الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (76) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (76) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

17 – 5 – 2012

السنة الخامسة

 العدد: 1721

 M_AFOUZ

ص 76 من الكراسة الأولى

17-5-2012

بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

يا ما انت واحشنى ‏

الله‏ ‏يديم‏ ‏دولة‏ حسنك

بستان‏ ‏جمالك

أمانة يا رايح يمه

فيك‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏أرى ‏حسن

ليه‏ ‏يا‏ ‏بنفسج

نجيب‏ ‏محفوظ

‏ 16/4/1995

القراءة:

لست أدرى لماذا ولا كيف كان مزاج  شيخى رائقا حاضرا هذا اليوم فى هذه الصفحة بالذات،  كأنه رأى قلقى من التكرار، وحرجى من الإحالة إلى قراءة صفحات سابقة، فقرر أن يطيب خاطرى، ويجعل صفحة اليوم كلها جديدة ، بل وأن يعود بنا إلى الاستهلال الجميل الذى عودنا عليه فى الصفحات الأولى من التدريب، وهو يبدأ بالبسملة ثم اسمه فاسم كريمتيه، أهلا بهما،

ها هو  يدعو صالح عبد الحى ليكون ضيف شرف صفحة اليوم، وإذا بنا أمام محتوى كله جديد، غير ما سبق من عدة صفحات سابقة فى الأسابيع القريبة الماضية، وبالتالى يعفينى شيخى من حرج الإحالة أو التكرار بطيبته الغامرة؟

 بعد الاستهلال بالبسملة واسمه واسم كريمتيه كما اعتاد غالبا:

(1)

نبدأ بما بدأ به الأستاذ: “يا ما انت واحشنى”

بصراحة يا شيخى الجميل ، وبرغم من أننى أحضر إليك فى صفحاتك هذه كل خميس، وكأنى ألقاك، بل إنى ألقاك، إلا أنك أوحشتنى يا شيخى ” يا ما انت واحشنى فعلا” ، ربنا يخليك.

هى أغنية من كلمات محمد درويش، ألحان محمد عثمان ، وتبدأ بـ

 “ياما انت واحشنى وروحى فيك،

يا مآنس قلبى لمين اشكيك”،

 لكن المقطع الذى ظل معى، لا أعرف من أين، ولا لماذا ظل يرن فى وعيى أطول، هو:

 “يا مالك قلبى بالمعروف،

 حبك كوانى تعالى شوف”،

 وأعتقد أن ما جعله يلصق بذاكرتى ووجدانى مع طول بعده عنى هو التكرار الجميل الذى كان صالح عبد الحى ينغم به هذا المقطع، وهو يبدأ مرة “بالمعرف”، ومرات بـ “يا مالك”، وأنا لم أتوقف قبل ذلك عند هذا المعنى، كيف أن محبوبا يملك قلب حبيبه “بالمعروف”. وهل هناك بديل؟ مثلا أن يملكه بالعافية، أو بالقهر، كذلك توقفت عند هذا الصبر الآمِل:

 “يا ما بكره نسمع وبعده نشوف”

حتى يبلغ الحبيب أمله بالصبر،

 “انا بالصبر أبلغ أملى “،

 لابد أن كل ذلك قد حضر حتى راح يطفو على سطح وعى شيخنا وهو يتدرب، فيذكرنا بتشكيلة جميلة لعواطف رقيقة تتسحب وتنتظر وتصبر وتنول “بالمعروف”،

 فإن لم تصدقنى عزيزى القارئ، فـ “تعالى شوف”،

 (أو اذهب إلى اليوتيوب واسمع الإغنية)

(2)

الأغنية الثانية هى أيضا  – كما ذكرنا- لصالح عبد الحى

  الله‏ ‏يديم‏ ‏دولة‏ حستك

 (الله يصون دولة حسنك)

هذا الموشح هو أصلا موشح لـ عبده الحامولى باسم “الله يصون دولة حسنك على الدوام” وهو من كلمات مفتى الديار المصرية وقتها الشيخ عبد الرحمن قراعة، ثم غناه بعد عبده الحامولى : صالح عبد الحى. توقفت طبعا عند هذا الشاعر المفتى الرقيق، وهو لا يتردد فى أن يكتب هذه الكلمات بكل هذه الحرارة والجمال، وفى نفس الوقت بكل هذه القوة الحنون  حيث يصور جفنه : “ماضى الحسام من غير قتال”، وتصورت أن ما وصلنا إليه مؤخرا من تصوير رجل الدين بالجدية والجهامة ، وأحيانا بالتبلد ولا مؤاخذة، هو دخيل على الحس الإيمانى، والتناسق الهارمونى مع الطبيعة الطروب، والجمال الحى. تصورت أنه لو علم وُعاظ عذاب القبر للأطفال حقيقة تاريخ هؤلاء الفقهاء الأئمة وهم ينظمون الأغانى، إذن لعرف أولادنا وبناتنا ربنا باسلوب أطيب وأقرب.

 يقول مفتى الديار (!!!) ، ما  غناه صالح عبد الحى (و سمعته اليوم لأول مرة) :

الله يصون دولة حسنك

على الدوام من غير زوال

ويصون فؤادى من جفنك

ماضى الحسام من غير قتال

وهكذا جعل مفتى الديار المصرية الأصيل القديم!! للحسن دولة، وحين يكون للحسن دولة فمن السهل أن تتخلق الدولة الواقعية  التى تنظم حياة الناس وترعى شؤونهم، الأمر الذى يبدو أننا عاجزون عن إتمامه بعد الانتفاضة الأخيرة الواعدة بثورة (25 يناير) فدولة، والتى لم يمكن تحقيقها حتى الآن، هل يا ترى يمكن أن نـُرجع هذا العجز الذى نحن فيه الآن إلى أن القبح كان قد تغلغل داخل نفوسنا، فتوقفنا عند مرحلة التفكيك والتفسخ؟

 المأمول هو أن نربط الحسن بالجمال بالثورة بالحب فنكون بشرا، إن الثورة ليست عنفا وصراخا وتحطيما وقلب نظام، إنها قد تشمل كل هذا لكنها فى النهاية لا تكون ثورة إلا إذا أقامت “بستان جمال الحضارة”.

(3)

الأغنية الثالثة فى هذه الصفحة غناها أيضا صالح عبد الحى، وهى موشح  “بستان‏ ‏جمالك”

وأنا لا أعرف من الملحن ولا من المؤلف، لكننى توقفت عند مطلع الأغنية وكيف أن الجمال هو نفسه بستان، ينافس بستان الطبيعة ويبزها، وغالبا يزيدها جمالا، وحين وصلت إلى هذا التشكيل البديع وقوام الحبيب يميس على غصنه، ثم يعلم البلبل ألحان، ليس فقط يتعلم منه، قلت : الله ينوّر يا شيخنا الجليل الذى عرفتنى بكل هذا حتى بعد رحيلك المزعوم، مع جزيل الشكر لعمنا الشيخ  صالح

بستان جمالك من حسنه .. أبهى وأجمل من بستان

وان ماس قوامك على غصنه .. يعلم البلبل ألحان

(4)

ثم ننتقل إلى الأغنية الرابعة:

 “أمانة يا رايح يمُّه”،

 ما الحكاية؟ ما كل هذه الموشحات وكيف تدفقت اليوم إلى شيخى هكذا؟ هذا الموشح أيضا  كان جديدا علىّ، ويبدو أن شيخى يحب هذا الموشح بشكل خاص، فقد ذكره فى أحد أحلام “فترة النقاهة”، وقد وصلنى بشكل أقل عمقا مما يصلنى الآن، فلم يكن عندى فكرة عن جذور علاقته بصالح عبد الحى وفنه، وحكاياته،

خطر لى الآن أنه من الأفضل أن هذا الحلم كله هنا الآن:

الحلم 176:

“رأيتنى ضابطاً مكلفاً بالقبض على الفنان “ى” والحق أنى كنت معجباً به محباً له رغم احتقارى لإدمانه المخدرات ودعى الفنان لإحياء حفلة غنائية فذهبت إليها ولكننى أجلت القبض عليه حتى يتم غناءه وراح هو يجود ويكرر:

أمانة يا رايح يمه، تبوس لى الحلو فى فمه، وقل له عبدك المغرم ذليل”.

إلا أننى حين رجعت الآن إلى عمنا جوجل وجدت أمرا مشتركا بين شيخى وبين صالح عبد الحى فى هذه الأغنية بالذات حيث سجلت صفحته (صفحة الشيخ صالح) أنه فى إحدى حفلاته قام بتغيير الكلمات ليتحول الموشح من العاطفى إلى السياسى

من:  أمانة يا رايح يمه * تبوس لى الحلو من فمه إلى:  أمانه يا رايح يمه  تبوس لى سعد زغلول باشا من فمه.

(5)

 الموشح التالى (ماذا جرى يا شيخنا هذا اليوم؟) يبدا هكذا:

 “فيك كل ما أرى حسن،

 مذ رأيت شكلك الحسن”،

 وقد أداه: سيد شطا وهو سيد محمد عبد الجواد شطا مطرب وملحن مصرى ولد بالقاهرة عام 1897 وكانت اولى انطلاقته لغنائية نحو الشهره عام 1916  حيث اقام حفلة فى كازينو البسفور بالقاهره وفى سنة 1920، بدأ بتلحين الأدواروالاغانى وشارك مع منيرة المهدية فى مسرحية كليوباترا والعشرة الطيبة . الغريب فى هذا الموشح هو اللغة الفصحى الجميلة ويكفى هذا المقطع ليعلن عينة من هذا الجمال الفائق

انّ صَبّكَ النّحيلَ أنّ جُنَّ كلما الظلامُ جَنّ

في الشَّجى ينوحُ والشُجَنْ

نبع فياضٌ لا ينضب

(6)

ثم اختتم نجيب محفوظ تدريبه اليوم بأغنية لصالح عبد الحى أيضا، وهى الأغنية الوحيدة التى سمعتها مرارا، وطربت لها كل مرة أكثر من سابقتها:

 “ليه يا بنفسج”،

 وهى من كلمات: بيرم التونسى،  وألحان رياض السنباطى.

أنا لم أر زهر البنفسج شخصيا، لكن الصورة التى صورها بها شعر بيرم التونسى، والشجن الذى غناها به صالح عبد الحى، أوصلت إلىّ ليس فقط شكله، وإنما رائحته وريح حضوره كائنا حيا مشاركا فى احتفالية الحب والصدق واللوم:

حين تجتمع البهجة مع الحزن، وتجتمع الحشمة والرزانة مع التناسق الملفول ، ثم تصبح كلمة العين كأنها “سر بين اتنين” ، تدب الحياة فى هذا الزهر ليسمح لنا أن نعيش الغموض بجمال يرفض الوضوح المباشر، كما يسمح أن نحتوى التناقض بتخليق مبدع،

ليه يا بنفسج بتبهج وإنت زهر حزين

والعين تتابعك وطبعك محتشم ورزين


ملفوف وزاهى يا ساهى لم تبوح للعين

بكلمة منك كأنك سر بين إتنين

بقية القصيدة تحتاج إلى دراسة مطولة، وهى بنفس العمق ونفس الجمال، ومنها:

حسنك بكونك بلونك تبهج المقهور

اللى يضيره ضميره بالظلام مغمور

****
حطوك خميلة جميلة فوق صدور الغيد

تسمع…. وتسرق يا أزرق همسة التنهيد

ليه يا بنفسج بتبهج وإنت زهر حزين

(يا ه على همسة التنهيد هذه؟!!!

 كدت أسمعها بأذنى الآن وأنا جالس بجوار شيخى (خفت أن أصبح مثل مرضاى):

إسمع وقول لى مين اللى قال معايا آه آه آه

بقولها وحدى لوحدى والأسى هـُوّاه

ليه يا بنفسج بتبهج وإنت زهر حزين

وأخيرا أنظر إلى هذه الوحدة التى تبدوا وكأنها مختارة، برغم الونس المعروض: مين اللى قال معايا آه”، وليس علىّ ولا من أجلى، وإنما هى الآه “معايا”، ومع ذلك تظل الأغنية تعمق الوحدة “بقولها وحدى لوحدى” دون أن تخفف الأسى، ولا حتى ترفضه، فقد وصلنى أنه، بينى وبينكم، هو لا يريده  أن يخف،

ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين

وهل يكون الزهر حزينا إلا إذا كان كائنا حيا قادرا أن يحيى كل هذه البهجة هكذا.

****

ملحوظة:

بعد انتهائى من قراءة نص هذه الصفحة، رحت أستمع إلى كل هذه الأغنيات والتواشيح من جديد، أساسا بصوت صالح عبد الحى، وأحيانا صباح فخرى، أو غيرهما، بفضل اليوتيوب طبعا، وتصورت أن الأستاذ حين حضر صالح عبد الحى فى وعيه بهذه الكثافة، كان مثالا للمخ البشرى الرائق حين يتناغم نصفاه الكرويان معا، فى وعى فائق، ليس ملزما بالإبداع إنتاجا، وإنما هو كذلك بالتناعم شجنا ليطفو أعلاه ما وصلنا، لقد حاولت التكنولوجيا أن تحذو حذو المخ البشرى بكل مالديها من إمكانات، وأن ترتقى بآليات وبرامج الحاسوب ليصبح له وعى مثل المخ البشرى، لكنها مازالت عاجزة عن إتمام المهمة، ولكن يكفيها فضلا أنها أتحفتنا، أكثر الله خيرها، بهذه الآلية الموسوعية الحية وأخواتها، عبر عمنا جوجول، واليوتيوب الذى لولاهما ما كتبت حرفا فى هذه القراءة التى أظهرتنى وكأنى أعرف، وأنا لا أعرف.

ثم إنى أعترف أننى لم أطرب شخصيا لكل ما سمعت، لكننى حين تقمصت شيخى تصورت أنه كان يطرب غالبا لها جدا، وإلا ما حضرتـْه هذه الأغانى والتواشيح والأدوار هكذا دفقة واحدة، الاستثناء بالنسبة لى كان أغنية “ليه يا بنفسج”، وقد تعجبت كيف استدعت ذاكرتى أغنية موازية ظل لحنها وتشكيلاتها من أجمل ما يحضرنى من صالح عبد الحى، ومن غيره ممن غناها بعده مثل عبد العزيز محمود ومحمد العزبى، ألا وهى أغنية:

“على خُّده يا ناس ميت وردة”،

 وهى أغنية لم يذكرها شيخى، ولعله قد يذكرها فيما يلى من صفحات، فنعود إليها فما زال أمامنا أكثر من ألف صفحة،

تقول هذه الأغنية:

“على خُّده يا ناس ميت وردة

واقفين حراس بِمْنَاهدة

ومنين يتباس، يا خى دِهْدَهْ

وبما أنها لم ترد فى تدريبات الأستاذ، فلن أتطرق إلى أى تعليق ، لكن الشىء بالشىء يذكر، فهى دعوة للقارئ أن يتصوّر منظر الحراس وهم يحولون دون تقبيل خد هذا الجميل

أشعر الآن بعد هذه الحفلة ذات الوصلات الست أن على القارئ واجب أن يشكر معى شيخى على هذه الوليمة الكريمة فى رحاب صالح عبد الحى، هكذا

شكرا يا شيخنا الجليل

شكرا بجد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *