافر رغم أنفه” ص 307)

[5] –  مقتطف من الترحال الثانى :الموت والحنين – الفصل السادس “مسافر رغم أنفه” ص 274)

[6] (نشرة 24-6-2010 العدد 1028 الحلقة التاسعة العشرون من “فى شرف صحبة محفوظ”)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *