الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (82) الإدراك (43) “العين الداخلية” (14) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (13)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (82) الإدراك (43) “العين الداخلية” (14) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (13)

نشرة “الإنسان والتطور”

6-6-2012

السنة الخامسة

العدد: 1741

 29-5-2012

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (82)

الإدراك (43)

“العين الداخلية” (14)

و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (13)

Information Processing

(برجاء قراءة نشرة أمس، إن كنت تتابعنا، شكرا)

د.يحيي: إنت كلامك يا رشاد بيوصلنى منه معانى أعمق بصحيح، حتى لو مش واضح، كلمة “الإعداد” دى رنّت عندى كده زى ما هى، وبعدين إنت لاحظت الصعوبة اللى عند الدكتورة، وقلت لها فى وسط الكلام (يقرأ)  “…..إسمعينى يا دكتوره الأول علشان تعرفى تجمّعى”، هى ماكانتش بتجمع ولاّ إيه ؟

رشاد: معقول؟ ماحصلش إنى  أنا أقول كده

د.يحيي: الكلام ده متسجل يا رشاد، بإذنك، ما هو التجميع برضه مسئولية، ما هو لو اتجمع الكلام مع بعضه كده تروح  فاهمه، تلاقيك شلت مسؤليته، تبقى مصيبه سوده، إنشالله ما حد جمّع،  إنت بتجمع ولا لأه يا رشاد؟

 (*) هذا تفسير آخر (فرض عامل من قديم) يفسر ما نسميه عدم الترابط incoherence بأنه ليس مجرد فشل فى ترابط مسلسل هادف، وإنما هو يحدث عند الفصامى نتيجة عمليتين: ذلك أن الكلمات تصبح أقل اغترابا وبالتالى أكثر ثقلا، بمعنى أن الكلمة تحمل معناها جدا (حدًّ!!)، وفى هذه الحالة يصبح “لضمها” (= ربطها) فى ما يليها أصعب، تماما مثلما تحاول أن تلضم حبات عقد من حبّات رصاص مصقول، مقارنة بنفس المحاولة حين تكون الحبات من خرز خفيف مثقوب، يحدث ذلك ربما لأنه فى بداية الفصام يمر المريض بمرحلة رفض الاغتراب العادى، فيدب المعنى الأعمق والأشمل فى كل لفظ بلا استثناء، فتثقل كل كلمة فى ذاتها نتيجة لعودة المعنى كله إلى كل كلمة على حدة، أى كلمة كلمة، وبالتالى تزيد صعوبة الترابط معا لتشكيل سلوك كلامىّ غائىّ محدد، ومن هنا يحدث التفكيك (عدم الترابط) نتيجة خلخلة المسار الغائى، وهربا من مسئولية الفعل الملزِم المبالغ فى إلزامه بعد إحياء المعنى هكذا، كما يتجسد للفصامى (أو الذهانى عموما)، فيكون الكلام العادى أقرب إلى قول جاهين “هوه الكلام  يتقاس بالمسطرة”؟ وقد ورد هذا فى وعى رشاد حين نبه الدكتورة – (ربما باعتبارها نموذجا للعادى قائلا)  “…..إسمعينى يا دكتوره الأول علشان تعرفى تجمّعى”، وبدلا من أن نعتبر هذا نوعا من التطاول على الطبيبة، قبلناه باعتباره محاولة من رشاد أن يؤكد موقفه بالنسبة للخطوة الأولى للتفكيك (أن الكلام العادى أصبح أكثراغترابا بالنسبة له، فامتلأت الكلمات من جديد حتى أصبحت أكثر ثقلا)، فهو يطلب من الطبيبة أن “تركز معه” حتى يصلها ما يريد توصيله، مع الاعتراف بثقل وجدية الرسالة التى تحتاج من الطبيبة “..أن تجمّع بشكل خاص” ، وفى نفلس الوقت هو يعترف أنه شخصيا لا يستطيع أن يجمّع كما ينبغى، وها هو يرد على سؤال الطبيب الأكبر “إنت بتجمّع يا رشاد”؟

رشاد: أنا؟ شويه وشويه

د.يحيي: صح، بس الجماعة العاديين دول يقولو لك احنا بنجمع مية مية، إنما الطيبين اللى زيك يقولوا  شويه كده وشويه كده، إنت رجعت تحدد كلامك بتقول للدكتورة “م” (يقرأ):  “… إسمعينى يا دكتوره الأول علشان تعرفى تجمعى، حاكـلـِّمِك من ناحية الشغل، أنا دخلت الشغل وأنا قاصد أنى آخد منه خبره وأتنقل لمكان تانى” أنا يا رشاد قعدت أعيد وازيد فى استعمالك كلمة “إعداد” ما وصلتش لحاجة واحدة تلم استعمالاتك المختلفة ليها، شوف بقى انا اشتغلت كام سنة، وسمعت كام عيان، ولسه مش عارف معنى الكلام قوى

رشاد: هو عند حضرتك كام سنه؟

د.يحيي: أنا قربت على التمانين، ما بطلتش أشتغل فى بلدنا دى طول السنين اللى فاتوا من يوم ما بقيت دكتور، ما سمعتش حد  استعمل كلمة “إعداد” أبداً بالمنظر ده، والله يا رشاد باكلِّمك جد، كتر خيرك يا ابنى، ما هو من عيوبى إنى باقبل كل حاجة، خصوصا الجديدة عليا، أنا احترمت الكلمة مع إنى لسه مش فاهمها لحد دلوقتى،  وانت حاولت تشرحها للدكتورة وليَّا دلوقتى برضه ما رسيناش على بر….، على فكرة أنا استنتجت دلوقتى، يمكن صح، إن “الإعداد” عندك أصناف:  فيه إعداد اللى بيقولوا عليه واحد زائد واحد يساوى أثنين: أقعد خمس سنين أكسب، أوفر، أحوِّش، أسافر، أجيب فلوس أكتر، أرجع أعمل مشروع، أهو ده نوع من “الإعداد” وده أبسط  “إعداد”. الإعداد التانى هو اللى أحنا بنعمله  سوا دلوقتى، وانت برضه شاورت عليه، و ده أصعب إعداد لأنه مالهوش معالم واضحة زى دكهه

 (*) هذه المحاولة المثابرة لاستعمال نفس الكلمة استعمالات متنوعة فى سياقات متعددة لا بد أن تكون جادة تماما من ناحية الطبيب، وإلا سوف نجد أنفسنا فى الموقع الذى نهينا عنه بحزم مطلق، موقع “اخذ المريض على قدر عقله” المحاولة هنا هى للاقتراب معا من مفهوم تقريبى مشترك لخبرة جديدة يعيشها المريض، ويعجز عن وصفها وبالتالى عن توصيلها كما يريد، فيعترف الطبيب بعجزه هو أيضا عن الإلمام بالمراد، وفى نفس الوقت يواصل قبول الاستمرار مع الغموض، وهذا المنهج من أهم ما يطمئن المريض على جدية التناوب، واحترام الخبرة، حتى يبدو أنه قد تبادل الموقع مع الطبيب، فراح يسأله:

رشاد: يعنى احنا كده نُعتبر بنعمل إعداد؟

د.يحيي: ما انت اللى قلت

رشاد: يبقى هو صح يعنى اللى انا قلته؟

د.يحيي: مش أنت قلت سمعت الدكتور يحيي قال لى كلمتين حسيت بعدهم ان الدم عاد يجرى فى عروقى، حتى أنا مش عارف أنهى كلمتين دول اللى أنت لقطتهم.

رشاد: بس هو حقيقى، إن الدم جرى، حسيت “بإعداد” بجد

(*) يبدو أن رشاد قد اطمأن أن هناك من يحاول أن يفهمه، ولو جزئيا، وبرغم أن الطبيب أرجع له المسألة إلا أن رشاد اطمأن نتيجة محاولة الطبيب الجادة واعتبرها إقرارا لحقه فى الخبرة التى يعايشها فيرصدها هكذا بكل هذا الصدق، وبكل هذا العجز فى نفس الوقت، وحتى الآن هو لم يحدد “الكلمتين” اللتين وصلتاه من الطبيب فوثقت العلاقة هكذا ، وقد تصورت أن تعبير “الدم عاد يجرى فى عروقى” هو إشارة إلى نوع من التواصل من خلال المجال الحيوى الذى يحتوى أى اثنين يمارسان محاولة تواصلٍ ما، وهو الذى أشرنا إليه سابقا (نشرة 22-5-2012 الإدراك (38) العين الداخلية (9) “اللجوء إلى دوائر الوعى الأوسع لاستعادة الواحدية”)، والغريب أنه ربط بين هاتين الكلمتين المجهولتين، وبين الإحياء الذى يشير إليه تعبير “الدم بيجرى فى عروقى” ثم بين هذا وذاك وبين كلمة “إعداد” التى أصبحت إحساسا “حسيت بإعداد بجد”، فامتد معنى الإعداد ليتضمن هذا النوع من التواصل بشكل ما، الذى هو فى نفس الوقت نوع من “الإدراك”، وصفه بثلاثة طرق مختلفة ، فيستوضحه الطبيب:

د.يحيي: بتقول الدم إيه ؟

رشاد: أنا حسيت بدمى حاضر

د.يحيي: الدم بيجرى من الكلمتين اللى أنت فاكرهم وبالذات، طب إيه همّا؟

رشاد: أه

د.يحيي: ولاّ من المقابله، كلها على بعضها؟

رشاد: يمكن من المقابلة كلها، الظاهر كده، بس حضرتك ليه ما قعدش معايا يوميها أكتر؟

(*) هكذا وصلنا إلى بُعدٍ آخر وهو كلية الإدراك  المتبادل (إن صحّ التعبير) التى تسبق وتلحق التواصل بالكلمات، إذن فالمقابلة كلها كانت لها هذه الأثار التى ذكرها رشاد، لكن وسيلتها الظاهرة هى الكلام الذى أوجزه رشاد فى تعبير “كلمتين”، ثم إنه لما وافق رشاد أن المقابلة هى التى كان لها هذا التأثير الذى اعتبره إيجابيا بشكل ما (الدم بيجرى فى عروقى) ، وقام بالإعلان عن سابق رغبته فى أنه كان يتمنى أن يطول وقت المقابلة ربما تأكيداً لهذا الأثر الإيجابى، أكثر منه رغبة فى التنفيث والحكى، فيعتذر الطبيب قائلا :

د.يحيي: صح، أظن يوميها كنت مستعجل، ولاّ يمكن حسيت إن كفاية كده، الجرعة كانت كبيرة حبتين، يمكن، ما هو احنا اتقابلنا تانى بعدها، وادينى باقابلك النهارده أهه، يا ابنى انت عفريت، آه والله، الله يفتح عليك، والله انا خايف بعد ما تعبتك كده أقصّر فى حقك

رشاد: يعنى بعد كل ده يا دكتور!!؟؟

د.يحيي: آه، يعنى خايف ما نبذلشى جهد كفاية، يا ابنى انا مسئول زى ما انت مسئول، انت عارف الدكاترة الخواجات ممكن يعملوا إيه؟ هما دكاترة طيبين، بس يقولولك “هو حر يعمل اللى هو عاوزه”، ويخلعوا ، حقوق الإنسان بقى!!! بقى دا كلام؟ الحرية مشاركة ومسئولية، الله !!! فيه ناس عندهم فاكرين إن مافيش حد حر غير اللى بيبيع الحرية المغشوشة بتاعتهم، مع إنه هو ما بيستعملهاش بالعدل، حريته بتسمح له إنه يقتل الناس بالجملة، ولاد ستين فى سبعين يسقفوا للقتلة ويقولوا لك تعالى خد لك شوية “صبر” من “سوبر ماركت” الحرية

رشاد: هما فاكرين أنهم بيحلوا القضية كده

د.يحيي: قضيه إيه ونيلة إيه، دى حتى كلمة “قضية” دى أنا ما عنتش باحبها،  …..

(*) نلاحظ هنا كيف سمح الطبيب لنفسه أن يتكلم عن مأزقه المهنى (والشخصى غالبا) مع الإشارة إلى الفروق الثقافية التى تؤرقه، ثم استطرد – ربما بغير وجه حق = إلى نوع من التنفيث عن نفسه لرشاد (فى حضور الدارسين) ويحتمل أنه أراد أن يوصل رسالة ضمنية حول هذه القضية للدارسين، وربما هو قد وثق فى مريضه بنفس الدرجة التى وثق فيها مريضه، فراح يتحدث عن آرائه بعيدا عن المحور الأساسى للمقابلة وهو العلاج أساسا، مرورا بالفهم التركيبى، وقد تجاوب رشاد مع الطبيب بجدية حين علّق “هما فاكرين إنهم بيحلو القضية”، ثم يبدوا أن الطبيب انتبه إلى هذا الاستطراد فعاد بسرعة إلى استكمال المقابلة فيما يهم رشاد ويهمه قائلا :

د. يحيى: (يكمل): نرجع تانى بقى ندوّر على الكلمتين اللى جرّوا الدم فى عروقك، وعلى “الإعداد” اللى انت بتقول عليه، إحنا كده بنجيب شوية علم، ونقلبهم عمل، مش انت اللى قلت إن  العمل والعلم بيخشوا وبيملوا “الأوَض” بتاعة العقل، وكلام من ده، أهو أنا أهه عمال أزوّد فى جرعة العلم اللى عندى عشان يمكن يساعدنا نوصل لقرار.

(*) اعتراف الطبيب أنه يتعلم من “رشاد” ومن خبرته التى يمر بها، يؤكد من جديد لرشاد مشاركته فى “البحث” إن صح التعبير، وفى هذه الفقرة ارتباط ما بجزئية من فرض  تمثّل المعلومات بالمعنى الأشمل، الذى يُضَمِّن ما نعمله مع ما نتعلمه، باعتبار مانعمله هو أيضا  “معلومات” قابلة للهضم والتمثل كذلك، مما قد تتاح له فرصة لتفصيل لاحق، بعد الاستعانة بمن هم أكثر علما منى فى كل من العلوم الحاسوبية ، وعملية “معالجة المعلومات”.

رشاد: (………..)

أنا عندى شوية أسئلة، ممكن؟

د. يحيى: إسأل زى ما انت عايز

 رشاد: بس هى حاجه ممكن أطلعها الأول، عشان أنا كتبتها، بس هى يعنى أنا قلتها تقريباً قبل كده

د.يحيي: ماعلش ده حقك ، خد راحتك

(………..)

رشاد: هى أول حاجه عن تصطيب البرنامج ( (Set up

د.يحيي: أنهى برنامج

رشاد: أى برنامج، عادة بيحصل بتتغير حاجات كتير أوى عندى

د.يحيي: إستنى بس، هوّا أنت بتتكلم عن الكمبيوتر اللى أنت أخدت دورات فيه؟

رشاد: الكمبيوتر اللى هو الكمبيوتر العادى

د.يحيي: ماله؟ ماله الكمبيوتر العادى

رشاد: لما باجى “أصطب” برنامج معين باحس بحاجات غريبه عندى

د.يحيي: طب ده علاقته إيه بحالتك؟ (…………….)

رشاد: مش عارف ما هو برضه الكلام نفس الحكاية،  أنا لما باجى أتكلم مع حد بيحصل برضه باحس إن اللى بيكلمنى ده بيتعبنى، بيقصد حاجه معينه أوى

د.يحيي: اللى هى شد العقل ديه زى شد شعر الست عند الكوافير اللى قلتها للدكتورة “م”؟

رشاد: مظبوط

(*) وصلنا إلى ما يذكرنا بالتحذير والحذر من أن تكون قدرة رشاد على الوصف بهذه الطريقة مرتبطة بشكل أو بآخر بتدريباته على الكمبيوتر، وليست فقط نتيجة لنشاط العين الداخلية، وهو هنا يعترف بأنه يستعمل لغة التدريب فى محاولة فهم ما ترصده العين الداخلية لدرجة أنه حين يتكلم، فيكلمه أحد ، يشعر بتعب (ألم/شد) كما سبق وصفه، وهذا أيضا مرتبط بفرض أن نشاط العين الداخلية لا يرصد فقط الخلل والتداخل والتصادم ومحاولات التصحيح، وإنما يرصد أيضا ما يترتب عن ذلك من أحاسيس، (شدَ، ألم، وجع)، ومن صعوبات فى نفس الوقت. ثم يواصل الطبيب:

د.يحيي: طيب السؤال التانى؟

رشاد: أنا لما ظنيت إن فيه حد يقصد حاجه معينه قعدت أسأل هوه  ماحدش ليه بيعترف لى إذا كان فيه حاجه، لو فيه حاجة ..يقول لى

د.يحيي: طيب وانا حاجاوبك على السؤال ده ازاى؟

رشاد: يعنى أنا فيّا حاجه؟  فيّا يعنى؟

 (…………….)

د.يحيي: باقول لك أنا أيش عرفنى، احنا بنبتدى من “هنا ودلوقتى”،  مش احنا بنعمل إعداد اللى انت قلت عليه دلوقتى

رشاد: مظبوط

د.يحيي: طيب ما انا باحترم  يا أخى اللى انت قلته وباستعمل لغتك أهه حتى من غير ما أفهم قصدك قوى

رشاد: يعنى احنا دلوقتى بنعمل “إعداد”؟

د.يحيي: ما أنت اللى قلت

رشاد: لأه، إذا كان صح قول لى صح

(*) ما زال رشاد يلح ، مثلما كان الحال فى بداية اللقاء، وهو يسأل عن حقيقة مشاعره وخبرته وأفكاره، وما إذا كانت إحساساته هذه – بما يترتب عليها – هى واقع فعلا، أم أنها وهم كما يقول له من حوله، وهو هنا يتمادى فى تساؤله فى نفس الاتجاه ليس مكتفيا بمجرد الإقرار بحقه فى معايشة ما يشعر به ويعلن عنه، ولكن ربما يمتد تساؤله عن ما إذا كانت لغته الخاصة (مثلا فى استعماله للفظ “إعداد” بهذا الوضوح والإلحاح) وخبرته فى كل ما وصفه، وأيضا ما يترتب عن هذا وذاك، أو يصاحبه من آلام الشد مثلا، وهل يمكن أن يكون كل ذلك صحيحا أم لا، ويبدو أن ثقته فى الطبيب تضطرد بحيث يتقدم خطوة خطوة نحو قبوله كمرجعية تطمئنه بشكل ما “إذا كان صح قول لى صح”، وهنا على الطبيب أن يحذر أن يفرح بهذه الخطوة أو أن يتمادى فى قبول هذا الدور، حتى لا تزيد الاعتمادية، أو يضطر للموافقة الاستسهالية بديلا عن الاجتهاد المشترك، وها هو الطبيب ينتبه إلى ذلك :

د.يحيي: لأه، أنا ماليش دعوة، أنا مااعرفشى، إنت بتستعمل كلمات جديدة علىّ، أو على الأقل بتسعملها بطريقة جديدة، ما يمكن تبقى لها عندى معنى تانى، إنت سميت اللى بيحصل بينا  “إعداد”، وانا موافق، مع إنى مش فاهم قوى، لكن واحنا بنشتغل يمكن أكتشف إن له اسم تانى، أو يعنى افهمه بمعنى تانى

رشاد: أيوه بس أنا ناقص عندى التأكيد بس

د.يحيي: أأكد إزاى أكتر من اللى أنا قلته لك بكل صراحة

رشاد: لأه تأكيد يعنى أنا أقول لحضرتك ده “إعداد” ما تسيبنيش بقى كده تايه قل لى

د.يحيي: أقول لك إيه؟ ما هو أنا يا أبنى لو قلت لك آه من غير ما افهم كفاية،  أبقى كذاب

رشاد: إزاى يا دكتور؟

د.يحيي: كلمة “إعداد” عندك بتعنى حاجات بتوصلنى بالتقريب للى انت بتشاور عليه، وبامشى معاك واحدة واحدة،  بس يمكن أنا أسميها إسم تانى لما الأمور توضح، إنت عايزنى أوافقك وخلاص؟

رشاد: بس أهم حاجه يبقى المفهوم واحد

د.يحيي: ما هو مادام إحنا أثنين ما يبقاش المفهوم واحد كده على طول،  المهم نعمل حاجه سوا عشان نوصل لمفهوم واحد ، أو يمكن نوصل لمفهوم قريب من بعضه، مش هوه هوه، على قد ما نقدر، هى دى الحياة، غير كده يبقى اختزال واستعجال واحتمال ضرر، أنا باحاول أستحمل وانت برضه تستحمل إنك انت تقول كلمة، وأنا أقول كلمه تانيه وهما يمكن ليهم نفس المعنى ويمكن لأه، ونجتهد مع بعض، إمال نختلف إزاى يا رشاد، ونستحمل بعض إزاى، ما هى كده الأمانه الحقيقية، الطبيب ساعات بيبقى مهمته الترجمة للى بيقوله العيان حسب مصطلحات المرض، بس اللى احنا بنعمله ده حاجة تانية، زى ما يكون بنتعرف على حاجة مشتركة، مش واضحة قوى، لنا احنا الاثنين، يعنى أنا مش أترجم لك أول بأول، لأه، بنتعرف عليها واحنا بنطبقها يعنى، واحنا بنستعملها، حتى ولو كل واحد إداها اسم مختلف ما يجراش حاجة، ولو حتى نغيرها بعدين، برضه مايجراش حاجة.

رشاد: هو انا أطبقها ازاى عندى

د.يحيي: أولا انت اللى اقترحتها، كلمة “إعداد” وبرضه حكاية “الدم بيجرى” وانا وافقت، وبنطبقها يا أخى بالعمل، يعنى نتفق إن فيه منطقه مشتركه هىّ اللى احنا بنشتغل فيها دلوقتى، والباقى نسيبه ونشتغل برضه، وكل مانفهم أكتر نرجع نشتغل اكتر ونقرب أكتر، فالأمور تقرب من بعضها أكثر وأكثر، كده تستمر الحكاية.

 (*) تركت هذا النص الطويل نسبيا دون أن أقطعه بتعليق، لأننى أعتقد أنه يحمل تنظيرا كافيا لما أريد بيانه، لكن السؤال يقفز ليقول هل كل هذا التنظير يفيد رشاد علاجيا؟ أم أنه تمادٍ من قبل الطبيب (الباحث) فى شرح فروضه بغض النظر عن حاجة المريض لذلك؟ الإجابة من خبرتى أنه مفيد علاجيا أيضا، ثم إننى كثيرا ما أجد أنه أسهل علىّ أن أشرح فروضى ونظرياتى للمرضى من أن أشرحها للزملاء، خاصة الأكبر.

رشاد: (…………) يعنى اللى بيقولوه ده هوه الحقيقة ولا لأ، هوّه حصل ولاّ ما حصلشى؟

د.يحيي: (…….) إذا أنا جاوبتك وقلت لك إنه لأ ما حصلشى، وهما ما اتكلموش، وانت بيتهيأ لك، يبقى زيى زى غيرى، ما فيه ألف واحد قال لك كده، ما ينفعشى، واحنا اتكلمنا فى الحكاية دى من الأول خالص، خلينا  “هنا ودلوقتى”.

 (…………….)

رشاد: وإيه العمل يعنى؟  الماضى بلاش منه، ما هو فى البيت برضه كان..

د.يحيي: لأه ، ما هو الماضى موجود جوانا، …..خلينا دلوقتى فى الباب اللى اتكسر، واهو لسه مكسور لحد دلوقتى، وَلاّ انت مش ملاحظ، وعندك المِجرى اللى بتتملى وتحوّد، والاّخْرام ، …….، إحنا فى دلوقتى واحنا بنعمل “الإعداد” مانقعدش بقى نكرر فى الكلام اللى فات، اللى فات مش حايتصلح إلا لو كان “الإعداد” دلوقتى صح ونفع، أنا باستعمل كلمتك على فكرة، وسايبها ترن زى ما ترن عندك وعندى، أنا ما ليش دعوة.

رشاد: بس أنا خايف حد ييجى يضيّع “الإعداد” اللى أحنا بنعمله

د.يحيي: ما ييجى، ما احنا سوا، احنا قدها وقدود

رشاد: مش حايجى هنا طبعاً، حايستفرد بيا فى أى حته

د.يحيي: ما أحنا مع بعض حتى لو أنت فى السعوديه إحنا مع بعض إنت فاهم أيه! ما هو ربنا معانا هنا وهناك، وهو هو اللى بيلمنا على بعض مهما بعدت المسافة

(…………….)

رشاد: هو فيه سؤال تانى بس هو اللى حضرتك جاوبت عليه

د.يحيي: اللى هو أيه

رشاد: باقول فيه هو ده عمل يعنى انا باقوم بيه أسعد بيه ناس أخرين أو أعالج بعض الناس يا ترى النهايه فين

(*) يتكلم رشاد قبل ذلك عن مساعدة الناس، وقد رجحت أن هذا يتعلق بالاستئذان المبدئى لتسجيل هذه المقابلات لأنها لصالح العلم والتعليم، ومن ثم لصالح المرضى الذين هم مثله، وهذا التوضيح نقدمه لكل مريض، ونحن نأخذ إذنه، قبل بداية التسجيل من أول لحظة.

د.يحيي: ما أنا رديت عليه فى الأول زى ما انت شاورت حالا، مش أنت لوحدك اللى حاتقوم بيه، إحنا سوا سوا، دى وظيفتنا، ثم إنك انت لو خفيت صح، طبعا ده حاينفع الناس، بمعنى إنك انت لما تخف يبقى لك شكل وحضور حلو يوصل للناس، يقوم الخير يزيد والمجرى ما يمتليش قوى كده بالشكل الملخبط ده، والباب ما يتكسرشى وحاجات من دى

رشاد: إزاى ده يوصل للناس

د.يحيي: حايوصل عادى للشخص الطيب الجدع،  الشخص الجدع بيلقطه لوحده،  وأنت جدعنتك اللى حاكلمك  فيها واحنا بناخذ القرار، حاتبان، بس  يعنى بعد كل الهيصه اللى عملتها فى حياتك دى ، لسه جدعنتك عايزة شغل، الظاهر هى كانت جدعنة من بره بره، كانت جدعنة بتتنطط، وبرضه كانت عمرها قصير بعد كل نطة، والثلاث عيوب دول بيخلوا الجدعنه مش جدعنه، أول حاجة فى “الإعداد” اللى احنا بنعمله دلوقتى إن نـَفـَسْـنا يبقى طويل كفاية، والمسألة عايزة صحبة بحق وحقيق،  عشان تستمر.

 (*) يلاحظ هنا مواصلة استعمال كلمة “إعداد” دون الوصول إلى ما يقصد رشاد بها، ودون اعتراف الطبيب بأنه فهمها، وهذا وارد ومفيد، وأعتقد أن هذا له علاقة بنشأة اللغة عموما، وأيضا ، بمناسبة أننا ما زلنا فى ملف “الإدراك” أعتقد أن له علاقة بالإدراك غير التفكير بالرموز المصقولة المتفق عليها. أما ما جاء قبل ذلك فى هذا المقتطف فهو يتعلق بفرض قديم شائع، وهو أن النجاح الكمى الظاهرى يتم عادة على حساب النمو النابض الصحيح،

ثم إنه ثَمَّ فرض آخر خطر لى الآن برغم أنه بعيد نسبيا حتى عن الطب النفسى، لكنه يمثل حقيقة مهمة فى حياتى، وايضا فى جانب من ممارستى مهنتى، وهو أن أى إنجاز بيولوجى حقيقى يتم ولو عند شخص واحد، ويكون فى اتجاه الفطرة السليمة بالمعنى العلمى أساسا، هو قادر على أن يسهم فى حفظ النوع بشكل غير مباشر، (وقد تأتى مناسبة لتفصيل ذلك فى وقت لاحق) ، هذا الفرض مهما كان ضعيفا يساعدنى على بذل الجهد مع كل حالة، وكأننى أصحح التشويهات التى حدثت لكل البشر، وأنا أعالج مريضا واحدا، وأفهم منه معنى الآية ” …. ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعا” !!!!

ونلتقى الأسبوع القادم إن شاء المولى

(ملحوظة: أتصور، مهما طال العرض، أن توقفى قبل الصفحة العاشرة هو مناسب أملا فى استيعاب الجرعات المكثفة من الفروض والتفسير، مع أن هذا خليق أن يطيل المشوار قبل ان نعود إلى موضوعنا الأصلى عن الإدراك، الذى هو فرع من الافتراضات الأساسية، التى هى سابقة لعرض الأعراض، التى هى جزء من الكتاب الذى وعدت بإنجازه بعنوان “الأساس فى الطب النفسى”، هل أحد يذكر؟”، عذرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *