الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (90) الإدراك (51) “العين الداخلية” (22) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات”(21)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (90) الإدراك (51) “العين الداخلية” (22) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات”(21)

نشرة “الإنسان والتطور”

4-7-2012

 السنة الخامسة

 العدد: 1769  

 29-5-2012

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (90)

الإدراك (51)

“العين الداخلية” (22)

و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات”(21)

Information Processing

 

تعقيبات ختامية

مقدمة

حاولت، ولو على سبيل التجربة  أن أدعم ملاحظات أمس، بما جاء  فى المتن، فوجدتنى قد أضطر أن أعيد كثيرا من أقوال المريض التى جاءت بالأصل وأيضا فى بعض الهوامش، أثناء عرض الحلقات تباعا، فتوقفت،

 لم تكِف المناقشة أمس فى أن تشرح ما تصورت أنها يمكن أن تغطيه، ويبدو أننى سوف أعدل حاليا عن المناقشة التفصيلية، ويكفى أن تصبح هذه الحالات ذخيرة لى أو لغيرى لما تحوى من حقائق عارية – تقريبا- يمكن الاستعانة بها للاستشهاد فى تنظير لاحق، أو توجيه علاجى ممكن،

 وهذا – إن كان فى العمر بقية – ما أنوى أن أقوم به بعد نشر عدد كاف من الحالات فى معظم الأمراض النفسية، وبالذات  فى “الفصام” الذى اعتبره نواة الأمراض النفسية وجُماعها كلها

خلاصة الخلاصة:

1- يبدو أنه لا يوجد شىء اسمه الفصام، ولكن ثمة عملية تفكيكية تفسيخية تهدد واحدية تماسكنا، وتنذر بتراجع مسارنا، وهذه العملية هى أساس كل الأمراض النفسية/ العقلية، وهى تمثل النذير بقدر ما تحفز التحدى، ونفترض بناء على ذلك:

(1) أن التصنيف يتم إما بأن يطلق اسم مرض معين على أية مرحلة من مراحل التفكيك، أو التفسخ،

(2) أو قد يطلق اسم آخر على كيفية مواجهة التفسخ أو التهديد بالتفسخ للحيلولة دون التمادى فيه بما تيسر من آليات الدفاع، والحلول الوسطى.

2- يمكن مقارنة هذه العملية، خصوصا فى بدايتها، بما يحدث فى نشاط الحلم، إلا أنه فى الحلم تنتهى العملية التفكيكة بإعادة الترتيب repatterning ، وبالتالى هى عملية بنائية تعليمية بغض النظر عن محتوى الحلم المحكى. (ليس فقط مقارنتها، بل لعلها هى هى مع اختلاف المآل).

3- بنفس القياس والمقارنة فإننا نتبنى فرضا يقول إن بداية هذه العملية (التحريك بالتفكيك) هى تقابل وتماثل بداية الإبداع الذى يتم فى الإبداع بدرجة من الوعى المشتمل، فيكون نتاجه تشكيلا جديدا، ليس مجرد تنظيم مفيد (الحلم)، ولا مآل متفسخ (الفصام)، وهذا ما لم تتح الفرصة لرشاد أن يكمله، اللهم إلا بمرحلة التصوير الداخلى إن صح التعبير، هذا التصوير لا يعنى تشكيلا أو توليفا  إبداعيا كاملا بقدر ما هو يوازى “التقاط صورة حقيقية نادرة” وهو يمكن أن يعتبر الخطوة الأولى فى عملية الإبداع، كما أنه قد يعد نوعا خاصا من الإبداع مثل إبداع التصوير بالفوتوغرافيا.

4- عاش رشاد هذه العمليات المرة تلو المرة (هذه هى ثالث مرة) ، وقد استطاع أن يلملم نفسه – بالعلاج- فى المرتين الأولى والثانية، ويبدو أنه حين شفى من كل نوبة عاودته الأزمة بنفس التركيب إلى نفس المسار، فتعرض للمرة الثالثة (الحالية) إلى ما أعاقه هكذا.

5- ربما أفاد – مؤقتا– انسحاب رشاد من العمل (والناس) فى منع أو تأجيل التفسخ، وذلك باستعمال الميكانزمات المناسبة، وبالذات ميكانزمّىْ التفكيك والعقلنة، ثم الإسقاط، وقد قامت العقلنة والإسقاط بتوقيف الحالة عند مرحلة الوصف، وكذلك بتبرير وتسويغ متطلبات الواقع، ثم قامت “العقلنة” (فالعقل لاحقا) برصد عملية التفكك كما بيّنا طوال عرض الحالة.

6-  حالت هذه الميكانزمات الثلاثة –  حتى نهاية الحلقات – دون التمادى فى التفسخ الفعلى

7- تاريخ رشاد العائلى الإيجابى للمرض النفسى كان قابعا وراء كل من هذا التفكك المحدود (وهو الذى أسميناه: تفكك فى المحل)، وأيضا وراء القابلية للشفاء الواعد شبه الكامل (من حيث اختفاء الأعراض). هذا التاريخ العائلى (هنا فى حالة رشاد، وعندى عامة) وجدنا أنه يشير أساسا إلى وراثة برامج ذات طبيعة حركية تفكيكية/تنظيمية معينة (أو تفسخية محتملة).

8-  أى أن رشاد لم يرث تهيُّئاً للفصام بالذات (أو لغيره، أنظر تاريخ الأسرة) وإنما ورث نشاط حركية معينة تشمل كلا من الحدّة والوفرة (زخم الحركة)، وأيضا ورث -ربما إلى درجة أقل- برنامجا يحدد توجه المسار (فالمآل)، بمعنى أن الذى يورث ليس المرض وإنما برامج التفكيك كما يرث برامج قدرة التشكيل بدرجات مختلفة  [1] لهذه وتلك.

9-  تبينا كيف ورث رشاد برنامجا يعلن استهدافا لفرط تنشيط التاريخ العائلى عند رشاد كما يشير إلى أن كلَّ مَنْ مَرِضَ فى هذه العائلة قد تحسن أو شفى، والأرجح أن الشفاء فى معظم النوبات أو كلها قد تَمّ باختفاء الأعراض أكثر من اضطراد النمو: الخال مرض فى سن 18 سنة ودخل مسشفى العباسية، وشفى، والعم أصيب بنوبة اكتئاب شفيت أيضا بعلاج جلسات تنظيم الإيقاع ولم يعاوده المرض بعد ذلك.

10-   هكذا أمكن استنتاج – كما ذكرنا حالا –  أن رشاد يحمل برنامج زخم التفكيك، بقدر ما يحمل برنامج القدرة على ضبطه واستعادة توازنه، بعلاج أو بدون علاج أحيانا).

11-  يبدو أن الأخت التى أصيبت بعصاب لم يتماد إلى أكثر من ذلك، قد حالت ميكانزماتها القادرة دون أن تصل إلى درجة تعرية مباشرة، أو إعلان مظاهر هذه البرامج الجاهزة بحركية جسيمة، فتوقفت عند مرحلة العصاب (عصاب القهر الوسواس)

12-  إن الإصابة السابقة بمرض نفسى جسيم (ليس بالضرورة أن يسمى فصاما أو أن يكون فصاما) لا تُحدد بالضرورة طبيعة الإصابة اللاحقة تلقائيا، وإنما يتوقف ذلك على عوامل كثيرة من بينها: طبيعة إعادة تنظيم التركيب بعد النوبة السابقة، واضح هنا أن رشاد خرج متماسكا من كل نوبة، والأرجح أنه فعل ذلك باستعادة استعمال دفاعات (ميكانزمات) أكثر فاعلية سمحت له بمعاودة الكفاح والحياة (والتأجيل أيضا)

(ملاحظة: إن شفاءه – هكذا- فى المرات السابقة، لا يشير بالضرورة إلى أنه لم يكن هناك اندمالات scarring معطِّلة تحول دون نبض نموى لاحق، وتعِّرضه إلى مرض أصعب أو حياة أقل امتلاء)

13-  من خلال تتبع الحالة طوليا تبين لنا كيف أن علينا أن نرصد، أو نتوقع، أن أية وقفة فى مرحلة معينة من مراحل التفكيك نحو التفسخ، أو اللم بالدفاعات القديمة أو الجديدة التى تدعمت بعد الخبرة المرضية، يمكن أن ينتج عنها وقفة تستأهل تشخيصا آخر، بمعنى أن رشاد يمكن أن يتوقف عند (أو يمر بـ) مرحلة وسواسية صريحة، أو اكتئابية جسيمة، أو حتى هوسية مؤقته، وهذا يتوقف على الظروف المحيطة الجديدة ، وطريقة تكيفه الإمراضى لها.

14-  ثم إن التعافى الذى تم فى أفراد الأسرة بهذا الوضوح ، هو أقرب إلى افتراض أن برامج اللأم الموروثة، جنبا إلى جنب مع برامج التفكك الجاهزة، يمكن تشغيلها- بالعلاج- لصالح رشاد – وبالتالى أى مريض تسمح ظروفه بذلك- فى الاتجاه الإيجابى بحسب كفاءة الخطة العلاجية المرتبطة بمدى صحة الفرض الإمراضى التركيبى

15-   كذلك يجدر بنا أن ننتبه إلى بعض دلالات وآليات الحوار الذى نشر على مدى الحالات جميعا، ولنأخذ على سبيل المثال قيمة ما يسمى “احترام تجربة المرض”، بدأًً بأخذ شكوى المريض مأخذ الجد تماما، باعتبار أنها واقع آخر. إن هذه القيمة ليس لها أدنى علاقة بالشفقة عليه، أو “أخذه على قدر عقله: كما يشاع،

 ويمكن فيما يلى أن نعيد رصد بعض مظاهرهذه القيمة – الاحترام- كما وردت فى الحوار على سبيل المثال:

  • قبول كلامه من حيث المبدأ على أنه ليس فقط “حقيقته“، وإنما هو “الحقيقة الأخرى“.
  • رفع الكلفة بينه وبين المعالج الأكبر فى حدود ما يسمح به تطور العلاقة، هذا وقد لاحظنا كيف يمكن أن يحدث ذلك – رفع الكلفة – من أول مرة، وأن يضطرد بعد ذلك.
  • السماح بالحديث عن بعض الذكريات والمسائل الشخصية للمعالج – باختياره- بما يمكن أن يذيب الثلج بالتدريج، على ألا تُقحم هذه الذكريات أو التجارب كنموذج يُحتذى
  • عرض التفسير والفروض العلمية (خصوصا التفسيرات الإمراضية) على المريض بشكل مبسط لكن مباشر، وكأنه زميل مشارك، أو طالب بحث، وذلك كلما سمحت الفرصة بذلك.
  • مناقشة المريض فيما يعرض عليه من هذه الآراء، وأخذ رأيه بجدية فى مدى رأيه فى مصداقية هذا التفسير بالنسبة له أحيانا، كمعايش للتجربة، وصاحب مصلحة، وذلك دون المبالغة فى قيمة رأيه – بالموافقة –بلا تحفظ، أى دون أخذ موافقته قضية مسلمة تصبح دليلا على صحة التفسير
  • المقارنة أحيانا بين رأيه، والآراء الأخرى بما فى ذلك آراء تبدو علمية وثقانية (جماطيقية) لم تطرح بالضرورة من أحد الحاضرين
  • عرض تفاصيل خطة العلاج ومشاركته فى اتخاذ القرارات دون ادعاء منحه حرية زائفة، وأيضا دون فرض رأى نهائى
  • تجنب التطرق إلى أى منطقة لا يريد الحديث فيها أمام الأطباء الأصغر
  • السماح له بنقد موقف وأراء المعالج، سواء فى منهج الحوار، أو منهج التفسير أو محتوى أى منهما، دون ادعاء مساواة أو حرية زائفة، ومثلما ما حدث مرارا حين أصرّ رشاد على ضرورة “المعرفة” قبل “الفعل والممارسة”، وهو ما أخذه الطبيب على أنه مهرب بميكانزم العقلنة يبعدهما عن ممارسة العلاقة والتجربة دون وصاية الاسماء أو حتى الرموز
  • وصل الأمر مع رشاد إلى شرح منهج الحوار ومحكات القياس بما أوجز وأوضح بعض جوانب المنهج الفينومينولوجى من ناحية، والممارسة الإمبريقية من ناحية أخرى، وذلك بلغة عادية، وبأمثلة من الجارى فعلاً.
  • استعمال المعالج للغة السائدة فى “ثقافة المريض الفرعية” ما أمكن ذلك (مثلا فى التحية، حتى فى وصف الإمراضية..إلخ)
  • السماح للمريض بتساؤلات موازية، واعتراضات مناسبة، كلما أتيحت الفرصة

16-   شاهدنا من تطور الحوار، وتوالى الشرح، وبعض الهوامش، كيف يمكن تعديل الفرض الإمراضى الأساسى، نتيجة الحصول على معلومات جديدة، أو اكتشاف أبعاد جديدة فى التركيب أو تاريخ المريض أو ظروفه المحيطة

17-   لاحظنا أيضا أهمية، بل ضرورة، عرض الخطة العلاجية على رشاد بصريح العبارة وفى نفس الوقت القبول بتعديل بعض التفاصيل، والتراجع عن بعض الخطوات حسب التقييم المستمر أولا بأول

18-   لعل الحوار، خاصة فى الحلقات الأخيرة، قد أوضح بعض الأثر السلبى الذى يمكن أن ينتج إذا استدُرجنا للبدء مع المريض بتسمية المرض باسم شائع أو حتى باسم علمى، (أو شبه علمى) خاصة إذا كان هذا الاسم ليست له مصداقية كافية، حتى وإن كان الاتفاق قد تم عليه، وطالما أن مضمونه العلمى (على فرض أن لهذا الاسم مضمون علمى مفيد) ودلالاته العامة (عند الشخص العادى) هى مجال للمراجعة الدائمة، وكثيرا ما تكون المعلومات المتاحة بشأنها معلومات مضللة أو معطلة

19-     لعلنا لا حظنا أيضا أنه مهما كان السبب واضحا (فى حالة رشاد: الإحباط نتيجة للرفض بعد التلويح له بالاختيار فى الفريق الأول لكرة القدم)، إلا أن مثل هذا السبب وحده ليس كافيا أن يحدث المرض بكل هذه التفاصيل

20-  تبينا أيضا أهمية التفرقة بين حكى المريض عن الخطوات الأولى فى عمليتى التفسخ والانفصام من خلال بصيرته التى احتدت بتنشيط العين الداخلية كما أكدنا قرب نهاية العرض، وبين مدى تفعيل هذا التفسخ فى مجالات أخرى، مثل مجال التفكير (بما يترتب عليه الاضطراب الجوهرى للتفكير Formal Thought Disorder )  أو أى مجال آخر (وهو ما لم يحدث فى حالة رشاد).

21-     تأكدتْ أيضا ضرورة التوليف بين الاستعمال الانتقائى للعقاقير، ونمو العلاقة العلاجية ، بديلا عن الاستقطاب (إما…أو)، مع تطويع الجرعة من كلٍّ (العقاقير والعلاقة) أثناء خطة التأهيل والعلاج باستمرار.

وبعد

فلعله يصل للزملاء، الأصغر خاصة، مدى أهمية، بل ضرورة عملية “التعلم المستمر” “من المرضى”، الأمر الذى لا يثرى المتدرب والممارس بدرجة كافية إلا إذا نجح المتعلم (المعالج أو العالم) من التخلص النسبى أو المؤقت أو كليهما من وصاية منظوما مسبقة مهما كانت صلبة أو شائعة أو تاريخية.

وهكذا

اكتشفت أننى وصلت إلى رقم واحد وعشرين، وكانت تلح على رغبة مع كل تعقيب أن أستشهد بفقرة من حلقه سابقة تثبته أو توضحه، لكننى فضلت أن أترك هذا للقارىء فى هذه المرحلة

فالحالات كثير

والخبرة قليلة

والحياة قصيرة

والأمانة ثقيلة

الحمد لله

[1] – ما يسمى ECT ويسميها RRT أو BST  وهى جلسات إعادة التشكيل واستعادة ضبط الإيقاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *